"العُمانية": تبدأ الموهبة بومضة، ويشتعل بعدها الشغف نحو آفاق لا يحدد مسارها إلا الإصرار والإرادة. ومن منطلق توثيق اللحظات والأحداث؛ بدأت رحلة سامي بن سالم الهنائي، المصور وصانع المحتوى، في عام 2007 في التعبير عبر الكاميرا عن حياة وثقافة الإنسان العُماني بمختلف أسرارها الطبيعية وموروثاتها التاريخية والتراثية، وأراضيها الزراعية، ومستقبلها الصناعي والتجاري، وبيئتها العملية، ولحظاتها العائلية.

يقول سامي الهنائي: إن رحلة الشغف بدأت في سن السابعة عشر، وتطور الأمر تدريجيّاً بالانضمام إلى دورات تدريبية عن التصوير والفوتوشوب في ألمانيا في عامي 2013 و2014. وكان لمنصات التواصل الاجتماعي دورٌ في توسيع دائرة فن التصوير وتعلمه، ما أتاح له التعرف على مصورين عُمانيين وآخرين من أنحاء العالم، والتعلم والاستفادة منهم، الأمر الذي أكد فيه أنه بداية الإلهام والاستيعاب بأنه قادر على إنتاج عمل فني عماني عالمي.

وفي حديثه عن الموضوعات التي يهتم بها في التصوير، وضّح أنه يوثِّق الأماكن أو الأشياء التي من الممكن أن تختفي أو تقل مع مرور الوقت، مثل: الأسواق الشعبية، وطرق البيع القديمة (المناداة التقليدية)، والصناعات الحرفية القديمة، وبعض المهن التي قد لا يعمل بها الأجيال القادمة، إضافة إلى البيوت القديمة.

وأضاف أن توثيق حياة الإنسان الجبلية والزراعية، ووجود الإنسان العُماني في المزارع، والمواقع الطبيعية وبعض العادات أو الفنون، من اللقطات التي يجب أن تبقى حاضرة عبر التقاطاته.

وفي الحديث عن مشاركاته، ذكر أن أبرزها هي مشاركته في مجلة ناشيونال جيوغرافيك في أبوظبي عن "موسم الورد في الجبل الأخضر بسلطنة عُمان"، والفوز بالمركز الثالث في مسابقة "النخلة في عيون العالم" في دولة الإمارات، في محور النخلة والإنسان، معتبراً أن هذه المشاركات تفتح آفاقاً جديدة من المعرفة، والفوز ما هو إلا تتويج لمسيرة المصور واجتهاده.

وأوضح أن التحدي جزءٌ من رحلة الاكتشاف الطويلة للتصوير، مشيراً إلى أن أكبرَ التحديات هي كيفية تقسيم الوقت والقدرة على تنفيذ الأفكار والإنتاج، وأن يكون المصور حاضراً باستمرار، وعلى دراية كافية بالأوقات المناسبة للنشر والتفاعل عبر المنصات بما هو جديد ولافت، إضافة إلى كيفية التسويق للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.

وأكد على أن الممارسة والاستمرارية والتعلم حلقة متصلة ببعضها لا يمكن أن يتخلى المصور عن واحدة منها في رحلة التصوير التي لا تتوقف عند صورة معينة، ومنها تكبر الخبرة وتتوسع آفاقها. وأن الفرصة متاحة للجميع خاصة وسط انتشار منصات التواصل الاجتماعي وسهولة التعلم من خلالها والتواصل مع المختصين والوصول للمعلومات بشكل عام، ومن خلالها يستطيع الفرد أن يؤثر ويتأثر في عالم التصوير، حتى أصبح التصوير قيمة مضافة لحياته من خلال تركه أثراً في الناس والوطن عبر عدسة التصوير.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

صنعاء القديمة.. ذاكرة الحجر والهوية في وجه الزمن والتحدي

يمانيون / تقرير/ طارق الحمامي

عند أول خطوة تخطوها عبر “باب اليمن”، لا تدخل مدينة فحسب، بل تنغمس في زمن يتنفس عبق الحضارات، في صنعاء القديمة، لا الجدران صامتة، ولا الأزقة هامدة. كل حجر، كل زخرفة جصّية، كل نقشة على باب خشبي قديم، تحكي حكاية مدينة لم تكن يومًا مجرد عمران، بل كانت  ولا تزال رمزًا للهوية، حافظة للذاكرة، ومنارة ثقافية تمتد من سبأ ومعين إلى صدى المقاومة المعاصرة.

يمثّل هذا التقرير رحلة تحليلية استعراضية في قلب صنعاء القديمة، نرصد فيها تفاصيل المكان في أبعاده الجغرافية والمعمارية، نستعرض ألق الهوية الإيمانية التي تكلّلت فوق قباب مساجدها، ونتلمّس نبضها الثقافي المتجدّد من حلقات العلم إلى أسواق الحرف التقليدية. كما نسلّط الضوء على مكانة المدينة الفكرية في المشروع القرآني، ومواقفها من قضايا الأمة، لنختم بكيف يعيش أهلها اليوم رغم التحديات . 

 

 صنعاء… حيث بدأ الحِجر يروي التاريخ

نشأت صنعاء القديمة في قلب السهول الجبلية على ارتفاع أكثر من 2,200 متر عن سطح البحر. يعود ذكرها في نقوش المسند إلى القرون السابقة للإسلام، وارتبطت منذ نشأتها الأولى بممالك سبأ وحمير. ويُروى أن سام بن نوح هو من وضع أولى لبناتها، وفق الرواية المحلية. ازدهرت المدينة في العهد الإسلامي المبكر، وتحوّلت إلى مركز ديني وثقافي، حيث شُيّد فيها أول مسجد خارج الحجاز: “الجامع الكبير”.

هذا الامتداد الزمني يجعل من صنعاء واحدة من أقدم العواصم المستمرة في العالم، مدينة تشهد لجغرافيا المقاومة، وروح الحضارات المتعاقبة.

صنعاء.. رمز للهوية الإيمانية اليمنية

منذ فجر الإسلام، اكتسبت صنعاء مكانة خاصة في قلب الرسالة الإيمانية. فقد وصفها النبي محمد صلوات الله عليه وآله بأنها أرض الحكمة والإيمان، قائلاً: “الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية”. ومن هذه الأرض، خرج العلماء والمجاهدون الذين حملوا مشعل الهداية إلى الآفاق بقيادة أعلام الهدى ابتداءً بالإمام علي عليه السلام .

لقد كانت صنعاء القديمة مركزًا علميًا وفكريًا وروحيًا، احتضن حلقات العلم في مساجدها، ومدارسها الشرعية، ومجالسها الثقافية. كما ظلت عبر العصور نموذجًا حيًا للإيمان العملي المتجذر في سلوك الإنسان اليمني، في أمانته، وكرمه، ورفضه للظلم، وتمسكه بقيم الحق والعدل.

تجسّد صنعاء في تكوينها المعماري والاجتماعي نموذج المدينة المؤمنة: تتداخل فيها بيوت العبادة مع الأسواق، والمجالس مع المدارس، والروح مع المادة، في توازن فريد جعل من المدينة بوتقة للهوية الإيمانية الجامعة.

المعمار الصنعاني: الحجر والطين يرسُمان فن الهوية

لم يكن المعمار في صنعاء القديمة مجرد بناء، بل كان انعكاسًا لروح الإنسان الصنعاني: بسيط، صامد، جميل. تمتاز البيوت بارتفاعها الذي قد يصل إلى تسعة طوابق، تُبنى أسفلها بالحجر الصلب وتعلوها الطوابق بالطين المدكوك والطوب اللبن. كل طابق يحكي قصة، وكل نافذة ملونة بزجاج القمريات ترسم لوحة.

هذه البنية لم تأتِ عشوائية، بل استجابت للمناخ، والاحتياج، والذوق، وحوّلت المدينة إلى تحفة طينية حجريّة لا نظير لها في العالم.

الرمزية الإيمانية: مدينة تسكنها الروح

لم تفصل صنعاء يوماً بين الحجارة والإيمان. إذ تنتشر المساجد في كل حارة وزقاق، أهمها الجامع الكبير، أحد أقدم المساجد الإسلامية. تُعدّ هذه المساجد مراكز للتعليم والتأمل، وتدل هندستها على عمق الروح اليمنية التي جمعت بين البساطة والتقوى والجمال.

رمزية صنعاء الإيمانية لا تتجلى فقط في معمارها، بل في تمسّك سكانها بالمفاهيم الدينية كمصدر للهوية والكرامة، خاصة في أزمنة  الجهاد ضد الاحتلال.

الثقافة المتجذرة: مجالس، شعر، وإنشاد

في الدور العليا للمنازل، حيث تُقام “المفرّجات”، يجتمع الرجال على القات، لكن ليس فقط للفراغ أو التسلية، بل ليتبادلوا الشعر، والموشحات، والحكمة. المجالس هنا مدارس، والقصيدة أداة تفكير. وحكايات من الموروث الشعبي الشفهي المعبر عن الارتباط بقيم الفخر والاعتزاز بالهوية .

ثقافة المجالس أنجبت مثقفين وحكماء ، وكان لها الفضل في بقاء صنعاء مرجعية ثقافية حتى اليوم.

الحرف: تراث حي في أزقة الزمن

تنتشر الحرف التقليدية في كل زاوية من المدينة: صناعة الجنابي (الخناجر اليمنية)، تطريز الثياب، الفخار، وصياغة القمريات. ورش صغيرة متوارثة من الأجداد، لا تزال تقاوم الحداثة الجارفة. لكل حرفة شيخ، ولكل سوق طابع. هذه المهن لا تقدم منتجات فقط، بل تحافظ على هوية حيّة ومتجددة.

المعالم الأثرية: حيث تسكن الأسطورة

الجامع الكبير: أقدم من الأزهر، وأكبر من بعض الكاتدرائيات الأوروبية.

قصر غمدان: معلم أسطوري كان يعلو فوق المدينة، وكان يُقال إن له سقفًا من زجاج، ومنه أُلقي الشعراء إلى حتفهم!

باب اليمن: ليس مجرد بوابة، بل رمز سياسي وثقافي وتجاري، من خلاله دخل التجار والفقهاء والثوار.

المتاحف: الذاكرة المُجسّدة

لا تزال المتاحف مثل “بيت الثقافة”، و”المتحف الوطني”، و”متحف الموروث الشعبي” تعمل على عرض تاريخ اليمن بصريًا وروحيًا. من النقوش المسندية إلى الملبوسات الشعبية، يُحفظ التاريخ في زجاج العرض، كما يُحفظ في القلوب.

الأسواق: عصب الحياة الصنعانية

من “سوق الملح” إلى “سوق الجنابي”، تُمثّل الأسواق قلب المدينة النابض. ليست فقط أماكن تجارة، بل مراكز لقاء اجتماعي وثقافي. البائع يحفظ اسم الزبون وأحواله، والزبون يعرف نسب البائع. إنها شبكات اجتماعية أكثر منها تجارية.

العادات والتقاليد: طقوس لها جذور

الزواج في صنعاء مهرجان يبدأ من السوق وينتهي في سطح المنزل.

الأعياد تُحيى بالزينة والولائم وتبادل الحلوى المحلية.

جلسات القات طقس يومي يُمارس بأدب وحدود.

المناسبات تُدار ضمن تقاليد قبلية ودينية لا تزال صامدة رغم تغير الزمن.

أشهر المناسبات والمواسم

– عيد الفطر والأضحى تتحول المدينة إلى لوحة زاهية، وتُقام الولائم، وتُجهّز المساجد والمنازل بزينة تراثية.

– المولد النبوي، من أهم المناسبات في صنعاء، تُضاء الشوارع وتُلقى المدائح وتوزع المأكولات.

– المهرجانات الثقافية، مثل مهرجان القمريات، ومعارض الحرف اليدوية، والأسابيع الثقافية التي تنظمها مؤسسات المجتمع المحلي للحفاظ على التراث.

صنعاء والمشروع القرآني: هوية في مواجهة التغريب

بفعل التحولات السياسية، أصبحت صنعاء مركزًا للمشروع القرآني الذي يدعو للعودة إلى مفاهيم العدل، السيادة، والكرامة. وهذا المشروع لا يُروّج فقط بالشعارات، بل بالمساجد، والمؤسسات التعليمية، والمجالس الثقافية التي تعيد صياغة الوعي الجمعي.

مناصرة القضايا الكبرى: صوت صنعاء يصل إلى القدس

في كل وقفة تضامن مع فلسطين، كانت صنعاء حاضرة. في المسيرات، والخطب، واللافتات، وحتى في جدران المدينة القديمة، حيث كُتبت شعارات المقاومة، نُسِج موقف صنعاء من قضايا الأمة، لا بالتحالفات السياسية بل من عمق الانتماء الإسلامي والعروبي.

الحياة اليوم: تحديات البقاء وسط عبق الماضي

رغم التحديات الكبيرة، يواصل أبناء صنعاء القديمة الحفاظ على نمط حياة جماعي تقليدي. البيوت لا تزال مأهولة، والحرف متوارثة، والمناسبات تُقام بروح الأصالة. الأسواق نابضة بالحياة، والمقاهي والمجالس لا تزال شاهدة على التقاليد الاجتماعية والثقافية المتجذرة ، هم صامدون، ولا يرحلون عنها لأن الرحيل يعني التخلي عن الذاكرة.

بين الماضي والحاضر: صنعاء لا تموت

في قلب كل يمني، شيء من صنعاء القديمة. فهي ليست مجرد مدينة، بل تراث إنساني عظيم، شاهدة على تطور الإنسان من العمارة إلى الأدب، ومن الحرف إلى الطقوس، ومن الأسواق إلى المتاحف. هي روح اليمن ومهد هويته. الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة لكل من يقدّر قيمة التاريخ والحضارة.

مقالات مشابهة

  • قيمة المكافأة التي حصل عليها الترجي التونسي من مشاركته في مونديال الأندية
  • محرم فؤاد.. صوت النيل الذي غنى للحب والوطن وتزوج ملكة جمال الكون
  • حضارة مصر القديمة.. كيف ألهمت السينما العالمية والمصرية؟
  • السيطرة على حريق سيارة نقل محملة بالسولار بمصر القديمة
  • الزعاق للطلاب: استمتعوا بالأشياء التي تمتلكونها ولو كانت بسيطة..فيديو
  • برج الحوت.. حظك اليوم الأربعاء 25 يونيو 2025: تسوية الخلافات القديمة
  • رسميًا.. أحمد سامي مديرًا فنيًا لـ الاتحاد السكندري
  • اللواء محمد عبد المنعم: الضربات الإيرانية تركت أثرا واضحا في العمق الإسرائيلي
  • إيران في وجه العدوان
  • صنعاء القديمة.. ذاكرة الحجر والهوية في وجه الزمن والتحدي