عربي21:
2025-06-17@04:27:39 GMT

ماذا تقول لنا المواجهة الحالية بين إسرائيل وإيران؟

تاريخ النشر: 17th, June 2025 GMT

بدا الهجوم "الإسرائيلي" الأخير على إيران مع ما تبعه من تطورات كاشفا لبعض الحقائق بخصوص المنطقة، ولعل أولها ما يرتبط بموقف الإدارة الأمريكية.

فقد أتى الهجوم في ظل المفاوضات التي كانت تجريها طهران مع واشنطن على عدة جولات، والتي أكد فيها ترامب عدة مرات حرص بلاده على التوصل لاتفاق بخصوص البرنامج النووي الإيراني.

فجأة ودون أدنى تردد، انتقل الرئيس الأمريكي لتبرير الهجوم "الإسرائيلي" وتحميل إيران نفسها مسؤوليته من باب أنها رفضت المقترحات الأمريكية، وصولا للشماتة بما حل بها من قصف ودمار واغتيالات. وهنا، ظهر بوضوح أن ترامب وإدارته كانا على علم بالضربة "الإسرائيلية" قبل تنفيذها وأنهما شاركا في عملية تمويه وخداع لطهران، فضلا عن تأكيد وجود ضوء أمريكي أخضر -بالحد الأدنى- لقصف إيران، على عكس ما كانت التصريحات الرسمية تدعي.

ما هو أهم، من ضمن ما كشفه الهجوم وما تلاه، يرتبط بدولة الاحتلال "الإسرائيلي" وما تعرضت له رؤيتها وأولوياتها في المنطقة من متغيرات بعد عملية السابع من أكتوبر وحتى اليوم، وهو تغير شامل يكاد يصل حد 180 درجة، بعد أن تداعت إلى حد كبير النظرية الأمنية السابقة لدولة الاحتلال والتي استمرت لعقود، حيث تتبدى اليوم معالم نظرية جديدة تنسجها حكومة نتنياهو بشكل عملي على الأرض.

في غزة، تعلن المقاومة منذ يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أنها تريد وقف الحرب، وقد قبلت كل ما عرض عليها من مقترحات جادة لذلك، بل إنها عرضت صفقة شاملة تطلق من خلالها كل الأسرى "الإسرائيليين" لديها دفعة واحدة، ورغم ذلك لم توافق حكومة الاحتلال على أي مقترح يشمل وقف إطلاق النار بما في ذلك مقترحات قدمتها هي عبر واشنطن.

وأما الضفة الغربية المحتلة فلم تصل في يوم من الأيام وخصوصا خلال هذه الحرب إلى مستوى تهديد متقدم (فضلا عن وجودي) للاحتلال، ورغم ذلك عمدت حكومة نتنياهو لتفعيل مشاريع الاستيطان وهدم المنازل والحصار والتهجير.

في لبنان، ضبط حزب الله "جبهة الإسناد" بمستوى معين لا يؤدي لحرب مفتوحة أو شاملة أو بلا سقف، وأكد على عدم رغبته في توسيع نطاقها، ورغم ذلك لم تسع "إسرائيل" إلى هزيمته فقط وإنما إلى إفنائه، ضمن سلسلة عمليات لتقويض كادره البشري وأسلحته الاستراتيجية وصولا لقيادة الصف الأول فيه وعلى رأسها أمينه العام السيد حسن نصر الله.

وتمثل سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الأسد مثالا نموذجيا لما نتحدث عنه، فهي لا تشكل أي تهديد لـ"إسرائيل"، بل أكدت أكثر من مرة أنها تريد "سلاما مع الجميع" وأنها "لن تسمح بتهديد أي طرف انطلاقا من أراضيها بما في ذلك إسرائيل"، وانخرطت في مباحثات أمنية معها بوساطة أطراف ثالثة، ورغم ذلك لم توقف "إسرائيل" قصفها واغتيالاتها واختطاف المواطنين السوريين، فضلا عن توسيع الاحتلال والتخطيط لمشاريع استيطانية والإعلان عن الرغبة في تقسيم سوريا بدعم شرائح إثنية ومذهبية معينة.

ولا تشذ إيران عن هذه القاعدة، فهي لم تنخرط بشكل عملي ومباشر في الحرب دعما لغزة أو لبنان، وردّت بشكل نسبي ورمزي إلى حد بعيد على اعتداءات "إسرائيل" على أراضيها، بما في ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها، بل إنها لم تردَّ على العدوان الأخير عليها، وانخرطت في مفاوضات حول برنامجها النووي مع الإدارة الأمريكية، ولم يحمها كل ذلك من العدوان "الإسرائيلي" الموسّع مؤخرا.

ملخص كل ما سبق وغيره أن "إسرائيل" تغيرت جذريا في هذه الحرب بعد تداعي نظريتها الأمنية بالكامل، فما عادت تنتظر حصول تهديد لتتعامل معه احتواء أو مواجهة، وإنما تسعى لوأد أي إمكانية لتَشكل تهديد لها -ولو نظريا- في المستقبل، بما يشمل غزو الدول وإقامة مناطق عازلة فيها، ومواصلة القصف وتدمير المقدرات والاغتيالات.

هنا، تثبت "إسرائيل" أنه لا أمان لأحد في المنطقة من عدوانها بالمطلق، وأن إعادة رسم خرائط المنطقة ليست شعارا فارغا للتهويل أو التهديد وإنما سياسة مرسومة ومتبعة، وأنها تسير ضمن مخطط للاستفراد بأعدائها وخصومها الواحد تلو الآخر وفق أجندتها وأولوياتها وتوقيتها هي، بغض النظر أكان هؤلاء الأعداء والخصوم حقيقيين أم مفترضين أو حتى متوهمين.

يعني ذلك أن رهان أي طرف على إمكانية تجنب العدوان "الإسرائيلي" بالحفاظ على سقف محدود من الرد أو بالتدرج البطيء في المواجهة أو حتى بتجاهل كل ذلك؛ رهان خاطئ لن يحمي أحدا ولن يمنع خطط الاحتلال، بل سيسهلها ويتيح المجال لوضعها موضع التنفيذ في التوقيت الأنسب للاحتلال نفسه.

وهنا الرسالة مزدوجة؛ أولها لإيران نفسها، ألا تراهن على العودة سريعا للمفاوضات مع الإدارة الأمريكية (التي أثبتت أنها جزء من العدوان عليها) قبل أن تكسر شوكة الهجوم عليها وتعيد صياغة موازين القوى وقواعد الاشتباك، وإلا منحت الاحتلال مكاسب أكبر في هذه الجولة، بما يعيدها لطاولة المفاوضات أضعف وأقرب لتقديم تنازلات كبيرة، مع احتمال كبير لعودة الاحتلال لاستهدافها لاحقا بشكل أكبر. ويتأتى ذلك بإدامة أمد الاستنزاف وتوجيه ضربات قاسية للمواقع الاستراتيجية والجبهة الداخلية على حد سواء، فرغم كل عوامل التفوق العسكرية والتكنولوجية والدعم لدولة الاحتلال، إلا أنها تبقى أقل قدرة على احتمال حرب استنزاف طويلة مقارنة بإيران؛ بعدد سكانها واتساعها الجغرافي وأسلوب حياتها وخلفية نظامها.

والرسالة الأخرى لدول المنطقة وقواها الحية، بأنها جميعا على قائمة الاستهداف والإضعاف وربما التقسيم، الآن أو لاحقا، وبأشكال وأساليب متعددة، وأن أي موقف منها اليوم، بما في ذلك السكوت أو حتى التواطؤ، لن يحميها من المصير الذي تخططه لها دولة الاحتلال وفق قراءتها لمنظومة التهديدات المحتملة عليها مستقبلا. يجعل ذلك دولا ليست منخرطة في صراع مباشر مع "إسرائيل" اليوم مثل تركيا، وأخرى أبرمت معها اتفاقات "سلام" مثل مصر والأردن، وأخرى في وارد التطبيع معها مثل السعودية، ضمن الأهداف المحتملة مستقبلا.

تلخيصا، لم تعد قواعد وموازين ومعادلات ما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قائمة في المنطقة وتحديدا بالنسبة لـ"إسرائيل". وعليه، فكل من يصر على التعامل وفق المعادلات "المنسوخة" سيكون من المستهدَفين والخاسرين وإن ظن عكس ذلك. في منطقة تغلب عليها السيولة والتطورات الضخمة والمواجهات العسكرية الواسعة، يصبح من السذاجة غير المقبولة البقاء في مناطق السكون والركون والثقة بما غيّرته هذه الحرب المستمرة والمتصاعدة يوما بعد يوم.

وللحديث بقية.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي إيران الحرب إيران إسرائيل حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بما فی ذلک ورغم ذلک

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني استهداف إسرائيل ميناء كنغان بمحافظة بوشهر جنوب إيران؟

وصف مدير مكتب الجزيرة في طهران عبد القادر فايز ميناء كنغان في محافظة بوشهر (جنوبي إيران) بأنه مهم في مدينة مهمة، في تموضع جغرافي مهم، لافتا إلى أنه يضرب للمرة الأولى في المواجهة الحالية بين إيران وإسرائيل.

وأفادت وكالة أنباء فارس بوقوع انفجار قوي في ميناء كنغان بمحافظة بوشهر، مشيرة إلى أن إسرائيل استهدفت منشآت حقل بارس الجنوبي للغاز في المنطقة. ونقلت الوكالة عن مصادر محلية تأكيدها أن هجوما بالمسيّرات أدى لاندلاع الحريق في المنشآت الغازية في ميناء كنغان.

ومن جهته، أعلن التلفزيون الإيراني أن المضادات الجوية في محافظة بوشهر تتصدى للقذائف الإسرائيلية، وذلك بعد استهداف حقل غاز في المنطقة.

وقال فايز إن استهداف ميناء كينغان هو تطور جديد ينقل المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى مرحلة جديدة، وإذا كان الاستهداف من قبل المقاتلات الإسرائيلية، فمعنى ذلك أن البنية الاقتصادية الإيرانية تدخل إلى ساحة المواجهة.

واعتبر أن دخول الجنوب الإيراني إلى ساحة المواجهة هو تطور خطير، لأن هذه المنطقة تم تحييدها في المواجهة بين إيران وإسرائيل لقربها من المياه الخليجية.

وكانت إسرائيل هددت بأنها ستستهدف البنية الاقتصادية إن لم توقف إيران ضرباتها للداخل الإسرائيلي بالصواريخ.

إعلان

بالمقابل، هددت إيران بأن ضرب الموانئ والبنى الاقتصادية سيواجه بالمثل، وأشار فايز إلى حديث البعض في الداخل الإيراني بأن طهران تحتفظ بجزء من الصواريخ النوعية لمراحل أكثر تقدما، أي لضرب بنى تحتية وبنى اقتصادية ومنها النفط والغاز.

وبدأت إسرائيل منذ فجر الجمعة، هجوما واسعا على إيران بعشرات المقاتلات، سمته "الأسد الصاعد"، وقصفت خلاله منشآت نووية وقواعد صواريخ بمناطق مختلفة واغتالت قادة عسكريين بارزين وعلماء نوويين. وأكد الجيش الإسرائيلي أن حملته الجوية سمحت له بتحقيق "حرية الحركة في الأجواء" من غرب إيران وصولا إلى العاصمة طهران.

وردا على الهجمات الجوية الإسرائيلية الواسعة، سارعت إيران بدورها إلى إطلاق وابل من الضربات الصاروخية والطائرات المسيّرة على مناطق متفرقة من وسط وشمال إسرائيل، أسفرت عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 172 آخرين، حسب ما كشف الإسعاف الإسرائيلي صباح اليوم السبت.

مقالات مشابهة

  • المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية.. ماذا عن الأردن؟
  • وزير الخارجية: استمرار المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران سيؤدى إلى تداعيات خطيرة على أمن المنطقة
  • 80 صاروخا وشظايا سقطت بالضفة منذ بدء المواجهة بين إسرائيل وإيران
  • المواجهة بين إسرائيل وإيران تدفع بورصات الخليج للتراجع
  • نشاط دبلوماسي دولي لاحتواء المواجهة بين إسرائيل وإيران
  • ماذا حدث في القدس تزامنا مع المواجهة الإسرائيلية الإيرانية؟
  • غموض يلف موقف حزب الله بعد ضربة إيران.. ماذا تقول المعلومات عن أجوائه؟
  • ماذا يعني استهداف إسرائيل ميناء كنغان بمحافظة بوشهر جنوب إيران؟
  • إسرائيل وإيران.. مرحلة جديدة وصراع تحت السقف النووي