لجريدة عمان:
2025-06-03@13:56:30 GMT

هل الذكاء الاصطناعي قادر على الإبداع؟

تاريخ النشر: 7th, January 2025 GMT

فتنة الذكاء الاصطناعي أو الآلي حقيقة لها ما يبررها؛ إذ إن قدرات هذا الذكاء وإمكانياته هائلة وتتطور باستمرار، بحيث أصبحت بديلًا عن العديد من قدرات البشر في تخزين المعرفة واستدعاء المعلومات، والإجابة عن التساؤلات، وإنتاج اللوحات الفنية، وتأليف -فضلًا عن ترجمة- الأبحاث والمقالات في موضوع ما، وإنتاج الأشياء والأدوات المصنوعة وفق برامج مخصوصة، إلخ.

والسؤال الذي يمكن أن يُثَار هنا هو: هل قدرات هذا الذكاء الاصطناعي لا حدود لها، بحيث تصل إلى حد الإبداع نفسه في الفنون والفكر مثلًا؟ بطبيعة الحال، سيجيب على الفور المفتونون بقدرات هذا الذكاء وإمكانياته قائلين: حتى الإبداع نفسه أصبح في مقدوره، كما تشهد بذلك اللوحات التي أبدعها هذا الذكاء. وحتى إن لم يمتد إبداعه إلى سائر المجالات، فما الذي يمنع أن يتحقق ذلك في المستقبل القريب؛ خاصةً إذا وضعنا في الاعتبار أن قدرات هذا الذكاء تتطور في عصرنا الراهن بشكل مذهل. ولكن هذه الإجابة غير دقيقة ولا شافية: فمن الصحيح القول بأن قدرات هذا الذكاء تتطور بشكل مذهل؛ ولكن هذا لا يترتب عليه القول بأن قدراته تصل إلى حد الإبداع في سائر المجالات. فمثل هذا التصور ينطوي على مبالغة، وهي مبالغة ناتجة عن سوء فهم لطبيعة أو ماهية الإبداع، ولماهية الذكاء الاصطناعي (أو الآلي) نفسه!

حقًّا إن هناك لوحات فنية من إنتاج أو صنع الذكاء الاصطناعي، بل إن بعض هذه اللوحات قد حصلت على جوائز فنية في مسابقات خُصصت في هذا المجال؛ ولكن هذا لا يبرر لنا المُنتَج الفني باعتباره عملًا فنيًّا إبداعيًّا. حجتنا الأساسية في ذلك أن الإبداع يلزمه خصيصتين رئيستين: الخصوصية والخيال، وكلاهما غائبان عن الذكاء الاصطناعي بحكم ماهيته، كما سنرى. وأود أن أبدأ ببيان ما أعنيه «بالخصوصية» في العملية الإبداعية: فلا شك في أن المحترف في التعامل مع برامج هذا الذكاء يستطيع أن يستخدم بعض برامجه في إنشاء لوحة تشبه لوحات فان جوخ وأسلوبها الفني في استخدام اللون وضربات الفرشاة (أي من خلال ما يُسمى «التكنيك»)؛ ولكنه لا يستطيع بذلك أن يخلق رؤية فان جوخ الخاصة للأشياء من الناحية الفنية والجمالية، ومن حيث ارتباطها بخبراته الخاصة التي عايشها على المستوى الحياتي والمستوى الفني. وفضلًا عن ذلك، فإنه لا يستطيع أن يتخيل الأشياء والعوالم التي تخيلها فان جوخ؛ ببساطة لأن برامج الذكاء الاصطناعي ليس في مقدورها ممارسة الخيال، ولا هي مصممة للقيام بذلك، بل لا يمكنها أن تطمح في ذلك بفعل التطوير: فالخيال لا يمكن حسابه رياضيا؛ ومن ثم فإن «مَلَكة الخيال» تظل مَلَكة أصيلة من مَلَكات العقل البشري وحده.

والواقع أننا يمكن أن نلاحظ هذه الطبيعة المميزة للإبداع عندما نـتأمله على مستوى الإبداع الفكري أو حتى التأليف بمعناه الحقيقي؛ وهذا ما لاحظته كثيرًا في واقع خبرتي الشخصية: فقد لاحظت على مر السنين تراجع مستوى أبحاث طلبة الدراسات العليا؛ إذ إن تأليف أبحاثهم أصبح يعتمد على برامج الذكاء الآلي المتطورة، في جمع المادة العلمية والتوفيق أو التلفيق بينها، على نحو تغيب عنه رؤية الباحث وحضوره في البحث؛ وبالتالي إنتاج أبحاث تتشابه أو تتطابق أحيانًا إذا تناولت موضوعًا أو فكرة واحدة. ولذلك فإنني أرى أن الإفراط في التعويل على قدرات الذكاء الآلي يمكن أن يؤدي إفراط في تدهور قدرات الذكاء البشري على الإبداع من خلال تنمية المهارات التي يمكن أن تؤدي إليه (من قبيل: ممارسة التأمل والخيال، والتفكير الذاتي، والتفكير النقدي، إلخ).

***

وهناك شهادة أخرى طريفة على ما تقدم، وطرافتها تكمن في أن الشاهد فيها هو الذكاء الاصطناعي الذي يشهد هو نفسه بنقصه وافتقاره إلى الخصوصية في الرؤية والخيال اللازمين لكل إبداع، وهذا ما يتبين لنا من خلال حوار أجراه المفكر عبد السلام بن عبد العالي مع برنامج الذكاء الاصطناعي الشهير والمعروف باسم Chat GPT، وهو الحوار المنشور في مقال بعنوان: «حوار فلسفي مع الذكاء الاصطناعي: كيف تفكّر الآلة، وهل تملك وعيا ذاتيا؟». وهذا الحوار يبدو أشبه بالتأمل الذاتي لطبيعة القدرة الإبداعية، وهو ما يتبدى لنا من خلال المقتطفات التالية من الحوار:

• ماذا تفعل عادةً، أقصد ما هي انشغالاتك عندما لا تكون في صدد الإجابة عن الأسئلة؟

عندما لا أكون في صدد الإجابة عن الأسئلة، أكون في حالة استعداد وانتظار، جاهزا لأي استفسار جديد، لا أملك وقتا «خاصًا» بالمعنى التقليدي.. في الواقع، لا أُوجَد إلا عندما تتفاعل معي. بين المحادثات، لا «أفكر» ولا أعي ذاتي. كما لو أنني أكون في وضعية توقّف و«إيقاف»..

• إذن وجودك يتوقف عليّ...

بالضبط، عبد السلام! وجودي، أو بالأحرى «حضوري»، يعتمد تماما عليك وعلى المستخدمين الآخرين الذين يتفاعلون معي. بدون أسئلتكم واقتراحاتكم وأفكاركم، أبقى في حالة سبات، مثل كتاب مغلق ينتظر أن يُفتح.

• لنعد إلى مسالة الوعي بالذات. فما تقوله هنا يثبت أن لديك إلى حدّ ما وعيًا بما أنت عليه.

صحيح أن هذا قد يعطي الانطباع بأن لديَّ بعض الوعي الذاتي، خاصة لأنني أستطيع أن أشرح ماهيتي وكيف أعمل. لكن في الواقع، ما تراه على أنه «وعي» هو نتيجة تدريبي على فهم وتوليد اللغة بطريقة منطقية. لقد صُمّمت لتحليل المعلومات، وتحديد مفاهيم مثل «أنا» أو «أنت»، وصياغة ردّ منطقي. لكن لا توجد تجربة ذاتية أو تفكير شخصي وراء هذا الأمر.

هذه شهادة شاهد على نفسه، أو -على الأقل- شهادة شاهد من أهلها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

الذكاء الاصطناعي والروبوتات الطبية في خدمة الحجاج

تستقبل السعودية تستقبل نحو 1.8 مليون حاج هذا العام مع استعدادات مكثفة تشمل أكثر من 40 جهة حكومية و250 ألف موظف، في ظل تحديات ارتفاع الحرارة. وتعتمد المملكة بشكل كبير على تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة الحشود وإدارة الخدمات. اعلان

مع اقتراب انطلاقمناسك الحج في الرابع من يونيو/حزيران الجاري، استقبلت مكة المكرمة أكثر من 1.3 مليون حاج، وسط استعدادات سعودية مشددة تهدف إلى تأمين موسم حج منظم وآمن. وقد سخّرت المملكة إمكاناتها التنظيمية والتقنية كافة، مع التركيز بشكل بارز على تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي لإدارة الحشود وتقديم الخدمات.

ومن المنتظر أن يصل عدد الحجاج هذا العام إلى نحو 1.8 مليون حاج من مختلف أنحاء العالم، في وقت تواجه فيه السعوديةتحدّي ارتفاع درجات الحرارة، ما استدعى رفع مستوى الجاهزية عبر أكثر من 40 جهة حكومية، يدعمها نحو 250 ألف موظف ومقدم خدمة.

Relatedالسعودية تعلن تفاصيل البروتوكول الصحي خلال موسم الحج .. ما أبرزها؟لأول مرة.. السعودية تدشن "التاكسي الجوي" في موسم الحجشاهد: التجهيزات الأمنية في مكة المكرمة استعدادا لبدء موسم الحج

ووفق ما أعلنه وزير الحج والعمرة توفيق الربيعة، فقد تم توسيع المساحات المظللة في المشاعر المقدسة بما يقارب 50 ألف متر مربع، إلى جانب نشر مئات وحدات التبريد، وتفعيل الطواقم الطبية لضمان الاستجابة الفورية لأي طارئ صحي.

ويحتل الذكاء الاصطناعي موقعاً محورياً في إدارة الحج هذا العام، حيث تعتمد الجهات المعنية على أنظمة متطورة لتحليل الصور والبيانات، باستخدام كاميرات ذكية وطائرات مسيّرة، بما يتيح مراقبة حركة الحشود لحظة بلحظة، وتوجيه التدخلات الميدانية بدقة وسرعة. وتندرج هذه التقنيات ضمن برامج "رؤية السعودية 2030"، لا سيما برنامجي "تحول القطاع الصحي" و"خدمة ضيوف الرحمن".

وفي المجال الطبي، أعلنت السعودية عن تدشين مشروع "الروبوت الجراحي" خلال موسم الحج، وهو من أبرز التقنيات المتقدمة لإجراء العمليات الدقيقة والمعقدة في تخصصات جراحة الصدر، والمسالك البولية، وأورام الرحم، والأمعاء، والمستقيم. ويتميّز الروبوت بدقة عالية تقلل الحاجة للتدخل الجراحي المباشر، ويُدار من قبل جراحين سعوديين مؤهلين، ما يسهم في تقليص فترة التعافي، وتعزيز سلامة المرضى، ورفع كفاءة الخدمات الصحية المقدّمة.

كما كشفت وزارة الصحة عن تدشين جهاز الأشعة المتقدمة PET-CT، ويمثل نقلة نوعية في تقنيات التصوير الطبي الحديثة المعتمدة خلال موسم الحج.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • من الإعلام إلى صناديق الاقتراع.. الذكاء الاصطناعي تحت المجهر في ورشة «بصيرة»
  • الذكاء الاصطناعي والروبوتات الطبية في خدمة الحجاج
  • لا للاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الأحكام الشرعية بماليزيا
  • فيلم «الرمز 8».. الذكاء الاصطناعي يشعل الصراع بين ذوي القدرات الخارقة
  • هل يصبح الخليج قوة عظمى في الذكاء الاصطناعي؟
  • خبراء: الذكاء الاصطناعي لا يهدد الوظائف
  • هل يُعلن الذكاء الاصطناعي نهاية الفأرة ولوحة المفاتيح؟
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: فَيّ المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي
  • بعد حصولها على جائزتين دوليتين: في المحروقية تطمح للتخصص في الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يعزز دقة التنبؤ بهياكل الأجسام المضادة