قضيتان سياسيتان خارج السياق التاريخي
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
قضيتان سياسيتان خارج السياق التاريخي
زين العابدين صالح عبد الرحمن
عندما تكون أي بلد في أزمة أو حرب كما هو في السودان تنشط العقول لتقدم أفكارا بهدف وضع حل للأزمة أو كيفية إنهاء الحرب بما يضمن وحدة البلاد واستقلالها وامتلاك قرارها، وفي جانب آخر تحاول بعض النخب البحث عن أفكار لكي تخلق بها واقعا جديدا بعد الخروج من الأزمة السياسية أو وقف الحرب.
من المسائل الغريبة جدا أن حزب تاريخي مثل الاتحادي الديمقراطي، وقع على قيادته المؤسسة له عبء أن تخوض النضال الوطني من أجل الاستقلال، والذي تحقق على يديها، أن تجهل قيادته أن تضع المصطلحات في موضعها الصحيح.. هل قبل تعيين هؤلاء الثلاثة مع احترامنا لهم، أن الحزب لم يكن يضطلع بمسؤوليته التاريخية الوطنية، هل كان غائبا والآن فجأة استيقظ من غفوته، وعين هؤلاء الثلاثة لكي يضطلع بهذه المسؤولية التاريخية.. الأفضل كان أن تستقيل كل القيادة التي كانت قبل تعيين هؤلاء حتى الذي عينهم لأنهم من خلال هذا البيان الصادر، قد عجزوا أن يضطلعوا بمسؤوليتهم الوطنية والتاريخية.. وهذا اعتراف من الناطق الرسمي بأسم الحزب، ولا اعتقد أن الناطق يصيغ بيانا ولا يعرضه على الذي أوكل إليه مهمة صياغة البيان.. إن كبر سن السيد محمد عثمان الميرغني وحالته الصحية لا تمكنه أن يتابع أعمال الحزب ويعين نواب له.. يبقى السؤال: من هي الجهة التي تستخدم اسم الميرغني وتعين وتصدر بيانات باسمه؟
إن زمن السكوت والهروب من المواجهة بهدف تحقيق مصالح شخصية لنخب سياسية ليس لها أي أجندة غير أجندتها الشخصية قد انتهى، وأن محاولة استخدام الحزب للمصالح الخاصة تحت شعارات الوطنية والمسؤوليات التاريخية أيضا قد ولى وانتهى تماما.. إن مقدرات السيد محمد عثمان الميرغني الآن بحكم كبر السن لا تؤهله أن يلعب أي دور سياسي ولا يستطيع أن يصدر أي قرار.. وهذه ليست إساءة للرجل لكنها سنة الحياة.. يقول القرآن الكريم (والله خلقكم ثم يتوفاكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير) وهناك الذين يحاولون استخدام اسم الرجل من أجل فرض سيادتهم على الحزب لتحقيق أجندة خاصة.. إن هذه السياسة قد جعلت الحزب الاتحادي على هامش الأحداث وليس له أي دور مؤثر في العملية السياسية الجارية في البلاد.. إن الحزب الاتحادي لكي يلعب دورا وطنيا مرة أخرى وتاريخي لابد من إحداث تغيير يطال أغلبية قياداته ذات المصالح الخاصة فقط…
القضية الأخرى التي أريد تناولها، أقام مركز “آفاق جديدة للحوار الفكري” الذي يهتم بالقضايا الفكرية، والذي يشرفي عليه الدكتور صديق الزيلعي جلسة حوار فكري بعنوان “رؤية ماركسية حول الديمقراطية” قدمتها الأستاذة رانيا عبيد على خدمة “Zoom” وحضرها جمع من الزملاء في الحزب الشيوعي والمهتمين بقضية الماركسية والديمقراطية. وبالفعل كان العنوان جاذبا جدا، الأمر الذي جعلني أحرص على حضور الحوار الفكري، واستمع للأستاذة رانيا كيف تربط بين الماركسية التي تؤسس فلسفتها التاريخية على الصراع الطبقي، الذي تقوده قوى البوليتاريا ضد مالكي وسائل الإنتاج، ثم تؤسس البوليتاريا ديكتاتوريتها كمرحلة من مراحل الوصول للمجتمع الشيوعي.. بدأت رانيا محاضرتها بنقد الليبرالية والرأسمالية حيث استهلكت أكثر من 80% من الزمن المخصص لها في هذا المحور، ثم انتقلت إلى الديمقراطية التي أطلقت عليها الديمقراطية الشعبية، ولم تخرج من دائرة فلسفة الماركسية، ونظرتها للصراع الطبقي..
قالت رانيا وهي تعلق على موقف الحزب الشيوعي من الديمقراطية، وتبنيه لها في مؤتمره الخامس.. قالت إن إحداث التغيير للوصول إلى الديمقراطية الشعبية مرتبط بالثورة التي يجب أن تقتلع كل المعوقات التي تعترض طريق التغيير، يبقى السؤال ما هي علاقة الثورية بالديمقراطية؟ الثورة أداة هدم وليست بناء، والديمقراطية تؤسس على أدوات البناء حتى على مستوى العلاقات الاجتماعية والاقتصادية لأنها تؤسس على رضى المجتمع.. التاريخ القديم والمعاصر بين أن الثورات لا تؤسس ديمقراطية، لأن الثورة تحاول أن تفرض شروطها على الآخرين بالقوة، وتجعلهم تحت طاعتها فهي تؤدي إلى الشمولية.. لذلك استخدام المصطلح “الثورة البوليتاريا” في الفلسفة الماركسية صحيح لأنه يؤدي إلى الديكتاتورية.. ويعلم الزملاء أن الأحزاب الشيوعية في أوروبا عندما قبلت الديمقراطية أسقطت “ثورة البوليتاريا” وقبلت التبادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وأن تسعى للاشتراكية من خلال تدخل الدولة في الاقتصاد حماية للطبقات الدنيا..
الملاحظ في اجتهاد الزملاء لمسألة التوافق بين الماركسية والديمقراطية، أنهم يصطدمون بأن الفلسفتين متوازيتين ولا تلتقيان، لكنهم يتعللون بالاجتهاد، وفي النهاية تصبح قضية الديمقراطية شعار معلق في الهواء.. وهم يعلمون أن الاجتهاد للمقاربة سوف يجعلهم يبتعدون عن الماركسية.. وهم لا يريدون أن يغضبوا القيادات الاستالينية في الحزب.. واجهت رانيا نقداً من عدد من الماركسيين في ندوة.. ويبقى أنه اجتهاد مقدر وتثاب عليه.. إن شغل الذهن مسألة ضرورية للعملية السياسية.. نسأل الله حسن البصيرة..
الوسومالاشتراكية البخاري الجعلي البوليتاريا الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الحزب الشيوعي الحوار الفكري الديمقراطية السودان الماركسية محمد عثمان الميرغنيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الاشتراكية الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الحزب الشيوعي الحوار الفكري الديمقراطية السودان الماركسية محمد عثمان الميرغني الحزب الاتحادی
إقرأ أيضاً:
“إحنا مبنتغيرش”.. مصر تعلن التزامها التاريخي تجاه فلسطين
في رسالة واضحة وصريحة، جدد الرئيس عبدالفتاح السيسي التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية، مشددًا بعبارته القوية “إحنا مبنتغيرش” على أن مصر لا تساوم في مبادئها، ولا تحيد عن دورها الإنساني والمحترم في دعم الشعب الفلسطيني.
وفي كلمة متلفزة، دعا الرئيس السيسي المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إلى تحمل مسؤولياتهم لوقف الحرب على غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإنهاء معاناة المدنيين، مشددًا على أن موقف مصر لم يتغير ولن يتغير، لأنه تحكمه القيم والضمير والالتزام التاريخي.
وأكد الرئيس أن الجهود المصرية، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، تركزت منذ اندلاع الأزمة على ثلاث أولويات: وقف الحرب، إدخال المساعدات، والإفراج عن الرهائن، مؤكدًا أن القاهرة ستظل صوت الحكمة وسندًا للقضية الفلسطينية، دون أي انحراف عن ثوابتها أو التزاماتها الأخلاقية والإنسانية.
قال الكاتب الصحفي كمال ريان، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة بشأن الوضع في قطاع غزة، كانت تلقائية صادقة، خرجت من القلب، ولم تكن مكتوبة مسبقًا، مما أتاح لها أن تعبر بصدق عن مشاعر كل مصري وعربي تجاه المأساة الإنسانية في غزة.
وأكد ريان، أن الرئيس وجه كلمته للعالم، وليس فقط للشعب المصري، حيث عبر عن معاناة الشعب الفلسطيني تحت وطأة سياسة التجويع التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بشكل ممنهج، بهدف دفع الفلسطينيين لترك أراضيهم.
وقال إن مصر كانت من أوائل الدول التي نبهت إلى خطورة هذه السياسات الإسرائيلية، كما أنها لم تتأخر يومًا في دعم الشعب الفلسطيني، لا سيما خلال العدوان الأخير على قطاع غزة.
وأكد أن موقف مصر من القضية الفلسطينية كان واضحًا منذ اللحظة الأولى للحرب، حيث دعت إلى وقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، والعمل على تبادل المحتجزين، وهي المبادئ التي تمسكت بها القاهرة في كل المحافل الإقليمية والدولية، وعلى رأسها القمة العربية الإسلامية.
وأضاف ريان أن مصر لم تكتف بالمناشدات، بل بذلت جهودًا كبيرة مع قطر والولايات المتحدة للتوصل إلى هدنة إنسانية، وواصلت التنسيق بعد انتهائها من أجل الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار.
وأكد أن الرئيس السيسي لم يترك مناسبة أو لقاء دوليًا دون أن يشدد على ضرورة إنهاء الحرب، ووقف سياسة التجويع، والسماح بدخول المساعدات، مشيرًا إلى أن هذه الضغوط المصرية المستمرة ساهمت في تغيير مواقف العديد من القوى الدولية تجاه ما يحدث في غزة.
وقال إن مصر لم تغلق معبر رفح يومًا، كما أوضح الرئيس السيسي، بل إن العقبة كانت دائمًا من الجانب الآخر الخاضع لسيطرة الاحتلال، ورغم ذلك حرصت مصر على إدخال أكبر قدر ممكن من المساعدات، وقدمت أكثر من 70% من إجمالي ما دخل إلى القطاع منذ اندلاع الحرب.
وأكد ريان أن مصر تواصل الضغط والتواصل مع كل الأطراف الدولية، كما أن الرئيس السيسي لم يتوقف عن مناشدة قادة العالم، وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بضرورة التدخل لوقف الحرب، وإنهاء المعاناة، والتوصل لحل شامل للقضية.
واختتم كمال ريان تصريحاته، بالتأكيد أن الحل العادل والدائم للقضية الفلسطينية؛ هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار، وأن مصر تواصل الدفاع عن هذا المبدأ، عبر المطالبة بإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، بما يتماشى مع الشرعية الدولية ويرفض محاولات التهجير والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
سعيد الزغبي: إحنا مبنتغيرش مش مجرد كلام.. بل عقيدة سياسية ثابتة ضد التهجير والتوطينقال أستاذ السياسة سعيد الزغبي في تصريحات خاصة لموقع صدى البلد إن عبارة الرئيس عبدالفتاح السيسي “إحنا مبنتغيرش”، والتي جاءت في خطابه الأخير، لم تكن مجرد جملة عابرة، بل رسالة قوية تعكس ثبات الموقف المصري في وجه أي ضغوط داخلية أو خارجية، وتجدد التأكيد على المبادئ الراسخة للسياسة الخارجية المصرية تجاه القضية الفلسطينية.
وأكد الزغبي أن هذه العبارة تمثل تكثيفًا دلاليًا لقيم السياسة المصرية، وترسخ صورة مصر كوسيط محترم وفاعل في المنطقة، لا يغير مواقفه حسب تغير الظروف أو المواقف الدولية.
وأضاف: “الرئيس السيسي وجه رسالة مزدوجة، من ناحية يطمئن الداخل بأن مصر لن تفرط في ثوابتها ولا في دعمها للشعب الفلسطيني، ومن ناحية أخرى يوجه تحذيرًا دبلوماسيًا إلى الأطراف الدولية الراهنة بعدم السعي لفرض حلول بديلة مثل التوطين أو التهجير، وهي حلول ترفضها مصر بشكل قاطع.”
وأشار الزغبي إلى أن الرئيس المصري أكد بوضوح على موقف بلاده الثابت من ضرورة وقف الحرب على غزة، ورفض التهجير القسري، والسعي الجاد لإدخال المساعدات، وتحقيق حل الدولتين، موضحًا أن هذه المواقف ليست جديدة بل تتكرر بثبات في كافة تصريحات الدولة منذ بداية العدوان.
وقال: “في زمن تتقلب فيه مواقف بعض القادة تحت ضغط التحولات أو المصالح، يأتي خطاب السيسي ليقول ببساطة ووضوح: نحن لا نساوم، ولا نتخلى عن مبادئنا.”
وشدد الزغبي على أن كلمات الرئيس تحمل أبعادًا سياسية وأخلاقية، وهي بمثابة إعادة رسم لحدود السيادة الوطنية، مضيفًا: “حين قال الرئيس (إحنا مبنتغيرش)، كان يحدد معالم مصر كما نعرفها: الدولة التي لا تساوم على دماء الأشقاء ولا تفرط في إنسانية الموقف.”
واختتم سعيد الزغبي تصريحاته بالقول: “من القاهرة إلى رفح، ومن منابر العروبة إلى ضمير الإنسانية، تظل مصر كما عهدناها صوت الحكمة وقت الانفعال، وسند المظلوم وقت الصمت. لقد علمنا الرئيس أن الثوابت لا تباع ، وأن مصر لا تنحني.”