لجريدة عمان:
2025-05-11@05:57:13 GMT

يوم مع بشير الديك

تاريخ النشر: 4th, January 2025 GMT

يحدث أن يسمي المرء يومًا من حياته باسم شخص كان له حضورٌ بارز في ذلك اليوم. وهكذا فيما يخصني سميتُ يوم الخميس 24 مارس 2016 "يوم بشير الديك"، ذلك أن هذا اليوم منذ صباحه الباكر وحتى غروب الشمس لم يترك شيئًا يمكن أن أتذكره به سوى لقائي بهذا السيناريست والمخرج المصري الذي رحل عن عالمنا قبل عدة أيام، عن عمر ناهز ثمانين عاما صنع خلالها اسمه كواحد من أبرز كتّاب السينما في العالم العربي.

لا أذكر في أي ساعة صباحية بدأت الندوة الاحتفائية بالديك، ضمن فعاليات الدورة التاسعة لمهرجان مسقط السينمائي، ولكنها كانت على الأرجح العاشرة صباحا. كنتُ من العدد القليل الذي حضر الندوة، رغم أن المخرج أنيس الحبيب رحمه الله – أحد منظمي هذه الندوة - بعث رسائل هاتفية خاصة إلى ثلاثين شخصًا عدايَ، كما أخبرني، ولكنَّ قليلًا من هؤلاء حضر. كنتُ قد وصلتُ إلى قاعة فندق هرمز وفي مخيلتي أسئلة أزعم أنها نوعية، وتسبر تجربة الديك السينمائية متسلحًا بأسماء أفلام ونجوم وتواريخ. قبل طرحي السؤال الأول عرّفتُ نفسي بأنني مقدم برامج ثقافية في إذاعة سلطنة عمان، لكن أنيس الحبيب أضاف أنني روائي.

لاحظتُ ارتياح الديك لأسئلتي، فكان أن انتهزتُ الفرصة بعد الجلسة مباشرةً لأخبره برغبتي في محاورته إذاعيًّا، ولأن الحوار ستكون مدته ساعة، وسيمر على مسيرته السينمائية كلها فلا بد أن يكون في ستديوهات الإذاعة. ببساطة وتلقائية أجاب بالموافقة، ولكنه تحجج بارتباطه هذا اليوم بمؤتمر صحفي وانشغالات أخرى تخص المهرجان فاقترحتُ عليه الغد فوافق، ولكن بعد صلاة الجمعة، لأنه يريد أن يصلي في الجامع الأكبر كما قال. وطلب مني نسخة من روايتي التي أخبره عنها أنيس فوعدته بها.

كنتُ لا أزال في فندق هرمز عندما تذكرتُ فجأة أنني أوقعتُ نفسي في ورطة! لقد نسيتُ أن عليَّ أن أستقبل الليلة في مطار مسقط أخي محمود القادم من عمله في الأردن، ولأن رحلته متأخرة فهذا يعني أنني سأصل إلى صحم في الثانية صباحًا، وأن عليَّ أن أصحو في الغد مبكرًا لأعود أدراجي إلى مسقط قبل صلاة الجمعة، وهذا أمرٌ مرهق، بدنيّا وذهنيًّا. هداني تفكيري، وبتشجيع من الأريحية التي قابلني بها الديك أن أعود إليه وأقترح موعدًا آخر اليوم، فلا يصلح أن نؤجل إلى ما بعد غد لأنه سيكون قد سافر. ومن شدة تفاؤلي بموافقته أرسلتُ للزميل هلال المشيفري - مدير الإذاعة آنئذ – أن يجهّز لي تصريح دخول باسمه. وجدته واقفا في ردهة الفندق مع المخرج المصري عمر عبدالعزيز، لا أذكر ماذا كان عذري لطلب تقديم الحوار إلى الخميس بدلًا من الجمعة، لكني اقترحتُ عليه أن أحمله بسيارتي اليوم في أي وقت يشاء من الفندق إلى الإذاعة ثم نجري الحوار وأعيده إلى الفندق، فرحب بالفكرة، بل إنه قال "أيه رأيك نروح دلوقت؟"، فوافقت على الفور، لكن عمر عبدالعزيز ثبّطه بحجة أنهما متفقان أن يذهبا إلى كلية مزون، فكان أن ضرب لي موعدًا جديدًا هو الرابعة عصرا. وفي الحقيقة كان هذا الموعد أكثر مُناسبة لي من أي موعد آخر.

توجهتُ إلى الإذاعة وتأكدتُ من جاهزية التصريح باسم "بشير صِدّيق الديك"، وطبعتُ أسئلتي. وقبل الموعد المحدد بخمس دقائق كنتُ في ردهة الاستقبال لفندق هرمز. اتصلت بالغرفة رقم 4103 ولكن لم يصلني رد، فوضعتُ رسالة مفادها "مساء الخير أستاذ بشير. أنا سليمان من الإذاعة. أنتظرك في الريسبشن". وضعت السماعة وذهبت لأبحث عن مقعد أستريح فيه ريثما يهبط من غرفته، لكني تفاجأتُ به في وجهي.

تستغرق المسافة من فندق هرمز حتى الإذاعة حوالي عشرين دقيقة قضيناها في الحديث عن مصر وأوضاعها السياسية آنئذ. تحديدًا عن الإخوان والرئيس السابق محمد مرسي. قال إن عبارة مرسي: "الستينيات وما أدراك ما الستينيات" التي استهل بها خطاب توليه الحكم لاقت استياء كبيرًا من الشعب المصري. قلتُ: "ثمة من يرى أن الإخوان أساءوا الاختيار، فلو اختاروا شخصًا أكثر قبولا وأكثر كاريزما لربما كانت الأمور أفضل"، رد بأن المشكلة في الفكر لا في الشخص، وحكى لي عن دعوة الرئيس السيسي عندما كان وزيرًا للدفاع جميع الأطراف للحوار وموافقة مرسي عليه، وكيف أنه – أي مرسي - عندما كان في الطريق لمقر وزارة الدفاع في اليوم المحدد للحوار تلقى اتصالًا من المرشد يطلب منه العودة وعدم الذهاب.

كنتُ قد سمعتُ هذه الحكاية من قبل ولكن هناك من يقول إن سردها بهذه الكيفية مقصودٌ لتبيان أن الرئيس مرسي لم يكن سيد قراره. قلت في محاولة لجس نبضه إن البعض في مصر مصدوم لأنه بعد ثلاث سنوات من سقوط حكم الإخوان لا يبدو أن الآمال الكبيرة التي علقها المصريون على خلَفه قد تحققت. أجاب أن الأمر ليس بهذه السهولة. "ليس من السهولة أن تحكم مصر بعد أن تعرضت لكل هذا التجريف طوال السنين الماضية. الفساد والبيروقراطية واللامبالاة تعم الجميع تقريبا. أنا أرى أنه لو تمت إحالة ستة ملايين مصري للتقاعد برواتبهم، ووظف من الشباب العاطلين 10% منهم فقط لاستطاعوا إنجاز كل الأعمال بجودة أكبر". وافقتُه على صعوبة حكم مصر لكني علقتُ على مسألة انتهاك حقوق الإنسان، فقال: "إننا نسمى هؤلاء سخريةً: النُشَتاء، لأن ما يدعونه لا أساس له من الصحة، وحتى الاختفاء القسري الذي يزعمون ليس صحيحا، فأولئك شباب هاجروا خارج مصر دون أن يُعلِموا أحدًا". ذكرتُه بحكاية مَنْ سُمِّيَ "معتقل التيشيرت" الذي تحدث عنه الروائي إبراهيم عبدالمجيد في لقائه بالرئيس السيسي قبل أيام، وقد أمر الرئيس بالإفراج عنه بمجرد علمه بالخبر. ثم تحدثنا عن إحدى القنوات الفضائية وأخبارها المضللة عن مصر، فعلق أن هناك شبابا عاطلين ممن لا يجدون عملًا يمشون في مظاهرة تصورها هذه القناة ثم يتفرقون!

وصلنا الإذاعة في حوالي الرابعة والنصف عصرا. وقبيل دخولنا ردهة استقبال الإذاعة قال لي: "تذكرني بشاب مصري موهوب يشبهك تماما اسمه عبدالرحيم كمال" لم يبدُ عليَّ أنني تذكرتُ الرجل. فأخبرني أنه هو الذي كتب سيناريو مسلسل "الخواجة عبدالقادر" ليحيى الفخراني. توجهنا مباشرة لاستديو 4. طلبتُ من الزميل المخرج مروان السعيدي أن يصورنا قبل أن يفتح المايكروفون ففعل. ثم انطلق الحوار. أجاب عن أسئلتي بالبساطة والتلقائية نفسها. واستمر الحوار إحدى وخمسين دقيقة.

في طريق العودة طلبتُ رقم هاتفه لأبعث له رابط الحلقة بعد البث، فاعتذر بأنه لا يحفظ رقم هاتفه. قلتُ: "طيب كرت؟". رد ضاحكا: "ولا كرت. كان لديّ كرت واحد قديم مازلت أحتفظ بنسخ منه إلى اليوم لأنني لا أوزعه، فهو لا يحتوي إلا اسمي. أما رقم منزلي فقد تغير، ولم يكن لديّ في ذلك الوقت هاتف نقال". اقترح أن يعطيني رقم زوجته فاستحسنتُ الفكرة، ثم قال: "الدنيا أول كانت سهلة وسلسة. أما فالآن كل شيء سريع". علقتُ مذكِّرًا إياه بشيء من إجابته عن أحد أسئلتي: "في الماضي لكي تُرِي نصك السينمائي لمصطفى محرم كان عليك أن تقطع مشوارًا الى البقال الذي سيعطي النصّ لحماة محرّم، والذي سيستلمه منها بدوره في أول زيارة لها، أما اليوم فبكبسة زر يمكنك أن تبعث نصك إلى أمريكا فيقرأه المرسَل إليه في اللحظة نفسها، وربما يبعث لك رأيه فيه أيضا". هزّ رأسه علامة الموافقة، وحكى لي حكاية ذات مغزى: "كنتُ وزوجتي نحبّ بعضنا بعضا، وعندما عدتُ إلى دمياط بينما كانت هي تدرس في الجامعة في القاهرة لم نجد طريقة للتواصل سوى أن نجلس في الساعة السادسة من مساء كل إثنين ويكتب كل منا رسالة للآخر، ولقد كنا نتواصل روحيًّا في هذا الوقت بالذات بالمعنى الحرفي للكلمة، وكانت رسائلنا تستغرق ثلاثة أيام حتى تصل لوجهتها".

وصلنا فندق هرمز، ودعتُه شاكرًا إياه هذا اليوم الذي منحني إياه، وقفلتُ عائدًا وأنا أنظر إلى ساعة السيارة أمامي، عادًّا الساعات المتبقية على وصول محمود.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الحبل الأميركي الذي قد يشنق نتنياهو

يرى بنيامين نتنياهو في العلاقة مع الولايات المتحدة أساسًا لوجود إسرائيل، لكنها اليوم تُظهر وجهها الحقيقي: صفقة مصلحية باردة تحكمها التوترات والخداع المتبادل.

فرغم تصاعد الحرب في غزة وتزايد الضغوط الدولية، تُبدي إدارة دونالد ترامب دعمًا واضحًا لإسرائيل، لكنه مشروط بلغة دبلوماسية دقيقة. في المقابل، يوظف نتنياهو هذا الدعم لتعزيز موقفه السياسي داخليًا، متجاوزًا القيود الأميركية عبر قنوات غير رسمية.

التحالف الذي وُصف يومًا بـ"الأبدي" بات أشبه بحبل مشدود فوق هاوية سياسية وأخلاقية. نتنياهو يراهن على ترامب للبقاء في الحكم، بينما يحسب ترامب خطواته بعناية لتجنّب اندلاع حرب إقليمية غير محسوبة. السؤال الآن: كيف انتقل هذا التحالف من شراكة أيديولوجية إلى سوق مفتوح للمصالح؟ وما حدود هذا الدعم وسط أزمات نتنياهو المتعددة؟

من تحالف الأيديولوجيا إلى مناورة المصالح

قدّم نتنياهو نفسه دائمًا كأقرب الحلفاء لواشنطن، لكنه لم يتردّد في معارضة إداراتها حين تعارضت مصالحه معها. خطابه الشهير أمام الكونغرس عام 2015 ضد الاتفاق النووي مع إيران كان تحديًا صريحًا، أكد أن أولوياته تنبع من أجندته الخاصة، لا من توافق إستراتيجي عميق.

وبالمقابل في ولايته الأولى، وفّر له ترامب دعمًا نادرًا: نقل السفارة إلى القدس، والخروج من الاتفاق النووي، واتفاقيات تطبيع عززت صورته كقائد "صنع التاريخ".

إعلان

ولكن ما بدا حينها تحالفًا استثنائيًا، يكشف اليوم عن هشاشته. في عام 2025، لم يعد ترامب يمنح دعمه دون شروط، بل بات الدعم تكتيكيًا ومحسوبًا، أقرب إلى عقد مؤقت من كونه شراكة راسخة.

صحيفة هآرتس اختزلت الموقف في تحليل لاذع: "إسرائيل لم تعد الحليف المدلل، بل أصبحت شريكًا مزعجًا ينبغي احتواؤه". هذا التوصيف لا يعكس فقط تغيرًا في المزاج الأميركي، بل يُظهر انقلابًا في موازين القوة: من دولة تتلقى التفويض، إلى زعيم يُراقب من خلف الزجاج.

يستمرّ ترامب في دعم إسرائيل، مدفوعًا بعوامل داخلية وخارجية. داخليًا، يعتمد على قاعدته الإنجيلية التي ترى في إسرائيل تجسيدًا دينيًا وسياسيًا.

أما خارجيًا، فيهدف إلى الحفاظ على صورة الردع الأميركي في المنطقة واحتواء نفوذ إيران، لا سيما في ظلّ تراجع التدخل العسكري الأميركي في الساحات الإقليمية. لكنه، وعلى عكس ولايته الأولى، بات أكثر حذرًا.

التصعيد في غزة أو سوريا قد يُدخل واشنطن في مواجهة مفتوحة لا تصبّ في مصلحته الإستراتيجية، ولا في ميزان الاقتصاد الأميركي المتأرجح. ولهذا، تأتي بياناته بلغة مزدوجة: تصريح الخارجية الأميركية في 6 مايو/ أيار حول العمليات في رفح دعا إسرائيل إلى "احترام القانون الدولي والتمييز بين الأهداف"، وهي جملة تُقرأ على أنها تحذير دبلوماسي مغطى بكلمات مجاملة.

في الظاهر، لا تزال إسرائيل مدعومة، لكن في العمق، بدأت واشنطن تضع حدودًا لما يمكن التسامح معه.

كيف حاول نتنياهو التحايل على واشنطن؟

ومع تآكل الثقة بين الطرفين، عاد نتنياهو إلى أساليبه القديمة: التأثير غير المباشر عبر الدوائر المقربة من الإدارة، دون المرور بالقنوات الرسمية.

من أبرز تلك المحاولات، علاقته بمايكل والتز، مستشار الأمن القومي السابق الذي كان يُعرف بـ"صوت إسرائيل" داخل البيت الأبيض. تسريبات Axios كشفت أن نتنياهو أرسل إليه تحليلات مباشرة حول الوضع الإيراني، وكذلك حول الحالة الميدانية في القطاع، متجاوزًا الإدارة الأميركية.

إعلان

الهدف كان الضغط من خلف الكواليس لتعديل موقف واشنطن، لكن إقالة والتز في وقت لاحق أنهت تلك القناة الحيوية، وأظهرت أن واشنطن بدأت تُغلق أبواب التأثير غير المشروع.

هذه الخطوات تُظهر ليس فقط هشاشة موقف نتنياهو، بل أيضًا أسلوبه السياسي المعتمد على الالتفاف والمراوغة، ولو على حساب الأعراف الدبلوماسية التي طالما تغنّى بها.

دعم مستمر، لكن دون تفويض مطلق

الدعم الأميركي مستمر، لكنه تغير في جوهره. صحيح أن الطائرات والسلاح والمواقف العلنية ما زالت تُرسل إلى إسرائيل، لكن الفيتو الأميركي لم يعد حاضرًا بنفس الحزم في مجلس الأمن، كما لم تبذل إدارة ترامب جهدًا كبيرًا لإجهاض مشروع القرار الأممي الداعي لوقف إطلاق النار.

في الوقت ذاته، تُعبّر واشنطن عن فتور واضح تجاه العمليات البرية في رفح، بل وتُسرب امتعاضها بطرق محسوبة.

مجلة "فورين أفيرز" وصفت الحالة بكلمات لا تحتمل اللبس:

"الولايات المتحدة لا تزال تدعم إسرائيل، لكنها سئمت من نتنياهو".

هذا الموقف يضع نتنياهو أمام معضلة غير مسبوقة: الدعم موجود، لكنه لا يكفي لنصر واضح، ولا يمنع الانهيار الداخلي.

قلق داخلي في إسرائيل: عندما تصبح واشنطن مرآةً لفشل القيادة

تزداد المعادلة تعقيدًا حين ننظر إلى الداخل الإسرائيلي، حيث تُتابع النخب السياسية هذه العلاقة بقلق واضح. أحزاب الوسط واليسار ترى في تراجع الحماس الأميركي فرصة لتقييد نتنياهو، بينما يتخوف اليمين من أن يفقد الغطاء الأميركي في لحظة حرجة. الانقسام داخل معسكره ذاته واضح: جزء يريد كسر التبعية لأميركا، وجزء يرى أن ترامب هو الحصن الأخير.

استطلاع معهد "متفيم" (أبريل/ نيسان 2025) أظهر أن 62% من الإسرائيليين يعتقدون أن علاقة نتنياهو المتوترة بواشنطن تضر بصورة إسرائيل عالميًا. هذا لا يعكس فقط أزمة دبلوماسية، بل انكشافًا داخليًا لرجل يستند إلى تحالف هشّ لتبرير استمراره.

بيبي على الحافة: مناورة البقاء بين التصعيد والاسترضاء

نتنياهو يعرف أن شرعيته مرتبطة بإحداث تغيير محسوس، قبل أن يفقد الغطاء الأميركي الترامبي المحتمل، أو قبل أن يتفكك الائتلاف عند أول تنازل.

إعلان

هو يراهن على "انتصار محسوب" قبل أكتوبر/ تشرين الأول. لكن الزمن يعمل ضده، فهو يعرف أن دفع العلاقة مع واشنطن إلى نقطة اللاعودة سيعني: احتمال توقّف الإمداد العسكري، أو على الأقل التلويح به، تراجع الثقة العالمية في "الردع الأميركي" لإسرائيل وتسارع انفكاك الدول العربية المطبّعة، التي تعتمد على الغطاء الأميركي كضامن لتوازناتها.

في ظل هذا المشهد، يصبح نتنياهو كمن يتمسّك بحبل أميركي يشدّه من الجهتين. لا يستطيع تركه لأنه ضمانته الوحيدة للبقاء، لكنه لا يريد أن يخضع لقيوده، لأن تلك القيود تهدد بسقوطه. لهذا، يلجأ إلى سياسة المراوحة: تصعيد محسوب لكسب شعبية، وتهدئة مدروسة لامتصاص الضغوط الأميركية.

إنها إستراتيجية البقاء على الحافة: لا انتصار يُحسم، ولا هزيمة يُعترف بها. وبين التصعيد والمراوغة، يدفع الجميع الثمن: الفلسطينيون أولًا، لكن أيضًا المؤسسة الإسرائيلية التي تفقد ما تبقى من ثقة العالم بها.

وفي الختام، نتنياهو الحليف الذي لا يُوثق به

لم تعد علاقة نتنياهو بواشنطن قائمة على قيم مشتركة أو مصير موحّد، بل تحولت إلى صفقة يومية تُدار وفق حسابات تكتيكية دقيقة. إدارة ترامب تُبقي على الغطاء الدبلوماسي لإسرائيل، لكنها لا تُخفي فقدانها للثقة بنتنياهو. أما هو، فلا يكفّ عن التلويح بالتحالف، بينما يناور من خلف الكواليس.

قد يتمكن من تجاوز أزمة غزة مؤقتًا، لكنه يترك وراءه علاقة مضطربة مع البيت الأبيض، وسمعة دولية متدهورة، وشعبًا إسرائيليًا يزداد تململًا من حروبه ومراوغاته.

في ولاية ترامب الثانية، لا مكان للصداقة الدائمة، بل للمصالح المتغيرة حسب التوقيت. أما نتنياهو، هذا الحليف المربك، فيدرك جيدًا أن الحبل الأميركي الذي يستند إليه، قد يتحول في أية لحظة إلى مشنقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • انتهاء وقف اطلاق النار الذي أعلنته روسيا لمدة 72 ساعة في أوكرانيا
  • مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وإذاعة صنعاء تنعيان مدير شؤون الموظفين بالإذاعة فيصل عبدالرحمن
  • بشير جبر: إغلاق المعابر يفاقم كارثة غزة.. وعدد الشهداء اليوم يرتفع لـ 20
  • الحبل الأميركي الذي قد يشنق نتنياهو
  • حمدان بن محمد: على خطى محمد بن راشد تعلمنا أن المجتمع المتماسك هو الذي يبني الأمل
  • ذكرى الميلاد والوفاة معا.. أسرار من حياة الشيخ محمد رفعت كروان الإذاعة
  • هذا هو البابا الجديد الذي يحتاج إليه العالم اليوم... يخلف أهم ثلاثة بابوات
  • نائب أمير عسير يستقبل مدير القطاع الجنوبي لهيئة الإذاعة والتلفزيون
  • الفاتيكان يختار أول بابا أمريكي عبر التاريخ.. وهذ اللقب الذي سيحمله
  • ماذا يعني اسم سيندور الذي أطلقته الهند على عمليتها ضد باكستان؟