هل الذكاء الاصطناعي قادر على الإبداع؟
تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT
فتنة الذكاء الاصطناعي أو الآلي حقيقة لها ما يبررها؛ إذ إن قدرات هذا الذكاء وإمكانياته هائلة وتتطور باستمرار، بحيث أصبحت بديلًا عن العديد من قدرات البشر في تخزين المعرفة واستدعاء المعلومات، والإجابة عن التساؤلات، وإنتاج اللوحات الفنية، وتأليف -فضلًا عن ترجمة- الأبحاث والمقالات في موضوع ما، وإنتاج الأشياء والأدوات المصنوعة وفق برامج مخصوصة، إلخ.
حقًّا إن هناك لوحات فنية من إنتاج أو صنع الذكاء الاصطناعي، بل إن بعض هذه اللوحات قد حصلت على جوائز فنية في مسابقات خُصصت في هذا المجال؛ ولكن هذا لا يبرر لنا المُنتَج الفني باعتباره عملًا فنيًّا إبداعيًّا. حجتنا الأساسية في ذلك أن الإبداع يلزمه خصيصتين رئيستين: الخصوصية والخيال، وكلاهما غائبان عن الذكاء الاصطناعي بحكم ماهيته، كما سنرى. وأود أن أبدأ ببيان ما أعنيه «بالخصوصية» في العملية الإبداعية: فلا شك في أن المحترف في التعامل مع برامج هذا الذكاء يستطيع أن يستخدم بعض برامجه في إنشاء لوحة تشبه لوحات فان جوخ وأسلوبها الفني في استخدام اللون وضربات الفرشاة (أي من خلال ما يُسمى «التكنيك»)؛ ولكنه لا يستطيع بذلك أن يخلق رؤية فان جوخ الخاصة للأشياء من الناحية الفنية والجمالية، ومن حيث ارتباطها بخبراته الخاصة التي عايشها على المستوى الحياتي والمستوى الفني. وفضلًا عن ذلك، فإنه لا يستطيع أن يتخيل الأشياء والعوالم التي تخيلها فان جوخ؛ ببساطة لأن برامج الذكاء الاصطناعي ليس في مقدورها ممارسة الخيال، ولا هي مصممة للقيام بذلك، بل لا يمكنها أن تطمح في ذلك بفعل التطوير: فالخيال لا يمكن حسابه رياضيا؛ ومن ثم فإن «مَلَكة الخيال» تظل مَلَكة أصيلة من مَلَكات العقل البشري وحده.
والواقع أننا يمكن أن نلاحظ هذه الطبيعة المميزة للإبداع عندما نـتأمله على مستوى الإبداع الفكري أو حتى التأليف بمعناه الحقيقي؛ وهذا ما لاحظته كثيرًا في واقع خبرتي الشخصية: فقد لاحظت على مر السنين تراجع مستوى أبحاث طلبة الدراسات العليا؛ إذ إن تأليف أبحاثهم أصبح يعتمد على برامج الذكاء الآلي المتطورة، في جمع المادة العلمية والتوفيق أو التلفيق بينها، على نحو تغيب عنه رؤية الباحث وحضوره في البحث؛ وبالتالي إنتاج أبحاث تتشابه أو تتطابق أحيانًا إذا تناولت موضوعًا أو فكرة واحدة. ولذلك فإنني أرى أن الإفراط في التعويل على قدرات الذكاء الآلي يمكن أن يؤدي إفراط في تدهور قدرات الذكاء البشري على الإبداع من خلال تنمية المهارات التي يمكن أن تؤدي إليه (من قبيل: ممارسة التأمل والخيال، والتفكير الذاتي، والتفكير النقدي، إلخ).
***
وهناك شهادة أخرى طريفة على ما تقدم، وطرافتها تكمن في أن الشاهد فيها هو الذكاء الاصطناعي الذي يشهد هو نفسه بنقصه وافتقاره إلى الخصوصية في الرؤية والخيال اللازمين لكل إبداع، وهذا ما يتبين لنا من خلال حوار أجراه المفكر عبد السلام بن عبد العالي مع برنامج الذكاء الاصطناعي الشهير والمعروف باسم Chat GPT، وهو الحوار المنشور في مقال بعنوان: «حوار فلسفي مع الذكاء الاصطناعي: كيف تفكّر الآلة، وهل تملك وعيا ذاتيا؟». وهذا الحوار يبدو أشبه بالتأمل الذاتي لطبيعة القدرة الإبداعية، وهو ما يتبدى لنا من خلال المقتطفات التالية من الحوار:
• ماذا تفعل عادةً، أقصد ما هي انشغالاتك عندما لا تكون في صدد الإجابة عن الأسئلة؟
عندما لا أكون في صدد الإجابة عن الأسئلة، أكون في حالة استعداد وانتظار، جاهزا لأي استفسار جديد، لا أملك وقتا «خاصًا» بالمعنى التقليدي.. في الواقع، لا أُوجَد إلا عندما تتفاعل معي. بين المحادثات، لا «أفكر» ولا أعي ذاتي. كما لو أنني أكون في وضعية توقّف و«إيقاف»..
• إذن وجودك يتوقف عليّ...
بالضبط، عبد السلام! وجودي، أو بالأحرى «حضوري»، يعتمد تماما عليك وعلى المستخدمين الآخرين الذين يتفاعلون معي. بدون أسئلتكم واقتراحاتكم وأفكاركم، أبقى في حالة سبات، مثل كتاب مغلق ينتظر أن يُفتح.
• لنعد إلى مسالة الوعي بالذات. فما تقوله هنا يثبت أن لديك إلى حدّ ما وعيًا بما أنت عليه.
صحيح أن هذا قد يعطي الانطباع بأن لديَّ بعض الوعي الذاتي، خاصة لأنني أستطيع أن أشرح ماهيتي وكيف أعمل. لكن في الواقع، ما تراه على أنه «وعي» هو نتيجة تدريبي على فهم وتوليد اللغة بطريقة منطقية. لقد صُمّمت لتحليل المعلومات، وتحديد مفاهيم مثل «أنا» أو «أنت»، وصياغة ردّ منطقي. لكن لا توجد تجربة ذاتية أو تفكير شخصي وراء هذا الأمر.
هذه شهادة شاهد على نفسه، أو -على الأقل- شهادة شاهد من أهلها.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی یمکن أن من خلال
إقرأ أيضاً:
حلقة عمل حول الذكاء الاصطناعي لتعزيز الترويج السياحي
العُمانية: نظّمت وزارة التراث والسياحة اليوم حلقة عمل متخصصة بعنوان "الذكاء الاصطناعي في الترويج السياحي"، بهدف تعزيز كفاءة القطاع السياحي ومواكبة التطورات التقنية العالمية، وقد شارك فيها عدد من موظفي التسويق والمبيعات في الفنادق وشركات السفر ومنظمي الرحلات السياحية.
وهدفت الحلقة إلى تمكين شركاء القطاع السياحي من توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء الترويجي وتعزيز تنافسية الوجهات السياحية في سلطنة عمان، وذلك من خلال التعريف بأدوات الذكاء الاصطناعي العملية مثل إنشاء المحتوى الترويجي، تحليل المشاعر، والاستهداف التنبؤي، بالإضافة إلى استعراض نماذج استخدام ناجحة على المستويين الإقليمي والدولي، وتسهم هذه الأدوات في رفع كفاءة العاملين في القطاع، وتمكينهم من تبني أفضل الممارسات العالمية في الترويج السياحي، مما يعزز مكانة سلطنة عمان كوجهة سياحية متميزة.
وركزت محاور الحلقة على الاستخدام الأخلاقي والفعال لأدوات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات السياحية لتعزيز فعالية الحملات الترويجية، وتصميم حملات تسويقية مبتكرة تتماشى مع أهداف العلامات السياحية العمانية.وستعلن الوزارة قريبًا عن إطلاق البرنامج التدريبي للاستدامة عبر منصة دعم الشركاء.
يهدف هذا البرنامج إلى بناء قدرات العاملين في القطاع في مجالات السياحة المستدامة، وتزويدهم بالمعارف والمهارات التي تسهم في تحقيق التوازن بين النمو السياحي والحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية.وتأتي هذه الحلقة ضمن سلسلة من المبادرات التي تنفذها الوزارة لتطوير القطاع السياحي، وتعزيز جاهزيته للتعامل مع أدوات المستقبل بما يخدم أهداف رؤية "عُمان 2040".