عند الحديث عن المناهج فقد يتبادر للذهن تلك الكتب التي ندرسها في المدارس أو الجامعات أو حتى كما يسميه التربويون مجموعة الخبرات والمهارات التي يحصل عليها المتعلم من خلال عملية محددة ومنظمة. والحقيقة أننا هنا نريد تسليط الضوء على شيء مختلف ألا وهو كيف تتكون المعرفة وما هي الطريقة العلمية -المرتبطة بقواعد علمية صارمة وقابلة للتحقق- التي يجب سلوكها مما يجعل نتاجاتها تعطي معرفة علمية جديدة مقبولة بين جمهور العلماء.

فمثلاً إذا أردت تفسير لماذا يتم رؤية السراب في يوم شديد الحرارة وفي وضح النهار؟ فإنك قد تقول بسبب زاوية الرؤية أو بسبب حرارة الجو أو بسبب موقع الشمس من الموقع المنظور كلها تخمينات أو فرضيات تحتاج لفحص، وعملية الفحص هذه تحتاج لمنهج، لإن في سلامة المنهج سلامة النتائج وموضوعيتها لذلك لابد أن يكون المنهج المتبع متفق عليه من العلماء أو ما أصبح يعرف بالتقاليد العلمية.

وهنا يتضح أن المناهج العلمية هي وسيلة مهمة للوصول للمعرفة الموثوقة، وتتعدد المناهج بتنوع المجالات المدروسة فكما يقال المنهج يتبع المجال التداولي، عزيزي القارئ إن عملية استخدام المناهج قديمة قدم المعرفة نفسها، ولكن الوصول إلى المناهج الحديثة سبقة العديد من الاتجاهات الفكرية والفلسفية.

لذلك سنحاول في هذا المقال تتبع بعض هذه المناهج تتبعًا انتقائيًّا يظهر أهم التحولات المفصلية في تاريخ تطور المنهج العلمي، وقبل البدء عزيزي القارئ لابد من الإشارة إلى أن حديثنا هنا عن مفهوم العلم من منظورة الغربي (المادي) وليس مفهوما آخر لأن العلم نفسه كمصطلح هو مبحث كبير من حيث المفهوم والخلفيات التي أنشأته، لنبدأ الحديث عن العصر الفرعوني فهو شهير بالمنتجات المادية الماثلة للعيان كالأهرامات والمعابد وغيرها من التقدم الكبير في علوم الرياضيات (التحليل الرياضي) والكيمياء (التحنيط والبرديات) والهندسة (التصميم والسبك وطرق نقل المواد. الخ).، والفراعنة يعتمدون على إبقاء المعرفة في نخبة متعلمة لا يسمح لها بالبوح بأسرار الحكمة لذلك يعد خروج علوم المعبد المصري القديم أو ما يسمى بالسر الإلهي أمرا يؤدي إلى الإعدام، ومع هذا التكتم والحرص تميز المصريون في جوانب الهندسة وعلم المواد ويذكر المؤرخ الإغريقي ديودور الصقلي أن العالم الرياضي الإغريقي الشهير فيثاغورث ذهب إلى مصر وتعلم لدى كهنة المصريين وخاصة علوم الهندسة والرياضيات وعلم الفلك وهذا ما يؤكده المؤرخ إيراتوستينس أن فيثاغورث قضى 22 عامًا في مصر قبل أن يأسره الفرس وينتقل إلى بلاد ما بين النهرين. ويؤكد المؤرخ الشهير هيرودوتس أن الإغريق استفادوا كثيرا من العلم والمعرفة المصرية.

لعل أكبر ما يشير إليه المختصون في تتبع المناهج العلمية هو القفزة النوعية التي تحققت في الفلسفة الإغريقية أو اليونانية، والتي ألهمت المهتمين بأهمية السؤال الصحيح ولنقل المنطقي حول ما يهم الإنسان أو ما يحيط به، فكما اهتمت مجالات الفلسفة الأولى بالماورائيات اهتمت بمادة الكون المنظور حيث استخدمت التحليل المنطقي والرياضي، وكما تعلم عزيزي القارئ فإن فلاسفة الإغريق ليسوا ملتزمين بنفس النسق الفكري أو المجالات المدروسة ولكن الذي يجمعها هو أهمية وجود السؤال وطريقة التحليل المنطقي وبعدها النقد العلمي المستمر أو الفرشة النظرية الموثقة.

ويعد أرسطو (Aristotle) هو الفيلسوف الذي أسس المنهج الاستنباطي في الفلسفة والعلوم، وهذا المنهج يعتمد على الانتقال من المقدمات العامة إلى الاستنتاجات الخاصة، حيث ناقش في كتابة «التحليلات الأولى» هو جزء من المجموعة الأكبر التي تعرف بـ«الأورغانون» (Organon)، وهي مجموعة كتب أرسطو التي تتناول المنطق وأدوات التفكير العقلاني. في هذا الكتاب، يقدم أرسطو النظرية الأساسية للاستدلال الاستنباطي أو القياس المنطقي [4] والذي ساد قرون عديدة وهذا المنهج يقول بأن النتيجة العامة ممكن إسقاطها على الأجزاء وهذا يعني أن الوصول الى نتيجة مثل أن سكان دولة ما قصار القامة وبالتالي كل من ينتمي لهذا الحيز الجغرافي هو قصير القامة بالتبعية (تتبعه الاستنتاجات الخاصة)، وفي كتابه الثاني ينتقل أرسطو إلى مناقشة الاستنباط البرهاني، حيث يشرح كيف يمكن الوصول إلى المعرفة اليقينية من خلال القياس والاستنباط، حيث يركز على الفرق بين المعرفة البرهانية والمعرفة الظنية. فعند أرسطو المعرفة اليقينية تأتي من مقدمات صحيحة وضرورية، وهذا النوع من الاستدلال يعرف بـ«البرهان». فمثلاً يقول أرسطو إننا نعرف شيئًا على نحو يقيني عندما نكون قادرين على تقديم برهان مستند إلى مقدمات أولية يقينية. هذا المنهج العتيق في البحث عن المعرفة شكل ثورة في العصر اليوناني وما بعده كالعصر الإسلامي، ولعل هذا المنهج الأرسطي ناسب كثير من المجالات و النظريات المعرفية التي حاولت تفسير الوجود المادي أو الفيزيائي وكذلك ما وراء هذا الوجود الأنطولوجي أو ما يسمى الميتافيزيقي. وللتبسيط لنقل أنه منهج ينظر من أعلى إلى أسفل، حيث يتجه من الكل إلى الجزء ومن العام إلى الخاص.

عزيزي القارئ يجب ألا ننسى أن مجموع المعرفة المتحصلة كعلم الرياضيات والطب والفلك كانت تحت غطاء الفلسفة وبالتالي كل من يتقن فن من فنون العلم إذاً هو متفلسف -آن ذاك- لأن هذه العلوم ليست بذلك التجريد الذي نعلمه الآن بل مرتبطة بمعاني إنسانية ومآليه مختلفة. ولكن عندما بدأت مرحلة ما بعد افتتاح مكتبة الإسكندرية، وتطور الطب خصوصًا مع علم الكيمياء وهنا بدأت هذه العلوم بالخروج من عباءة الفلسفة لتبدأ بالتشكل كوحدات متشابه من حيث طرق التحصيل والاستدلال الفكري والتجريبي، بالفعل التجربة بدأت في توفير بيئة فاحصة لبعض النظريات أو حتى كثير من المسلمات التي اكتشف لاحقاً أنها تتعارض مع الواقع التجريبي.

«العصر الذهبي للعلم عند المسلمين وبداية المنهج الاستقرائي»

ويعتبر المسلمون خلال القرون الثلاثة الأولى قادة التغيير الحقيقي ليس فقط في تمكين التجربة كطريقة للحصول على المعرفة بل و تكوين منطلق نظري ينقد النظرية الأرسطية، ويضيف كثير من العلوم التي أدت شيئًا فشيئًا إلى تكون ما نسميه المنهج الاستقرائي وهو الذي يتجه من الخاص إلى العام ومن فحص الأجزاء للوصول إلى التعميم الذي تفرضه نتيجة فحص الأجزاء. جابر بن حيان وابن الهيثم والزهراوي وابن البيطار والرازي والبيروني وغيرهم الكثير أثبتوا أنه لا علم مادي كعلوم الآلة والكيمياء والطب والفلك وأمثالها متحقق أو مسلم به دون تجربة. ففي كتاب المناظر لابن الهيثم نجد الأسلوب العلمي الرصين والذي يحدد الوصف بناء على التجريب، ويحدد الأبعاد الهندسية بناء على قوانين مضبوطة رياضيًا، وهذا يتكرر عند الأطباء المسلمون فالرازي قام بتوزيع لحم نيئ (يماثل حالة الجرح المفتوح) على أجزاء متفرقة في بغداد وذلك لكي يستطيع اختيار المكان الأقل تلوثاً لإقامة الباريمستان أو المستشفى، وهناك أمثلة كثيرة للاهتمام بأهمية الملاحظة وتتبع الأنساق ومن ثم التجريب وبعدها التعميم.

كما كان المسلمون في عصور ازدهارهم مغرمون بالفلك بل ويحسبون الوقت بدقة جيدة وذلك بوسائل بسيطة فمثلًا يستخدمون الشبر والباع والذراع للمسافات بين بعض الكواكب والنجوم والتجمعات النجمية، كما أن بعضهم كالبيروني مثلًا استطاع تحديد نصف قطر الأرض من خلال طريقة مبتكرة تجمع بين علم المثلثات والملاحظة العملية، وذلك باستخدام قياسات دقيقة من على قمة جبل. حيث اتبع الخطوات التالية:

1. اختيار الموقع المناسب: اختار البيروني قمة جبل عالية بالقرب من سطح الأرض المستوي، ليتمكن من قياس زاوية انخفاض الأفق بشكل واضح.

2. قياس زاوية انخفاض الأفق: وقف على قمة الجبل وقام بقياس الزاوية بين الأفق المستوي وخط الرؤية من عينيه إلى الأفق. وقد استخدم في ذلك أدوات قياس بدائية لكنه أتقن حساب الزوايا بشكل دقيق. زاوية الانخفاض تعبر عن انحناء سطح الأرض، وهذا يساعد في حساب المسافة من قمة الجبل إلى الأفق.

3. حساب ارتفاع الجبل: قام البيروني بقياس ارتفاع الجبل باستخدام تقنية الظل وقانون المثلثات، بحيث قاس طول ظل الجبل وزاوية سقوط الشمس على هذا الظل. من هذه القياسات تمكن من حساب الارتفاع بدقة.

وهنا ينبغي أن نؤكد أن هذا الانقلاب المنهجي كان له دور في تطور العلوم ومدى دقتها ويمكن توضيح هذا المنهج بمثالين، المثال الأول كيف تتم عملية رؤية الأشياء أي إذا أردنا أن نتأكد هل ضوء الرؤية يخرج من العين ثم يسقط على الأشياء ليعود إليها أم أن السبب هو ضوء الشمس المنعكس عن الأشياء، هذه التجربة قام بها العالم ابن الهيثم وأثبت كما تعلمون أن العين تستقبل الأشعة المنعكسة عن الأشياء وهذا عكس ما كان يعتقد سابقًا، حيث ظل الإغريق والرومان ومن بعدهم يعتقدون بهذا الاعتقاد. والمثال الثاني ما قام به علماء الأدوية والأعشاب في الأندلس كابن البيطار وغيرهم في فحص ما ينفع من الأعشاب لمختلف الأمراض وأنشأوا ما يسمى بالمستشفيات البحثية، وليس فقط للتمريض والتطبيب بل وكجامعات. واستطاع المسلمون معرفة تحديد مواعيد وأشكال القمر ومواعيد الصلوات واتجاهات الملاحة البحرية بدقة كبيرة ومع تطوير الاسطرلاب وأدوات القياس الفلكي كان لهم السبق في فهم أعمق للفضاء الخارجي بأجرامه المختلفة.

التبادل المعرفي وتطور المنهج العلمي

واستمر الأثر الإسلامي طيلة اثنا عشر قرنًا، ومن ثم بدأت حركة الترجمة والتبادل المعرفي مع شمال البحر الأبيض المتوسط منه الى القارة العجوز، والنهضة الأوربية، كما تسمى هي نهضة منهجية بالأساس لأن أوروبا كانت بحاجة لنفض السيطرة الكنسية والتي منعت قراءة الكتب فضلًا عن امتلاكها وخاصةً الكتب العلمية والتي تراها الكنيسة تناقض ما لديها كتب مقدسة ولذلك في أوروبا صار العلم و البحث عن شيء جديد قد يصادم أمرا ترفضه الكنيسة ولذلك هذا التعارض بين الطرفين أنتج حاجة ضرورية لإنهاء سيطرة الكنيسة وهذا حدث تدريجيًا مع كثير من التضحيات فأحد أشهر العلماء وهو الإيطالي جالليو والذي أبلغ العامة والنبلاء أن الأرض بالفعل تدور حول الشمس ويؤكد بالتجربة ما قالة كوبرنيكوس فرض علية الإقامة الجبرية ولعل التغيرات التي حدثت في القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين يسبقهما فرشة منهجية أصلها الإمام الغزالي وابن رشد وكذلك قبلهم كما ذكرنا العلماء التجريبين.

النهضة الأوروبية

بشكل عام يمكن القول إنه خلال النهضة الأوروبية، لعبت الترجمة والتبادل الثقافي دورًا محوريًا في تطور المنهج العلمي. بدأ الأوروبيون بترجمة الأعمال العلمية والفلسفية من الحضارات الإسلامية، التي كانت قد جمعت وطورت أعمال الإغريق وأضافت إليها تجاربها العلمية الخاصة. فتح هذا التبادل الثقافي الباب أمام الأوروبيين للتعرف على أساليب جديدة، خصوصًا المنهج الاستقرائي الذي اعتمده العلماء المسلمون، مثل: ابن الهيثم في البصريات، وابن سينا في الطب. أسهمت هذه الترجمات في تحرير الفكر الأوروبي من القيود الكنسية، وشجعت على اعتماد أسلوب علمي مبني على الملاحظة والتجربة، مما شكل أساسًا لتقدم العلوم وأسهم في تأسيس النهضة العلمية.

ولكن يعد البريطاني فرانسيس بيكون والذي عاش في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي مؤسس المنهج الاستقرائي التجريبي وإليه ينسب الأوروبيون ما يسمى بالأرجانون الجديد أو القانون المنهجي الجديد (المنهج الاستقرائي)، والذي كما ذكرنا بدأ به العلماء المسلمون قبل عقود من الزمن، ولكن إضافات بيكون كانت منظمة ومؤصلة لكيفية الوصول للمعرفة من خلال منهج منظم الخطوات يبدأ بالملاحظة، ويعتمد على التجربة الحسية وينتهي بالقانون العام، كمثال للمنهج الاستقرائي لنقل أننا نريد فحص توصيلية سلك من النحاس فعلينا أخذ عينات كثيرة من أسلاك النحاس المختلفة ثم فحص كل سلك على حده في نفس الظروف الفيزيائية من الطول والكتلة والكثافة والحرارة والضغط ومساحة المقطع.. إلخ، وبعدها نصدر تعميمًا أن النحاس بهذه المواصفات في أي مكان كان وتحت الظروف نفسها سيكون موصلًا للتيار الكهربائية وان موصليته تساوي قيمة محددة. ومهما تحدثنا في هذا المقال عن تطور المنهج العلمي التجريبي فإننا بعجالة يمكن القول بانه طريقة منظمة لاستقصاء الظواهر، واكتساب المعرفة، وتصحيح الأخطاء وتطوير النظريات، ويتكون من الخطوات التالية:

الملاحظة: تبدأ العملية بملاحظة الظواهر المحيطة بهدف فهمها أو إيجاد مشكلة محددة تحتاج إلى تفسير.

صياغة الفرضيات: بعد الملاحظة، يُوضع تفسير أولي أو فرضية تكون قابلة للاختبار.

التجربة: تُصمم التجارب وتُجرى للتحقق من صحة الفرضية وجمع البيانات.

تحليل البيانات: بعد التجربة، تُحلل البيانات باستخدام الأساليب الإحصائية المناسبة لتحديد ما إذا كانت تدعم الفرضية.

الوصول إلى الاستنتاجات: بناءً على التحليل، يُتخذ قرار بشأن الفرضية ويُحدد ما إذا كانت النتائج تدعمها أو تتطلب تعديلها.

التكرار والنشر: تُعاد التجارب للتحقق من صحة النتائج، وتُنشر في مجلات علمية للاطلاع عليها وتقييمها من قبل المجتمع العلمي.

ولعلنا هنا نشير إلى شيء في غاية الأهمية حدث قبيل تأثير الأرجانون الجديد ألا وهو اختراع الطباعة عام 1440 على يد الألماني جوتنبرج، حيث انفجرت المعرفة وألغيت الحواجز، وتوفرت المصادر، ولا تزال الطباعة ثورة علمية في حد ذاتها. تطور المنهج في عصور النهضة الأوروبية بين مفهومه الشكي والمنطقي العقلي وبين التجريبي الذي أكده ديفيد هيوم وغيره بعد ذلك خلال القرون الثلاثة الممهدة للثورة الصناعية التي مع تطورها قد تكون أغفلت بعض الجوانب الإنسانية والاجتماعية مع نمو جدل كبير في المدارس السلوكية والنفسية.

وختاما، يمكننا القول إن المعرفة بدون منهج علمي تصبح عرضة للعشوائية والأخطاء، وأن المنهج لابد أن يتبع طبيعة المجال التداولي للموضوع المدروس أي السياق الذي تنتج وتستخدم فيه المعرفة فمثلا في العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء يستخدم المنهج التجريبي في حين يستخدم منهج التحليل النوعي أو الكمي في علم الاجتماع وهكذا، بهذا تتحقق المعايير الموضوعية مع التقليل من تأثير العامل البشري قدر الإمكان.

د. ماجد الرقيشي أستاذ الفيزياء المساعد ورئيس شعبة الفيزياء بجامعة نزوى

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذا المنهج ا المنهج من خلال کثیر من ما یسمى

إقرأ أيضاً:

رئيس جامعة عين شمس يفتتحا الجلسة العلمية الثانية " الذكاءالاصطناعي والتحول الرقمي


افتتح  الدكتور عوض تاج الدين، مستشار رئيس الجمهورية للصحة والوقاية،
والدكتور محمد ضياء زين العابدين رئيس جامعة عين شمس، الجلسة العلمية الثانية  ضمن المؤتمر السنوي الدولي الثالث عشر لجامعة عين شمس، بحضور نخبة من الأساتذة والخبراء في مختلف التخصصات الأكاديمية والطبية، وبمشاركة واسعة من الباحثين والمهتمين بالشأن العلمي والبحثي.

وأكد الدكتور  عوض تاج الدين خلال كلمته أن قانون المسؤولية الطبية يمثل حجر الزاوية في حماية الكوادر والمنشآت الطبية من أي اعتداء أو تخريب، وفي الوقت ذاته، يضمن حماية حقوق المرضى من الأخطاء الطبية، مشددًا على أن الطبيب المعالج هو الأكثر حرصًا على سلامة المريض، وأن ثمة خلطًا شائعًا بين الخطأ الطبي والمضاعفات الطبية التي قد تحدث رغم الالتزام بالإجراءات السليمة.
وتطرق إلى التطور المتسارع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي داخل القطاع الطبي، مشيرًا إلى أن العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض تظل أهم بكثير من أي تقارير تقنية أو آلية. 
وقال: "الذكاء الاصطناعي لا يغني عن التشخيص البشري، رغم دقة الجراحات الروبوتية، فالقرار الطبي يجب أن يبقى بيد الإنسان."
كما أشار إلى تحديات جديدة ظهرت مع التطور التكنولوجي، مثل ضرورة حماية الأسرار الطبية، واكتشاف أمراض جديدة نتيجة لاختراع أجهزة تشخيصية متطورة.
وأشاد تاج الدين بما وصفه بـ "التطور المذهل" في مستشفيات جامعة عين شمس، من حيث عدد المستشفيات، والرعايات المركزة، والوحدات العلاجية الدقيقة، مؤكدًا أن "كل ما هو حديث في العالم، كانت مستشفيات جامعة عين شمس من أوائل من طبّقه في مصر."
واختتم بتأكيده على أن ما نشهده اليوم من تحولات رقمية وتشريعية هو انعكاس واضح لثورة تشريعية ودعم قوي من القيادة السياسية، التي تضع صحة المواطن المصري وحقوق الكوادر الطبية في صدارة أولوياتها، باعتبارها جزءًا أصيلًا من منظومة حقوق الإنسان.
في إطار التوجه الوطني نحو تطوير المنظومة الصحية وتحقيق أهداف رؤية مصر 2035، قدم الأستاذ الدكتور طارق يوسف، المدير التنفيذي لمستشفيات جامعة عين شمس، عرضًا تفصيليًا شاملًا حول المشروعات الوطنية للمدينة الطبية التابعة للجامعة.
كما استعرض المسار التاريخي لتطور مستشفيات الجامعة، انطلاقًا من تبرع الوطني عبد الرحيم باشا الدمرداش، الذي شكل نواة المدينة الطبية، وصولًا إلى افتتاح مجموعة من المشروعات الجديدة التي تعكس التوسع الهائل في الخدمات والبنية التحتية.

وأشار إلى أن المنظومة الحالية تضم عددًا كبيرًا من المستشفيات والمراكز الطبية المتخصصة، بالإضافة إلى أقسام رئيسية تخدم مختلف التخصصات الطبية. وشهد العرض تسليط الضوء على اعتماد مستشفى المسنين ومستشفى العبور كمؤسسات صحية مرجعية تقدم خدمات متقدمة، إلى جانب توقيع عدد من البروتوكولات الهامة مع جهات مختلفة، في خطوة تعزز التعاون وتفتح آفاقًا جديدة لتطوير الخدمات الصحية والتعليمية والبحثية.
تجسد هذه المشروعات طموح جامعة عين شمس في أن تكون مركزًا طبيًا رائدًا على المستويين الإقليمي والدولي، بما يتماشى مع خطط الدولة للنهوض بالقطاع الصحي وتعزيز جودة الحياة للمواطنين.
وتعمل المستشفيات حاليًا على توسيع وحدات العناية المركزة وافتتاح وحدات جديدة متقدمة، مزودة بأحدث التكنولوجيا الطبية لمواكبة الزيادة في حالات المرضى ذوي الحالات الحرجة، مع التركيز على تحديث البنية التحتية للرعاية الحيوية وإدماجها ضمن نظام مركزي موحّد لتحسين سرعة وكفاءة الاستجابة.

كما شارك بالجلسة الدكتور  ياسين الشاذلي وكيل كلية الحقوق للدراسات العليا والبحوث، مؤكدًا إنه تبرز أهمية التخصصات البينية فى العلاقة بين القانون والطب، حيث يصبح من الضروري وجود نظام تشريعي متكامل يضمن التوازن بين حقوق الطبيب وحقوق المريض، ويكفل حماية الطرفين في العلاقة العلاجية: مقدم الخدمة ومتلقيها.

ويأتي قانون تنظيم المسؤولية الطبية وسلامة المريض كخطوة جوهرية نحو تحقيق هذا التوازن، حيث يتناول الأحكام العامة للمسؤولية الطبية، ويضع الأطر القانونية التي تحكم ممارسات الأطباء والكوادر الصحية.

كماتناول القانون بوضوح التمييز بين أنواع الخطأ الطبي، ففرّق بين الخطأ الطبي الجسيم، والخطأ الطبي العادي، والخطأ الذي يصل إلى حد القتل الخطأ. كما أوضح المفهوم القانوني للمضاعفات الطبية، مميزًا إياها عن الأخطاء التي تستوجب المساءلة وكذلك الحالات التى تنتفى فيها المسؤلية الطبية  منها الخطأ المهنى غير المقصود. 
مؤكدًا أن مواكبة التطور التكنولوجي في المجال الصحي يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع تحديث الإطار التشريعي، لضمان تحقيق العدالة، وحماية حقوق جميع الأطراف، وضمان سلامة المريض في المقام الأول.

قدّمت الدكتورة آية ياسين مديرة مركز التميز للذكاء الاصطناعي في القطاع الطبي بجامعة عين شمس عرضًا موجزًا حول المركز، مشيرة إلى أنه يمثل إحدى المبادرات الاستراتيجية التي تتبناها الجامعة لتعزيز البحث والتطوير في تطبيقات الذكاء الاصطناعي بالمجال الصحي.

وأوضحت أن المركز يهدف إلى ابتكار حلول طبية رقمية تسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتيسير اتخاذ القرار الطبي، من خلال تحليل البيانات وتوظيف أحدث تقنيات التعلم الآلي، بما يدعم كفاءة التشخيص والتعامل مع الحالات الحرجة.

وفي السياق ذاته، تحدث الأستاذ الدكتور أحمد سمير، أستاذ الأشعة التشخيصية، عن التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي في قطاع الأشعة، موضحًا أن الذكاء الاصطناعي أصبح شريكًا فعّالًا في دعم دقة وسرعة تشخيص الحالات، خاصة في ما يتعلق بتحليل الصور الشعاعية.
وأشار إلى أن أجهزة الأشعة قد شهدت خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة نقلة نوعية كبيرة في الجودة والسرعة والدقة، مؤكدًا أن الأطباء لا يزالون يضطلعون بدورهم الأساسي في مراجعة مخرجات الذكاء الاصطناعي، ومقارنتها بالتقييم السريري المباشر لضمان أعلى مستويات الدقة والموثوقية.

أكدت الدكتورة سحر خليل مسؤولة برنامج التحول الرقمي بالمستشفيات الجامعية  ، خلال مشاركتها  أن مشروع رقمنة المستشفيات الجامعية يُعد جزءًا من خطة وطنية شاملة تستهدف تطوير جميع المستشفيات الجامعية في مصر، في إطار رؤية حديثة لتحديث منظومة الرعاية الصحية.
وأشارت إلى أن التحول الرقمي يسهم بشكل مباشر في تعزيز رضا المرضى، من خلال تحسين تدفق العمل وتقليل أوقات الانتظار، حيث أصبح بالإمكان طلب نتائج التحاليل والأشعة واستشارات الأطباء ودفع الفواتير إلكترونيًا، ما قلل من الحاجة لتحرك المرضى داخل المستشفى وأدى إلى انسيابية أكبر في الخدمات.
كما أوضحت أن نظام إدارة الطوابير الذي تم تطبيقه، أتاح آلية دقيقة لقياس أوقات الانتظار للمرضى الخارجيين، مما مكّن من مراقبتها وتحسينها بشكل مستمر، ووفّر تجربة أكثر شفافية وتنظيمًا داخل مناطق الانتظار.
وأضافت: "لقد كان قياس وقت الانتظار في الماضي يتطلب جهدًا ووقتًا كبيرين، أما اليوم، فبفضل النظام الرقمي، يمكننا إنجاز هذه المهمة بسهولة. نظام إدارة الطابور ساعد في تحسين رضا المرضى عبر تنظيم الجداول الزمنية بشكل واضح وفعال."هذا التوجه الرقمي يعكس التزام الدولة بالارتقاء بجودة الخدمات الصحية المقدمة، وتحقيق بيئة طبية أكثر تطورًا وكفاءة.

تناولت الدكتورة دينا السمان – مدرس واستشاري باثولوجى  بكلية الطب جامعة عين شمس، خلال الجلسة الإمكانات المتزايدة التي يتيحها الذكاء الاصطناعي في مجال قواعد البيانات الرقمية، لا سيما في القطاع الطبي، حيث تسهم هذه التقنيات في إحداث نقلة نوعية في جمع وتحليل البيانات السريرية.
وأوضحت أن مكتبات البيانات الرقمية لم تعد تقتصر على حفظ المعلومات النصية التقليدية، بل باتت تضم بيانات سريرية متعددة الوسائط، تشمل الصور الطبية، والتقارير التشخيصية، ونتائج التحاليل، وهي مدمجة جميعها في مجموعات بيانات متكاملة لملفات المرضى.
وأكدت أن هذه المنظومات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تُسهّل عمليات البحث والتحليل، وتدعم اتخاذ القرار الطبي القائم على الأدلة، مما يسهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وتسريع وتيرة البحوث الإكلينيكية.

وتأتي هذه الجلسة في إطار جدول حافل يناقش أبرز القضايا العلمية والتطبيقية، ويركّز هذا العام على التحول الرقمي، والرعاية الصحية الذكية، والتكامل بين التخصصات، بما يتماشى مع رؤية الدولة المصرية في تعزيز الابتكار والتطوير المستدام داخل المؤسسات الأكاديمية.
وأكد الحضور أن المؤتمر يعكس الدور الريادي لجامعة عين شمس في دعم البحث العلمي وتوفير منصة فعّالة لتبادل المعرفة والخبرات بين الجامعات المصرية والدولية.

وفى ختام الجلسة تم تقديم درع تذكارى للأستاذ الدكتور عوض تاج الدين بمناسبة مرور ٧٥ عامًا على إنشاء  الجامعة تكريمًاوتقديرًا له.

مقالات مشابهة

  • بمناسبة الذكرى الـ77 للنكبة .. الفلسطينيون يهتفون ” لن نرحل” ويرفعون مفاتيح العودة
  • رئيس جامعة عين شمس يفتتحا الجلسة العلمية الثانية " الذكاءالاصطناعي والتحول الرقمي
  • محافظ الدقهلية لـ الصحفيين أنتم مرآة ولسان حال المواطنين تنقلون الحقيقة المجردة التي تشكل وجدان الرأي العام
  • رئيس جامعة عين شمس: لنا دور كبير في دعم التنمية والمشروعات القومية
  • ختام حلقة الأسس العلمية بصحار
  • وزير الخارجية أسعد الشيباني: نشارك هذا الإنجاز شعبنا السوري الذي ضحّى لأجل إعادة سوريا إلى مكانتها التي تستحق، والآن بدأ العمل نحو سوريا العظيمة، والحمد لله رب العالمين. (تغريدة عبر X)
  • الفضول.. دافعا للقراءة
  • «حصاد المعرفة العابرة» تحت الميكروسكوب
  • هُويَّتنا التي نحنو عليها
  • كنز أدبي مخفي في غلاف كتاب.. العثور على مخطوطة فرنسية نادرة من العصور الوسطى