يمانيون:
2025-10-15@18:00:32 GMT

ضمائرُ ومشاعر

تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT

ضمائرُ ومشاعر

راكان علي البخيتي

بينما يعيش إخواننا في غزة الحياة المليئة بالمآسي والأحزان ومآسي الحرب التي ليس لها شبيه، وهم من هولها أصبحوا يختارون النوم جميعًا ليستشهدوا جميعًا، وعندما نرى ونشاهد كُـلّ حدث يأتي وهو يحمل معه آهات وأنين وأوجاع إخوتنا في غزة وهم بين شهيد، وجريح، ومفقود، ونازح، وأسير، وطفل بقي تحت الركام لم يبقَ من أفراد أسرته أحد، ورجل مسن فقد أسرته ولم يبقَ منهم أحد والجميع يتم إبادتهم دون رحمة، ومن استطاع منهم أن ينجوَ من الصواريخ استشهد من شدة الجوع والعطش.

ثم نأتي لنسأل أنفسنا هل كان أحد يتخيل أن يرى ويشاهد كُـلّ تلك الجرائم البشعة؟ ثم لا تحرك تلك المشاهد ضميره ومشاعره وأحاسيسه؟ وهل كان يأتي في الخيال أن تجد أحداً لا يريد أن يسمع عن هذه الأحداث ولم تحَرّكه صرخات وبكاء وأنين الأطفال، ثم ترى مشاعره تتحَرّك ويبكي عندما يستمع إلى صوت موسيقى في أغنية يغنيها فنان وهو يشرح قصة فراق بين عشيق مع عشيقته جمعتهم علاقات محرمة، أَو يبكي عندما يخسر فريقه الرياضي أمام فريق آخر.

تتحَرّك مشاعره أثناء مشاهدته لبعض الأفلام السينمائية، التي تروي قصصَ العاشقين والعاهرين والساقطين، وفيها المشاهد التي فيها الفراق والعناق المحرم وتدعو إلى الرذيلة والسقوط في مستنقع الانحرافات الأخلاقية والسلوكية.

ثم الضمائر والمشاعر التي تتحَرّك لتجمع المال وتؤسس الجمعيات الكبيرة وتشترك في الأسهم والشركات العملاقة لتجني المال الكثير وتستقطب الشباب والفتيات ليكونوا فنانين يجيدون فن الرقص والتمايل أَو يصبحوا ممثلين ومنتجي أفلام تعرض في البارات والأندية والملاهي والمنتجعات.

أم تلك الضمائر التي تسعى إلى الاهتمام بتربية الكلاب وتتعامل معها بكل لطف ورحمة وتبادلها الحب وتقدم لها الخدمات التي ترتقي بها إلى درجة الإنسان بل وأعظم من ذلك.

ففي الوقت الذي يبكي فيه طفل فلسطيني فقد أمه وحليب أمه بحنانها وعطفها بالكامل، تبكي جماهير عربية وإسلامية على مدرجات الملاعب لمُجَـرّد حصول أحد اللاعبين المحترفين على بطاقة حمراء، وبينما تعانق الشابة الفلسطينية أخيها الشهيد، تجد أكثر شباب وبنات الخليج العربي يتسابقون ليحتضنوا الفنانة والفنان والراقصة والراقص.

وبينما يدافع الشاب الفلسطيني عن حرمة المسجد الأقصى بروحه وجسده يستقبل “تركي آل الشيخ” العاهرات في أطراف مكة ويصنع لهم مجسم الكعبة ليطوفوا عليها بأجساد عارية، ويعتبر ذلك المشهد من أهم المنجزات ويدعو بقية الشعوب إلى تلك الأعمال كونه يعتبرها حضارة وتعايشاً مع الشعوب.

وبينما أصبحت مشاعر وضمائر أكثر أبناء الأُمَّــة تتحَرّك من الركبة إلى السرة، لا تبدي للقضية الفلسطينية أي اهتمام، تحَرّك الشعب اليمني العظيم وقائده العظيم وأظهر مشاعره التي كان يحملها أجداده الأنصار وضمائرهم التي حملوا بها مسؤولية رفع راية الإسلام وساندوا الشعب الفلسطيني المظلوم بكل قوة عسكرية جعلت من أمريكا مسخرة أمام العالم وكسرت هيمنتها وهيبتها ومرغت أنفها في الماء وأغرقت سفنها وبوارجها وأساطيلها في البحار وكلّ المحيطات.

فشتان بين مشاعر وضمائر شعب يمن الأنصار الذي حمل السلاح في وجه طواغيت الجاهلية الحاضرة والماضية، يوم أرادت قريش أن تجعل الكعبة محاطة بالطبول والمطربات والأوثان ومزاراً لليهود وأحبارهم، تلك المشاعر والضمائر هي حية وباقية إلى اليوم تذود وتقاتل وتدافع عن شرف الأُمَّــة كما كانوا في السابق وبين ضمائر ومشاعر تحَرّكها أهازيج الجماهير في الملاعب والمطربات والفنانين في العروض والمسارح والحفلات الغنائية، التي جعلتهم يهربون من واقع المواجهة والصراع مع العدوّ إلى واقع الانحلال الأخلاقي وموت الضمائر وانحراف المشاعر.

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

سلام القبور.. وشرم الشيخ التي صمتت على بكاء غزة

ذهب اليوم ترامب إلى الكنيست، وخطب لمدة ساعة، يطلب من الرئيس الإسرائيلي العفو عن نتنياهو، واصفًا إياه بأنه “أعظم رجل رأيته أثناء الحرب”. ثم غادر مسرعًا إلى شرم الشيخ، حيث كانت طائرات الأمراء والرؤساء العرب مصطفة، تنتظر “الرجل الفاتح” الذي جاء ليعلن السلام، بعد سبعين ألف قتيل من الأطفال والنساء والشيوخ، وبعد أن دُمّرت غزة عن بكرة أبيها. جاء ليمنح جزار الحرب ميدالية “السلام” على أكبر إبادة شهدتها البشرية المعاصرة.

هنيئًا للأمة العربية والإسلامية بهذا اليوم “التاريخي”، وبهذا الاستقبال “الدستوري” للرجل الذي أطلق على النار اسم “السلام”. فبعد هذا اليوم سيعود نتنياهو ليعلّق من جديد خارطة “إسرائيل الكبرى” الممتدة من النيل إلى الفرات، وستُرفع رايات الوصاية على القدس تحت مسمى “الوصاية المسيحية الإنجيلية”، فيما تتحول القاهرة – وفق أوهامهم – إلى عاصمة الدولة العبرية الجديدة. تلك ليست خيالات سياسية، بل خرافة توراتية تتحول إلى مشروع سياسي-عسكري تدعمه العقيدة الصهيونية-الإنجيلية، التي يتبناها ترامب ومن خلفه تكتل الإنجيليين الجدد في واشنطن.

نحن لسنا ضد اليهود، ولا ضد الديانة اليهودية التي نؤمن بأنها ديانة سماوية منبعها الوحي الإلهي، وأتباعها أبناء عمومتنا في التاريخ والإيمان. ولكننا ضد المشروع الصهيوني-الإنجيلي الذي اختطف الدين ليبرر الاحتلال والقتل والتطهير العرقي. هذا المشروع لا يستهدف أرضًا فقط، بل يسعى لإلغاء هوية الأمة، ومحو إرثها الديني والحضاري، تحت خرافة “عودة المسيح” التي تتطلب – في عقيدتهم – إبادة ملايين المسلمين وهدم المسجد الأقصى لإقامة “الهيكل”.

المفارقة أن ذات اليوم الذي اصطف فيه الزعماء في شرم الشيخ لرسم خارطة “السلام”، كان هو نفسه اليوم الذي مات فيه أطفال غزة جوعًا تحت الأنقاض. “آمنة”، و“علي”، و“أيمن” وغيرهم من أطفال غزة، لفظوا أنفاسهم الأخيرة بينما كانت الأضواء تلمع في قاعة الاستقبال، وعدسات الكاميرات تلتقط ابتسامات القادة. أي سلام هذا الذي يُرسم على موائد الدم؟ وأي شرعية أخلاقية يمكن أن يحملها اتفاق تُوقع أوراقه على أنقاض البراءة؟

لقد انقلب مفهوم “السلام” في القانون الدولي إلى أداة تبرير لهيمنة الأقوياء. فبدل أن يكون وسيلة لحماية المدنيين، صار وسيلة لشرعنة القتل وتجميل الاحتلال. المبدأ القانوني القائل بأن “العدالة أساس السلام” تم استبداله بسياسة “السلام مقابل الصمت”، في تناقض صارخ مع مقاصد ميثاق الأمم المتحدة الذي نصّ على “حظر استخدام القوة ضد سلامة أراضي الدول”. واليوم يُكافأ المعتدي ويُعاقَب الضحية، ويُسدل الستار على جريمة الإبادة باسم “السلام الشامل”.

من الناحية القانونية، ما جرى ويجري في غزة لا يندرج إلا تحت مفهوم جرائم الحرب والإبادة الجماعية المنصوص عليهما في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، وخاصة المادتين 6 و8 منه. أما الصمت العربي والدولي فهو مشاركة ضمنية في الجريمة، لأن القانون الدولي لا يعترف بـ“الحياد” في مواجهة الإبادة. إن الامتناع عن إنقاذ المدنيين، أو دعم من يرتكب الجريمة، يشكل مشاركة غير مباشرة في الفعل المجرّم.

لكن أخطر ما في المشهد ليس القتل ذاته، بل تحويل القتلة إلى “صنّاع سلام” والمجرمين إلى “أبطال دبلوماسية”. إن العالم اليوم يعيش انقلابًا أخلاقيًا حقيقيًا، حين تُمنح الميداليات على أنقاض الطفولة، ويُكرم السفاح باسم الإنسانية. والأنكى أن بعض الحكومات العربية باتت تُصفق لذلك بدعوى الواقعية السياسية أو المصالح الاستراتيجية، متناسية أن القانون الدولي ذاته قام على فكرة أن “الحق لا يسقط بالتقادم، وأن دماء الأبرياء لا تُقايض بالصفقات”.

إن ما يجري اليوم ليس مجرد انحراف سياسي، بل انهيار لمفهوم العدالة في العلاقات الدولية. لقد سقطت الأقنعة، وسقطت معها هيبة القانون، حين أصبحت شرم الشيخ مسرحًا لتكريم المجرمين بدل محاكمتهم، وحين صار الصمت هو الثمن الذي يُدفع لقاء البقاء في مقاعد السلطة.

سلام بلا عدالة هو سلام القبور، وسلام بلا كرامة هو هدنة الجبناء. ولعنة الله على سلام الزعماء حين يُبنى على موت الأطفال، وعلى كل يد صافحت الجزار بينما يداه ما زالتا ملطختين بدماء غزة. فالتاريخ لا ينسى، والقانون لا يُدفن، والضمير الإنساني – مهما خُدر – سيستيقظ يومًا ليحاكم الجميع.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • كشف لغز "الجثة الخطأ" التي سلمتها حماس لإسرائيل.. لمن تعود؟
  • التعلُّم من الدول والقيّادات التي تُغلب مصالِح شعوبها
  • الجيش الاسرائيلي: إحدى الجثث التي سلمتها حماس ليست لمحتجز
  • إسرائيل: الجثة الرابعة التي سلمتها حماس لا تتطابق مع أي من الرهائن
  • الجيش الإسرائيلي: إحدى الجثث الأربع التي تسلمناها من حماس لا تخص أيا من الرهائن
  • أبرز فوائد اللوبيا.. ما الفيتامينات التي تتضمنها؟
  • سلام القبور.. وشرم الشيخ التي صمتت على بكاء غزة
  • القدس.. الحرب التي لا تنتهي!
  • تعرفوا على قلادة النيل التي منحها السيسي لترمب
  • من هي المرأة الحديدية التي غيرت بريطانيا؟