د.حماد عبدالله يكتب: عايز الناس " يحترموني " !!
تاريخ النشر: 12th, November 2024 GMT
هذا العنوان جزء من مثل شعبى ( فولكلور ) حينما سأل الولد خاله قائلًا "
يا خال عايز الناس يحترمونى " فرد الخال " لما يموت اللى يعرفوك " !!
هذا المثل الجميل ينطبق على حالات إنسانية بيننا حتى اليوم حينما يحاول بعض الأشخاص أن يرتدى ثوبا إجتماعيا أو سياسيا جديداَ بعيد كل البعد عن مكوناته الأساسية وعن تاريخه الشخصى ، وعن كيفية تكوينه لثرواته ومصانعه وشركاته وكيف وصل سياسياَ بأن يكون مبعوث ألهى إلى " الأمة " لكى يرشدها إلى طريق العفة والصدق والأمانة والإخلاص، ويدعوا المواطنين لانتهاج الشفافية فى التعامل ويطالب بضرورة وجود رؤية واضحة للمستقبل (كلام كبير جدًا) وأخلاق عظيمة خالص، وسمات إنسان نبيل عصامى محترم، كل شىء قام به فى حياته تحت الضوء وأعطى نفسه مثلا وقدوة للشباب لكى يقتدوا به، ويصبحوا مثله !!
إلا أن كل ذلك أوهام فهو حينما يتحدث يكذب !! وحينما يصادق ينافق !! وحينما يختلف يقهر ويفجر !! وحينما يؤتمن يخون !! وحينما يتحدث عن نفسه وعن مكونات شخصيته وعن كيفية صعوده نسمع قصص ألف ليلة وليلة بل " كليلة ودمنة "!! المجتمع يحتشد بمئات من الناس والمرموقين فى المجتمع يتمنوا من كل قلوبهم أن يموت كل من يعرف أصولهم ويعلم عن نشأتهم ولا "يتوارو " أبدا فى أن يدبروا من المواقف والمكائد والمصائب لكل من يعلم شىء !! حتى يبحث لنفسه عن فرصة للخلاص من الشبكة التى أحاطوه بها !! وطبعًا ( الملهى بمشاكله لا يفكر فى غيره )!! وهذه أيضًا ضمن بديهيات الأدب الشعبى المصرى !!.
ولعلنا ونحن نسرد مثل هذه الصور السيئة فى مجتمعنا نرنوا أن يتخلص أصحاب مثل هذه الصفات من هذه ( العنكبة ) التى تسيطر على أدمغتهم وضمائرهم !!
وكنت قد فكرت فى أن أكتب كتاب عن أصول بعض من أعرفهم من(مرموقى) هذا المجتمع الذى نعيش فيه وانا أدعى بأننى أعرف الكثير من هؤلاء المرموقين، وأعرف عن تاريخهم بحكم العشرة، ورغم أن هذة الرغبة يقابلها بداخلى شىء من الأدب الإجتماعي غير أن كل ماتعرفه لا تعلنه حرصًا على الناس، وحرصًا على العلاقات وحرصًا على النفس !! إلا أن بعض زملائى ومعارفى يؤيدون ضرورة تسجيلى لهذه ( السِيرْ الذاتية ) حيث أنها ملك شعب ما دام أن صاحبها أخذ العمل العام منهج ووظيفة ووسيلة أيضًا !!
إلا أننى أطالب المرموق الصادق أن يعلن أمام شباب هذا الوطن قصة نجاحه حتى ولو كان فيها ما يشيب له الوجدان !!
وحتى يعطى مثلاَ، يحتذى أو لا يحتذى.. حتى أن الإنسان الصادق القدوة يعلن عن أخطائه قبل محاسنه حتى يصبح إنسان مفيد لمجتمعه طبعاَ هذه أحلام عصافير
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
د. محمد بشاري يكتب: الرجاء.. نور القلب حين يضيق العالم
في زحمة الحياة وتناوب مشاهد الفقد والخيبة، يطلّ الرجاء كنسمة خفيفة على قلب أثقلته الحيرة، ويأتي كالضوء في آخر النفق حين تشتدّ الظلمة ولا يبقى للمرء سوى انتظارٍ صامت لما لا يُعرف توقيته، لكنه يؤمن بوقوعه. الرجاء ليس ترفًا روحيًّا، بل هو ضرورة وجوديّة، تعيد التوازن إلى روح الإنسان كلما مالت كفة الخوف، وأثقلته الكروب، وداهمه العجز.
الرجاء في حقيقته ليس انتظارًا سلبيًّا، بل هو توق إلى الجمال الإلهي، توقٌ لا ينبع من غفلة عن عظمة الله، بل من معرفة باسمه الرحيم، ومن امتلاء القلب بإحساس عميق بأن الله لا يردّ سائلاً، ولا يُخيّب آملًا، ولا يُدير وجهه عمّن طرق بابه متذلّلًا. إنه شعور رقيق يتسرّب إلى القلب كما تتسرّب الحياة إلى البذور تحت التراب، فينمو الإيمان دون ضجيج، وتثمر النفس طمأنينة دون أن تُدرَك كيفيتها.
ليس الرجاء كما يتصوّره البعض، تحليقًا في سماء الأوهام، بل هو فعل وجدانيّ ينمو على أرض الوعي بصفات الله، ويجعل القلب معلقًا بما عنده، دون أن ينكسر إن أبطأ العطاء أو تأخر الفرج. وهو أيضًا مجاهدة، لأن الحفاظ على الرجاء وسط الألم يحتاج إلى قوة أعظم من تلك التي يملكها الإنسان حين تسير الأمور كما يشتهي.
من عرف الله بحقّ، لم ييأس، وإن ضاقت عليه السبل. بل رأى في كل انغلاق فرصة لافتتاح باب من أبواب الله، وفي كل وجع نداءً للعودة، وفي كل انكسار معنى خفيًّا يُعلِّم النفس كيف تتجرد من حولها وقوتها، وتتوكل على من بيده مفاتيح الغيب. الرجاء هو الحياة حين تتيبس الأرواح، وهو المعنى الذي يجعل من الانتظار عبادة، ومن الصبر حُسن ظن، ومن التوجّه إلى الله لحظة سكينة لا يوازيها شيء.
العجب في الرجاء أنه لا يتناقض مع الخوف، بل يكمله. فالعبد لا يُقبل على الله مغترًّا برجائه، ولا ينصرف عنه يائسًا لخوفه، بل يسير بين جناحين من رجاء وخوف، فيسمو، ويستقيم. ومتى مال القلب إلى أحدهما دون الآخر، اختلّ السير واضطرب الطريق. أما من أيقن أن الله أرحم به من نفسه، وأن رحمته تسبق غضبه، فإنه لا ييأس، ولا يختنق حين تتعاظم عليه الأمور.
وليس الرجاء مقصورًا على لحظات الشدّة، بل هو ديدن المحبّين في صفائهم، يعبدون الله لا لرهبة ولا لرغبة، بل لأنهم يحبونه، ويرجون لقاءه، ويشتاقون إلى قربه. يعيشون على وعده، ويسكنون في أملهم بما عنده، ولو فقدوا كل شيء في الدنيا، فإنهم لا يفقدون الرجاء في الله، لأنه أثمن ما في قلوبهم، ومصدر عزائهم في دنيا فانية.
ما أصدق الرجاء حين يخرج من عين باكية، أو قلب منكسر، أو روح متعبة، تقول في سرّها: “يا ربّ، لا أحد لي سواك”، وتنام على يقينٍ أن الله لن يخيّب دعاءً خرج من أعماق الألم، ولن يردّ يدًا ارتفعت إليه متطهّرة من حول البشر. هو لسان الفطرة حين تصمت الفلسفات، وصرخة القلب حين تعجز العقول، ووعد لا يخلفه الكريم إذا قال للشيء: “كن”.
وفي ختام هذا البوح، لا نملك إلا أن نرفع أكفّ الرجاء بالدعاء:
اللهم إنّا نسألك رجاءً لا يخيب، وأملًا لا يخفت، وقلبًا إذا اشتدّ عليه البلاء، لم يزد إلا تعلقًا بك. اجعلنا من الذين لا يرجون غيرك، ولا يسألون سواك، ولا يطمئنون إلا إليك. اللهم إن ضاقت بنا الدنيا، فافتح لنا أبواب رحمتك، وإن قست علينا الأيام، فالِن قلوبنا بحبك، وإن اشتدّ الظلام، فكن أنت النور الذي لا ينطفئ. آمين.
ايامكم رجاء لا ينقطع، وأمل لا يُخذل، وسكينة لا تفارق أرواحكم أبدًا.