WP: نظام جديد بدأ بالتشكل في الشرق الأوسط.. هؤلاء الرابحون
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الأنظار تتركز الآن، على النظام الجديد الذي يتشكل في دمشق، بعد السقوط المذهل لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، والجهات الفاعلة الإقليمية القوية التي قد تؤثر عليه.
وأوضحت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، أن المحللين سارعوا وأعلنوا من الآن الفائزين والخاسرين على المستوى الجيوسياسي، إيران وروسيا، داعمي الأسد منذ فترة طويلة، يلعقون جراحهم؛ تركيا والملكيات العربية التي دعمت المعارضين السوريين بدرجات متفاوتة في صعود.
من الواضح أن دولة الاحتلال، التي نفذت حملة قصف لا هوادة فيها على أهداف عسكرية سورية ونقلت قوات برية عبر مرتفعات الجولان المتنازع عليها إلى الأراضي السورية، تشعر بالجرأة أيضا.
وأضاف: "مع تولي جماعة من الثوار الإسلاميين التي أطاحت بالأسد زمام الأمور في توجيه عملية الانتقال السياسي في البلاد، بدأت الحكومات الغربية في إعادة الانخراط في بلد ظل لفترة طويلة في حالة من البرودة الدبلوماسية. فرفع العلم الفرنسي فوق سفارة فرنسا في دمشق يوم الثلاثاء لأول مرة منذ 12 عاما. ويوم الجمعة، زار وفد أمريكي سوريا، في أول زيارة دبلوماسية أمريكية إلى دمشق منذ أكثر من عقد من الزمان".
ويظل الكثير غير مؤكد. فيوم الخميس، تظاهر عشرات الأشخاص في قلب دمشق، مطالبين السلطات الجديدة المرتبطة بالإسلاميين بالحفاظ على دولة علمانية شاملة. وتستعد الوحدات الكردية المسلحة، في شمال شرق سوريا لمعارك محتملة مع الفصائل السورية.
وقالت الصحيفة: "لقد كشف سقوط الأسد عن بعض الديناميات. لقد كان زوال النظام متوقعا من خلال القضاء التكتيكي الإسرائيلي على جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، وهي الوكيل الإيراني الذي كان حيويا لتأمين نظام الأسد على مدى عقد من الحرب الأهلية. وعلاوة على ذلك، بعد الدفاع عنه لسنوات، كانت كل من إيران وروسيا غير قادرتين أو حتى غير راغبتين في إبقاء الأسد في السلطة. ويمثل الإطاحة به تغييرا سياسيا كبيرا في الشرق الأوسط".
ونقلت عن لينا الخطيب، محللة شؤون الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث قولها: "كما كان عام 1989 بمثابة نهاية الشيوعية في أوروبا، فإن هروب الأسد إلى موسكو يشير إلى زوال أيديولوجية المقاومة المناهضة للغرب والمعادية لإسرائيل في الشرق الأوسط. لأكثر من نصف قرن، كانت عائلة الأسد العمود الفقري للنظام السياسي في الشرق الأوسط حيث أطلقت كتلة من الدول على نفسها اسم المقاومة لما أسمته الإمبريالية الغربية والصهيونية".
في مقال في مجلة "فورين أفيرز"، حدد كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين عاموس يادلين وأفنير غولوف استراتيجية من شأنها أن تنشئ "نظاما إسرائيليا في الشرق الأوسط". ودعوا إلى بذل جهد دبلوماسي لربط إسرائيل بشكل أكبر بالملكيات العربية في الخليج، وخاصة السعودية والإمارات وهو جهد معقد يتطلب شراكة أمريكية وتنازلات إسرائيلية في نهاية المطاف لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الفعلي. لكن هذا يتطلب أيضا من نتنياهو تحدي أعضاء اليمين المتطرف الرئيسيين في ائتلافه الحاكم، الذين يتصورون أن إسرائيل ستضم قريبا أجزاء من الضفة الغربية وحتى إنشاء مستوطنات في غزة.
كتب يادلين وغولوف: "على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أعادت إسرائيل تأكيد قدرتها على تشكيل السياسة والأمن في الشرق الأوسط. ولكن بدون قيادة شجاعة، قد تفلت فرصة إسرائيل. إن تطلعات الأعضاء المتطرفين في ائتلاف نتنياهو لضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، أو فرض الحكم العسكري في غزة، أو متابعة أجندة محلية استقطابية تضعف المؤسسات الديمقراطية من شأنها أن تعيق هذا التقدم بشدة".
ولكن هناك لاعب إقليمي آخر يشعر بلحظته أيضا. كان نظام الأسد بمثابة محور لما أطلق عليه المحللون منذ فترة طويلة "الهلال الشيعي" الإيراني، وهو قوس من النفوذ والجماعات الوكيلة التي تربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط. ومع رحيل الأسد فقد نشهد "نهاية الهلال الشيعي الذي طالما خشيته إيران وصعود البدر التركي، وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان".
إن وكلاء تركيا في وضع مهيمن في دمشق وعلى استعداد للاستيلاء على المزيد من السيطرة في شمال شرق سوريا. لقد دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة إلى الإطاحة بالأسد، ويبدو الآن أنه أثبت صحة نهجه. كما لعب دورا أكبر كرجل دولة إقليمي، حيث توسط مؤخرا في اتفاقيات السلام بين إثيوبيا والصومال، في حين عزز تحالف تركيا مع أذربيجان، الدولة النفطية المسلحة جيدا على عتبة إيران.
حتى أن ترامب وصف ما جرى بأنه "استيلاء غير ودي" من قبل تركيا، وهو السرد الذي رفضته أنقرة. وقال وزير الخارجية هاكان فيدان في مقابلة: "لن نسميه استيلاء، لأنه سيكون خطأ فادحا تقديم ما يحدث في سوريا" بهذه المصطلحات، مضيفا أن الإطاحة بالأسد تعكس "إرادة الشعب السوري" وأنه من المهم للشرق الأوسط أن يتجاوز "ثقافة الهيمنة".
وقال فيدان: "لا الهيمنة التركية، ولا الهيمنة الإيرانية، ولا الهيمنة العربية، بل يجب أن يكون التعاون هو الأساس".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الود التركي للجماعات الإسلامية ودعمه التاريخي للأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين يشكلان مصدر قلق لكل من الدول العربية مثل الإمارات ومصر، وكذلك إسرائيل، التي تدهورت علاقاتها مع تركيا منذ بداية الحرب في غزة. وقد تكتسب الصراعات السياسية في دمشق بسرعة طابعا جيوسياسيا. كتب جدعون رحمان، كاتب العمود في صحيفة فاينانشال تايمز: "قد تصطدم الطموحات المتنافسة لأردوغان ونتنياهو بسهولة في سوريا. إنها تخاطر بأن تصبح ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة لأن السعودية ودول الخليج لديها أيضا مصالح على المحك هناك".
وأشار بول سالم من معهد الشرق الأوسط إنه ومع ذلك، ورغم أن النظام في طهران قد يضعف، فسوف يتعين على منافسيه أن يكونوا حذرين بشأن الضغط على ميزتهم. "إن المخاطر تكمن في أن التصعيد العسكري من جانب إسرائيل ضد إيران قد يخرج عن نطاق السيطرة، مع رد الأخيرة بهجمات على شحن النفط ومرافق الإنتاج في الخليج، مما قد يؤدي إلى أزمة طاقة واقتصاد عالمية". وأضاف أن إيران قد "تقرر أيضا إعادة بناء ردعها المفقود من خلال التسرع في تطوير سلاح نووي، مما قد يؤدي أيضا إلى اندلاع حرب مع إسرائيل - والولايات المتحدة".
ويزعم آخرون أن السبب وراء استغلال إدارة ترامب لضعف إيران من خلال الدبلوماسية التي تحد من الاندفاع نحو سلاح نووي. قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك يوم الأربعاء: "لا أعتقد أن السلاح النووي أمر لا مفر منه"، مضيفا أنه يرى "احتمال المفاوضات".
في سوريا، يعتقد المحللون أن إيران قد تحاول بعناية شق طريقها للعودة، واستغلال الفراغ الأمني والاضطرابات المحتملة بين الأقليات العرقية. وقال الصحافي السوري إبراهيم حميدي لواشنطن بوست: "نحن جميعا نعلم أن إيران خسرت بشكل كبير بسقوط الأسد. ونعلم أيضا أن إيران لديها صبر. في الوقت الحالي، يتعين علينا اتخاذ بضع خطوات إلى الوراء لاتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع هذا الأمر".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية سوريا نظام الأسد سوريا ثورة نظام الأسد قوي اقليمية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشرق الأوسط أن إیران فی دمشق
إقرأ أيضاً:
"الشرق الأوسط الجديد" يفشل للمرة الثانية
جمال بن ماجد الكندي
مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، عبارة برَّاقة تُتداول في سياقات مختلفة لدى الغرب وإسرائيل؛ فهل يُراد منها الاستقلال السياسي والاقتصادي لدول المنطقة؟ أم المقصود تمكين دولةٍ تُعرف بأنها دولة احتلال منذ عام 1948 للتربع على المنطقة سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا ألا وهي إسرائيل؟
في هذا المقال نسعى لشرح هذا المفهوم وتأكيد الفشل في تحقيق بنوده؛ بدءًا من تجربته الأولى في حرب لبنان عام 2006، ثم تجربته الثانية التي ما تزال قائمة، وانتهت جولتها الأولى بفشل ذريع لإسرائيل في عدوانها على إيران، وفق معطيات رسمتها إسرائيل ولم تُحقِّقها على الأرض، سنذكرها ونُحلِّلها.
مشروع الشرق الأوسط الجديد هو تصور أمريكي- صهيوني يقوم على إعادة رسم خرائط المنطقة، من خلال تقسيم دول كبرى مجاورة لإسرائيل إلى كيانات طائفية وإثنية تتنازع فيما بينها، وتُبعدها عن الصراع مع إسرائيل. ويُراد من ذلك تفتيت الجيوش العربية إلى جيوش طوائف، بحيث تكون الكلمة العُليا في المنطقة لإسرائيل، مع إجهاض أي جيش أو مُنظمة تعاديها. إنها عملية تدمير مُنظَّم للجيوش المركزية في دول الطوق المحيطة بإسرائيل، كما حدث في العراق وسوريا؛ وذلك عبر إيجاد عدو داخلي أو خارجي، تُغذّيه الولايات المتحدة تحت ذرائع متعددة، والهدف الثابت هو تفتيت هذه الجيوش.
هذه هي المرحلة العسكرية، تليها المرحلة السياسية، ومن أبرز ملامحها التطبيع مع إسرائيل، ضمن حلٍّ إقليمي يُنهي القضية الفلسطينية، وفقًا لرؤية "الشرق الأوسط الجديد". ولتحقيق هذا الغرض، والذي تتمثل نواته الأساسية في إضعاف الجيوش العربية، برز مصطلح "الفوضى الخلّاقة"، وهو مصطلح استخدمته وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس، للإشارة إلى أن الفوضى (مثل: الثورات، والانقسامات، والحروب الأهلية) مسألة ضرورية لولادة نظام جديد يخدم الغرب. وهذه رؤية استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا؛ بما يخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة إسرائيل. ومن أبرز بنود هذه الرؤية: تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على كل سلاح يُرفع في وجه إسرائيل.
فَشَلَ مشروع "الشرق الأوسط الجديد" في تجربته الأولى، والتي تمثّلت في نتائج حرب لبنان عام 2006، ففي يوليو من ذلك العام، شنّت إسرائيل حربًا مُدمّرة على لبنان، بعد قيام "حزب الله" بأسر جنديين إسرائيليين. وكما هي العادة، دعمت الولايات المتحدة إسرائيل بقوة، وقالت رايس تصريحها الشهير: "ما نراه الآن هو مخاض ولادة شرق أوسط جديد"؛ أي إن الدمار والقتل اللذين لحقا بلبنان، كانا- برأيها- من أجل ولادة هذا الشرق الموعود. وقد كانت تقصد بذلك القضاء على حركة المقاومة الإسلامية في لبنان، لكن العدوان الإسرائيلي فشل في تحقيق أهدافه؛ إذ لم تستطع الآلة الحربية الإسرائيلية القضاء على المقاومة اللبنانية، وتم وقف إطلاق النار بطلبٍ إسرائيلي. وقد تُرجم ذلك على الأرض بصدور قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذي شكّل نهاية لتلك الجولة، وأجهض المشروع في نسخته الأولى.
النسخة الثانية من مشروع الشرق الأوسط الجديد كانت بوابتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بمعنى الإطاحة بالنظام الإيراني؛ إذ إنَّ هذا النظام، بحسب التوصيف الأمريكي- الصهيوني، يُعد العُمق الاستراتيجي لقوى المُقاوَمة والمُمانَعة في لبنان وفلسطين واليمن. وإذا أردنا تشكيل نظام جديد وفق الرؤية الأمريكية في المنطقة، فإنَّ العقبة الكبرى هي إيران!
ومُنذُ نجاح الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، واستبدال علم إسرائيل في السفارة الإسرائيلية بعلم فلسطين وتحويلها إلى سفارة فلسطينية، أصبح العدو الاستراتيجي لأمريكا وإسرائيل هو إيران. ومهما حققت إسرائيل من إنجازات هنا وهناك- حسب تعريفها لهذه الإنجازات- فإنها تظل ناقِصة، ما دام النظام الإيراني باقيًا ويدعم قوى المقاومة في المنطقة.
العدوان الإسرائيلي بتاريخ 13 يونيو 2025، على إيران كان بدايةً لتحقيق الحلم الصهيو-أمريكي في القضاء على القوة الفاعلة والباقية والوحيدة التي تُقاتل إسرائيل بشكل غير مباشر، عن طريق دعم حركات المقاومة في لبنان وفلسطين واليمن والعراق، وبطريقة مباشرة عبر عمليتي "الواعد الصادق 1 و2". وجاء العدوان الإسرائيلي تحت مسميات مختلفة، من أبرزها: القضاء على البرنامج النووي الإيراني. لكن هذا العدوان كان أكبر من ذلك؛ إذ استهدف تغيير النظام الإيراني ومحاولة استبداله بنظام يدور في الفلك الصهيو-أمريكي. ومع افتراض نجاح هذه العملية، كان يُخطط لإسقاط باقي القوى المناهِضة والمُقاوِمة للمشروع الأمريكي- الإسرائيلي في المنطقة، والعقبة الأساسية مثلت في إيران.. فهل نجح المشروع؟!
لمعرفة ذلك، لا بُد من تحليل أهداف الحرب الصهيونية وطرح سؤال: هل تحققت؟ لأن الحرب لم تكن فقط لإجهاض المشروع النووي السلمي في إيران؛ بل كان الهدف أبعد من ذلك؛ إنه رأس النظام.
أهداف الحرب الإسرائيلية على إيران كانت أبعد من مجرد القضاء على البرنامج النووي الإيراني؛ فقد كانت الخطة الإسرائيلية تقضي باغتيال المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، إلى جانب القادة العسكريين والأمنيين في الصف الأول. ثم تنفيذ موجة من الاغتيالات، قدرَّها البعض بنحو 400 شخصية، وهو ما لم يتحقق. ومن خلال هذه الأهداف، يُمكن التعرف على الطرف المنتصر في الجولة الأولى من هذه الحرب.
أُولى بوادر الانتصار الإيراني كانت في الإعلان الأمريكي عن وقف إطلاق النار، بعد مجموعة من النتائج كالتالي:
1- فشل محاولة اغتيال رأس الهرم الديني والسياسي في إيران، وهو المرشد الأعلى علي خامنئي.
2- فشل تدبير محاولة الانقلاب من داخل إيران عبر أدوات زرعها الموساد الإسرائيلي، وقد تم الكشف عن كثير منها. وكانت هذه الأدوات من أكبر رهانات إسرائيل لضرب النظام الإيراني قبل بدء العمليات الحربية.
3- فشل القضاء على النظام الصاروخي الإيراني؛ بل إن هذا النظام كان من أبرز أسباب الإعلان الأمريكي عن وقف إطلاق النار، خاصةً بعد أن استخدمت إيران صواريخ متقدمة فرط صوتية، أذهلت العالم، وكانت مُدمِّرة ومُخيفة للكيان الصهيوني، وحققت أهدافها بدقة.
4- فشل الضربة الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية، والتي كانت السبب الرئيسي وراء العدوان على إيران.
وهذه النقطة الأخيرة كانت الحاسمة في إعلان انتصار إيران في حرب الأيام الـ12.
فكيف ذلك؟!
من خلال ما تحدثت عنه وسائل الإعلام الأمريكية عن فشل الضربة الأمريكية على المفاعلات النووية الإيرانية؛ استنادًا إلى تقارير استخباراتية مُسرَّبة، مفادها أن الضربة لم تُدمِّر هذه المنشآت بشكل كُلي؛ بل ربما تؤخّر عملية التخصيب لبضعة أشهر فقط. وقد أغضبت هذه التسريبات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وحرمته من إعلان "النصر المُؤزَّر" على إيران.
وبتحليل بسيط للوقائع، ندرك أن الضربة كانت فاشلة لسبب جوهري، وهو عدم تسجيل أي تسرُّب إشعاعي في إيران أو في المناطق المجاورة. وهذا يعني إما أن المنشآت قد فُرِّغت من اليورانيوم المخصب قبل الضربة، أو أن القنابل الثقيلة لم تصل إلى هدفها ولم تُدمّر اليورانيوم المُخصَّب؛ مما كان سيؤدي- لو حصل فعلًا- إلى كارثة نووية، قد تُستخدم ذريعة لإدخال البلاد في حالة من الفوضى، تُحمِّل النظام مسؤوليتها وتُمهِّد لسقوطه. لكن شيئًا من هذا لم يتحقق. وبالتالي، جاء وقف إطلاق النار نتيجة فاعلية الصواريخ الإيرانية، وفشل سيناريو "التغيير من الداخل" الذي راهن عليه الطرف الأمريكي والكيان الصهيوني.
لا ريب أن مشروع الشرق الأوسط الجديد كما فشل في نسخته الأولى بفضل صمود المقاومة اللبنانية عام 2006، قد فَشل مجددًا في نسخته الثانية أمام الصلابة الإيرانية خلال حرب الاثني عشر يومًا، مع عدم تحقق أهداف إسقاط النظام ولا تصفية البرنامج النووي، رغم ضخامة العدوان والتنسيق الصهيو-أمريكي. وبدلًا من "نصر مُؤزَّر" مُعلن، فرضت إيران معادلتها بالصواريخ والسيادة. وهكذا انتصرت طهران، ليس فقط في الميدان؛ بل في إعادة رسم معادلات الردع في المنطقة.
رابط مختصر