دور الذهب في الاقتصاد السوداني: تمويل الحرب وشبهات الفساد
تاريخ النشر: 12th, October 2024 GMT
بروفيسور حسن بشير محمد نور/ القاهرة
يلعب الذهب دورًا حاسمًا في الاقتصاد السوداني حاليا، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد. بعد فقدان السودان لجزء كبير من موارده النفطية إثر انفصال جنوب السودان في عام 2011 وما اضافته الحرب من هدر كارثي للموارد والايرادات العامة، ومعروف ان البلاد اتجهت منذ انفصال الحنوب إلى انتاج الذهب لتعويض الخسائر عن خروج عائدات البترول من الخزينة العامة، حيث أصبح الذهب المصدر الرئيسي للعملات الصعبة.
يُعتبر السودان من بين أكبر منتجي الذهب في إفريقيا، حيث يُقدَّر الإنتاج السنوي (حسب البيانات الموثوقة) بحوالي 90-100 طن من الذهب. يتم إنتاجه في مناطق متفرقة من البلاد، بما في ذلك ولايات نهر النيل والبحر الأحمر ودارفور وجنوب كردفان. يتم استخراج الذهب في السودان بطريقتين أساسيتين: التعدين التقليدي (الحرفي أو الاهلي) والتعدين الصناعي. يشكل التعدين التقليدي الجزء الأكبر من الإنتاج، حيث يعتمد عليه مئات الآلاف من العمال السودانيين كوسيلة لكسب لقمة العيش.
تعتبر دول الخليج وتركيا وروسيا من أبرز الوجهات التي يصدر إليها الذهب السوداني. ورغم أن الذهب يعتبر مصدرًا رئيسيًا للعملات الأجنبية، إلا أن العديد من المراقبين يشيرون إلى وجود نقص في الشفافية في عمليات تصديره والحصول على عائداته وتوزيعها. يُعتقد أن جزءًا كبيرًا من الإنتاج يُهرب بشكل غير قانوني عبر الحدود، مما يؤدي إلى فقدان الحكومة لجزء كبير من العائدات التي يمكن استخدامها لدعم الاقتصاد.
ما يهمنا اكثر من غيره في هذا المقام جانبان الأول: توظيف الذهب في الحرب، إذ أدى انتشار الصراع المسلح في السودان إلى تحول الذهب إلى مصدر تمويل رئيسي للأطراف المتنازعة، من خلال استغلاله والموارد الطبيعية في مناطق النزاع، وقد استطاعت بعض الجماعات المسلحة تمويل عملياتها العسكرية عبر هذه المصادر مما ساعد في استمرار النزاعات ومفاقمتها. ويُستخدم الذهب لشراء الأسلحة والعتاد وتجنيد المقاتلين، وهو ما يسهم في تأجيج الصراعات بدلاً من توجيه هذه الموارد إلى التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، وبالتالي تحول الي وقود للحرب واصبح نقمة بدلا عن النعمة.
الجانب الثاني: شبهات الفساد حول شركات الامتياز والتصدير، إذ يعتبر هذا الموضوع أحد أبرز الموضوعات التي تثير اهتمام الاقتصاديين السودانيين ويشير العديد منهم في كتاباتهم وتحليلاتهم إلى أن الفساد يمثل أحد أهم التحديات التي تواجه قطاع الذهب في السودان. وتتمثل أبرز أشكال الفساد في التعاقدات الغامضة التي تتم مع شركات الامتياز، حيث تمنح بعض الشركات الأجنبية والمحلية حقوق استخراج الذهب دون توفير معلومات واضحة حول كيفية توزيع العائدات أو الآليات المستخدمة في منح هذه الامتيازات. كما أن هناك اتهامات بأن بعض مسؤولي الدولة متورطون في عمليات التهريب والفساد، وهو ما يقلل من الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن يجنيها الاقتصاد السوداني من قطاع الذهب.
يضاف للجانبين اعلاه اللذان يبطلان لحد كبير أهمية انتاج الذهب تضاف السلبيات البيئية والاجتماعية لإنتاجه، ومن أبرز الجوانب السلبية لقطاع الذهب هو تأثيره الكبير على البيئة نتيحة لاستخدام العديد من المناجم التقليدية مواد كيميائية خطيرة مثل الزئبق والسيانيد في الاستخراج والمعالجة، مما يؤدي إلى تلوث التربة والمياه الجوفية. هذا التلوث يؤثر سلبًا على الصحة العامة للسكان، ويزيد من حالات الإصابة بالأمراض في المناطق المجاورة للمناجم خاصة السرطان كما تشير كثير من الدراسات. كما أن هذه الأنشطة تؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية، مما يقلل من قدرة المزارعين على زراعة المحاصيل ويؤثر سلبًا علي نوعية الانتاح وعلى الأمن الغذائي.
إلى جانب التلوث البيئي، يؤدي التعدين العشوائي إلى تدمير الغطاء النباتي والتربة، مما يهدد الموارد الطبيعية والمياه الجوفية التي يعتمد عليها المزارعون في مناطق إنتاج الذهب. هذه التأثيرات مجتمعة تؤدي إلى تفاقم التحديات البيئية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد، وتعمق أزمة الاعتماد على الذهب كمورد اقتصادي رئيسي، مع إهمال القطاعات الأخرى مثل الزراعة بشقيها النباتي والحيواني وما يرتبط بهما من قيم مضافة.
من جانب آخر يؤدي الاعتماد المتزايد على الذهب إلى تعميق الطابع الريعي للاقتصاد السوداني. الذي يعتمد بشكل رئيسي على استخراج وتصدير الموارد الطبيعية دون تطوير قطاعات إنتاجية أخرى مثل الصناعة والزراعة. وهذا النوع من الاقتصاد معرض للصدمات الخارجية نتيجة لتقلبات الأسعار في الأسواق العالمية، مما يجعله غير مستدام المردود على المدى البعيد. كما أن التركيز على الذهب يُهمل الاستثمارات في القطاعات الأخرى التي يمكن أن تساهم في خلق فرص عمل مستدامة وتحسين مستويات المعيشة للسكان.
بالرغم من أن الذهب يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للسودان في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والامنية المتلاحقة، إلا أن إدارته بطريقة غير شفافة وفاسدة بالإضافة إلى التأثيرات البيئية والاجتماعية السلبية تجعل منه سلاحًا ذو حدين. إذا لم يتم التعامل معه بطرق مستدامة ومدروسة، فإنه قد يُسهم في تفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من أن يكون حلاً لها. ومن الضروري أن تسعى اي حكومة مدنية مقبلة (إذا كتب ذلك للسودان) لتطوير سياسات اقتصادية شاملة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل والحد من الاعتماد على الموارد الطبيعية فقط، مع التركيز على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد في هذا القطاع الحيوي, الذي فشلت الحكومة الانتقالية بعد ثورة ديسمبر في تنظيمه والسيطرة عليه واخراجه من تحت احتواء المكون العسكري ومنظومة الفساد، وهي نفس الجهات التي قوضت الحكم المدني وتخوض الان غمار الحرب موظفة الذهب في الصراع المميت الراهن.
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الموارد الطبیعیة على الذهب الذهب فی
إقرأ أيضاً:
السودان والحرب
اليوم الأربعاء تدخل الحرب الإسرائيلية علي إيران يومها السادس و التي نشبت في الثالث عشر من هذا الشهر دون إنتصار واضح لأحد طرفيها .
رغم تهديدات الرئيس الأمريكي المتكررة لإيران فقد صمدت حتي الآن و بقوة .
الموقف الأمريكي فيه تردد واضح يؤكده أن الرئيس ترامب تخلى عن خطاب كان معلنا أن يلقيه بعد اجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي الذي إنتهى مساء الثلاثاء دون إعلان لنتائجه.
تهديد ترامب و مطالبته إيران الإستسلام ردت عليه بهجمات علي تل أبيب و حيفا و زادت صافرات الإنذار و أعداد الهاربين إلي الملاجئ المحصنة حتي فجر اليوم.
أمريكا عاجزة عن التدخل في الحروب خارجها و هي مكبلة بقرارات نيابية تحدد حجم تدخلها الخارجي الذي فشلت فيه في أفغانستان و في الصومال .
أيا ما تكن عليه الحرب فإن نتائجها ليست مؤذية للسودان و قد تكون إيجابية بتأثيرها السالب علي دول داعمة للمتمردين .
السودان صمد في وجه الدعم الدولي و الإقليمي للتمرد و واجه بقوة تدخل تشاد و ليبيا و كينيا و يوغندا و الدعم بالعتاد و السلاح و المال المتواصل من الدولة إياها .
جشع ترامب و بلاده للمال سيكون حاضراً في تحميل الخليج تكلفة الحرب على إسرائيل و على تكلفة الحماية المدعاة له من أمريكا،
أمام السودان فرصة لتقوية موقفه ضد التمرد علي أصعدة مختلفة .
علينا أن نكمل خطوات تشكيل الحكومة و استغلال الموقف العالمي المرحب بتعيين رئيس الوزراء .
أعلن قرار تعيين السيد كامل إدريس قبل قرابه الشهر و لم يتم تعيين الوزراء حتي اليوم .
تشكيل الحكومة يعني إكتمال هيئة الحكم و هذا مؤشر مهم
و يسهم في الاستقرار الداخلي و البدء في معالجة آثار الحرب خاصة علي الخدمات و علي توفر السلع التي قد تتأخر بتأثير الحرب علي النقل في البحر الأحمر و الذي هو منفذنا للعالم .
كما أن تشكيل الحكومة رسالة إيجابية للخارج و عمل يحد من تحركات المعارضة السودانية الخارجية .
عسكرياً فإن السرعة بحسم الأوضاع في كردفان و تسريع عمل متحرك الصياد و فك الحصار عن الفاشر و توسيع دائرة تأمينها و طرد المتمردين من المثلث سيؤدي إلي استقرار في منطقة واسعة و يحصر التمرد في مناطق من دارفور .
الحرب و انشغال العالم بها
فرصة لتغيير كفة الحراك المدني و الخارجي و العسكري لصالحنا .
مؤشرات الحرب كلها تمضي في أنها ستستمر لفترة و لن تعني نهايتها أيا تكن أنها هزيمة لإيران و التمرد لا يخفي علاقته و تعويله على إسرائيل المنكسرة حاليا و الساعية لنجدة تأتيها من تدخل أمريكي سريع يوقف هزيمتها و فشلها في تحقيق أهدافها من ضرب إيران .
مكاسبنا تتحقق بسرعتنا في إنجاز مهامنا في ظل أوضاع متحركة نتائجها متسعة و غير واضحة . لكن المؤكد أن العالم لن يكون بعدها كما كان قبلها .
راشد عبد الرحيم
إنضم لقناة النيلين على واتساب