مطر بدون براق (عن حرب الجنجويد في السودان)
تاريخ النشر: 29th, November 2024 GMT
عندما استخدم حميدتي زعيم الجنجويد في 2022 عبارة مطر بدون براق في إحدى خطبه في دارفور صفق له البعض، وسخر منه البعض الآخر، ولم يفقه مراده البعض الثالث حتى وقعت الفأس على الرأس ودارت رحى الحرب التي اشعلها الجنجويد في أبريل من العام الماضي، عندها رأى السودانيون الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها ضحايا لعنف هذا الميليشي وعدوانية أتباعه، رأوا بأم عيونهم أن حلول الجنجويد بلا سابق إنذار، في ديارهم، والتحكم في حياتهم يعادل حلول قدر مرعب، ويترجم بدقة عبارة مطر بدون براق إلى سلسلة من الأفعال الاجرامية يقتحم فيها الجنجويد الحواضر والأرياف، يستبيحون فيها المال والعرض والدماء وكل شيء.
الجنجويد كالأشباح: كائنات مرعبة قادرة على الهبوط والانسراب من كل مكان. وهم في هذا كالغبار العطبراوي
الدقيق الذي يتسلل إليك عبر الشقوق مهما دقت، تفيق من النوم وتفرك عينيك فترى مذهولاً كيف يبدو بدنك وثياب نومك وأغطية فراشك وكل ماهو حولك مكفناً بالغبار. غبار اللعنة الجنجويدية.
يهبط الجنجويد على دور السودانيين الآمنة كأنما تقذفهم السماء. بخترقون الأبواب يفلّون حديدها بزخات الرصاص المعتوه، يدكون كل مايعجزهم ويتحداهم ويجدونه منيعاً
وحصيناً محدثين الأنفاق والحفر في الأسوار القائمة مابين البيوت، حتى إذا ملوا من لعبة الموت وشبعوا من القتل والنهب والاغتصاب وازمعوا الرحيل إلى مكان جديد إنهالوا على كل شيء بالهدم أو اضرموا فيه النيران.
أخبرني أحد المعارف عندما نما إليه خبر وصول الجنجويد قبل أشهر إلى مصنع سكر سنار وما أحدثوه هناك من خراب أن الجنجويد ماعايزين يخلوا لينا حاجة نعيش بيها ومعنى هذا أن الجنجويد هم رسل الموت الجماعي للسودانيين. ومنذها لاحظت في المتواتر من استحلال الجنجويد للمحرمات انهم إذا دخلوا بلدة لم يفسدوها فحسب، بل واقتحموا مطابخ الدور لينبهبوا منها كل ماتطاله أياديهم الملوثة بالدماء، لايسلم من شرهم ولهفتهم للاستيلاء على أملاك الغير، وتعطشهم للنهب والدمار وعاء فارغ أو ملآن ، لايتركون ما يقع تحت بصرهم، ولايستحون حتى من نهب آنية الشاي والملح والسكر والدقيق وزيت الطعام، إفراغ كامل وتدمير شامل لفحوى المطابخ والمخازن التي يحتفظ فيها الناس بمؤن الغلال العزيزة يصونونها زاداً لأيام الشدة والجوع.
عندما استباح الجنجويد قرى شرق الجزيرة وارتكبوا فيها المجازر انتقاماً لانشقاق أبوعاقلة كيكل من جماعتهم وانضمامه للجيش السوداني، كانوا في حال من الجنون كدأبهم فجعلوا يدلقون كل مايصلح للطعام ممايحتفظ به أهل تلك المناطق على الأرض وهم يرددون: موتوا يا أهل كيكل!. ولأن الجنجويد خبثاء ومنافقون فقد تعمدوا فيما قالوه لأهالي شرق الجزيرة اخفاء العبارة التي تلخص غاية حربهم على السودانيين :
! موتوا يا أهل السودان.
عثمان محمد صالح،
28-11-2924
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
علماء يكتشفون ما يحدث عندما يمر الضوء عبر الضوء
لطالما اعتبر العلماء أن الضوء كيان لا يتفاعل مع ذاته، فأي شعاعين من الضوء سيمران عبر بعضهما دون أدنى أثر، كما لو أن كلا منهما لا يعترف بوجود الآخر، هذا هو ما تمليه قوانين الفيزياء الكلاسيكية، إلا أن الفيزياء الكمومية لها رأي آخر.
بحسب نتائج جديدة كشفت عنها دراسة تعتمد على بيانات من مصادمات الجسيمات في منشأة سيرن (المجلس الأوروبي للبحوث النووية)، فإننا أمام فهم جديد كليا يقول إن الضوء قد يؤثر على نفسه، ويخوض تفاعلات ذاتية في ظل ظروف خاصة جدا تحكمها قوانين ميكانيكا الكم.
وفقا لميكانيكا الكم، لا تسير الأمور دوما كما تبدو على السطح، فالفوتونات، وهي الجسيمات التي تحمل الضوء، يمكنها في ظروف معينة أن "تصطدم" ببعضها، أو بالأحرى تؤثر في مسارات بعضها بعضا، من خلال عمليات غير مباشرة تُعرف باسم "التبعثر الكمومي للضوء عبر الضوء".
في هذه الظاهرة النادرة، لا تتفاعل الفوتونات مباشرة، بل تنشئ فيما بينها جسيمات افتراضية، وهي جسيمات تحمل طبيعة خاصة جدا وغير مفهومة بشكل كامل بعد، لا ترى ولا تقاس بشكل مباشر، وتنشأ لفترة وجيزة في الفراغ من الزمن كزوج من جسيمات متعاكسة الشحنات، يفني كل منها الآخر، لكن يبدو أن هذه الجسيمات تترك بصمتها في سلوك الفوتونات، قبل أن "تختفي" بعد أجزاء صغيرة جدا من الثانية.
يقول جوناس ماجر من معهد الفيزياء النظرية بجامعة فيينا للتكنولوجيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة في تصريح حصلت الجزيرة نت على نسخة منه: "على الرغم من استحالة رصد هذه الجسيمات الافتراضية مباشرةً، فإن لها تأثيرا قابلا للقياس على الجسيمات الأخرى".
ويضيف: "إذا أردنا حساب سلوك الجسيمات الحقيقية بدقة، فعلينا مراعاة جميع الجسيمات الافتراضية التي يمكن تصورها بدقة. هذا ما يجعل هذه المهمة صعبة للغاية، ومثيرة للاهتمام أيضًا".
إعلانولفترة طويلة، ظن الفيزيائيون أن التبعثر بين الفوتونات يهيمن عليه ظهور واختفاء أزواج من الإلكترون والبوزيترون (الجسيمات الافتراضية المتضادة في الشحنة)، حيث يقوم أحدهما أو كلاهما ببعثرة فوتونات الضوء، قبل أن يصطدم برفيقه ويفنيا تماما.
غير أن الدراسة الجديدة التي نشرها الباحثون في دورية "فيزيكال ريفيو لينرز" بيّنت أن نوعًا آخر من الجسيمات الافتراضية، يُعرف باسم "الميزيونات ذات النمط التنسوري"، قد يؤدي دورًا أكبر مما كان يُعتقد في عملية تبعثر الضوء، بل وتؤثر على الخواص المغناطيسية لجسيمات تسمى "الميونات".
في قلب النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات، يعد الميون جسيما مثيرا للجدل، فنتائج التجارب الحديثة حول عزمه المغناطيسي لا تتطابق تمامًا مع التوقعات النظرية، ما يثير احتمال وجود فيزياء جديدة.
لكن كي يثبت العلماء ذلك، يجب أن يكونوا متأكدين من أن النموذج الحالي قد تم حساب قوانينه وتعقيداتها بدقة تامة، بما في ذلك جميع التفاعلات النادرة والمخفية، كالتي كشفت عنها هذه الدراسة.
إضافةً إلى ذلك، فإن فهم كيفية تفاعل الضوء مع نفسه -ولو بشكل غير مباشر- يعد من أعمق الأسئلة في فيزياء الكم، ويرتبط ارتباطا وثيقا بمفاهيم مثل الفراغ الكمومي، والجسيمات الافتراضية، وحتى طبيعة الزمكان ذاته.
هذه النتائج إذن لا تغير فقط ما نعرفه عن الضوء، بل تضيف إليه طبقة جديدة من الفهم. فبينما يبقى سلوك الضوء كما نعرفه صحيحًا على المستوى اليومي، تظهر هذه الدراسة أن في قلب الفراغ، وفي أعماق التفاعلات الكمومية، يخوض الضوء حوارا خفيا مع نفسه.
كما تدفع هذه الدراسة الباحثين إلى إعادة النظر في الحسابات الدقيقة للتفاعلات دون الذرية، وربما تقربنا أكثر من اكتشافات تتجاوز النموذج القياسي، نحو فيزياء جديدة، أكثر اتساعا وشمولا.