في عصرنا الحالي، هناك ثمة حالات لإثارة وإشعال نار الحروب، فمثلا عندما تقوم دولة ما بإشعال نار حرب لكنها تريدها محدودة من مختلف النواحي غير إنها وبعد مرور فترة تخرج عن الهدف المحدد لها ولا يعد بإمكانها أن تتحكم بها وبالسياق الذي تسير إليه، فإن تلك الدولة وبالضرورة القهرية سوف تتحمل الآثار والتبعات النهائية لهذه الحرب.
في حالة أخرى، عندما تريد دولة ما إثارة حرب بين دولتين أو فئتين خارج حدودها، لكنها في نفس الوقت ومع إن أصابح الاتهام تشير لها بيد إنها تنكر دورها في إثارة تلك الحرب وتحرص على تجنبها وعدم التورط بها بطريقة مباشرة، إلا أن الرياح لا تجري دائما بما تشتهي السفن ولذلك فإنه إذا ما قدر لإحدى الدولتين التي وقع عليها الضرر وكانت الهدف من خلال تلك الحرب إن ترد الصاع صاعين للدولة التي وقفت وراء إثارة تلك الحرب، فإن تجنبها يصبح في حكم المستحيل.
الحالتان أعلاه واردتان في عصرنا ونجد لها نماذج على أرض الواقع والذي يهمنا هنا هي الحالة الثانية، أي دولة تريد إثارة حرب بين دولتين أو فئتين خارج حدودها، وواضح جداً بأننا نعني النظام الايراني على وجه التحديد، والذي وخلال العقود الاربعة المنصرمة كان قام بإثارة أكثر من حرب خارج حدوده وفي كل مرة كان يحرص كثيرا على عدم التورط بها بصورة مباشرة، بل وحتى يعلن بأن لا علاقة له بها وإن الطرف التابع له قد قام بما قام من تلقاء نفسه!
النظام الايراني الذي أثقل كاهل شعبه بتدخلاته في بلدان المنطقة وإثارته للحروب فيها كما جعل من الحياة في البلدان الخاضعة لنار تدخلاته جحيما لايطاق، يظهر واضحاً بأن دوره المشبوه من حيث إثارته للحرب في غزة هذه المرة لم يمر على خير ولم تسلم جرته ولأنه وجد إن التصريحات الرسمية التي صدرت عن قادته ومسؤوليه لم تكفي للثقة ببرائته، فقد قام بإرسال وزير خارجيته في جولات مكوكية من أجل تلقي المساعدة لتجنيب دخول نظامه نار الحرب التي إتسعت وباتت تلسعه تمهيدا لأن تصله لهيبها.
النظام الايراني الذي يظهر بأن الغرور قد أصابه من خلال إعتقاده بأنه قد أصبح خبيرا في إثارة الحروب واللعب بالنار من دون أن تطاله، لكن هذه المرة لم يتمكن من أن يسيطر على مسار الحرب التي أثارها وجعلها بأن تسير في إتجاه معين ومحدود، بل إنه"أي النظام الايراني" وعلى الرغم من لعبه دور المايسترو من حيث الإيعاز لوكلائه بالتدخلات المحدودة من أجل ممارسة الضغط المادي والمعنوي لإيقاف الحرب وخروجه مع وكلائه بأقل خسارة ممكنة، لكن ذلك لم ينجح مثلما لم تنجح الجولات المكوكية لعباس عراقجي، وصار النظام في ورطة لا يحسد عليها بالمرة، ويبدو واضحا إن النظام صار يعاني منها الأمرين، حتى وصل الحال برئيس النظام مسعود بزشكيان أن يصرح في 20 أكتوبر (تشرين الأول)، حول تورط نظامه في مستنقع الحرب التي أثارها أن يصرح "نحن في حالة حرب، حرب يفرضها علينا هؤلاء الجبناء، ويسعون لتفاقمها يوماً بعد يوم". وبطبيعة الحال لا يوجد في العالم كله بما فيه إيران ذاتها من يصدق بأن هناك دولة فرضت الحرب على النظام الايراني ولكن الجميع يعلمون بأن كرة النار التي ألقاها هذا النظام في أحضان غيره في طريقها للعودة إلى أحضانه.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل النظام الایرانی
إقرأ أيضاً:
لا حرج من النقد الوطني والتشكيك المستمر في النوايا الأمريكية
بالرغم من دعمي للدبلوماسية الرئاسية والأمنية التي أنجزت لقاء زيورخ غير المعلن (غير صحيح وصفه بأنه سري وهنالك فرق) وبالرغم من رؤيتي أنه لقاء مطلوب ومبرر ولكن لا حرج من النقد الوطني والتشكيك المستمر في النوايا الأمريكية، ولا يعتبر خطئا تحذير صانع القرار من الخداع الأمريكي بل هو عين الصواب، الرئيس الأمريكي لا يضمن لنفسه الأمان من المستنقع السياسي هناك، فكيف يضمن لدولة لا يكاد يميزها من 54 دولة افريقية، و198 دولة في العالم.
لا يوجد شيء اسمه صداقة جيدة مع الادارة الأمريكية، هي أصلا مع كل العالم وعبر التاريخ إما (صديق سيء أو عدو صريح)، وعليه التفاوض لتثبيت علاقة مباشرة وتفادي العداوة والحفاظ على صداقة سيئة ومهزوزة باستمرار مع أمريكا هي قمة الإنجاز بل هو سقف الممكن مع النظام السياسي الأمريكي، ومن قال غير ذلك فهو كذاب أو هو نفسه جزء من الخداع والتخدير.
ممكن يكون هنالك اصدقاء أفراد أمريكان لكن النظام السياسي الأمريكي لن يكون صديقا جيدا لاي حكومة، ولا أي حاكم، وسيستبطن دوما نية اضعافه واستبداله في أي لحظة مهما قدم.
الحل في التواصل تحت شعار (إلا ما دمت عليه قائما) ومن الضروري الفحص المستمر لمحتوى وأجندة التفاوض وقدرة المفاوضين على الثبات الشخصي أمام الاستدراج والضغوط والاغراء والاستمالة.
مكي المغربي
إنضم لقناة النيلين على واتساب