منير أديب يكتب: داعش في الرقة والنصرة في حلب
تاريخ النشر: 30th, November 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
كان متوقعًا سيطرة جبهة النصرة على حلب المدينة بعد أنّ سيطرة على ريفها قبل يومين، وبالتالي السيطرة على أدلب؛ فما حدث في ثاني أكبر المدن السورية لا يختلف كثيرًا عما حدث في 29 يونيو من العام 2014 عندما سيطرت قوات داعش على الرقة والموصل، ثم أعلنت دولتها المسماة بالدولة الإسلامية.
صحيح نجح المجتمع الدولي في إسقاط دولة داعش بعد 5 سنوات من المعارك حيث خرج الرئيس الأمريكي وقتها، دونالد ترامب، في 22 مارس من العام 2019 معلنًا سقوط دولة داعش؛ فمنذ هذا التاريخ وحتى يومنا هذا والتنظيم نجح في تنفيذ مئات العمليات النوعية رغم إعلان السقوط، بما يُعني أنه مازال يمتلك قدرة نجح من خلالها في تهديد أمن الدول التي يتواجد فيها وكذلك مواطنيها.
تُركت جبهة النصرة لواقع مكتوب وهو السيطرة على حلب وأدلب بشكل كامل؛ فقد دارت المعارك من يوم الأربعاء 27 نوفمبر حتى نجحت في السيطرة بشكل كامل على المدينة بعد ثلاثة أيام من المعارك، وسط صمت دولي وربما وعود بالتدخل ودعم القوات السورية، وهو ما لم يحدث على الأقل حتى سيطرة الجبهة على كامل المرافق في المدينة.
المشهد في سوريا اليوم لا يختلف كثيرًا عن المشهد الذي جرى في العراق إبان الغزو الأمريكي في العام 2003، فسيطرة داعش وظهورها كان مرتبطًا بحالة الفوضى التي خلفها الغزو، وواشنطن تتحمل جزء من مسوؤلية ظهور داعش بغزوها للعراق، كما أنها تتحمل جزء من مسئولية سيطرة النصرة وأخواتها من التنظيمات المسلحة لأنها هي من أشعلت الحروب الحالية أو على الأقل تركتها تأكل الأخضر واليابس.
ولعل الحرب والصراعات التي ضربت العالم قبل أكثر من عامين، سواء الحرب الروسية في أوكرانيا والتي تدخل فيها القطبين الكبيريين، أمريكا وأوروبا من جانب في مواجهة روسيا وحلفائها من جانب آخر، هيئ قليلًا البيئة التي ساعدت التنظيمات المتطرفة في أوروبا من بداية الظهور والتحرك، ثم زادت الأمور بلة عندما قامت الحرب الإسرائيلية منذ عام وشهرين وما خلفته من فوضى في منطقة الشرق الأوسط.
ولعل الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان ساعدت هذه التنظيمات في خطابها، أو لعل هذا الخطاب كان أكثر قبولًا عند الكثير من النّاس نظرًا لحرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ومازالت على دولتين عربيتين، وهنا كانت تبدو الإستجداءات المرتبطة بضرورة إيقاف هذه الحرب العبثية.
فحالة الفوضى التي وفرتها الحرب الإسرائيلية بدعم واشنطن اللامتناهي ساعد بصورة كبيرة في بروز خطاب تيارات العنف والتطرف، وجعل هذا الخطاب مطلوبًا لمواجهة خطاب آخر أكثر تطرفًا؛ لا نُساوي بطبيعة الحالة بين تطرف إسرائيل ومواجهتها، فالمقاومة من حق الشعوب والدول والأفراد والجماعات، ولكننا نوصف الواقع ولا نذكر المقاومة، وإنما يأتي ذكرنا على الحركات المتطرفة فقط.
يُعاد ترتيب المنطقة العربية من جديد، ويبدو أنّ هذا الترتيب سوف تكون فيها تنظيمات العنف والتطرف رقمًا مهمًا، هكذا تُريد واشنطن وإسرائيل، التي وعدت بشرق أوسط جديد، وهنا يُفسح المجال لكل التنظيمات المتطرفة في المنطقة العربية إما بالدمج أو بالظهور وعودة النشاط، وهنا مقصود كل التنظيمات المتطرفة، وهو ما يُهدد الأنظمة السياسية المستقرة، فما تُريده واشنطن سوف تحققه حتمًا من خلال وجود هذه التنظيمات.
تُريد إسرائيل ومعها واشنطن أنّ تستبدل قطع الشطرنج، بحيث تخرج القوات الموالية لإيران وحزب الله مقابل سيطرة جبهة النصرة وباقي الفصائل الإسلامية المسلحة ذات الخلفية السنّية في ظل غياب لسيادة الدول؛ استبدال ميليشيات مسلحة ذات خلفية شيعية بملشيات مسلحة ذات خلفية سنيّة.
وجبهة النصرة هي النسخة المعدلة من تنظيم القاعدة، بعد أنّ فكت ارتباطها بالتنظيم وقامت بتغيير إسمها إلى جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام، والهدف طبعًا هو أنّ تقبلها واشنطن، وبالفعل نالت الحركة قبول واشنطن لمجرد تغيير الإسم وباتت أداة للأتراك في مواجهة النظام السوري، ورضيت واشنطن أنّ تواجه خصمها في الشرق الأوسط بالنصرة، كما واجهت روسيا في أفغانستان، بالمقاتلين العرب، الذين شكلوا نواة تنظيم القاعدة فيما بعد.
وتبدو الملاحظة مهمة في هذا الشأن، واشنطن تعاملت مع مقاتلين تحولوا فيما بعد وباتوا قاعديين، وتعاملت مع قاعديين أرادوا أنّ يستفيدوا من المعادلة السياسية بعد أنّ غيروا أسمائهم، فأمريكا تحكمها المصلحة حتى ولو وضعت يدها في يد التنظيمات المتطرفة.
دونالد ترامب يُهندل المنطقة العربية قبل أنّ يدخل البيت الأبيض؛ فالرجل يدعم إسرائيل ولكن من خلال رقعة الشطرنج المشار إليها، وهنا تبدو هذه التنظيمات الحصان الرابح والرقعة الأهم التي يقتل بها خصومه في منطقة الشرق الأوسط.
نتحدث اليوم عن منطقة الشرق الأوسط التي تبدو في حلة جديدة، شعارها داعش والقاعدة وجبهة النصرة، وسط حروب وصراعات تمثل وقودًا لهذه التنظيمات، فضلًا عن سياسات دولية تصب في نفس الإتجاه.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: حلب سوريا جبهة النصرة هيئة تحرير الشام ادلب داعش في سوريا جبهة النصرة في سوريا منير أديب التنظیمات المتطرفة هذه التنظیمات الشرق الأوسط جبهة النصرة
إقرأ أيضاً:
“بوتين يُفاوض من إسطنبول… وترامب يطارد الأشباح “
” #بوتين يُفاوض من #إسطنبول… و #ترامب يطارد #الأشباح “
بقلم: د. #هشام_عوكل أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية
في الوقت الذي يحتفل فيه بوتين بعيد النصر الروسي الثمانين، جالسًا إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ، في مشهد رمزي أراد له أن يكون إعلانًا صريحًا عن التحالف الشرقي، خرج الرئيس الروسي من مشهد الاستعراض مباشرة إلى مشهد القرار: دعوة لحوار مباشر مع أوكرانيا، من إسطنبول، لا من جنيف، ولا من بروكسل، ولا حتى من واشنطن.
اختيار إسطنبول لم يكن عابرًا. تركيا ليست عضوًا في الاتحاد الأوروبي، لكنها عضو في الناتو. وهي ليست شريكةً كاملة للغرب، لكنها أيضًا لا تُحسب بالكامل على الشرق. رسالة بوتين كانت واضحة: الحوار من هنا، من منطقة رمادية تخدم المصالح الروسية، وتُقصي صراحةً العواصم الغربية عن أي دور مركزي في إدارة التفاوض.
هل طُردت أوروبا… وغُيبت أمريكا؟
بهذه الدعوة، بدا أن الرئيس الروسي يُقصي، أو على الأقل يُهمش، الدور الأوروبي التقليدي. ففرنسا وألمانيا لم تعودا لاعبين أساسيين في الملف الأوكراني، وواشنطن، رغم وجود رئيس أمريكي ترمب ، تبدو منشغلة بترتيب أولوياتها الداخلية أكثر من انخراطها في إنتاج حل فعلي للحرب
في هذا السياق، جاءت استجابة الرئيس الأوكراني زيلينسكي السريعة والمعلنة باستعداده لمقابلة بوتين، وكأنها تقرأ في اتجاهين: أولاً، أن زيلينسكي لم يعد يثق تمامًا بقدرة الغرب على فرض حل حقيقي. وثانيًا، أنه يمنح الرئيس الروسي منصة جديدة لإدخال الغرب مجددًا إلى المشهد، لكن هذه المرة كشاهد لا كمقرِّر. فهل هذا منطقي؟ هل الغرب – الذي فشل في حماية أوكرانيا ومنع الحرب – ما زال يملك شرعية الجلوس على طاولة الحل؟ أم أن اللعبة تغيّرت، وموسكو وحدها تُدير شروط الخروج؟
ترامب… يعود رئيسًا ولكن بأي مشروع؟
اليوم، دونالد ترامب لم يعد رئيسًا سابقًا أو مجرد مرشح قوي… بل هو الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، وقد مضى على انتخابه أكثر من مئة يوم. ومع ذلك، لا تزال ملامح سياسته الخارجية غامضة، تتكرر فيها وعود قديمة دون أي مقاربة واقعية.
لطالما تفاخر ترامب بقدرته على إنهاء الحروب خلال ساعات، وتحديدًا حرب أوكرانيا التي قال إنه قادر على إيقافها في أقل من 24 ساعة. لكن سجلّه السياسي لا يُعزز هذا الادعاء:
رفع الرسوم الجمركية على الصين إلى 145% ثم تراجع. هدد أوروبا بعقوبات، ثم تراجع. حاول شراء غرينلاند، فكان الرد دنماركيًا ساخرًا. طالب بملاحة مجانية للسفن الأمريكية في قناة بنما وقناة السويس، فقوبل بالرفض. توسط بين الهند وباكستان، ولم ينجز شيئًا.
استعراضات بلا نتائج، وشعارات بلا أثر.
زيارته للشرق الأوسط… مشروع سياسي أم حقيبة تبرعات؟
واليوم، مع زيارته المرتقبة إلى الشرق الأوسط، يتجدد التساؤل: هل يحمل ترامب مشروعًا جادًا للمنطقة؟ أم مجرد حقيبة دبلوماسية تبحث عن الدعم المالي والرمزي من أنظمة مأزومة؟
وفي خضم هذه الزيارات، تطفو غزة كساحة اختبار لا تقبل المناورة. القطاع الذي نُكِّل به بالحديد والنار، لا ينتظر مؤتمرات مانحين، بل ينتظر إجابات حقيقية.
غزة بعد الحرب… مشاريع أمريكية أم خرائط فارغة؟
تتداول الأوساط الغربية والعربية عدة سيناريوهات لما بعد الحرب في غزة: تغييب حماس، تمكين السلطة الفلسطينية، أو تشكيل حكومة تكنوقراط بإشراف إقليمي. لكن كل هذه التصورات تتجاهل حقيقة أن التجربة الأمريكية في إدارة المناطق المأزومة أثبتت فشلها.
العراق، الذي أدارته واشنطن بعد الغزو، تحول إلى دولة خارج التاريخ. وغزة ليست حقل تجارب جديد. من ينجو من القصف لا يخضع لخرائط خارجية.
واشنطن اولا ٫٫٫٫والبقية في خانة الاحتمالات
وفي خضم هذا المشهد، تبدو المعادلة مختلفة تمامًا عمّا يُشاع: فالحوثيون يمتنعون عن استهداف السفن التجارية العابرة في البحر الأحمر، في وقت تُظهر فيه الولايات المتحدة تركيزها الكامل على حماية مصالحها وسفنها فقط، دون الدخول في أي التزام مباشر يتعلق باستهداف إسرائيل. وكأنّ واشنطن تقول ضمنًا: “اضربوا من شئتم، ما دمتم لا تقتربون منّا”.
فهل نحن أمام تكتيك أمريكي يهدف إلى تحييد نفسها عن الصراع المباشر مع محور المقاومة، مقابل إتاحة مساحات مبهمة في الرد على إسرائيل؟
وهل إعلان ترامب عن استعداده للاعتراف بدولة فلسطينية يُقرأ كرسالة ضغط على تل أبيب… أم كغطاء تفاوضي جديد يُعيد ترتيب أوراق واشنطن في المنطقة دون أن يدفعها ذلك إلى مواجهة مفتوحة؟
خاتمة: من يكتب التاريخ؟
وهكذا، بين رئيس يحتفل بالنصر ويُعيد رسم الخرائط من موسكو وإسطنبول، وآخر يطوف الشرق الأوسط باحثًا عن نفوذ مفقود، تبقى الحقيقة في الميدان: الخرائط لا تُرسم بالأمنيات، والتاريخ لا يُكتب بالشعارات.
ومن يُقصي اللاعبين الحقيقيين عن الطاولة، سيجد نفسه لاحقًا خارج اللعبة كلها.
لكن السؤال الذي نتركه مفتوحًا في كل زاوية حادة يبقى: إذا كانت الحرب لا تُحسم بالسلاح فقط، فهل تُحسم بالخداع الدبلوماسي؟ أم أن الشعوب المنهكة هي وحدها التي تدفع ثمن الحروب المؤجلة؟