العقيدة الإسلامية من الدلالة الغيبية النظرية المؤسّسة إلى البعد العملي
تاريخ النشر: 30th, January 2025 GMT
العقيدة الإسلامية هي حقيقة ثابتة وشاملة تُحدد علاقة الإنسان بربه، وبنفسه، وبالآخرين، وبالكون من حوله. فعاليتها تكمن في تحويل الإيمان إلى قوة دافعة للإصلاح والتنمية، مما يجعلها الأساس المتين لبناء الفرد والمجتمع.
الكاتب والمفكر التونسي الدكتور عبد المجيد النجار وهو أحد المفكرين والباحثين في مجال الفقه والفكر الإسلامي المعاصريقدم في هذه السلسلة من المقالات التي تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته على منصة "فيسبوك"، مدلول العقيدة الإسلامية ومفرداتها.
السبب في اقتصار علم العقيدة على هذه القضايا دون غيرها أن هذا العلم نشأ علما ذا غاية دفاعية، إذ هو كما استقر عليه الأمر في تعريفه: " علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج ودفع الشبه " ، فهو إذن معنيّ بالمسائل العقدية التي يقتضي الحال الدفاع عنها إثباتا لها وردا للشبه الموجهة إليها، واندراج المسائل فيه إنما كان بناء على الحاجة إلى الدفاع عنها، إما بأسباب خارجية أو داخلية، وقد كان الأمر كذلك تاريخيا، فنشوء أبحاث في هذه المسائل كان متطاولا في الزمن بحسب حدوث الأسباب الداعية للدفاع ، والمسائل التي لم تدع حاجة إلى الدفاع عنها لم تدرج بصفة أساسية في علم العقيدة، فلم تصبح ضمن مسائله إلا أن تكون بصفة عارضة.
ولما توقّف الفكر الإسلامي عموما عن النمو والإبداع بعد القرن الخامس، ومن ضمنه الفكر العقدي، كَلّ هذا الفكر عن مهمّة الدفاع عن العقيدة بالتصدّي للتحدّيات المستجدة الموجّهة لمسائل دينية بعض منها قد لا يكون تعرّض إلى مثل تلك التحديات، فلم يقع إذن إدراجه ضمن دائرة علم العقيدة كما كانت تدرج من قبل تلك المسائل التي تدعو الحاجة إلى الدفاع عنها تباعا بمقتضى تعرضها للتحدّيات، وبذلك توقف هذا العلم في مسائله، وانغلق على مواضيعه السابقة، وأصبح العمل فيه لا يعدو أن يكون ترتيبا وتبويبا، أو شرحا وتوسيعا، أو اختصارا وتهذيبا.
لو تأملت أوضاع المسلمين من حيث مدلول العقيدة في أفهامهم، كما انتهى إليه الأمر منذ قرون، وكما هو الأمر اليوم عند عامة المسلمين، بل عند كثير من خاصّتهم المتعلمين وعند بعض من المختصّين في علوم الدين، لو تأملت ذلك لوجدت أن هذا المدلول يتركّز على القضايا الأساسية في العقيدة وهي الإيمان بالله والنبوة والوحي والملائكة والقدر، وما هو مندرج ضمنهاوبمرور الزمن أصبح كثير من خالفي المسلمين يقع في نفوسهم الظنّ بأن مدلول العقيدة الإسلامية إنما هو محدود بحدود المسائل التي شملها علم العقيدة وانغلق عليها بحكم توقفه عن النمو قرونا طويلة، وأما ما عدا ذلك من مسائل الدين فهي مسائل شرعية وليست عقدية، فلم تدرج ضمن هذا المدلول، ولم يكن لها إذن منزلة من الرسوخ في النفس والتأسس فيها كما كان لتلك المسائل الأخرى، ولم يكن لها بالتالي موقع التوجيه والدفع الذي يكون للمسائل المندرجة ضمن مدلول العقيدة، إذ تلك المسائل بمقتضى صفتها العقدية هي التي تشكل الموقف الديني العام للفرد المسلم كما للأمة عامة، وهي التي توجه الحياة كلها، إذ العقيدة هي الموجّهة للحياة.
ولو تأملت أوضاع المسلمين من حيث مدلول العقيدة في أفهامهم، كما انتهى إليه الأمر منذ قرون، وكما هو الأمر اليوم عند عامة المسلمين، بل عند كثير من خاصّتهم المتعلمين وعند بعض من المختصّين في علوم الدين، لو تأملت ذلك لوجدت أن هذا المدلول يتركّز على القضايا الأساسية في العقيدة وهي الإيمان بالله والنبوة والوحي والملائكة والقدر، وما هو مندرج ضمنها، وأنه لا يتّسع لمسائل أخرى ذات معان عقدية أيضا، يدخل التصديق بها إلى دائرة الإيمان، ويخرج التكذيب بها إلى دائرة الكفر، ومن أمثلتها مسألة شمولية الدين، والروح كجزء من التركيب الإنساني، ومهمّة الخلافة في الأرض كغاية لحياة الإنسان، والعدالة الاجتماعية كقاعدة في بناء المجتمع. فهذه المسائل وأمثالها بالرغم ممّا لها من مدخل في تحقق الإيمان وعدمه، فإنها لا تدخل اليوم ضمن دائرة المدلول العقدي عند الكثير من المسلمين، وإنما هي عندهم مسائل شرعية لا ترقى إلى درجة الاعتقاد، ولا تراها تدرج في اهتماماتهم التعليمية والدعوية ضمن المؤلفات والبيانات العقدية.
وقد أدّى هذا الانحسار في مدلول العقيدة في الذهنية الإسلامية إلى نزوع هذا المدلول منزعا تجريديا ابتعد به عن وجوه الحياة العملية، حيث أصبحت الأذهان تنصرف في تحمّلها للعقيدة إلى عالم الغيب دون وصل له بعالم الشهادة من واقع الحياة الجارية، إذ كأنما الاعتقاد يقتصر على الاعتقاد بالغيب، وكان لذلك انعكاس سيئ على الحياة العملية للمسلمين، إذ تقاعست هذه الحياة عن الاندفاع نحو التعمير في الأرض باستثمار الكون، وبترقية الإنسان بالحرية والعدالة والسعي الدؤوب لتحقيق الخلافة، فهذه مسائل خارجة في دائرة الوعي عن أن تكون مسائل عقدية، وماذا يدفع إلى توجيه الحياة إليها إذا لم يكن الإيمان بأنها من صلب العقيدة الإسلامية؟ ويشيع اليوم في دوائر الكثير من الدعاة، والمؤسسات الدعوية والتعليمية الدينية فضلا عن دوائر العامة من المسلمين أنّ مسائل مثل الإيمان بالجن وبعذاب القبر هي على سبيل المثال من مفردات الاعتقاد الأساسية بينما لا تدرج مسألة العدالة الاجتماعية أو مهمّة الخلافة في الأرض غاية للحياة، أو تكريم الإنسان وحفظ حقوقه ضمن الاهتمام العقدي، فكيف إذن يمكن أن تتّجه حياة المسلمين في اتّجاه الترقية الاجتماعية والتعمير في الأرض؟
ومن ذلك يتبين أن الضرورة تدعو كعامل من عوامل الدفع بالأمّة نحو الرقيّ المعنوي والمادّي أن يتمّ ترشيد تحمّلها لمدلول العقيدة بتوسيع هذا المدلول في الأذهان حتى يشمل دائرة من المسائل أفسح من هذه المسائل التي يشملها الآن، ولتكون صورته في النفوس كحقيقته في واقع الأمر كما جاء في القرآن والحديث، وكصورته التي كان عليها في أذهان أوائل المسلمين حينما كانوا يفهمون انطلاقهم في الآفاق لنشر الدعوة، وتحرير العباد من الاستبداد، والتعمير في الأرض على أن كل ذلك يندرج ضمن مدلول العقيدة، فكان انطلاقهم فاعلا، وإنجازهم الحضاري مشهودا، وما كانوا في ذلك الفهم لمدلول العقيدة إلاّ صادرين عن روح القرآن والحديث في تعدية هذا المدلول إلى دائرة واسعة من تعاليم الدين ذات البعد العملي هي أوسع بكثير من تلك التعاليم ذات البعد النظري وإن تكن هي الأساس الأول للاعتقاد.
لقد جاء في القرآن المكي وهو المؤسس للعقيدة في النفوس وصل دائم بين حقائق الوحدانية والبعث والنبوة، وبين مفاهيم اجتماعية مثل كفالة اليتامى والمساكين، والقيام بالعمل الصالح، وفي ذلك أبلغ الدلالة على تعدّي دلالة العقيدة من ذلك البعد الغيبي النظري المؤسّس إلى مثل تلك المفردات ذات البعد العملي المتعلق بأوجه الحياة الفردية والاجتماعية في مختلف مناحيها. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يمكن إعادة بناء الفهم العقدي بترتيب جديد لمفردات العقيدة في نطاق هذا المدلول؟
إقرأ أيضا: العقيدة الإسلامية أساس الدين كله والمرجع الذي يوجّه الأحكام..
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير العقيدة اسلام رأي عقيدة مدلولات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العقیدة الإسلامیة المسائل التی الدفاع عنها العقیدة فی الدفاع عن فی الأرض
إقرأ أيضاً:
تحذير للمزارعين.. هذا الأمر قد يتسبب بتسمم حاد
حذّر رئيس قسم طبابة محافظة عكار الدكتور حسن الأدرع، المزارعين من "مخاطر رش المبيدات الزراعية قرب الأواني المنزلية والمواد الغذائية، لما قد تسببه من حالات تسمم حادة،" ودعا إلى "الالتزام بإجراءات السلامة والوقاية"، مؤكدا ان " وزارة الصحة على تواصل يومي مع المحافظة، وتتابع الوضع الصحي في ظل التحديات القائمة، وأبرزها وجود مستشفى حكومي وحيد وتراجع خدمات المؤسسات الصحية الخاصة بسبب الأزمة الاقتصادية".
وأشار إلى" وجود عدد من مراكز الرعاية الصحية الأولية في عكار، لكنها تعاني من نقص في الكوادر والإمكانات، ما يحد من قدرتها على تلبية الحاجات الصحية المتزايدة".
وعن الوضع الصحي العام، طمأن أن" الأمور مستقرة"، ودعا المواطنين، مع بداية فصل الصيف، إلى "الوقاية والانتباه عند تناول المأكولات، وخصوصاً تلك التي قد لا تراعي الشروط الصحية"، مشيراً إلى أن "بعض الأمراض الموسمية الصيفية أمر معتاد في مثل هذه الفترة". (الوكالة الوطنية)
مواضيع ذات صلة لجان الدفاع عن حقوق المستأجرين ترفض تعديل قانون الإيجارات وتحذّر من هذا الأمر! Lebanon 24 لجان الدفاع عن حقوق المستأجرين ترفض تعديل قانون الإيجارات وتحذّر من هذا الأمر! 11/07/2025 13:38:40 11/07/2025 13:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 بُشرى للمزارعين.. هذا ما تقرّر Lebanon 24 بُشرى للمزارعين.. هذا ما تقرّر 11/07/2025 13:38:40 11/07/2025 13:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 تحذير: لا تتركوا هذه المواد داخل سياراتكم… قد تسبب انفجارًا! Lebanon 24 تحذير: لا تتركوا هذه المواد داخل سياراتكم… قد تسبب انفجارًا! 11/07/2025 13:38:40 11/07/2025 13:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 تحذير من انبعاثات بلازمية هائلة قد تؤثر على الأرض! Lebanon 24 تحذير من انبعاثات بلازمية هائلة قد تؤثر على الأرض! 11/07/2025 13:38:40 11/07/2025 13:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً خرق إسرائيليّ جديد في الجنوب... إليكم ما فعله العدوّ اليوم Lebanon 24 خرق إسرائيليّ جديد في الجنوب... إليكم ما فعله العدوّ اليوم 06:22 | 2025-07-11 11/07/2025 06:22:33 Lebanon 24 Lebanon 24 المفتي قبلان :آن الأوان للتضامن الوطني Lebanon 24 المفتي قبلان :آن الأوان للتضامن الوطني 06:21 | 2025-07-11 11/07/2025 06:21:00 Lebanon 24 Lebanon 24 بيان من "المالية".. هذا ما جاء فيه Lebanon 24 بيان من "المالية".. هذا ما جاء فيه 06:17 | 2025-07-11 11/07/2025 06:17:45 Lebanon 24 Lebanon 24 عز الدين: ضمانتنا الحقيقة تكمن في قوتنا ومقاومتنا وشعبنا Lebanon 24 عز الدين: ضمانتنا الحقيقة تكمن في قوتنا ومقاومتنا وشعبنا 06:14 | 2025-07-11 11/07/2025 06:14:38 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الخارجية بحث مع سفيري الدنمارك وسلوفينيا دعم تجديد ولاية اليونيفيل Lebanon 24 وزير الخارجية بحث مع سفيري الدنمارك وسلوفينيا دعم تجديد ولاية اليونيفيل 06:12 | 2025-07-11 11/07/2025 06:12:11 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة الموت يُغيّب فناناً سوريّاً: وداعاً يا عراب الفنّ Lebanon 24 الموت يُغيّب فناناً سوريّاً: وداعاً يا عراب الفنّ 13:55 | 2025-07-10 10/07/2025 01:55:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أنباء عن محاولة ابنة هيفا وهبي إنهاء حياتها تاركة رسالة مؤثرة.. وما نشرته مؤخرا يُثير الجدل (صورة) Lebanon 24 أنباء عن محاولة ابنة هيفا وهبي إنهاء حياتها تاركة رسالة مؤثرة.. وما نشرته مؤخرا يُثير الجدل (صورة) 00:30 | 2025-07-11 11/07/2025 12:30:25 Lebanon 24 Lebanon 24 أحدهم توفي... نقل 7 أشخاص من عائلة واحدة إلى المستشفيات ما الذي أصابهم؟ Lebanon 24 أحدهم توفي... نقل 7 أشخاص من عائلة واحدة إلى المستشفيات ما الذي أصابهم؟ 14:39 | 2025-07-10 10/07/2025 02:39:03 Lebanon 24 Lebanon 24 تحذير عاجل من الجيش للمواطنين.. هذه تفاصيله Lebanon 24 تحذير عاجل من الجيش للمواطنين.. هذه تفاصيله 11:00 | 2025-07-10 10/07/2025 11:00:33 Lebanon 24 Lebanon 24 هل يلتزم "حزب الله" إذا قرّر مجلس الوزراء نزع سلاحه؟ Lebanon 24 هل يلتزم "حزب الله" إذا قرّر مجلس الوزراء نزع سلاحه؟ 12:01 | 2025-07-10 10/07/2025 12:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 06:22 | 2025-07-11 خرق إسرائيليّ جديد في الجنوب... إليكم ما فعله العدوّ اليوم 06:21 | 2025-07-11 المفتي قبلان :آن الأوان للتضامن الوطني 06:17 | 2025-07-11 بيان من "المالية".. هذا ما جاء فيه 06:14 | 2025-07-11 عز الدين: ضمانتنا الحقيقة تكمن في قوتنا ومقاومتنا وشعبنا 06:12 | 2025-07-11 وزير الخارجية بحث مع سفيري الدنمارك وسلوفينيا دعم تجديد ولاية اليونيفيل 06:09 | 2025-07-11 البطريرك ميناسيان نقل إلى الرئيس عون دعوة رسمية لحضور الاحتفال بتقديس الطوباوي الشهيد المطران إغناطيوس مالويان فيديو استولى على أموالها بالكامل.. فنانة شهيرة تكشف للمرة الأولى عن أزمتها مع زوجها الثالث (فيديو) Lebanon 24 استولى على أموالها بالكامل.. فنانة شهيرة تكشف للمرة الأولى عن أزمتها مع زوجها الثالث (فيديو) 02:37 | 2025-07-11 11/07/2025 13:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 فنان سوري مُفاجأة سيرين عبد النور.. وتوجه له رسالة خاصة (فيديو) Lebanon 24 فنان سوري مُفاجأة سيرين عبد النور.. وتوجه له رسالة خاصة (فيديو) 03:10 | 2025-07-10 11/07/2025 13:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 خلعته وعادت إلى الغناء ثم ارتدته.. فنانة شهيرة تكشف لأول مرة قصتها مع الحجاب (فيديو) Lebanon 24 خلعته وعادت إلى الغناء ثم ارتدته.. فنانة شهيرة تكشف لأول مرة قصتها مع الحجاب (فيديو) 01:22 | 2025-07-09 11/07/2025 13:38:40 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24