يمثل مشروع "إسرائيل الكبرى" رؤية توسعية قديمة وجديدة في الوقت ذاته، تمتد وفق أفكار مؤسس الصهيونية تيودور هيرزل من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق، وتشمل أراضي من لبنان وسوريا والسعودية والأردن والفلسطينيين المحتلين. 

ولم تعد هذه الرؤية محصورة في التاريخ أو الخيال، تتجسد اليوم في سياسات "إسرائيل" العسكرية والاستيطانية، وخطط صيغت على مدى عقود، بدءًا من مذكرات هيرزل، مرورًا بخطة عوديد يينون التي تقترح تفكيك الدول العربية على أسس عرقية ودينية، ووصولًا إلى المفاهيم الجيوسياسية الحديثة لشاؤول كوهين التي تدعم فكرة "الكيانات شبه الدولة" وتوسع النفوذ الإسرائيلي في الإقليم.



وفيما يلي مقال لمديرة البرنامج البحثي في معهد الشرق الأوسط للدراسات السياسية والاقتصادية، نشر في تموز/ يوليو 2024، وجاء بعنوان: "إسرائيل الكبرى: خطة توسع مستمرة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

الصورة: "إسرائيل الكبرى" طبقًا لرؤية الأب المؤسس للصهيونية تيودور هيرزل، وهي عبارة عن دولة يهودية تمتد من نهر النيل في مصر إلى نهر الفرات في العراق. أثارت صورة حديثة لجندي في قوات الدفاع الإسرائيلية يضع على زيه شارة لإسرائيل الكبرى سخطًا في البلاد العربية (ميدل إيست مونيتور، 2024).

تتضمن أرض إسرائيل الموعودة، كما تصفها صورة الشارة، مناطق من النيل إلى الفرات، من المدينة إلى لبنان، بما في ذلك أراضٍ من مصر ولبنان وسوريا والعراق والسعودية وكل الأردن والمناطق الفلسطينية المحتلة. لكن ليس من الواضح لماذا أثارت سخطًا: تعكس الخريطة تصريحًا صدر عن تيودور هيرزل قبل أكثر من قرن، جاء فيه: "ناقشت مع بودينهامر المطالب التي سوف نتقدم بها. المساحة: من نهر النيل في مصر إلى الفرات ...."، وكذلك مع مناسبات أحدث من تمني هذا التوسع الإقليمي، كما عبرت عنه خطة عوديد يينون والمفاهيم الجغرافية لشاؤول بي كوهين، ضمن آخرين، والموقف العدائي ضد جيران إسرائيل والأقطار في الإقليم.

ومن هنا، قد لا يكون وجود الخارطة هو الذي أثار السخط، وإنما ظهورها في الحيز الأوسع لوسائل التواصل الاجتماعي. هذا الرأي بشأن مستقبل المنطقة ليس جديدًا ولا نادرًا. ففي تسجيل يعود إلى شهر يناير / كانون الثاني من عام 2024، صرح السياسي الإسرائيلي آفي ليبكين قائلاً: "في نهاية المطاف، سوف تمتد حدودنا من لبنان إلى الصحراء الكبرى، والتي هي السعودية، ثم من البحر المتوسط إلى الفرات. ومن سيكون على الجانب الآخر من الفرات؟ الكرد! والكرد أصدقاء. وبذا يكون البحر المتوسط من ورائنا، والكرد من أمامنا، ولبنان، الذي يحتاج في الواقع إلى مظلة الحماية من إسرائيل، ثم سوف نأخذ، أعتقد أننا سوف نأخذ مكة والمدينة وجبل سيناء، ثم نقوم بتطهير هذه الأماكن." (ميدل إيست مونيتور 1، 2024).

تحلل هذه المقالة التداعيات الجيوسياسية لخطة التوسع الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأثرها على العلاقات الدولية، فيما يتعلق بالمفهوم الحركي لإسرائيل الكبرى، من وجهة التطور التاريخي.

اعتبارات العدسة الجيوسياسية والتأكيدات الإسرائيلية
تم تعريف جيوسياسة رودولف كجلين في أواخر القرن التاسع عشر، وبحسب الأدبيات، يشمل الإطار الذي تم تطويره كذلك "مفهوم عضوي للدولة"، بالإضافة إلى مفاهيم أخرى مثل "الدولة والأرض"، الوحدة، الشعب، شخصية الدولة في المشهد الدولي. بدأت أدبيات ما بعد الحرب العالمية الثانية حول الجيوسياسة في انتقاد ومراجعة الفرضيات الجيوسياسية المبدئية التي عرفها ماهان وماكيندر وهوشوفر، ضمن آخرين. فعلى سبيل المثال، كان سبراوت يقول في عام 1953: "نزر قليل من هذه الفرضيات يعكس الموضوعية المتجردة. بل جلها يعكس وجهة نظر قومية محددة. جلها تمت صياغتها في خضم أزمة ما، في فترة من التوتر. جلها يعكس نصحًا مقدّمًا لحكومة بعينها – سياسة، فيما لو تم اتباعها، كان يؤمل منها تحقيق بعض النتائج المرغوبة" (سبراوت، 1954، ص. 20).


رغم أن الحجج صحيحة، كان كذلك ارتباط الجيوسياسة بالإطار المفاهيمي الذي قدمه فريدريك راتزيل حول ليبنسروم ومأسسة ذلك من قبل النازيين الألمان هو الذي أفضى إلى الانسحاب من الجيوسياسة كتخصص في منتصف القرن العشرين. من الناحية المبدئية، كانت الجيوسياسة مهتمة بتوزيع سلطة الدولة في أرجاء المناطق وحول العالم، أي المناطق الجغرافية، من وجهة نظر التطورات النظرية والممارسة السياسية، متوسعة بذلك على المفاهيم السابقة للقوة العسكرية، ولربما كان ارتباط الدول بالكائنات قياس تجسيد آخر، مثل كوكب الأرض ككائن حي على سبيل المثال: جايا.


كان يفترض في الجيوسياسة أن تقدم أجوبة ودعمًا في التصدي لمختلف القضايا التي تشغل بال مختلف صناع القرار عند نقطة محددة في التاريخ. وهي من هذا المنظور ترتبط بالسياسة الخارجية للدولة وبعلاقاتها الدولية. وبذلك تطورت منذ أوائل القرن العشرين إلى أطروحات الحرب الباردة، وما تلا ذلك من أحادية قطبية أمريكية، إلى ما بعد مقاربة الحرب الأمريكية على الإرهاب في عام 2001. فيما لو نظر المرء في مبادرة الحزام والطريق الصينية باعتبارها نقلة جيوسياسية، لوجد أن جزءًا من العالم على الأقل انتقل إلى وضع جيوسياسي لا ينجم فيه النفوذ الدولي عن مواجهة عسكرية مباشرة مع البلدان الأخرى.

على كل حال، تم حفظ الخواص الجيوسياسية الكلاسيكية التالية لأغراض هذه الدراسة: الصفة الحركية للموقع الدولي المتعلق بالدولة، والذي بحسب بعض النظريات لا يعكس ما يجري من ممارسة للعلاقات الدولية في الاتجاه السائد حاليًا، والمتضمنة في ديناميكية الحدود، والنظرة المرتكزة على الدولة بشأن العلاقات الدولية ومفهوم قوة الدولة.

تشكك مقاربات الأدبيات الأحدث "للجيوسياسة الناقدة"، ضمن أمور أخرى، في الصفة العالمية المزعومة للمفاهيم الجيوسياسية الغربية، مؤكدة أيضًا على أن العالم لم يحقق السلام بعد الحرب الباردة. كما تقدم نظرية مفادها أن الجيوسياسة عبارة عن "ظاهرة ثقافية موسعة" وأن "قيمتها ليست محايدة سياسية" (إتش يو أند داداو، 2016).

سوف يتم إضافة إطار التحليل الجيوسياسي التالي من هذه المقالة: العالمية النسبية للمطالب وللخطاب السياسي كأداة مميزة من أجل تحقيق الغايات الجيوسياسية. لا يمكن لإطار جيوسياسي نظري أن يصف بشكل كامل تطور علاقات القوة لإسرائيل مع جيرانها ومع البلدان الأخرى. كانت المقاربات الكلاسيكية تخدم العلاقات الدولية ما قبل الحرب العالمية الثانية، كما أن النسخ اللاحقة تنزع نحو دعم الرأي الذي يتبناه مركز قوة بعينه. وبناء عليه، سوف يتم أخذ الاتجاهات البحثية التالية بالاعتبار في الفصول اللاحقة: فكرة الدولة الديناميكية كحجة على المطالب الجيوسياسية، المقاربة المرتكزة على الدولة في العلاقات الدولية، عالمية الفرضيات وتطور الخطاب السياسي كأداة.

بدلاً من فلترة مشروع إسرائيل الكبرى من خلال عدسة بعينها، سوف يحلل هذا المقال المناسبات الرئيسية للآراء أو التعابير الجيوسياسية الإسرائيلية المرتبطة بدور إسرائيل كدولة مقابل المبادئ الدولية الأوسع والإجماع على التعايش السلمي كما يعكسه ميثاق الأمم المتحدة: مطالب الحد الأقصى لمشروع إسرائيل الكبرى حسبما ورد في مذكرات هيرزل، وخطة عوديد يينون، والتعريفات الجيوسياسية الأحدث التي قدمها شاؤول كوهين، والتي يبدو أنها تشير بشكل ثابت إلى توجه إسرائيل نحو الاستيلاء على مزيد من أراضي جيرانها.

٢) المطالب الإسرائيلية وما يترتب عليها

٢.١) تيودور هيرزل والحركة الصهيونية

لم يكن تيودور هيرزل أول نصير لفكرة الدولة اليهودية. إلا أن تاريخ ادعاء الحق في الاستيلاء على أرض فلسطين لن يتم تحليله في هذه المقالة. يعود ذلك على الأقل إلى قرنين من الزمن. ولم تكن فلسطين هي الخيار الوحيد الذي تم النظر فيه لإقامة الدولة اليهودية قبل إعلان وعد بلفور: فالخيار الأوغندي، ضمن خيارات أخرى، تم رفضه من قبل المنظمة الصهيونية العالمية في مطلع القرن العشرين.

إلا أن جهوده وجهود مجموعته أفضت إلى تأسيس إسرائيل كدولة في عام 1948، وهو ما يطلق عليه الفلسطينيون اسم النكبة، أي الإخراج القسري الجماعي للسكان من الأراضي التي أصبحت فيما بعد إسرائيل.

يبين أدريان ستاين أن هيرزل قام شخصيًا بتنظيم أول مؤتمر صهيوني ما بين 29 و31 من أغسطس من عام 1897 في ستادت كازينو في مدينة بازل (ستاين، 2024). في الفصل السادس من مذكرات هيرزل (والذي يبدأ في 1898) يصف هيرزل النقاش الذي دار بينه وبين المستشار الإمبريالي (الألماني) الأمير هوهنلوهي، والذي سئل فيه كم من الأرض كان يتوقع أنه بحاجة إليها لإقامة الدولة المتصورة. كانت إجابته على النحو التالي: "سوف نطلب ما نحتاجه – كلما زاد عدد المهاجرين كلما احتجنا مزيدًا من الأرض." ويضيف في نفس تلك المحادثة موضحًا: "نريد الاستقلال الذاتي والحماية الذاتية" (مذكرات هيرزل، تحرير باتاي وترجمة زوهن، 1960، الصفحات 701-702).

تتنوع في صياغاتها تلك المطالبات بالأراضي التي ورد ذكرها في مختلف المواقع من هذا الكتاب، ولكنها جوهريًا تصف أرضًا تتجاوز في مساحتها حدود إسرائيل 1967 المعترف بها على نطاق واسع أو تلك التي تقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. من الأمثلة على ذلك النص التالي: "كتبت على قطعة من الورق ... شبه جزيرة سيناء، فلسطين المصرية، قبرص ... سيناء – العريش – خطة قبرص ..." (هيرزل، تحرير باتاي وترجمة زوهن، 1960، الصفحات 1294-1295).

في النقاش الذي دار مع بودنهايمر فيما يتعلق بالمساحة "... من نهر مصر إلى النيل ..." كما ورد وصفه في الفصل الثاني (هيرزل، تحرير باتاي وترجمة زوهن، 1960، الصفحة 711) فقد تمت مناقشة خطة لعملية من مرحلتين، وذلك بهدف عرض الأمر على الحكومة العثمانية: بداية يتم تنصيب حاكم يهودي (تحت السيادة العثمانية، شيء شبيه بعلاقة مصر مع السلطان)، ثم بمجرد أن يتجاوز تعداد السكان اليهود الثلثين، تصبح الإدارة يهودية بالكامل.

هناك الكثير من التفاصيل ذات العلاقة بالتطورات الصهيونية في تلك الفترة، ولكن من وجهة نظر حركيات الدولة كواحدة من خواص هذه الدراسة، لم يكن وعد بلفور قد أُقر بعد من قبل الحكومة البريطانية. لم يكن العالم قد بدأ بالتخلي عن الاستعمار، وكانت الإمبراطورية العثمانية في تراجع، مما سمح للقوى الاستعمارية مثل المملكة المتحدة وفرنسا بزيادة نفوذها في أراضي الدولة العثمانية. ففي أرض فلسطين العثمانية، كانت المقاربة المرتكزة على الدولة تظهر على شكل تطلعات وطنية كما تعرفها الانتدابات، أي تقرير مصير ذاتي يلغي الإمبراطورية العثمانية.

إن من الصعوبة بمكان تحديد درجة العالمية في مطالب هيرزل للحصول على الأرض. ثمة اتفاق واسع النطاق بين الباحثين على أن الكتاب المقدس لا يمثل مصدرًا تاريخيًا علميًا، ومن هنا فإن سردية العودة إلى إسرائيل، أو إسرائيل الكبرى، يمكن ربطها بخطاب جدلي، لا يمثل تاريخًا مفصلاً للمنطقة وليس واقعًا سكانياً على الأرض.

بدون نفي هذه الإمكانية، يمكن أيضًا ملاحظة أن المطلب يشبه عروضًا في صفقة يبرمها صناع قرار معينون في وقت محدد من التاريخ، بدلاً من الدخول في ترسيم حدود الأرض: يمكن أن يكون ذلك مطلب الحد الأقصى، من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن عبر التفاوض، ويقدم باعتباره أمرًا ديناميكياً عند الرد على الأمير هوهنلوهي، بحيث أن المزيد من المهاجرين سوف يحتاجون مزيدًا من الأرض. والجانب النسبي الآخر في موضوع المطالبة بالأرض هو الاستعداد لشراء الأرض من الملاك العرب واليونانيين (هيرزل، تحرير باتاي وترجمة زوهن، 1960، الصفحة 702).

لو كانت هذه الأرض إسرائيلية، فما الذي يستدعي شراءها من ملاكها الشرعيين الموجودين حاليًا؟ وفيما لو كانت فكرة الأرض "الجرداء" التي يروج لها في وسائل الإعلام، أو "الأرض الخالية" (هيرزل، تحرير باتاي وترجمة زوهن، 1960، الصفحة 1363) صحيحة، فتارة أخرى لم يُنظر في أمر شرائها؟ وبالتالي يمكن التأكيد على أن صفة مطلب هيرزل الحصول على الأرض ليست عالمية.

بينما كانت هناك أسباب تجعل الحركة الصهيونية تنظر في أمر تمويل قيام دولة يهودية مستقلة، فإن موقع وكيفية تنفيذ مثل هذا المشروع كانت تخضع لمفاوضات سابقة أطول مع القوى الضامنة في تلك الحقبة الزمنية، أي القوى الاستعمارية السابقة، ألمانيا ثم فيما بعد الولايات المتحدة. كانت تلك اتفاقيات ذاتية.

أُقيمت دولة إسرائيل في عام 1948 على أراضٍ مسكونة من قبل الفلسطينيين، وعلى الرغم من أن بعض الأراضي تم شراؤها، فإن ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني أُخرجوا قسرًا من ديارهم. وما زال إخراج الفلسطينيين مستمرًا وما زالت الصراعات في الأراضي الفلسطينية المحتلة دائرة. كما خاضت إسرائيل حروبًا مع البلدان العربية المجاورة لها في مناسبات أكثر، وما زالت المنطقة في حالة من انعدام الاستقرار النسبي.

2.2 خطة عوديد يينون

تم إنجاز غايات الاستقلال الذاتي والحماية الذاتية التي ذكرها هيرزل، وذلك على الرغم من أن هدف الحماية الذاتية ما زال حتى اليوم يعتمد بقوة على المساعدة العسكرية الأمريكية والأوروبية. في مقال نشر في عام 1982 بعنوان "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات" بقلم عوديد يينون (يينون أند شاهاك، 1982)، يُجرى نقاش أفكار جيوسياسية إضافية ذات علاقة بالمنطقة، وذلك بانسجام مع موقف إسرائيل وصراعاتها مع جيرانها. وهذا يمكن أن يكافئ دليلًا، أو كتاب إرشادات، لحل الأقطار العربية. كما يمكن اعتبار مزاعم المؤلف (يينون) أن العالم ينتقل إلى "عصر جديد من التاريخ البشري" نوعًا من الحقيقة البديهية: كل يوم هو يوم جديد للبشرية قاطبة، وإن التأسيس للعصور يختلف من ثقافة إلى أخرى بالرغم من زيادة العولمة.

تعتبر الدراسة إسرائيل جزءًا من العالم الغربي، وتذكر خطر "حرب عالمية متعددة المواجهات" وكذلك "أبعاد المواجهة العالمية التي سوف نواجهها في المستقبل". فهي بشكل أساسي ورقة بحثية حول الحرب. بعد التوسع في عرض مختلف جوانب التنوع في المجتمعات العربية، وبعضها عوالمي منذ قرون على أية حال، بما في ذلك الجزائر ومصر ولبنان وسوريا والسعودية والعراق، تبدأ "الخطة" بعرض سيناريوهات "الحل" (أو الإذابة) لهذه الأقطار على أساس ديني أو عرقي: "دولة قبطية مسيحية" في مصر، يمكن أن تؤدي إلى "سقوط وحل مصر"، وهذا بدوره سوف يطلق الشرارة التي سوف تسقط ليبيا والسودان.

كما جاء في المقال أيضًا: "تفكيك لبنان إلى خمس مقاطعات سوف يفيد باعتباره سابقة لما يمكن أن يحدث في كل العالم العربي بأسره بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه جزيرة العرب، وهو أمر ماضٍ في هذا السبيل. إن تفكيك سوريا والعراق فيما بعد إلى مناطق متميزة عرقيًا أو دينيًا كما في لبنان هدف أساسي لإسرائيل في الجبهة الشرقية على المدى البعيد، بينما تفكيك القوة العسكرية لهذه الدول سوف يكون الهدف الأولي على المدى القصير. سوف تتفتت سوريا، بحسب تكويناتها العرقية والدينية، وتتحول إلى عدة دول كما هو الحال في لبنان اليوم، بحيث تصبح هناك دولة علوية شيعية على امتداد الساحل، ودولة سنية في منطقة حلب، ودولة سنية أخرى في دمشق معادية لجارتها الشمالية، ثم هناك الدروز الذين سوف يقيمون دولة لهم، ربما حتى في الجولان التابع لنا، وبالتأكيد في حوران وشمال الأردن. سوف تكون هذه الأحوال هي الضمانة للسلام واستتباب الأمن في المنطقة على المدى البعيد، وهذا الهدف بات ممكنًا وضمن قدراتنا اليوم" (يينون أند شاهاك، 1982).

يمثل هذا الاقتباس رؤية فرق تسد الإسرائيلية للمنطقة، وعلى الأقل جزءًا من توجهاتها الفعلية. كان متوقعًا أن يؤدي الصراع بين العراق وإيران، طبقًا للمقال، إلى تفتيت العراق الذي يقول عنه يينون إنه "أكثر أهمية بالنسبة لنا من سوريا."

يستخدم المقال مصطلحات مثيرة للتساؤل، على سبيل المثال "تصفية الأردن تحت النظام الحالي...."


رالف شوينمان، المؤلف الذي انتقد بسبب "انحياز أيديولوجي شخصي" وبسبب نسبته "بعض ممارسات إسرائيل الخاطئة للتحريض الأمريكي" (كيلغور، 2024)، يورد في كتابه، الذي صدر بعنوان "التاريخ المخفي للصهيونية" (شوينمان، 1988، الصفحات 103-113)، ما يسميه "استراتيجية للفتح" بناءً على تحليل لخطة يينون: فرق تسد، حل لبنان وتفتيت سوريا، "هجوم" على إيران، استهداف العراق، "الغدر بمبارك"، إضعاف السعودية، وحل دول شبه الجزيرة العربية، وإخلاء فلسطين من سكانها.
يزعم شوينمان أن أفكار يينون لم تكن معزولة، بل تم تقديمها من قبل آرييل شارون وموشيه أرينز، وكذلك من قبل حزب العمل. كما يورد اللاءات الأربع للمنصة السياسية لحزب العمل في عام 1984: لا للدولة الفلسطينية، لا للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية (وهو ما ينبغي أن يتم تحليله من وجهة نظر النتائج)، ولا لحدود عام 1967، ولا لإزالة المستوطنات (شوينمان، 1988، صفحة 113).

في الثمانينيات كانت إسرائيل حينها دولة ديناميكية، مع أراضٍ جديدة احتلت بعد حرب عام 1967 وظلت محتفظة بها في حرب عام 1973، ومع المشروع المستمر للاستعمار الاستيطاني (غلوسكين، 2018).

ظلت المقاربة مرتكزة على الدولة إلى حد بعيد، وكان التركيز بشكل أساسي منصبًا على دولة إسرائيل، بينما رأت خطة (يينون) المحيط بأسره والدول العربية الأخرى مرشحة للحل والتفتيت بناء على خصائص عرقية ودينية.

2.3 تعريفات شاؤول كوهين الجيوسياسية والآراء الحالية الأخرى

نشر كتاب "الجيوسياسة" لمؤلفه شاؤول كوهين بادئ ذي بدء في عام 2003، وأُعيد نشره في عام 2009 ثم في عام 2015 (كوهين، 2015). يبدو أن جانبين مما أورده في كتابه يؤكدان وجهة نظر جيوسياسية ترتبط بوضع إسرائيل الإقليمي ومعوقاتها الجيوسياسية: تعريف ادعاء بلد ما بحقه في السلطة، ومفهوم الكيانات الجيوسياسية التي تتضمن "مناطق على درجة عالية من الاستقلالية" و"أشباه الدول".

إن الأركان الأربعة لادعاء بلد ما الحق في السلطة، والتي يذكرها في كتابه، هي: قوة عسكرية غاشمة والاستعداد لاستخدام هذه القوة، "طاقة اقتصادية فائضة" يتم تقديمها على شكل مساعدات أو استثمارات لبلدان أخرى، والقيادة العقائدية، ومنظومة حكم متماسكة (كوهين، 2015، صفحة 2). في الوقت الذي نجد فيه كتابه بشكل عام توصيفيًا جدًا فيما يتعلق بالمفاهيم الغربية، يمكن إدراك هذا التعريف باعتباره تعريفًا للقوة العسكرية الأمريكية فيما لو أخذ المرء بالاعتبار أول ركنين اثنين. على فرض أن إسرائيل ما زالت تعمل في تطوير الاقتصاد، وأن القوة العسكرية الكلية دعماً خارجيًا هائلًا، يمكن في نهاية المطاف التكيف مع ادعاء إسرائيل لحقها في النفوذ، وذلك ضمن الوضع الإقليمي.

رغم أن المؤلف لا يفصل في أمر الأثر الذي يتركه التنافس بين القوى العظمى على إسرائيل، يصرح الكتاب بأن "إعادة البناء الجيوسياسي الراديكالي عملية مستمرة" في سياق وجود عدد متزايد من الدول على الأرض، وفي ضوء ما يشهده العالم من تقدم في التعددية القطبية وفي الإقليمية. تأكيدًا على ما ورد في خطة عوديد يينون، يرى الكتاب أن الشرق الأوسط "قد أصبح أكثر تصدعًا وأشبه بالحزام المكسر" (كوهين، 2015، صفحة 33). وفي تأكيد إضافي على رأي يينون فيما يتعلق بالحل والتفتيت، يزعم كوهين أنه فيما يقرب من خمسة وعشرين عامًا، يمكن أن يتزايد عدد الدول الوطنية من 200 إلى 250، فيما يطلق عليه عملية التحول نحو اللامركزية.

مع ذلك، ورغم ذكره للدول الوطنية، إلا أن كوهين ينتقل مباشرة إلى فكرة "تلك الكيانات الجيوإقليمية الجديدة" التي يتوقع أن تصبح "أشباه دول" على درجة عالية من الاستقلالية، وليس دولًا وطنية كما ذكر في بداية الأمر. والمصطلح الآخر الذي يبدو مؤكّدًا على فكرة التفتيت المحتمل للدول هو "موت" الدولة الوطنية، والتي ترتبط في هذا الكتاب بتعزيز الكيانات الحاكمة في العالم وفي الإقليم، وبنفوذ المنظمات غير الحكومية، وبالتنميات الاقتصادية، إلخ. (كوهين، 2015، صفحة 49).

كما يقترح كوهين مناطق لديها القابلية لأن تصبح، من وجهة نظره، مستقلة أو أشباه دول: كويبك، كريت، كاتالونيا، سكوتلندا، ويلز، الشيشان، أرض الصومال، فلسطين العربية، كردستان (العراق)، من بين مناطق أخرى وكنفدراليات جديدة محتملة، من ضمنها الصين وتايوان ودول يوغسلافيا السابقة، ودول البلطيق، من بين آخرين (كوهين، 2015، الصفحات 57-59).

في الفصل 12، وهو بعنوان "حزام الشرق الأوسط المكسر"، يقدم المؤلف خريطة (الشكل 12.1) توجد فيها تركيا ضمن منطقة الحزام المكسر. لا تبرز الخريطة أجزاء ضخمة من السعودية وإيران ومصر واليمن باعتبارها "منطقة وطنية فعالة." نيوم، على سبيل المثال، لم تبرز باعتبارها منطقة وطنية فعالة في كتابه. بل يبرز كل الأراضي الإسرائيلية إما باعتبارها إكيومينز أو منطقة وطنية فعالية، جزء صغير من الضفة الغربية، ولكن لا شيء من قطاع غزة كمنطقة وطنية فعالية. معظم الأراضي الأردنية أيضًا لا يتم إبرازها باعتبارها منطقة وطنية فعالة.

يمكن تعريف الإكيومينز على أنها "مساحات ذات كثافة سكانية عالية ونشاط اقتصادي كبير"، ومناطق وطنية فعالة، ومناطق إقليمية فعالية باعتبارها "مساحات مأهولة بشكل معتدل ولديها قواعد موارد مواتية" (كوهين، 2015، الصفحات 39-40).

تبدو جميع هذه المفاهيم داعمة أو مبررة لتطلعات إسرائيل التوسعية في الإقليم، ولمفاهيم سابقة مثل أرض "جرداء" أو "خالية". على الرغم من أن هذا الكتاب مجرد تنظير، وربما كان معبرًا عن رأي المؤلف، إلا أن مثل هذا النوع من الآراء لديه القابلية لأن ينقل النقاش من "وحدة الأراضي أو الاستقلال السياسي للدولة" (المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة) إلى مساحة أخرى تكون فيها مناطق من الدول ذات السيادة، سواء كانت قوية أو ضعيفة، لا يتم إبرازها باعتبارها مناطق وطنية فعالة، انطلاقًا من تعريفات ذاتية.

بالطبع، هذا لا ينال مباشرة من سيادة تلك البلدان على أراضيها، ولكن احتمال التأويل لا يمكن استبعاده، وخاصة في مثل هذا السياق من التعريفات، وفي سياق ما يصدر عن سياسيين إسرائيليين معينين من تصريحات سياسية بشأن فلسطين العثمانية: قد يشعر الأردن بأنه مهدد، وكذلك مصر.

كان الرئيس أردوغان قد صرح في مايو / أيار من عام 2024: "... إذا لم يتم وقف هذه الدولة التي اسمها إسرائيل، فسوف تضع عينيها على الأناضول ضمن وهم أرض الميعاد ..." (ميدل إيست مونيتور 05، 2024).

ثمة مفهوم آخر مهم من هذا الكتاب، ألا وهو "التوازن"، إضافة إلى المطبات والنظام الدولي، من وجهة نظر المنظومة، وهو ما يشير، ثانية، إلى "مقاربة تنموية"، بالإشارة إلى "قياس النمو العضوي" لهيربيرت سبنسر (كوهين، 2015، الصفحة 59).

نشر يوسي ساريد مقال رأي في عام 2011 في موقع صحيفة هآريتز، اعتبر فيه أن الركنين التقليديين للاحتلال الإسرائيلي كانا التاريخ والأمن، ووصف ما اعتبر حينذاك ركناً إضافيًا جديدًا بأنه "ليس ركناً وإنما ثعبانًا"، مجادلًا حينذاك ضد الظهور المزعوم لما سمي الحاجة إلى "اللبننة" (ساريد، 2011).

كانت مقولته المتعلقة بالمأزق الأمني الذي تواجهه إسرائيل على النحو التالي: "الثاني، اشترطت المدرسة الفكرية القائمة على الأمن أننا بحاجة فعليًا إلى جميع الأراضي من أجل الدفاع عن الذات" (ساريد، 2011). بينما ليس واضحًا ما إذا كان الكاتب يؤيد هذه المقولة أم لا، إلا أن تدبره يؤكد على الحجة التي تخدم كلا الأمرين، أمن إسرائيل والقضية التوسعية لإسرائيل الكبرى.

لم تزل لازمة "العصر الجديد" أو "الحقبة الجديدة" تستخدم في العديد من المناسبات. في سلسلة تدوينات أدريان ستاين (ستاين 2، 2024)، يبين السيد ستاين أن "الصهيونية 2.0" ماضية في تأسيس "القاعدة للحضارة الجديدة الناشئة المتمركزة والقائمة في إسرائيل، مدفوعة بثقافة إسرائيل ولغتها وشعبها الموهوب". والمدى هنا عالمي، فطبقًا للكاتب: "تسعى الصهيونية 2.0 إلى تغيير وتحويل الأساس المادي والاقتصادي القائم للعالم، ومن خلال هذه الجهود تمهد لنشأة كيان عالمي جديد أو حضارة إن وددت القول". والمتصور هنا هو التطور التكنولوجي والعلمي إضافة إلى انتشار الشركات الناشئة.

ولذلك، كيف ينعكس هدف إسرائيل الكبرى في الأدبيات المعاصرة وفي التقارير الإعلامية التي ورد تحليلها آنفًا؟ لربما كان الجانب الأهم على الإطلاق هو أن ذلك ليس مختلفًا كثيرًا عما كان عليه الحال في مطلع القرن العشرين، أو خلال الثمانينيات من القرن الماضي، من وجهة النظر الجيوسياسية. يستخدم أدريان ستاين عنوان "من الفرات إلى النيل" (ستاين 2، 2024)، بينما يصر شاؤول كوهين على نفس الاصطلاح الذي يتكيف مع الاستيلاء على الأرض بالقوة، ومن خلال تعريف خواص ما يسمى العصور "الجديدة".

تبدو الأطروحات التي تدفع باتجاه توسع إسرائيل الكبرى مرتبطة بفكرة الدولة الديناميكية، بمعنى التوسع في مساحة الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، إذا ما أخذ المرء بالاعتبار التهديد الأمني الذي ورد نقاشه آنفاً، وتفتيت أو إذابة الدول العربية على النحو الذي ورد طرحه في خطة عوديد يينون. تبدو جميع المواد التي تناولها التحليل مرتكزة على الدولة بغض النظر عن اتجاهها. وتبدو خاصية العالمية للفرضيات الجيوسياسية غير موجودة ومتهافتة من ناحية الاستنساخ المحتمل. وعلى هذا النحو، لم تزل مزاعم العالمية المرتبطة باحتمال تشكل حضارة عالمية جديدة بحاجة إلى إثبات، وحتى فيما لو تم إثباتها، فإنه لا يوجد إشارة واضحة بخصوص متى يمكن أن تستمر مثل هذه الحضارة المحتملة.

ينعكس تطور الخطاب السياسي كأداة في دعم إسرائيل الكبرى (بهنام، 2023) من خلال تهذيب سياسة الهسبرا، أي الدبلوماسية الشعبية المدنية. وهذه تكافئ "السيطرة على السردية كعنصر في الاستراتيجية" كما عبر عن ذلك السفير تشاس دبليو فريمان (فريمان، 2024)، تحت عنوان "فن الخداع" من خلال مقال نشر في موقع قناة تي آر تي العالمية (تي آر تي العالمية، 2021)، وعبر عنه بعبارة "آلة الدعاية" سام حمد (حمد، 2023).

التداعيات الجيوسياسية المحتملة لمشروع إسرائيل الكبرى

على الرغم من أنه ليس جديداً، إلا أن مشروع إسرائيل الكبرى يحظى كما يبدو باهتمام متجدد في ضوء الحرب الأخيرة في غزة، والتي يقال إنها نجمت عن موت ما يزيد عن 34 ألفاً وجرح ما يزيد عن 78 ألفاً من الفلسطينيين، وإمكانية اندلاع حرب في لبنان.

يبدو أن هذا التطور الأخير في غزة قد أوقف على الأقل توقيع اتفاقيات أبراهام مع السعودية، ولكن فيما لو مضت إسرائيل في تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى، والتي تنسجم خرائطها مع مطالب هيرزل الإقليمية، والتي تشير بوضوح إلى الرغبة في التوسع داخل الأراضي السعودية، بما في ذلك نيوم، وطبقاً لآفي ليبكين تشمل مكة والمدنية، فإن السلام الإقليمي المتصور يصبح مفهوماً ضبابياً. لا يوجد مفهوم جوهري بعيد المدى يمكن التعرف عليه من خلال المنشورات الخاضعة للتحليل يشير إلى احتمال أن تنضبط إسرائيل بما يحول دون التوسع في الأراضي. ومن هنا فإن من الصعب التمييز، انطلاقاً من البيانات التي تم تحليلها، بين الصبر الاستراتيجي المحتمل لمخططي مشروع إسرائيل الكبرى – الذي يمكن أن يتصور مدة زمنية أطول لإنجاز هذا المشروع ومقاربة الخطوة تلو الخطوة، والاتفاق المحتمل بين إسرائيل والسعودية على نسق ما تم إبرامه مع الجيران الآخرين، لتشكيل نوع من التحالف أو الاتحاد للخروج بخريطة كتلك التي استعرضها مؤخراً الجنود الإسرائيليون. ولكن، وأخذاً بالاعتبار الوضع القائم في هذه المرحلة الزمنية من التاريخ، والنزوع التاريخي لدى الاستراتيجيين الإسرائيليين نحو مقاربة مرتكزة على الدولة، فإن الخيار الأخير قد لا يكون محتملاً.


تبدو الديناميكيات الجيوسياسية الإقليمية موسومة بمختلف أشكال الصراع الذي يشير باتجاه نشاط في مشروع إسرائيل الكبرى، وتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، والمواجهة المتزايدة بين إيران وحلفائها من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما من جهة أخرى. لا يبدو أن تركيا تلعب دوراً بارزاً في هذه المواجهة، ويبدو أن السعودية تنتظر تبلور حدث معين وانطلاقه في اتجاه ما. يتردد أن هذا الحدث ربما كان الاعتراف (من قبل إسرائيل) بدولة فلسطينية.

يرى شاؤول كوهين أن المنظمات العالمية تنزع نحو إضعاف سيادة الدولة. لربما تم التعبير عن هذه المقاربة من مركزية الدولة من وجهة نظر جيوسياسية لا تتضمن أهمية التجارة. ولكن لا بد من التأكيد على أن إسرائيل تعتمد بشكل خاص على الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الحلفاء بدلاً من مجلس الأمن الدولي، لتنفيذ سياستها الدفاعية. يضاف إلى ذلك أن التوترات الناجمة عن الإصدار المحتمل لمذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من قبل المحكمة الجنائية الدولية تؤدي إلى مزيد من التباعد بين إسرائيل والمنظمات الدولية.

قد تحدد مقاربة مشروع إسرائيل الكبرى مختلف ردود الفعل الإقليمية والعالمية. حتى وقت قريب، ساهمت مقاربة الخط الرمادي في التعامل مع المناطق الفلسطينية المحتلة، والتي يمكن أن تعتبر مشروعاً استيطانياً بطيئاً على المدى الطويل، نظراً لأنها أفضت إلى زيادة الوحدات الاستيطانية، إلى جانب ما ترى وسائل الإعلام من حين لآخر أنه "مصاعب" اقتصادية ومالية مصرية ولبنانية، في ضمان حدوث تقدم ما لإسرائيل خارج حدود عام 1967. ولكن، وعلى الرغم من إنجاز بعض النجاحات، مثل اتفاقيات أبراهام الأخيرة، يجب أن يتم التأكيد كذلك على أنها لم تتمكن من الإبقاء على احتلال شبه جزيرة سيناء أو الدولة العميلة التي ساعدت في إيجادها ودعمتها في جنوب لبنان خلال فترة الثمانينيات من القرن الماضي. وكذلك، على الرغم من أن سوريا تواجه مصاعب خطيرة، إلا أنها لم تتفسخ. وكذلك، من شأن الصفقة التي أبرمتها أنقرة مع العراق أن تعزز الأمن في منطقة كردستان العراق، بدلاً من زيادة إمكانية اندلاع مزيد من الصراعات الأوسع انتشاراً. من هذا الجانب، فإن "الحزام المكسر"، الذي تمتاز به هذه المنطقة، قد يبدو اضطراباً أكثر استقراراً بدلاً من كونه اضطراباً مستقراً: لم يحدث أي تغير جيوسياسي حتى الآن، ولم يعد رسم أي حدود. بالإضافة إلى ذلك، فإن دولاً مثل إيران وتركيا ومصر باتت أكثر انتباهاً من هذا الجانب، ويبدو أن العراق يعود إلى البروز كقوة اقتصادية إقليمية بإمكانها أن تحفز علاقات القوة الإقليمية. يبدو أن هذه الاتجاهات الإقليمية قصيرة المدى تعزز قدرة المنطقة على التفاعل مع احتمال توسع حدود إسرائيل عبر استخدام القوة.

بينما يظل دعم الولايات المتحدة قوياً عبر الطيف السياسي بأسره، فإن التكاليف السياسية والاقتصادية لحرب حدودية محتملة قريباً من حدود إسرائيل يمكن أن ترتفع بالنسبة للقوة العظمى التقليدية. في السياق الأشمل لنموذج المواجهة مع القوة العظمى، ففي المشهد التصادمي المتنامي بشكل عام واحتمال انطلاق سباق تسلح عالمي، غاياته الدفاع عن النفس، أياً كان المعنى، قد تصبح الأولويات الأمريكية أكثر وضوحاً في هذا السياق. وأياً كانت.

تواجه خطة إسرائيل المحتملة لأن تغدو مركزاً أو طريقاً تجارياً يربط أوروبا بآسيا، وتحظى بنفوذ كمزود للمنتجات الهيدروكربونية، وخاصة لأوروبا، تحديات من اتجاهات متعددة: من المحتمل أن تبقى الصين مستخدمة لقناة السويس الموجودة حالياً. وربما الهند كذلك، ما لم تحصل على محفزات اقتصادية وسياسية أكثر من قبل مناصري البدائل. وبنفس الشكل، فقد غدت تركيا مركزاً مهماً لخطوط أنابيب النفط، وتبرز كطريق تجاري دهليزي في الشرق الأوسط كذلك. ومن هنا، بينما يمكن لإسرائيل أن تقدم بدائل للطرق التجارية القديمة والجديدة، فإن نفس الإقليمية والتعددية القطبية التي ذكرها شاؤول كوهين يمكن أن تؤدي إلى أنماط تنمية اقتصادية جديدة تتطلب من إسرائيل تصور سياسات إقليمية جديدة على درجة من الكفاءة، يمكن أن تكون أو لا تكون معتمدة على نفس المستوى من الدعم من الشركاء الأمنيين التقليديين. ما إذا كانت هذه النماذج الجديدة المحتملة منسجمة مع الغاية التقليدية والفعلية لمشروع إسرائيل الكبرى، يظل موضعاً للتحليل، أساساً من قبل إسرائيل نفسها، وكذلك من قبل جيرانها وشركائها الإقليميين بالدرجة الأولى.

الخلاصات
كانت الغاية من هذه المقالة هي توصيف مفهوم "إسرائيل الكبرى" من الناحية الجيوسياسية. بعد تحليل النظريات الكلاسيكية والتنقيحية حول الجيوسياسة، فقد تم تحديد أربعة مؤشرات لتقييم نشأة وتطور هذا المصطلح تاريخياً، بدءاً من مطلع القرن العشرين وحتى الحاضر. كانت المؤشرات هي: الخاصية الديناميكية للدولة، (درجة) المقاربة الجيوسياسية المرتكزة على الدولة، والعالمية كفرضية في المطالب والمفاوضات، ولكن أيضاً في الحديث السياسي، وكذلك (الدرجة التي) يتم من خلالها استخدام الخطاب السياسي أداة لتنفيذ الغايات الجيوسياسية، بما في ذلك مشروع إسرائيل الكبرى.

تم تحليل ثلاث مناسبات رئيسية لتأسيس إسرائيل وتطورها كدولة: المفاوضات التأسيسية التي أجراها تيودور هيرزل وأنصاره، خطة عوديد يينون، والمفاهيم الجيوسياسية للقرن الحادي والعشرين كما قدمها شاؤول كوهين وغيره من الكتاب. تشير البيانات التي خضعت للتحليل إلى رغبة منتظمة وطويلة المدى لإنجاز إسرائيل الكبرى التي تمتد من مصر إلى العراق، والتي لديها القابلية لأن تشتمل على مناطق من لبنان وسوريا والسعودية ومصر والأردن.

لا يوجد مؤشر واضح على أن إسرائيل يمكن أن تتخلى عن هذا الهدف، أو أنها يمكن أن تقدم تنازلات بشأن مشروع إسرائيل الكبرى. مع ذلك، فإن اللازمة التي تظهر في الجدل حول مشروع إسرائيل الكبرى، أي الكلام عن سرمدية الحقبة أو العصر "الجديد"، يمكن بالفعل أن يكون سبباً وجيهاً للمراجعة والتدبر. فكما أن العالم، كما يقال، يتجه نحو نهاية حقبة النفط الكبيرة، وتتعدد طرق التجارة على المستويين العالمي والإقليمي، فسوف تكون ثمة حاجة لدى القوى العظمى إلى تغييرات جديدة في النموذج حتى تتنافس سلمياً مع القوى الصناعية والتجارية الناشئة. وبينما تتمتع إسرائيل بالاستقلال الذاتي وتزيد من حصتها فيما يُبذل من أجل ضمان حمايتها الذاتية، فإن أهمية الدعم الخارجي قد تبقى مكوناً أساسياً من مكونات سياستها الإقليمية. عند تحليل مشروع إسرائيل الكبرى، ينبغي على المرء أن يأخذ بالاعتبار ما إذا كانت دولة الحرب الدائم منسجمة مع التطلعات نحو التنمية الاقتصادية في أوقات السلم، والتي من المفترض أن تتنافس مع القوى الاقتصادية المتنامية بسرعة في الحقبة الجديدة. وبالمثل، فإذا ما أخذنا بالاعتبار الوضع الأمني المتقلقل حالياً، يبقى من غير الواضح ما هي الضمانات الأمنية التي يمكن لإسرائيل والبلدان العربية أن تقدمها وتطالب بالتحرك نحو تنمية أكثر قابلية لأن يتم التنبؤ بها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة دولية إسرائيل إسرائيل الكبرى إسرائيل الاحتلال إسرائيل الكبرى المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مشروع إسرائیل الکبرى الفلسطینیة المحتلة العلاقات الدولیة على سبیل المثال على الرغم من أن القرن العشرین الشرق الأوسط لبنان وسوریا منطقة وطنیة هذه المقالة من وجهة نظر فیما یتعلق إسرائیل فی فی الإقلیم هذا الکتاب بما فی ذلک على الأرض على المدى على الأقل فی کتابه من خلال ذلک على مصر إلى فیما لو یبدو أن ومن هنا مزید من یمکن أن مثل هذا أن تقدم فی مصر ا یمکن من قبل من نهر إلا أن فی هذه من هذا على أن ذلک من ما بعد فی عام من أجل

إقرأ أيضاً:

فلسطين: القضية الكبرى وشاخص البوصلة الذي لا محيد عنه


خالد بن سالم الغساني

على مدى عقود استمر الاستيطان الصهيوني القمعي البغيض، للأراضي الفلسطينية، منذ وعد بلفور المشؤوم؛ الأرضية التي هيأت الطريق للاحتلال الاستيطاني الفعلي لفلسطين، ثم الانتداب البريطاني الذي منحته عصبة الأمم لبريطانيا بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، كمكافأة لها على دورها الاستعماري والتآمري ولإكمال حلقات المؤامرة؛ وما قامت به بريطانيا بعد ذلك من تسهيل ودفع بالهجرات اليهودية الى فلسطين ثم السماح بإنشاء مؤسسات صهيونية تمثلت في الوكالة اليهودية، التي عملت على بناء هياكل دولة موازية.

وقد انطلقت المقاومة الفلسطينية الأولى ضد الهجرات اليهودية المسنودة بالسياسات الاستعمارية البريطانية، وسنوات النكبة وإقامة دويلة الاحتلال، وما جاء بعد ذلك من مقاومة مسلحة من خلال تنظيم الشعب الفلسطيني لصفوفه وتشكيل فصائل النضال الفلسطيني المختلفة والمتعددة أساليب نضالها ومقاومتها للاحتلال، وما تلاها من انتفاضات شعبية، قبل وبعد اوسلو؛ فإن القضية الفلسطينية ظلت وستظل رمزاً للصمود والكفاح من أجل الحرية، تجسد نضال شعب مقاوم، سلبت منه أرضه وطرد شعبه، ونُكل به في الشتات وفي مخيمات اللجؤ، ومن تبقى منه أو عاد بعد أوسلو المشؤوم، وظن انه استقر، جاءت الأيادي الصهيونية الآثمة لتعيده إلى نقطة الصفر مرة أخرى وتدمر مساكنه على عروش ساكنيها، تقتل الأطفال، وفقاً لخطة معلومة؛ باعتبارهم مقاومي الغد، وتحاصر الجميع بعد أن تقطع كل وسائل الاتصال والتواصل والإمداد، معهم أو اليهم، إلا ما يريده ويقدره الكيان الاستيطاني وسماسرته، شعب لا يعرف الكلل أو الملل او الخوف والتراجع في سبيل استعادة حقوقه المشروعة في أرضه وهويته. 
ومنذ النكبة في العام 1948م التي شهدت تهجير مئات الآلاف وتدمير قرى بأكملها، أصبحت فلسطين المرآة الكبرى التي تعكس مدى التزام العالم بمباديء العدالة والحرية والكرامة. إنها معركة إنسانية تكشف عن مأساة مستمرة لشعب سُلبت منه أرضه، ونكل به وشرد من قبل قطعان الاستيطان الصهيوني، وتعددت اوجه ووسائل القتل والتشريد والتهجير ضده، وخذلان العالم لقضيتة ولشعبها، وتسليمه لقوى الشر الأمريكي والغربي وما تفعله وتأمر به في هذا الموضوع من اجل بقاء ودوام دويلة الاحتلال الاسرائيلي، ولتنفيذ سيطرتها على العالم وقيادته وتوجيهه وفقاً لحاجاتها ورغباتها.
لذلك فإن دعم فلسطين والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية هو التزام أخلاقي بمبادئ المساواة والقيم الانسانية، وهو اختبار لصدق الشعارات الإنسانية التي ترفعها منظمة الأمم المتحدة وتتغنى بها.
فلسطين هوية وحضارة، واماكن طاهرة ومقدسة، تجسدت في القدس ومسجدها الأقصى، وفي بيت لحم مولد السيد المسيح وكنيسة المهد، في كل شجرة زيتون وحجر في حيفا ويافا والجليل وبيت المقدس، في كامل ترابها، إنها قضية ينبغي أن تجمع العالم وشعوبه على اختلاف أديانهم وثقافاتهم، لأنها تعبر عن جوهر الإنسانية، فالحق في العودة وتقرير المصير وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة، هي حقوق غير قابلة للتصرف، هكذا كرستها القوانين والمواثيق الدولية، وقد سقط من اجلها الاف الشهداء وهُجّر وشُرّد ونُكّل بشعب كامل، لكنها ما زالت تنتظر التنفيذ. 
فلسطين؛ شمس تشرق كل يوم، لتذكّرنا بأن كرامة الإنسان وحريته هي أساس الحضارة، وأن التضامن مع المظلوم واجب ملزم التنفيذ، إنها رمز وايقونة للنضال ضد الاحتلال والاستعمار، وكم ألهمت قضية فلسطين ونضال شعبها من حركات تحررية عالمية، مؤكدة أن الصمود الفلسطيني هو فعل إنساني مشروع، يصحح ويرسخ معنى التضحيات من أجل الوطن ويصوغ تعريفه.
رغم كل تلك التضحيات والمآسي، وأهمية القضية، واعتراف العالم كله بمشروعيتها، إلا أنها لا زالت تواجه تحديات كبيرة، بفعل مؤامرات الصهيونية العالمية وعقليات الاستعمار الأمريكي والغربي، التي ما انفكت تضع في طريقها العراقيل الكبرى واحدة تلو الأخرى، بدءاً من التطبيع الذي يسعى لتغييب الحق الفلسطيني، مروراً بالتخاذل والتراخي العربي المستمر، إلى الصمت الدولي المريب والضالع في المؤامرة التي تعزز من قدرة القوى الاستعمارية والصهيونية على الإفلات من العقاب، وتمييع الأنظمة وابتداع الوسائل لذلك. 
إن هذه التحديات تزيد من مسؤولية الأفراد والشعوب الحرة وتحملهم مسؤولية القيام بواجبهم الإنساني تجاه دعم قضية فلسطين وكفاح شعبه الشرعي، وبشتى الوسائل، سواء من خلال دعم حركات المقاومة، أو نشر الوعي، أو المقاطعة للكيان الصهيوني وكل داعميه، أو المشاركة في الأنشطة التضامنية؛ فكل خطوة نخطوها في هذا الإطار تقرِّب العالم من تحقيق العدالة، ففلسطين لم تعد قضية الفلسطينيين وحدهم ولا العرب وحدهم، إنها القضية التي ينبغي أن توجه لها وإليها بوصلة العالم أجمع وضميره. 
إن الصور التي تظهر تدمير كل شيء وسحق أي شيء، واستهداف المدنيين بشكل مخطط وممنهج، من قبل آلة الكيان الاستيطاني، تقول لنا ولكل أحرار العالم إن الصمت تجاه هذه القضية، هو تواطؤ مع الظلم، وتدعونا وتستصرخنا لأن نُفعّل وننظم  حركات التضامن العالمية، وكل أشكال المقاطعة، وخروج المظاهرات المليونية في عواصم العالم المختلفة، تضامناً مع الشعب الفلسطيني في كل ما يواجهه ضد سلطات الإحتلال، لتعزز من صموده وتلهم حماسه لاستمرار المقاومة وتحدي أعتى أشكال القتل والدمار الذي تمارسه الصهيونية العالمية. ولتقول للقوى والعقليات الإستعمارية والاستيطانية، إن فلسطين رمز لكل شعب يناضل من أجل الحرية. 

قضية فلسطين اليوم هي شاخص بوصلة احرار وشرفاء العالم الأولى، لا بد أن تكون حاضرة باستمرار في ضمائرنا ومواقفنا، فكل صوت يرتفع من أجل فلسطين، وكل خطوة تُتخذ في سبيلها، هي خطوة نحو عالم أكثر عدلاً وإنسانية.
فلتظل قضية فلسطين، القلب النابض للعدالة، والنور الذي يهدي الضمائر حتى تتحقق أحلام شعبها في استعادة كامل حقوقه على تراب ارضه وحريته وكرامته. 

مقالات مشابهة

  • نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى | تصريحات خطيرة تهدد استقرار المنطقة.. وخبير: طرح يلغي الدولة الفلسطينية
  • قيادي بالجبهة الوطنية: «إسرائيل الكبرى» حلم زائف .. ونتنياهو يتعامل على أنه فوق القانون الدولي
  • مختار جمعة يحذر من مخاطر «إسرائيل الكبرى» على المنطقة العربية.. فيديو
  • فلسطين: القضية الكبرى وشاخص البوصلة الذي لا محيد عنه
  • مصطفى بكري: «النقد مسموح لكن توجد خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها»
  • ما المقصود بـ ''إسرائيل الكبرى'' التي تحدث عنها نتنياهو في تصريحات أثارت ضجة عالمية؟
  • الخارجية: ما يسمى بـ «إسرائيل الكبرى» أمر لا يمكن القبول به أو السماح بحدوثه
  • ما هو مشروع E1 الذي يدفن فكرة الدولة الفلسطينية؟
  • قنبلة إسرائيل الكبرى التي ألقاها نتنياهو