مدى صحة مقولة "العمل عبادة" في الشرع والسنة
تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية إن ما يتردّد على ألسنة بعض الناس من قولهم: "العمل عبادة" هو مجرد قول وليس حديثًا واردًا في السنة النبوية، ويُقصَد بذلك تحفيز الشباب على العمل، وتشجيعهم على الاجتهاد والتطوير في مجالاتهم؛ ولذلك فإنَّ معناها صحيح؛ وقول هذه العبارة جائز شرعًا ولا حرج فيه.
مفهوم العبادة في الإسلام ومدى شموليتها للعمل والسعي لطلب الرزق
ومن المقرر شرعًا أنه يجب على كلِّ إنسانٍ مكلف أن يخلص العبادة لخالقه سبحانه؛ فقد قال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].
قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (32/ 243، ط. دار إحياء التراث العربي): [العبادة هي التذلل، ومنه طريق مُعَبَّدٌ أي مذلل.. واعلم أن العبادة بهذا المعنى لا يستحقها إلا من يكون واحدًا في ذاته وصفاته الذاتية والفعلية] اهـ.
وقال الإمام الطبري في "جامع البيان" (24/ 541، ط. مؤسسة الرسالة): [مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك] اهـ.
فالعبادة في الإسلام تشمل كلَّ ما يصدر عن المكلف من قول أو عمل أو اعتقاد، وذلك على حسب ما يحبه الله ويرضاه؛ يقول تعالى -في شأن المؤمنين-: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5].
يقول الشيخ ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/ 120-121، ط. دار الكتاب العربي): [وبُنَى ﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ﴾ على أربع قواعد: التحقق بما يحبه الله ورسوله ويرضاه، من قول اللسان والقلب، وعمل القلب والجوارح.
وأوضحت الإفتاء أن نصوص الشرع الشريف جعلت العمل والسعي في طلب الرزق وتعمير الكون من العبادات التي يثاب عليها الإنسان، فالشرع الشريف يحث الإنسان على العمل والاجتهاد في كسب الرزق الحلال الطيب؛ يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: 15].
قال العلامة النسفي في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل" (3/ 514، ط. دار الكلم الطيب): [﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا﴾ لينة سهلة مذللة لا تمنع المشي فيها، ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا﴾ جوانبها استدلالًا واسترزاقًا، أو جبالها، أو طرقها، ﴿وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ﴾ أي: من رزق الله فيها، ﴿وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ أي: وإليه نشوركم، فهو سائلكم عن شكر ما أنعم به عليكم] اهـ.
الحث على العمل والتحذير من سؤال الناس
كما بينت السُّنَّة النبوية أن الشخص الذي يعمل ويجتهد في تحصيل الكسب الحلال خير من الذي يعيش عالة على غيره، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى، فَاليَدُ العُلْيَا: هِيَ المُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى: هِيَ السَّائِلَةُ» أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، واللفظ للبخاري.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 297، ط. دار المعرفة): [فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة المعطية، وأن السفلى هي السائلة، وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور] اهـ.
بيان فضل العمل وأثره في تحقيق بناء المجتمعات واستقرارها
وأضافت الإفتاء أن العمل وسيلة لتحقيق الاستقرار والتقدم والبناء، فالمجتمعات العاملة هي المتقدمة ولها السبق بين المجتمعات الأخرى؛ لأن العمل يحقق للفرد والمجتمع الاكتفاء الذاتي، وعدم الحاجة أو سؤال الناس؛ فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ، فَيَأْتِيَ بِحُزْمَةِ الحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ، فَيَبِيعَهَا، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهَا وَجْهَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ». أخرجه البخاري.
وقد تضافرت نصوص الشرع الشريف على اعتبار العمل الحلال عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى، منها:
- ما روي عن أبي الْمُخَارِقِ رضي الله عنه، قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك فَطَلَعَتْ ناقة له فأقام عليها سبعًا، فمر عليه أعرابي شاب شديد قوي يرعى غُنَيْمَةً له، فقالوا: لو كان شباب هذا وشدته وقوته في سبيل الله عز وجل! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ كَبِيرَيْنِ لَهُ لِيُغْنِيَهُمَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى صِبْيَانٍ لَهُ صِغَارٍ لِيُغْنِيَهُمْ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا وَيُكَافِي النَّاسَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى رِيَاءً وَسُمْعَةً فَهُوَ لِلشَّيْطَانِ» أخرجه ابن أبي الدنيا في "النفقة على العيال".
- وكذا ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» أخرجه البخاري ومسلم.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: العمل عبادة حكم العمل عبادة الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم رضی الله الله عن
إقرأ أيضاً:
بالدليل من القرآن والسنة.. مَن أنت أيها الإنسان؟
مَن أنت أيها الإنسان؟ سؤال يكشف لك حقيقة وجودك… ويُخرجك من دائرة الغفلة إلى نور الهداية. فمن عرف نفسه عرف ربه، ومن عرف ربه لم يهن، ولم يضع، ولم يَمُت قبل أن يعيش.
أنت لست مجرد جسد يتحرك، ولا اسم يُكتب على الأوراق، بل أنت مخلوق نفخ الله فيه من روحه، قال تعالى:
> ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [ص: 72]
نفخة من رب العالمين جعلتك مختلفًا، جعلت فيك عقلًا يميّز، وروحًا تتوق، وقلبًا يستطيع أن يحمل نورًا يهدي العالم.
وأنت مكرم، قال تعالى:
> ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]
ومُكرَّم لأنك خُلقت لتحمل الأمانة، وتُعمر الأرض، وتكون خليفة، كما قال سبحانه:
> ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة: 30]
ومع ضعفك، فأنت قوي بالله:
> ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 28]
لكن الضعيف إذا اعتصم بالله كان أقوى من الجبال، كما قال ﷺ:
«احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز»
[رواه مسلم]
الله قريب منك:
> ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق: 16]
فإذا ضاقت بك الأرض، فلا باب يُغلق في وجهك، لأن باب السماء مفتوح:
﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]
---
لا تُضيّع عمرك فيما لا يرضي الله
أيها الإنسان…
إيّاك أن تنشغل بزينة الدنيا حتى تنسى ربك، وتنسى صلاتك، وتنسى الغاية التي خُلقت من أجلها.
الدنيا خدّاعة… تُعطيك بيد وتَسلبك بعشر، وتُزيّن لك المتاع والمال والمناصب، ثم عند أول اختبار تتركك وتمضي.
لا تترك دنياك تسرق صلاتك، فإن أول ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة هو الصلاة، قال النبي ﷺ:
> «أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة الصلاة…»
[رواه الترمذي]
لا تُشغل قلبك بزخارفٍ ستفنى، وأموالٍ ستتركك رغم حرصك عليها.
فالله يقول:
> ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ﴾
[الكهف: 46]
كم من إنسان ضيَّع عمره وراء دنيا لم يأخذ منها إلا الكفن، وجمع مالًا لم يستمتع به، ثم جاء اليوم الذي يُودَّع فيه، ويدخل قبره وحده…
> عند قبرك… في أول ليلة لك تحت التراب، لن يبقى معك إلا عملك الصالح.
لا مال، ولا جاه، ولا أصحاب…
فما الذي ستأخذه معك؟
لذلك… لا تجعل الدنيا أكبر همك، ولا تجعلها تُنسيك نفسك، فتستيقظ يومًا وقد ذهب العُمر، وذهبت القوة، ولم يبقَ إلا الحساب.
---
حقيقتك… ودورك في الحياة
أنت أيها الإنسان لست تائهًا.
أنت عبدٌ لله، خُلقت لتعبده، ولتكون قريبًا منه، قال تعالى:
> ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]
أنت عبدٌ محبوب إذا رجع، محفوظ إذا دعا، منصور إذا صدق.
أنت من يستطيع أن يقلب حياته كلها بـسجدة، أو دمعة، أو توبة صادقة، أو قيام ليل.
لا تبحث عن قيمتك في أعين الناس، ولا في كلامهم، ولا في نظرتهم إليك…
ابحث عنها في كتاب الله، لتسمع النداء:
"أنت عبدي… الذي خلقتُه بيدي، ونفختُ فيه من روحي، وكرّمته، وأحببته إذا عاد إليّ."
أيها الإنسان…
توقّف لحظة، وانظر في المرآة جيدًا…
أهذا الجسد الفاني هو كل ما تملكه؟
أهذه الدنيا التي تنشغل بها هي غايتك؟
أهذا العمر الذي يمرّ كالريح يستحق أن يُهدر فيما لا ينفع؟
تذكّر… أنك خُلقت لشيء أعظم بكثير.
خُلقت لتعرِف الله… لتعبده… لتسير إليه… لتكون نورًا في بيتك وفي مجتمعك وفي آخرتك.
لا تسمح لزينةٍ زائفة، أو مالٍ مؤقت، أو رغباتٍ عابرة أن تسرق منك رسالتك.
فالدنيا ستقف بك يومًا عند قبرك، وتتركك وترحل، ويبقى معك عملٌ واحد:
ما قدّمته لله.
فاجعل يومك شاهدًا لك لا عليك…
واجعل صلاتك حصنك…
واجعل قلبك موصولًا بربِّك…
فمن سار إلى الله سيرًا صادقًا، سار الله به إلى جنات الخلد.
وفي النهاية…
اسأل نفسك كل صباح:
"مَن أنا؟ وماذا أريد أن أكون عند الله؟"
فإذا عرفت الجواب… استقامت حياتك، وثَبَت قلبك، وسهل عليك الطريق مهما كان طويلاً.
فاسعَ إلى الله… فإنه لا يرد من جاءه، ولا يخيّب من طرق بابه.