محمد المكي أحمد

نجح مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد، في 9 يناير 2025 ، وصنع حدثاً تاريخياً متميزاً، وبهذا أطلق اللبنانيون ” الدخان الأبيض” في ختام الجولة الثانية بالإنتخابات الرئاسية ، التي أسفرت عن فوز العماد جوزيف عون قائد الجيش بمنصب رئيس الجمهورية.
تفاعلات الحدث البرلماني شكلت تطورا لافتا، و عكست مضامين أول خطاب للرئيس اللبناني المنتخب في البرلمان فور انتخابه خارطة طريق، وبرنامج عمل طموح، يُعبر عن نبض لبناني تواق للاستقرار والابداع والاصلاح الشامل ، وقد اتسم الخطاب بالشفافية ووضوح المواقف، في سبيل بناء دولة مؤسسات عصرية و قوية .


خطاب الرئيس اللبناني الجديد تضمن رؤى وأفكارا وتعهدات مهمة تحتاج القيادات العسكرية والمدنية التي تخوض الحرب في السودان إلى تأملها والاستماع إلى نص الخطاب الرصين والوقوف على مرتكزاته، ومقارنته بخطاب العنف والكراهية والعنصرية السائد في السودان.
جوزيف عون أعلن أن لبنان بدأ مرحلة جديدة، وقال بلغة محترمة وموقف سياسي ناضج أنه” مهما اختلفنا ، عند الشدة نحضن بعضنا بعضا ، لأنه إذا انكسر أحدنا انكسرنا جميعا”.
وشدد على تعهدات عدة وأطلق لاءات تخاطب الوجدان اللبناني والانساني، إذ قال لا حصانات للمافيات ، ولا للتدخل في استقلال القضاء، ولا للسلاح خارج إطار الدولة، ولا لسوء الادارة والفساد وتبييض الأموال، ولا لتجارة المخدرات، ولا للتهريب.
وتعهد بوضع قانون جديد يضمن استقلال القضاء، و” نحن جميعا تحت سقف القانون والقضاء” و تعهد حماية الحريات الفردية والجماعية، ومكافحة الفساد، واحترام الفصل بين السلطات، والمساواة بين المواطنين، وأن ” رئيس الحكومة سيكون شريكي وليس خصمي”مشددا على ان انتخابه “يفتح باب الاصلاح”وأكد ان لبنان يعيش أزمة حكم وحكام.
وشملت اللاءات لا للبؤر الأمنية ، ولا تدخل في استقلال القضاء ، ولا رهان على الخارج للاستقواء على بعضنا البعض، وأكد – وهو قائد للمؤسسة العسكرية- أن من أدوار الجيش المؤسسة حفظ وحدة الأراضي اللبنانية .
رسائل الرئيس اللبناني الجديد الذي أكد التزامه بسياسة ” الحياد الايجابي” تناولت العلاقات مع دول الخليج والدول العربية فشدد على سعيه إلى ” شراكة مع دول الخليج” و”أفضل العلاقات مع الدول العربية” و”انفتاح على الشرق والغرب”، وهذا خطاب سيجد حتما ترحيبا وتقديرا واحتراما خليجيا وعربيا ودوليا.
مسارعة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتهنئة الرئيس بانتخابه تعكس ارتياح دولة تتمتع بثقل مهم ودور فاعل في اطار الدعم للبنان الذي يحتاج إلى دعم سياسي واقتصادي سعودي وخليجي ودولي، كما أكد الترحيب الدولي بهذه الخطوة بدء لبنان مرحلة تفاعل جديدة مع العالم.
من أهم رسائل جوزيف أنه أكد ” حق الدولة باحتكار السلاح”، وهذا الجانب مهم للبنان، ويهم السودانيين الذين يعانون من انتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، حيث تلعب أطراف عدة أدوارا في انتشار و تفاقم هذا الظاهرة الخطيرة والمدمرة.
وبشأن الاحتلال الاسرائيلي لأراض لبنانية قال في رسالة ذات دلالات أن ” مهمة الدولة اللبنانية وحدها إزالة الاحتلال” ، كما أطلق موقفا ايجابيا بشأن العلاقة مع الدولة السورية تقوم على سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية وتركز على خل قضايا عالقة ، أما بشأن الفلسطينيين فشدد على الحرص على كرامتهم، مع رفض التوطين.
يُشار إلى أن رئيس مجلس النواب نبيه بري كان أعلن بعد فرز الأصوات انتخاب جوزيف رئيسا للجمهورية اللبنانية بحصوله على 99 صوتا من 128 صوتا في جلسة انتخابية ثانية.
يُذكر أن جوزيف لم يحصل في جلسة التصويت الأولى للبرلمان على ثلثي أصوات النواب، اذ نال 71 صوتا وكان يحتاج إلى 86 صوتا على الأقل، وفي ضوء ذلك قرر رئيس البرلمان نبيه بري تعليق الجلسة الأولى واستئنافها بعد ساعتين، حيث تم اعلان الفوز .
وعكست نتيجة الاقتراع في الجلسة الأولى فشل القوى والتكتلات السياسية مجددا في تحقيق توافق بأكثرية على انتخاب الرئيس، وساد هذا الفشل في 12 جلسة برلمانية خلال عامين.
وترى أوساط لبنانية أن ” حزب الله” وحركة أمل ” وقوى أخرى لعبت دورا في افشال جلسات انتخاب الرئيس في الفترة الماضية ، ما أدى إلى استمرار الشغور الرئاسي ( فراغ موقع الرئيس ) لعامين ونصف العام.
ويرى محللون لبنانيون أن حالة الضعف التي يعاني منها ” حزب الله” في لبنان في هذه الفترة قد ساهمت في تيسييرانتخاب الرئيس، وأن التطورات السورية المتمثلة في اسقاط نظام بشار الأسد وضرب الوجود الايراني في دمشق قد انعكس ايجابا على اللبنانيين، وهيأ الأجواء لانجاح جلسة انتخاب الرئيس اللبناني.
وكان النظام السوري الذي اسقطته المعارضة يمارس تدخلات سافرة في الشأن اللبناني وخصوصا في اختيار الرئيس ، من خلال التدخل المباشر، والتحكم في مواقف أحزاب وتكتلات لبنانية .
ورغم أن التطورات الأخيرة في لبنان وسوريا ساهمت قبل انتخاب الرئيس في رفع سقف التوقعات بشأن امكان انتخاب رئيس جديد، فان الدعم العربي والدولي للبنان لعب دورا مؤثرا وحاسما في دفع وانجاح عملية انتخاب رئيس للبنان، وفي هذا الاطار لعبت فرنسا و الولايات المتحدة والسعودية دورا بارزا في هذا السياق.
وبمقارنة الأوضاع في لبنان والسودان حاليا، فان أبرز القواسم المشتركة تكمن في وجود سلاح خارج سيطرة الدولة وحالة التشظي وسط الأحزاب والتكتلات السياسية ، وانتشار الفساد ، والتدهور الاقتصادي الذي أحال حياة الناس إلى جحيم في البلدين، والانفلات الأمني .
ورغم التنديد الشديد في أوساط لبنانية بـ” إفلاس وفساد الطبقة السياسية”، والتذمر من فشل البرلمان مرات عدة في انتخاب رئيس، إلا أن قيادة الجيش ظلت محل احترام ، وهي لم تتورط في ظل أزمات شديدة بارتكاب جريمة الانقلاب العسكري، وفي مرات عدة تم انتخاب قائد الجيش رئيسا، لكن من أكبر أزمات السودانيين تدخل العسكر في ميادين العمل السياسي وترك مهمات الجيش المهمة المتمثلة في حماية الشعب والأرض والحدود والسيادة والنظام الديمقراطي .
المشهد الأروع في لبنان يكمن في وجود برلمان ينتخب الرئيس، ويتيح أوسع فرص التعبير عن الرأي والرأي الآخر، وهذا ما يفتقده السودانيون إذ يلجأ الانقلابيون إلى مصادرة الحريات السياسية والاعلامية وينتهكون كل الحقوق الانسانية.
واذا كانت هناك أوساط لبنانية عدة تنتقد ما تصفه بالتدخلات الأجنبية في شؤون البلد، فان واقع الحال يؤكد أن دولاً وخصوصا في الخليج والعالم العربي تدعم استقرار لبنان، وتعمل على إبعاد التأثير الخارجي السلبي في مجريات الأحداث في بيروت.
سودانيا، فان الأزمة الانسانية الحادة وخطرالجوع الذي يهدد حياة ملايين السودانيين وفقا للأمم المتحدة ودول كبرى قد شكل رأيا عاما دوليا يشدد على ضرورة وقف الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بمشاركة أطراف أخرى.
هذا معناه أن القرار العربي والدولي الداعم لانتخاب رئيس لبناني جديد يرسل رسالة ساخنة للقابضين على بندقية الحرب والدمار في السودان، ومضمونها يقول إن دول الإقليم والعالم لن تقف متفرجة أو مكتوفة الأيدي وهي ترى شلال الدم ومشاهد الموت بالجوع والمرض والخوف في السودان.
التوقعات أن يشهد هذا الشهر الحالي أوالشهر المقبل اتفاقا بشأن وقف الحرب البشعة على الفلسطينيين في غزة وإطلاق الرهائن الاسرائليين.
تطورات الأحداث تؤشر إلى أن التفاعل الأميركي والأوروبي سيتواصل مع سوريا الجديدة ، و يبدو واضحا حتى الآن أن الإدارة المؤقتة بقيادة أحمد الشرع قد نجحت بخطابها السياسي المعتدل وأرسلت رسائل طمأنة مهمة وايجابية بشأن سياساتها ، ويشمل ذلك السعي لبناء نظام سياسي يوفر أجواء المشاركة والحرية والعدالة والأمن والطمأنينة للسوريين باختلاف رؤاهم وتعدديتهم السياسية والاجتماعية والدينية..
لكن رسائل قيادة سوريا الجديدة إلى المنطقة والعالم تحتاج إلى اقتران الأقوال بالأفعال كما تطالب بذلك دول مجاورة وفي الإقليم والعالم، لتعزيز التعاون والتنسيق في عالم تحكمه المنافع ويشكل الأمن أولوية في صدارة أولوياته ، لتحقيق المصالح المشتركة، أمنيا، واقتصاديا، وسياسيا.
كل هذه التفاعلات اللبنانية وفي المنطقة تعني أن أمام مشعلي الحرب في السودان وحاملي معاولها طريق واحد لفتح أوسع أبواب التعاون مع دول مؤثرة وفاعلة في المنطقة الخليجية والعربية والعالم ، وهو طريق السلام بايقاف الحرب، و احترام حقائق الواقع السوداني التعددي، وحقوق الانسان ، ومن دون ارتياد هذا الدرب فان قادة الحرب في السودان مقبلون على انتحار جماعي، وحصار دولي شديد، وأن شعب السودان سيواجه أوضاعا أكثر بؤسا وقسوة.
أي لا مستقبل في السودان لمن يسفك الدماء، ويدمر حياة الناس بالقتل والجوع والمرض والنزوح واللجوء، فالمستقبل لإرادة الشعب، ولمناخ يحترم ويصون حقوق الانسان السوداني، ويوفر أجواء الحرية، والعدالة، والعيش الكريم.

mohamedelmaki.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحرب فی السودان انتخاب الرئیس انتخاب رئیس فی لبنان

إقرأ أيضاً:

الرئيس السيسي يستقبل «البرهان».. ويناقشان مستجدات الأوضاع في السودان وملف مياه النيل

استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي لجمهورية السودان في قصر الاتحادية.

وجاء ذلك بحضور الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين في الخارج، والسيد اللواء حسن رشاد رئيس المخابرات العامة.

ومن الجانب السوداني، حضر السيد محي الدين سالم وزير الخارجية، والفريق أول أحمد إبراهيم مفضل مدير عام جهاز المخابرات العامة، والسفير الفريق ركن مهندس عماد الدين مصطفى عدوى سفير جمهورية السودان بالقاهرة، واللواء الركن عادل إسماعيل أبو بكر الفكي مدير مكتب رئيس مجلس السيادة.

وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن السيد الرئيس رحّب بزيارة الفريق أول البرهان إلى مصر، مشيداً بما يجمع البلدين من علاقات أخوية راسخة، وما تشهده من تطور ملموس في مختلف المجالات.

وأضاف المتحدث الرسمي، أنه تمت مناقشة تطورات الأوضاع الميدانية في السودان الشقيق، والجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار في السودان.

وأكد الرئيس السيسي في هذا الصدد ثوابت الموقف المصري تجاه السودان، مشدداً على دعم مصر الكامل لوحدة السودان وسيادته وسلامة أراضيه، ورفضها القاطع لأي محاولات من شأنها تهديد أمنه أو النيل من تماسكه الوطني أو تشكيل أي كيانات حكم موازية للحكومة السودانية الشرعية.

ومن جانبه، أعرب رئيس مجلس السيادة السوداني عن بالغ تقديره للدعم المصري المتواصل، وجهود الرئيس في هذا الخصوص، وهو الأمر الذي يُجسّد عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين، ويسهم في جهود السودان للخروج من أزمته الراهنة واستعادة الأمن والاستقرار.

وأضاف المتحدث الرسمي أن اللقاء تناول أهمية الآلية الرباعية كمظلة للسعي لتسوية الأزمة السودانية، ووقف الحرب، وتحقيق الاستقرار المطلوب، حيث أعرب الرئيسان عن التطلع لأن يسفر اجتماع الآلية الرباعية الذي سوف يعقد في واشنطن خلال شهر أكتوبر الجاري عن نتائج ملموسة بغية التوصل لوقف الحرب وتسوية الأزمة.

وأشار المتحدث الرسمي إلى أن الاجتماع تطرق إلى مستجدات ملف مياه النيل، حيث جدد الجانبان رفضهما القاطع لأي إجراءات أحادية تُتخذ على النيل الأزرق، بما يتعارض مع أحكام القانون الدولي ذات الصلة. وفي السياق ذاته، شدد رئيس مجلس السيادة السوداني على وحدة الموقف بين مصر والسودان، وتطابق مصالحهما إزاء قضية السد الإثيوبي. واتفق الرئيسان، في هذا الإطار، على تعزيز وتكثيف آليات التشاور والتنسيق بين البلدين لضمان حماية الحقوق المائية المشتركة.

اقرأ أيضاًالرئيس السيسي في عيون الإعلام الدولي.. «قائد عظيم وصانع السلام في زمن الحروب»

الرئيس السيسي يدعو مجلس الشيوخ للانعقاد لافتتاح الفصل التشريعي الثاني

مقالات مشابهة

  • الرئيس السيسي يستقبل «البرهان».. ويناقشان مستجدات الأوضاع في السودان وملف مياه النيل
  • الرئيس السيسي يؤكد ثوابت الموقف المصري تجاه السودان
  • الرئيس السيسي والبرهان يبحثان مستجدات الأوضاع في السودان وملف مياه النيل
  • البرهان يُعين “امرأة” لأول مرة محافظًا لبنك السودان المركزي
  • “روس كوسموس” تطور معدات مهمة لأقمار استشعار الأرض عن بعد
  • مظاهرات مؤيدة لإدانة “كوشيب” في معسكرات نزوح بـ “دارفور وتشاد”
  • “حماس”: تحرير أسرانا الأبطال محطة مهمة في مسار التحرير الشامل للأرض والمقدسات
  • “درع السودان” تحبط محاولة تسلل إلى مدينة محورية في شمال كردفان
  • نهيان بن مبارك يطلق الدورة الثانية من مسابقة “تراثنا في كلمات”
  • صنعاء تتوعد “اسرائيل” ردا على غاراتها