عربي21:
2025-05-16@20:08:12 GMT

في ذكرى يوم تطهير الذاكرة.. ها هنا وهناك

تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT

لجمال الدين الأفغاني رحمه الله (ت: 1879م) نداء مشهور وجّهه لأهل المشرق في وقت من أشد الأوقات الظلام حالكا في تاريخنا الحديث، وروعة النداء ستتمثل في معناه، بالقدر الذي سيجعله نداء ممتدا عابرا للزمان بالمعنى الوجودي الكامل، فسيتناول الحياة والموت، وما بعد الموت.. سيقول لنا موقظ الشرق: "عيشوا كباقي الأمم أحرارا سعداء، أو موتوا مأجورين شهداء".



هو بحق "موقظ الشرق" كما سماه سعد باشا زغلول رحمه الله (ت: 1927م)، ونداؤه هذا ما هو إلا عين ما رأيناه ونراه من "أهل العزائم والأنوار" في غزة. ويصح هنا أن نقول إن "طوفان الأقصى" هو أول تجسيد تاريخي حق لهذا النداء الذي ظل يتحرك عبر الأجيال، حتى تسلمه الجيل الذي وعاه بحق انخراطه في أعماق معناه بالفهم والمعاناة.. معاناة "حصار" لم ير له التاريخ الحديث مثيلا!

هل كانت من فائدة لـ"الحصار" الرهيب الذي فُرض على القطاع برا وبحرا وجوا 17 سنة، بتعاون واشتراك بين السلطة الفلسطينية التي لا يُعرف لها مكان في الصف الوطني الفلسطيني، وبين إسرائيل (أمريكا والغرب) في مشهد دولي وإقليمي بالغ الريبة! فلقد اتفق الجميع على حرمان غزة وأهلها من العيش كباقي الأمم (أحرارا سعداء)؟

* * *
لا يمكن فهم الكُليّ إلا في الجزئي، وهذا حقيقي، فحياة الخطر التي عاشها أهل غزة، وفي القلب منهم حماس، وفى القلب منها الكتائب المسلحة (القسام)، أنتجت ما رأيناه ونراه على مدى سنة بأكملها
فهل كان هذا الحصار هو الرحم الذي تكون فيه هذا "الميلاد العظيم"؟ نعم.. ويحق لنا وللأمة أن نتذكر يوم هذا الميلاد.. 7 تشرين الأول/ أكتوبر.

وصحيحة هي تلك المقولة: "عش في خطر"، التي قالها الفيلسوف الألماني المزعج نيتشة (ت: 1900م)، صحيحة تماما، وسننتبه بحكم ثقافتنا الأصيلة إلى أن لها بعدا دينيا هاما، يعرفه المؤمنون من القرآن العظيم (سورة الشورى)، إذ سنرى أن الذين يؤمنون بالآخرة "مشفقون" منها، رغم إيمانهم، ورغم عملهم الصالح، وسيظل الإحساس اليقظ في العزائم والهمم يرابط في قلوبهم، خوفا وحفظا وصونا من جهة، وعملا وسعيا ورجاء من جهة أخرى.

* * *

يقولون إنه لا يمكن فهم الكُليّ إلا في الجزئي، وهذا حقيقي، فحياة الخطر التي عاشها أهل غزة، وفي القلب منهم حماس، وفى القلب منها الكتائب المسلحة (القسام)، أنتجت ما رأيناه ونراه على مدى سنة بأكملها.

ولن نذهب بعيدا حين نقول إن جهاز "مجد" الأمني، الذي تم تأسيسه مبكرا بعد انتشار ظاهرة الاختراقات للصف الفلسطيني من الموساد والأجهزة الأمنية الغربية، ما هو إلا أحد نتائج الشعور بـ"الخطر". والطريف أن دوره اتسع بجانب إجراء التحقيقات مع عملاء إسرائيل، إلى اقتفاء آثار ضباط المخابرات وأجهزة الأمن الإسرائيلية نفسها.

* * *

ليس هذا فقط، بل إن حالة "الحصار" نفسها أحدثت حالة لا نظير لها من الالتحام بين المقاومة والناس، ولا يحتاج ذلك إلى دليل، وسبق وكتبت عنه صحفية إيطالية وقالت: لا يمكن تصور صمود الناس في غزة إلا من خلال نافذة تقول: إنهم كانوا متجهزين لهذه الأيام، وتجهيزا يفوق ما هو عادي.. وصدقت.

* * *

هذه الحالة سيتم العمل على منع تكونها وتجليها في "عالم الإسلام" من خمسينيات القرن الماضي على أيدي النظام العربي الرسمي.

سيتم محو وشطب كل المفردات الزائفة المزيفة وسيتم إبدالها بالحقيقي من كل حق.. ستُشطب "الرواية الغربية" عن إسرائيل وكل خرافات التاريخ المتداولة في فصول تلك الرواية، وستظهر وتعلو "رواية التاريخ الحق" الذي أصبح الآن حديثا عاديا في ساحات الجدل والنقاش الدائر في العالم كله، وليس أوروبا وأمريكا فقط!!
وما كان رعب بريطانيا من ظاهرة المجاهد الشهيد عز الدين القسام الذي حاربته هو و"العصبة القسامية" وقتها سنة 1935م بشراسة رهيبة، إلا لمنع تلك "الحالة" من التوسع والانتشار، والتي كانت كفيلة بإنهاء الوجود البريطاني نفسه، وليس فقط منع ما حدث بعدها وحتى نكبة 1948.

* * *

وسنرى أن اختيار حماس اسم الشهيد "عز الدين القسام" اسما للكتائب المسلحة بعدها، ما كان إلا تصحيحا لمسار التاريخ، الذي أعوج طويلا على أيدي كل معوج أثيم.

لكن "طوفان الأقصى" جاءت، ليس فقط لتصحيح مسار هذا التاريخ، ولكن وهو الأهم لـ"تطهير الذاكرة" من كل ما علق بها من رواسب وشوائب، سواء بفعل الأمد الذي طال، أو بفعل فاعل السوء، الذي كان أشد ما يكون حرصا على ملئها بالأوحال.

سيتم محو وشطب كل المفردات الزائفة المزيفة وسيتم إبدالها بالحقيقي من كل حق.. ستُشطب "الرواية الغربية" عن إسرائيل وكل خرافات التاريخ المتداولة في فصول تلك الرواية، وستظهر وتعلو "رواية التاريخ الحق" الذي أصبح الآن حديثا عاديا في ساحات الجدل والنقاش الدائر في العالم كله، وليس أوروبا وأمريكا فقط!!

* * *

ستكون فكرة أوسلو والتطبيع والشرق أوسط الجديد، والحل الانتقالي بعيد المدى، والسلام الاقتصادي، وكل هذه الأوهام، خارج هامش التاريخ، تمهيدا لإلقائها في مكانها المناسب من سلة المهملات.

ستسقط مقولات مثل: أمريكا تعلم كل شيء، مفاتيح المشكلة والحل في يد أمريكا، كل أوراق اللعبة في يد أمريكا، لتحل محلها أنا حقيقة: "أنا أجاهد إذن أنا موجود"، لأن الجهاد سنة ماضية في الوعي الأول بحقائق التاريخ الذي تكونت حوله تلك الأمة، التي هي خير أمة، بالنص القرآني الكريم أولا، وبمقتضيات الوفاء بحق هذه الخيرية ثانيا.

* * *

المقام يطول ويطول، لذكر وتذكر ما قامت به "طوفان الأقصى" من تطهير لـ"الذاكرة"، أهم مكون من مكونات الوعي بالذات التاريخية لأمتنا كلها، وفي القلب منها القدس والأقصى.

x.com/helhamamy

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الحصار المقاومة غزة ذكرى المقاومة الحصار طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة تكنولوجيا رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

حين يمشي الجبل”لهيثم حسين.. مساءلة الذاكرة والمنفى قصصيّاً”

الثقافية – لندن

أصدرت منشورات رامينا في لندن مجموعة قصصيّة بعنوان “حين يمشي الجبل” للكاتب والروائيّ السوريّ الكرديّ هيثم حسين، في خطوة تُعدّ إضافة إبداعيّة جديدة في مسيرة الكاتب، الذي عرفه القرّاء من قبل في فضاء الرواية والسيرة والنقد.
يكشف هيثم حسين في مجموعته التي تضمّ أربعاً وعشرين قصة قصيرة، عن عوالم داخلية مثقلة بالمنفى، تتقاطع فيها اللغة مع الذاكرة، والظلّ مع المعنى، والمنزل المؤقّت مع سؤال الانتماء.
لا تكتفي المجموعة بعرض سرديات النفي واللجوء والتشظي، إنّما تؤسّس لوثيقة أدبية تمكن قراءتها كأرشيف للمحو والانمحاء، وللصمت بوصفه لغة. ويشكّل عنوان الكتاب، “حين يمشي الجبل”، مفتاحاً تأويلياً يختزل تجربة التحدّي والعبور واللاعودة، وزعزعة اليقينيّات، حيث الجبل، رمز الثبات، يتحوّل إلى كائن يتقدّم، يهرب، يتكلّم، يمشي ويشهد.
تُفتتح المجموعة بقصة “نافذة لا تُغلق”، التي تحوّل شقّةً لندنيّةً إلى فضاء للتماهي بين الحقيقيّ والمتخيّل، وتختم بـ”ظلّي العائد من الكتاب”، في بنية تحتفي بالكتابة كفعل مقاومة، وبينهما، تتوزّع القصص على محاور متداخلة، تحضر فيها صور الجبال التي تمشي، والمكتبات التي تُمحى، والهواتف التي تُسرق لتكشف هشاشة الهوية الرقمية، وشخصيات مثل الغجريّ الذي يحمل بقجته، والشاعر الذي قرّر أن يصمت، والمترجم الذي أضاع اسمه بين اللغات.
وفي قصة “قاموس شخصي”، يعيد حسين بناء علاقته بالكلمات بوصفها بقايا أماكن وشظايا لغات، بينما ترسم قصة “جسور لندن” لوحة غرائبية لمدينة تُفقد جسورها واحداً تلو الآخر، بوصفها استعارة لسقوط المعنى في المدن المنفية.
تُعدّ هذه المجموعة القصصية نقلة في مسار هيثم حسين الأدبي، حيث ينتقل من سرد الحكاية الكبرى في الرواية، إلى الالتقاطات المجهرية في القصة، راسماً عالماً تتجاور فيه الوثيقة والخيال، والحزن والتهكّم، والمكان واللا-مكان.
ممّا جاء في كلمة الغلاف:
في “حين يمشي الجبل”، يكتب هيثم حسين عن أطياف لا تزال تبحث عن أسمائها، عن منازل لا تظهر على الخرائط، عن لغةٍ تتنفّس في الخفاء.
هذه المجموعة مرثيّة مطوّلة للمنفى الكرديّ، بكلّ ما فيه من تفاصيل لا تدخل كتب التاريخ، ولا تُذاع في نشرات الأخبار، ولا تُدرّس في المدارس، لكنّها تحفظ الحياة الحقيقيّة؛ تلك التي يمشي أصحابها بصمت، ويُسرق صوتهم حتّى حين يتكلّمون.
ينسج هيثم حسين عالماً متصدّعاً، لا يحاول إصلاحه، إنّما يرسم شقوقه بدقّةٍ لا تُجامل. يكتب عن اللاجئ الذي يتكلّم كلّ اللغات ما عدا لغته، عن الكاتبة التي تخشى أن تكتب قصّتها الحقيقيّة، عن الأب الذي يموت دون أن ينطق اسم الجبل الذي نشأ عند سفحه.
في هذه القصص، لا تنتهي الحكاية عند الخاتمة، إنّما تبدأ. يصبح الصمت نفسه طريقة في السرد، يصبح المنفى حالة لغوية، وتصبح الكتابة محاولة لتسجيل ما لا يمكن كتابته أصلاً. كلّ قصّة تبدو وكأنّها تقف على الحافّة؛ حافّة اللغة، حافّة الجغرافيا، حافّة الاعتراف، حافّة الضياع… ومع ذلك، لا تسقط، إنّما تبقى هناك، تتأمّل من بعيد، وتتردّد في قول الحقيقة، لا لأنّها تخاف أو لا تعرفها، لكن لأنّها تعرف الثمن جيّداً.
الجبل، هذا الرمز الأثيريّ في الميثولوجيا الكرديّة، يصبح هنا كائناً حيّاً، يمشي لا ليُرى، لكن ليكسر القيود المفروضة عليه، ليقول: إذا كنتم لا تعترفون بنا، فلن نعترف بخرائطكم.
يشار إلى أنّ لوحة الغلاف هي للفنّان التشكيليّ الكرديّ السوريّ خضر عبد الكريم، والمجموع تقع في ١٩٦ صفحة من القطع الوسط.
تعريف بالكاتب:
هيثم حسين: روائيّ كرديّ سوريّ، من مواليد عامودا 1978م، مقيم في لندن، عضو جمعية المؤلفين في بريطانيا، مؤسّس ومدير موقع الرواية نت. ترجمت أعماله إلى الإنكليزيّة والفرنسيّة والتشيكيّة والكرديّة..
من أعماله الروائية والنقدية: “آرام سليل الأوجاع المكابرة”، “رهائن الخطيئة”، “إبرة الرعب”، “عشبة ضارّة في الفردوس”، “قد لا يبقى أحد”، “العنصريّ في غربته”، “كريستال أفريقيّ”، “الرواية بين التلغيم والتلغيز”، “الرواية والحياة”، “الروائيّ يقرع طبول الحرب”، “الشخصيّة الروائيّة.. مسبار الكشف والانطلاق”، “لماذا يجب أن تكون روائياً؟!”.

مقالات مشابهة

  • مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان يحذر من تطهير عرقي في غزة
  • مصر التي خرجت من التاريخ والسياسة وزيارة ترامب
  • وزير الري في جولة مفاجئة بالقليوبية والشرقية لمتابعة تطهير الترع وضمان الري
  • إنعام محمد علي.. رائدة الدراما المصرية التي أنصفت المرأة وكتبت التاريخ بالصورة
  • حين يمشي الجبل”لهيثم حسين.. مساءلة الذاكرة والمنفى قصصيّاً”
  • تركيا تؤكد مواصلة عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني حتى تطهير المنطقة
  • أوعى تجرب..حبوب السعادة قد تجرك للحبس أو فقدان الذاكرة
  • الرئيس أحمد الشرع: سوريا لكل السوريين بكل طوائفها وأعراقها ولكل من يعيش على هذه الأرض المباركة، التعايش هو إرثنا عبر التاريخ وإن الانقسامات التي مزقتنا كانت دائماً بفعل التدخلات الخارجية، واليوم نرفضها جميعاً.
  • الرئيس أحمد الشرع: وباتت سوريا الحضارة غريبة عن تاريخها المشرف، وبعيدة عن أصالتها، وتأخرت عن مصاف الدول، وهناك في إدلب العز، وفي ظل الثورة السورية المباركة، كان يُبنى مستقبل سوريا الجديدة.
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)