قضيتُ إجازة الأسبوع الماضي وأنا أشاهد لقاءات مع كتاب وسياسيين أمريكيين. لا لاهتمامي بنتائج الانتخابات الأمريكية، بل لإيقاد ذلك «الترمومتر» تجاه مواقفهم مما يحدث، هذه الحساسية يمكن أن تعطي المتحدث شرعية لبقية مواقفه أو تنزعها عنه. فـي الحقيقة لا أعتبر أننا جزء مما يحدث إلا فـي جزئية المشهدية/المسرحية الأمريكية التي تبث على الهواء مباشرة فـي كل أصقاع العالم، كما هو كل شيء أمريكي آخر.
وفـي الوقت الذي نعتقد فـيه أن ملفات الشرق الأوسط مهمة بالنسبة لخطط المرشحين الانتخابية، إلا أننا نبالغ كثيرًا. عمومًا يبدو أن هنالك نوعًا من العماء المقصود والمتعمد من قبل النخب فـي أمريكا، فإذا ما كان المرشح «س» سيئًا إلا أنه أفضل من المرشح «ص» الأكثر سوءًا. وبهذا يتغير الرأي العام مباشرة، يقول مثلًا نورمان فنكلستاين الأمريكي المناهض للصهيونية فـي مقابلته مع علي الظفـيري عبر برنامج «المقابلة» التي تبثه الجزيرة، أن كمالا هاريس سرعان ما أصبحت نجمة، وتعليقاتها تثير الضحك دلالة على بساطتها وتواضعها، لقد تم استثمار حتى ما كان يعيبها لكن هذه المرة فـي الاتجاه المضاد تمامًا، يحدث ذلك لكي لا يفوز ترامب فحسب. من جهة أخرى تقول لي صديقة أمريكية: إن ما يحدث جنون محض. فأتباع الديمقراطيين سيصوتون بطبيعة الحال لكاملا هاريس، لكن المسلمين والعرب والمهاجرين والأقليات ومجتمع الميم عين سيصوتون حسب المؤشرات لها كذلك، نظرًا لخوفهم الكبير من سياسات ترامب اليمينية التي قد تضيّق الخناق عليهم، لكن هل تستطيع كاملا هاريس أن تدافع عنهم حقًا؟ لا تظن هذه الصديقة أنها تستطيع فعل ذلك إذا ما قرأنا مسيرتها كنائبة للرئيس الأمريكي خلال الدورة الانتخابية الماضية، وفـي ما يحدث فـي غزة وعدم إيقافه لأربعة عشر شهرًا الآن أن يكون شاهدًا على ذلك، مثل شواهد أخرى عديدة وأكثر قوة بالنسبة للأمريكيين مثل منع الإجهاض فـي بعض الولايات الأمريكية، وانحسار مُثل التمييز على أساس الجندر. يلمع فـي رأسي اقتباس من كتاب يعجبني كثيرًا «ديمقراطية للقلة» لمايكل بارينتي «لو أن الرئيس الأمريكي رأى الفلاحيين الصينيين ينقبون عن طعامهم فـي صناديق القمامة أثناء زيارته للصين لقال إن الشيوعية أثبتت فشلها. فماذا نستدل إن حدث هذا فـي موطن نجاح الرأسمالية المسمى بـ(أمريكا)»؟ لكن هل يستطيع أي شيء أن يغير السياسة الأمريكية أقصد هل يمكن أن نشاهد شيئًا غير هذا الاستقطاب المسرحي بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين لا يختلفون كثيرًا عن بعضهم البعض؟ تريدنا الرأسمالية أن نقر بنوع من الواقعية الحتمية التي لن ننجر وراءها، لكن ينبغي أن نفكر جيدًا فـيما كتبه كاتب كتاب ديمقراطية للقلة قائلًا: الحقيقة المهمة المتعلقة بفهم القوة السياسية فـي أمريكا هي أن معظم مؤسساتنا الثقافـية تقريبًا إنما تقع تحت سيطرة طبقة ثرية، وترتبط بمؤسسات الأعمال وتحكمها مجموعات من ممثلي الشركات الغنية وهي مجموعات لم ينتخبها أحد وتظل فـي هذه المناصب إلى ما شاءت... نحن لا نملك أي صوت، ولا أي جزء من الملكية، ولا أي قوة تمكننا من اتخاذ القرارات القانونية داخل تلك المؤسسات»، وهذا يعني صديقي القارئ أن تلك المؤسسات المنوطة بالتغيير من داخل هذه الأنظمة والتي تدفع نحو فهم للسياسة قائم على تغيير الصراعات لا الإبقاء عليها مع تغير اللاعبين، هي نفسها ملك لهؤلاء اللاعبين! ثم ماذا؟ هل سنقضي الوقت فـي إعابة الدول التي تقدم نفسها كنموذج ديمقراطي؟ هل سنقول كما يصطاد البعض فـي الماء العكر إما أن لا ديمقراطية فـي هذا العالم، أو أن حتى الديمقراطية يمكن أن تكون وحشية وتنشأ فـيها أكثر الأنظمة الرأسمالية شراسة؟ هل يكفـي التلويح بهذا لعالم أفضل نريده لنا جميعًا، وإن لم يكن لنا فلأبنائنا. أعرف الكثيرين ممن هم فـي مواقع السلطة ممن يجدون هذه الأمثلة فرصة للتشفـي وتسويغ استبدادهم فـي سياقات أخرى، حتى إذا ما لوحت لهم بحقك فـي المشاركة والتمثيل والتعبير لقال لك انظر حتى أمريكا تدعي أنها ديمقراطية. أظن بأنه تقع على عاتقنا مسؤولية كبيرة، فردية عبر المعرفة فـي أقل درجات التغيير، وعبر دعم المؤسسات الثقافـية المستقلة التي لا تخدم أجندة هؤلاء اللاعبين، وبدلًا من أن تصبح الانتخابات الأمريكية تقليعة كل أربع سنوات، ماذا لو ذهبنا أبعد من ذلك، خصوصًا وأننا الآن لسنا سوى متفرجين، فرجة زادت نكبتنا منذ ١٤ شهرًا. |
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نيران تتوسع وأحياء تُخلى.. ما الذي يحدث في غرب تركيا؟
تشهد تركيا موجة من حرائق الغابات اندلعت في مناطق متفرقة بالتزامن مع ارتفاع درجات الحرارة عن معدلاتها الموسمية. ففي إزمير وصقاريا، دفعت ألسنة اللهب السلطات إلى إجلاء مئات السكان، بينما لا تزال فرق الإطفاء تخوض سباقًا مع الزمن لاحتواء النيران.
اقرأ أيضاغرامات ضخمة تهز سوق العقارات في تركيا.. إليك التفاصيل
الجمعة 27 يونيو 2025إخلاء 455 منزلًا في إزمير.. واعتقال 3 مشتبه بهم
اندلع حريق في أرض زراعية بحي ياكاكوي في قضاء بورنوفا بولاية إزمير، وامتدت النيران بسرعة إلى الغابة المجاورة. وأوضح محافظ إزمير، سليمان ألبان، أن التحقيقات الأولية أظهرت أن الحريق اندلع بسبب شرارات ناجمة عن أعمال ترميم أُجريت على سطح أحد المنازل، مؤكداً توقيف ثلاثة أشخاص على خلفية الحادثة.
وأضاف ألبان في تصريحات من موقع الحريق أن “الحريق بدأ أمام أحد المباني وامتد لاحقاً إلى الحقول والغابة. تمكنا من بدء التدخل الجوي بعد خمس دقائق فقط من التبليغ، وتزامن ذلك مع تدخل بري فوري”. وأعلن عن إخلاء 455 منزلًا كإجراء احترازي، مشيرًا إلى أن أحدًا من السكان لم يتعرض لأذى، كما لم تُسجَّل إصابات أو وفيات.
دمار واسع.. والطائرات والمروحيات تدخل الخط
أشار محافظ إزمير إلى أن بعض المنازل احترقت بالكامل، بينما تضررت أخرى جزئيًا. وأوضح أن جهود الإطفاء تشارك فيها 8 طائرات، و16 مروحية، و57 شاحنة مياه، و29 جرافة، إلى جانب أكثر من 600 عنصر من فرق الإطفاء والطوارئ والدرك والشرطة.
وأوضح ألبان: “لا يزال لدينا نحو ثلاث ساعات للاستفادة من التدخل الجوي قبل حلول الظلام، ونأمل أن نتمكن من السيطرة على الحريق خلالها”.
تحذيرات من موجة حر ورياح شديدة