إستراتيجية الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تعكس غرائز محارب قديم في الحرب الباردة كانت مألوفة، وهي احتواء الصراع، غير أن هذه الإستراتيجية فشلت فشلا ذريعا بعد 30 شهرا، أدى إلى معاناة هائلة وتحولات جيوسياسية كبيرة.

وأوضحت صحيفة غارديان -في مقال بقلم سايمون تيسدال- أن بايدن تحدث في مارس/آذار 2022، بعد شهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، ورسم خطا أحمر عند أصابع قدمي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وحذر قائلا "لا تفكر في التحرك على شبر واحد من أراضي حلف شمال الأطلسي (ناتو)".

وتعهد بايدن بأن الحلفاء الغربيين سيقدمون الأسلحة والمساعدات لكييف، ويفرضون عقوبات اقتصادية ومالية شاملة على موسكو، حتى ينهار الروبل، وأوضح أن بلاده ستساعد أوكرانيا في الفوز بهذه المعركة الرمزية من أجل الحرية والديمقراطية، ولكن من دون مواجهة مباشرة بين روسيا والناتو إلا إذا هاجمته روسيا.

انقسامات وتحولات

صحيح أن حربا "ساخنة" بين روسيا والناتو تم تجنبها حتى الآن، إلا أن الأراضي البولندية والرومانية تأثرت بالصواريخ الضالة والهجمات البحرية، ويزعم بوتين أن الغرب يشن حربا بالفعل على روسيا ويهددها بالأسلحة النووية، خاصة أن منطقة البحر الأسود بأكملها متورطة.

وأثارت الأزمة -حسب الكاتب- انقسامات بين الولايات المتحدة وأوروبا في الناتو، وداخل الاتحاد الأوروبي، واندلعت الخلافات حول إرسال قوات وصواريخ بعيدة المدى إلى أوكرانيا، ودعوة كييف للانضمام للتحالف، وصياغة "هوية دفاعية" أوروبية منفصلة.

وأشار الكاتب إلى أن هذا الفشل في احتواء الحرب يشجع على حدوث تحولات جيوسياسية زلزالية، من أبرزها الشراكة "بلا حدود" بين الصين وروسيا، بحيث يحصل الرئيس الصيني شي جين بينغ على نفط رخيص، ويحصل بوتين على تكنولوجيا مزدوجة الاستخدام تكسر العقوبات، بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي.

غير أن الأمر أكثر من ذلك بكثير، ففي قمة بريكس التي استضافها بوتين الأسبوع الماضي، انضمت إلى المنظمة إيران وكوريا الشمالية وسوريا وفنزويلا، وكذلك تركيا العضو في الناتو، حيث يتصور بوتين تحالفا عالميا مناهضا للغرب، في حين يتصور شي نظاما عالميا جديدا في القرن الـ21 بقيادة الصين بعد أميركا.

وأكد تيسدال أن هذه ليست أحلاما فارغة، لأن إدانة الغرب للعدوان الروسي في أوكرانيا ورفضه إدانة العدوان الإسرائيلي في فلسطين وتسهيله النشط له، يمثل معيارا مزدوجا لا يطاق بالنسبة للعديد من الدول وبالفعل غيّر مواقف بعضها.

حرب مكلفة

والحقيقة هي أن الحرب تغذي التطرف السياسي بين اليمين واليسار مع تزايد الدعم للمدافعين الشعبويين من جانب بوتين، ففي مولدوفا، تعرض الاستفتاء على عضوية الاتحاد الأوروبي في نهاية الأسبوع الماضي للتشويه الشديد بسبب ما وصفته رئيستها مايا ساندو بعملية رشوة ضخمة من جانب "مجموعات إجرامية تعمل مع قوى أجنبية"، أي عملاء الكرملين، حسب الكاتب.

والآن تراقب موسكو الانتخابات التي تجري هذا الأسبوع في جورجيا حيث تتآمر سرا لضمان خسارة الأحزاب المؤيدة للغرب -كما يقول الكاتب- خاصة أن مثل هذه الحرب الهجين كالتخريب والتضليل وعمليات التأثير والهجمات الإلكترونية والاحتيال والتصيد عبر الإنترنت، قد انتشرت في مختلف أنحاء العالم منذ عام 2022، حيث تحذو الأنظمة الاستبدادية حذو روسيا.

ونبه تيسدال إلى أن الحرب في أوكرانيا تحول الانتباه عن صراعات خطيرة أخرى، في السودان وميانمار، كما تسببت الهجمات على صادرات الحبوب في كييف في نقص الغذاء وارتفاع الأسعار مما أضر بالدول الأكثر فقرا، كما زادت بشكل كبير من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.

وتساءل الكاتب إلى أي مدى كان من الممكن منع حدوث هذا؟ لينبه إلى أن بايدن كان صريحا ومتباهيا في وارسو 2022، وقال إنه، لما علمت أجهزة الاستخبارات الأميركية أن الغزو وشيك، حذر بوتين مرارا وتكرارا من أن هذا سيكون خطأ كبيرا، ولكنه كان ينبغي أن يقول لبوتين بصراحة "انس الأمر. لا تغز. وإلا فستجد نفسك تقاتل حلف شمال الأطلسي الأكثر تسليحا والأكثر قوة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ترجمات

إقرأ أيضاً:

الحكومة بلا استراتيجية.. جنرال إسرائيلي سابق يحذّر: نحن على حافة كارثة

قال اللواء احتياط يفتاح رون-تال: "حماس لا يجب أن تبقى في غزة بعد الحرب، فهي ليست شريكًا ولا جارًا، ولا مكان لها قربنا". اعلان

حذّر اللواء احتياط يفتاح رون-تال، القائد السابق لقوات البرّ في الجيش الإسرائيلي، من أن إسرائيل "تقترب من حافة كارثة" مع استمرار تمركزها في قطاع غزة بعد نحو عامين من الحرب، منتقدًا الحكومة لغياب استراتيجية واضحة في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية.

وقال رون-تال في مقابلة مع إذاعة "103FM"، الخميس: "نحن على شفا كارثة.. فقدنا السيطرة على الملف الإنساني. هناك وفرة من الغذاء في غزة، لكن معظمها يصل إلى حماس".

وأكد أن العجز عن إدارة الوضع المدني يقوّض المكاسب العسكرية التي حققتها القوات الإسرائيلية، مضيفًا: "لا يمكن خوض حرب في منطقة تحتلها من دون إنشاء جهة تدير الشؤون الإنسانية والمدنية. هذا الإخفاق يضرّ بنا الآن. عسكريًا، حماس بالكاد تعمل، لكن على المستوى المدني ما زالت تسيطر على كل شيء. كان على الجيش أن يسيطر ويستغل ذلك لتنصيب قيادة بديلة".

أهداف الحرب "ما زالت غامضة"

دعا رون-تال الحكومة إلى تحديد أهدافها بوضوح وتجنّب التردد، قائلاً: "الحرب لا يمكن أن تستمر إلى الأبد. لدي انتقادات حادة للحكومة. عليها أن تقرر إلى أين نتجه، خاصة وأن التوصل إلى صفقة جزئية قد لم يعد ممكنًا".

وبشأن انسحاب القوات من بعض مناطق غزة، أقرّ بوجود حالة إنهاك عملياتي متزايدة: "قوات الاحتياط منهكة بشدة، والجيش في حالة جمود. أنهى أهدافه في عملية "مركبات جدعون" وهو الآن بانتظار القرارات السياسية. حماس لا يجب أن تبقى في غزة بعد الحرب، فهي ليست شريكًا ولا جارًا، ولا مكان لها قربنا".

دعوة لـ "السيطرة الإقليمية"

شدد رون-تال على ضرورة أن تحافظ إسرائيل على سيطرتها العسكرية داخل القطاع، قائلاً: "نحن على الخطوط الأمامية ونسيطر على معظم غزة. يجب أن نقيم خطًا دفاعيًا ونضم المنطقة عمليًا وإداريًا. يمكننا الاحتفاظ بها بقوات محدودة نسبيًا، ما لم نتبنَّ نموذج جنوب لبنان، حيث نضرب البنية التحتية كلما شكلت تهديدًا. ما البديل؟ الانسحاب؟".

Related ترامب يريد إطعام غزة وقادة ديمقراطيون للرئيس: "هذه فرصتك للوفاء بوعدك لإنهاء الحرب"من تل أبيب.. ويتكوف يؤكّد لعائلات المحتجزين في غزة استعداد حماس لنزع سلاحها والحركة تنفيالجوع يحصد أرواح 162 فلسطينيا بينهم 92 طفلًا واليونيسف تحذرّ: غزة تجاوزت عتبة المجاعة

"المشكلة داخلية"

ورأى أن التهديدات بالضغط الدبلوماسي الدولي مبالغ فيها: "هل وضعنا السياسي سيئ؟ الدول التي ستدعم دولة فلسطينية في الأمم المتحدة فعلت ذلك بالفعل. المشكلة الحقيقية داخلية، ومن يؤجج التوتر موجود هنا".

وانتقد رون-تال معارضة فرض الحكم العسكري المباشر في غزة، معتبرًا أن هذا الموقف نابع من "رفض الظهور كقوة احتلال": "نحن ننسى أن الجيش ليس هو من يملك الدولة، بل الدولة هي التي تملك الجيش. فكرة توزيع الأدوار جاءت من الأميركيين.. انظروا إلى أين أوصلتنا".

وكانت حركة حماس قالت، السبت، إنها لن تتخلى عن سلاحها قبل إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وذلك في رد على تصريحات المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تحدث فيها عن "استعداد" الحركة لنزع سلاحها.

وأضافت الحركة، في بيان: "نؤكد مجددا أن المقاومة وسلاحها استحقاق وطني وقانوني ما دام الاحتلال قائما، وقد أقرته المواثيق والأعراف الدولية، ولا يمكن التخلي عنهما إلا باستعادة حقوقنا الوطنية كاملة، وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس".

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن ويتكوف تصريحات أفادت بأن حماس أعربت عن استعدادها للتخلي عن سلاحها. مشيرا في الوقت ذاته إلى أن رئيس الوزراء الإسرئايلي بنيامين نتنياهو، ملتزم بإنهاء الحرب.

والجمعة زار ويتكوف مركز توزيع المساعدات الغذائية في رفح جنوبي قطاع غزة وسط إجراءاتٍ أمنية مشددة. واطلع على الواقع الإنساني وسير توزيع المساعدات في قطاع غزة.

كما التقى المبعوث الأميركي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، في محاولة لإنقاذ محادثات وقف إطلاق النار في غزة والتعامل مع الأزمة الإنسانية في القطاع الفلسطيني.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • الحكومة بلا استراتيجية.. جنرال إسرائيلي سابق يحذّر: نحن على حافة كارثة
  • بوتين: روسيا تريد سلاماً دائماً ومستقراً في أوكرانيا
  • هشام العسكري: ارتفاع درجات الحرارة كارثة تتطلب حلولاً عالمية
  • بوتين يآمل استمرار محادثات السلام مع أوكرانيا وزيلينسكي مستعد لإنهاء الحرب
  • بوتين: روسيا تريد سلامًا دائمًا في أوكرانيا.. ولكن
  • هل تفلح تهديدات ترامب في إقناع بوتين بالاتفاق مع أوكرانيا؟
  • الكاتب الإسرائيلي ديفيد غروسمان: ما يحدث في غزة إبادة جماعية
  • بوتين يؤكد تقدم قواته في أوكرانيا وزيلينسكي يدعوه إلى حوار مباشر
  • بوتين: نعوّل على استمرار المحادثات مع أوكرانيا
  • عاجل. بوتين: روسيا تريد سلاما دائما ومستقرا في أوكرانيا