صدى البلد:
2025-12-14@19:08:21 GMT

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: صناعة الوعي

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

ثمة إقرار حول تكوين الإدراك الصحيح الذي يبرهن عنه رأي صحيح، وتترجمه ممارسات صحيحة، ومن ثم ينبغي الاهتمام بمصادر المعلومات الموثوقة والموثقة؛ حيث إن صناعة الوعي تقوم على معرفة صحيحة، وفي المقابل ضرورة تجنب المعرفة المشوبة والتي تتمخض عنه المصادر المغرضة المضللة المتحيّزة لأجندات تحكمهم مصالح ومآرب.
 وصناعة الوعي تتم بصورة مقصودة ومخططة يستقى من خلالها الفرد المعرفة وما تشمله من حقائق ومفاهيم ومبادئ وقوانين ومسلمات ونظريات علمية لا يخالطها الشك أو التحريف، وذلك في شتى صورها وجوانبها العلمية والعملية والحياتية وسائر أبعاد التنمية ومجالاتها المختلفة، وهذا بالطبع لا ينفك عن ثقافة القيم للمجتمع وما يتبناه من نسق خلقي.


ونوقن أن الوعي الصحيح يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما يمتلكه الفرد من مهارات تفكير عليا تسهم في تنمية مقدرته على العطاء سواءً أكان على مستوى المعرفة أم الأداء، وهذا ما يجعله يشكل وجدان يتضمن اتجاهات وميول إيجابية وحب للاستطلاع، ويكون لديه رأيًا ويتخذ موقف يتوافق مع النسق القيمي الذي يتبناه ويقتنع بممارساته.
واعتماد صناعة الوعي على التعليم تعني ضرورة أن نقدم خبرات تساعد الفرد في إدراك ما يدور حوله من أحداث وما تتمخض عنه المعرفة من مفردات جديدة تضيف للرصيد المعرفي المتجدد الذي يرتبط بالثورة التقنية، والوعي يمكن الفرد في أن يعرف ويعمل بما يعرف ويسعى للمشاركة ومن ثم يتعايش مع المجتمع المحيط به.
واعتقد أن المؤسسة التعليمية أهم مؤسسة تصنع الوعي من خلال برامجها وما تتضمنه من مناهج تشمل أنشطة تعليمية مقصودة وأنشطة إثرائية تفي باحتياجات الفرد المعرفية والمهارية والوجدانية والتي يتزايد عليها الطلب في ضوء التدفق المتسارع للمعرفة، وهذا يؤكد ضرورة تهيئة البيئة التعليمية كي تعمل على تشكيل الوعي في صورته الصحيحة.
وصناعة الوعي تعمل على تعديل السلوك لدى الفرد، بمعني أن خبرته في مسار الزيادة أو التنمية سواءً أكانت معرفية أو مهارية أو وجدانية، أو في صورتها المتكاملة، وهنا نوقن مدى الجهود المتتابعة التي تقوم بها المؤسسة التعليمية بشأن تنمية الوعي الصحيح وتصويب ما قد يشوب الفكر من خطأ بشكل مقصود أو غير مقصود من مصادر عديدة.
وبيئة صناعة الوعي تقوم على مناخ من الحرية المسئولة التي تسمح للفرد بأن يعبر عن رأيه بشكل صحيح وفق معايير معلنة تعتمد على شواهد وأدلة من مصادر رسمية موثوقة؛ كي يتعود الفرد على مراحل إصدار الأحكام التي تبدأ بالمعرفة يليها الفهم والتحليل والاستنتاج وتكامل مفردات الخبرة حتى يصبح الحكم صحيحا، وهذا يؤكد أن إعمال العمليات العقلية يجب أن تقوم على الأسلوب العلمي في التفكير.
ومن العوامل التي تساعد في صناعة الوعي مبدأ الديمقراطية التي تقوم على فقه الحقوق والواجبات، وهنا يجب أن يعي الفرد مسئولياته كي يحصل على حقوقه المشروعة التي أقرها الدستور، وهذا يؤكد أن مصالح الدولة العليا ينبغي أن يضعها المجتمع وأفراده في قمة وسلم الأولويات، وأن تصبح الدولة هي الشغل الشاغل لدى الجميع، وأن المصلحة الخاصة لا تشكل أولوية في مقابل المصلحة العامة، وهذا لا يتأتى إلا عن صناعة وعي حقيقي.
وعبر لغة المناقشة والحوار التي تقوم على قواعد الاحترام والتقدير بين أطراف الحوار نستطيع أن نصنع وعيًا سليمًا من خلال آليات البناء الفكري الناتج عن قدح الأذهان وتلاقي الأفكار الإيجابية التي تسهم في مواجهة التحديات وحل المشكلات والتغلب على الصعوبات، ومقام الحوار يجعل الفرد يخرج كل ما لديه من فكر رشيد، ويمكنه من القضاء على حالة الصراع المعرفي التي تنتهي بالتثبت والوصول للحقيقة المجردة فيما يتعرض له من قضايا.
وجدير بالذكر أن الدور الإعلامي له أهمية بالغة في صناعة الوعي الذي يتعلق بتشكيل الرأي العام الموجه لسياسات الدول والدافع لنهضتها وبلوغ تنميتها في مجالاتها المتنوعة، وتعد الآلة الإعلامية ملاذًا لمن يرغب في المطالعة والفهم، وهذا يؤكد ضرورة التزام الإعلام بالميثاق المهني الذي يلزم القائمين عليه بالمهنية والشفافية والمصداقية المطلقة.
ودعونا نؤكد على أن صناعة الوعي ترتبط بتنمية الثقافة والتنوير وغرس القيم النبيلة والأخلاق الحميدة التي تجعل الإنسان قادراً على البناء والحفاظ على مقدرات وطنه وصونه من أي تهديدات، كما تحثه على اكتساب مزيد من الأفكار التي تبني الوطن وتجعله رائدًا في كافة المجالات التنموية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صناعة الوعی وهذا یؤکد تقوم على

إقرأ أيضاً:

د. محمد بشاري يكتب: الفتوى وسؤال الإنسان .. نحو بيان يستوعب الواقع ولا يضيع المقصد

ينعقد في يومي 15–16 ديسمبر 2025 لقاء علميّ من أهم لقاءات هذا العصر، هو الندوة الدولية الثانية للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، تحت عنوان: «الفتوى وقضايا الواقع الإنساني: نحو اجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة». وهو عنوان يكشف منذ الوهلة الأولى عن إشكالية تتجاوز مجرد تطوير الأداء الإفتائي إلى إعادة النظر في موقع الإنسان داخل العملية الفقهية برمتها. فالواقع الإنساني لم يعد بسيطًا يُقاس بمثال واحد أو يُحاط به بعلّة واحدة، بل أصبح شبكة من العلاقات والتحولات تتداخل فيها القيم والدوافع والبنى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، مما يجعل الفتوى في حاجة إلى بصيرة تتجاوز ظاهر المسألة إلى عمقها، وصورتها إلى آثارها، وحكمها إلى مقصدها.

إن الإشكال المركزي الذي تطرحه الندوة يتمثل في هذا السؤال: كيف يمكن للفتوى أن تبقى أداة هداية وإصلاح في عالم تتغير فيه صورة الإنسان ووظائفه، وتتبدل فيه أولوياته، ويزداد فيه انكشافه أمام ضغوط متشابكة؟ وهل يمكن للحكم الشرعي أن يحافظ على قدرته التوجيهية إذا تُرك دون ربطٍ بمآلات الأفعال، أو دون قراءة للسياقات التي تتشكل فيها أسئلة الناس اليوم؟

فالإنسان هو مدار التشريع، ومصالحه هي مناط الأحكام، وما لم يُدرك المفتي حقيقة ما يطرأ على الإنسان من تحولات، فقد يتعامل مع النصوص تعاملاً يُفقدها مقاصدها، وإن بقي ظاهرها صحيحًا. وليس المقصود بذلك تقديم الواقع على النص، بل إدراك أن النص جاء أصلاً لحفظ واقع الإنسان وإقامة نظام يقوم على العدل والرحمة وصيانة الكرامة. ومن هنا، فإن تجاهل قضايا الواقع الإنساني يُفضي إلى فتوى قد تكون صحيحة في منطوقها، لكنها قاصرة في تحقيق مراد الشارع منها.

ولذلك تأتي الندوة الدولية الثانية لتفتح بابًا واسعًا للنظر في طبيعة هذه القضايا: ما يتصل بتغيرات الأسرة، وسؤال الهوية، وضغوط العيش، وتعقيد العلاقات الاجتماعية، وتحوّل أنماط التواصل والثقافة، وتنامي تأثير العوامل النفسية على سلوك الأفراد واختياراتهم. فكل هذه العناصر أصبحت جزءًا من «الواقعة» التي يُستفتى فيها، ولم يعد من الممكن للفتوى أن تُعالج الأمر دون استحضار هذا التشابك، وإلا تحولت من أداة إصلاح إلى عامل إرباك.

وتسعى الأمانة العامة، في تنظيمها لهذه الندوة بإشراف رئيسها العالم فضيلة الأستاذ  الدكتور نظير عياد مفتي جمهورية مصر العربية، إلى تقديم إطار منهجي يسمح للمفتي بأن يقرأ الواقع قراءة كلية، ويجعل النظر المقاصدي جزءًا أصيلاً من صناعة الحكم، بحيث يصبح الاجتهاد قادرًا على التفاعل مع الأسئلة المعاصرة دون إخلال بالأصول أو تفريط في الضوابط. فالاجتهاد الرشيد ليس اجتهادًا حرًا بلا قيود، ولا مقيدًا بلا نظر، بل هو اجتهاد يربط الجزئيات بكلياتها، ويقيم الحكم على ضوء الحكمة والمصلحة المشروعة.

وفي ضوء ذلك، فإن الندوة تطرح تصورًا يعيد التوازن بين النص والإنسان، وبين الحكم ومآله، وبين المقصد والواقع. فهي لا تستهدف تغيير الأحكام، بل تستهدف تجديد طرق فهمها وتنزيلها، استنادًا إلى قاعدة أن الشريعة جاءت لتحقيق مصالح العباد، وأن الفتوى التي لا تُراعي أثرها على الناس تفقد جزءًا من معناها التشريعي. ومن هنا، يصبح الاجتهاد الرشيد ضرورةً لا يكتمل عمل المفتي إلا بها، لأنه وحده القادر على جعل الشريعة فاعلة في حياة الإنسان، لا مجرد خطاب نظري.

ولذلك يمكن القول إن إشكالية الندوة ليست سؤالًا فقهيًا جزئيًا، بل هي سؤال حضاري: كيف يمكن للفتوى أن تستعيد دورها في توجيه حياة الإنسان في عالم مضطرب؟ وكيف يمكن للمفتي أن يجمع بين العلم بالنصوص والعلم بالنفس البشرية، وبين إدراك عميق لمقاصد الشريعة وإدراك لا يقل عمقًا لطبيعة التحديات التي يواجهها الإنسان اليوم؟

بهذا المعنى، تصبح هذه الندوة محطة لإعادة ترتيب العلاقة بين الشريعة والواقع، ولفتح أفق جديد يُمكّن العقل الفقهي من أداء رسالته في عالم تتغير فيه معايير الفهم والانتماء والقيم. وهي خطوة ضرورية لضمان أن تبقى الفتوى عنصرًا من عناصر التوازن الاجتماعي والأخلاقي، وأن تبقى الشريعة قادرة على توجيه الإنسان نحو الخير مهما تغيّرت صور الحياة وتبدلت ضغوطها.

طباعة شارك هيئات الإفتاء في العالم التحديات المعاصرة الدكتور نظير عياد

مقالات مشابهة

  • محمد ماهر يكتب: من خارج الخط
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: مسؤولية الذات
  • القيسي يكتب بحق المنتج محمد المجالي
  • د. محمد بشاري يكتب: الفتوى وسؤال الإنسان .. نحو بيان يستوعب الواقع ولا يضيع المقصد
  • «الوعي المدني.. درع المجتمع في مواجهة الشائعات» ندوة لمجمع إعلام القليوبية
  • عصام خليل يطلق معركة تشريعية شاملة لحماية الأطفال داخل المدارس وكافة المؤسسات
  • الشناوي: محمد هنيدي فنان موهوب بالفطرة.. وهذا هو التحدي الذي يواجهه
  • شوبير: صلاح لا يزال يكتب التاريخ بصدارة
  • توقيف سوري بالجرم المشهود في كسروان.. ما الذي كان يقوم به؟
  • كيف تحمي نفسك من أدوات الذكاء الاصطناعي التي تجمع بياناتك الشخصية (فيديو)