في كتاب "الحاجة إلى المال" أقتبس عبارة لمؤلفه، نيال فيرجسون، حين قال: "الدولار الأمريكي ولد من رحم الحاجة إلى عملة موحدة تعبر عن استقلال الولايات المتحدة الاقتصادي"؛ كمقدمة لهذا المقال الذي ليس الغرض منها التطويف على تاريخ الدولار بقدر ما هو جرس إنذار لما سيأخذنا إليه مع دونالد ترامب ومستشاره إيلون ماسك.



مع ولادة الدولة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية، كان لزاما على السلطات الجديدة أن تصك لنفسها عملة تعبر عن حقبة ما بعد الاتحاد، وتبرز هوية الدولة الوليدة، فأُقر قانون العملة في 1792 والذي بمقتضاه أنشئ الدولار الأمريكي كعملة، وأصبح العملة الرسمية للولايات المتحدة، معتمدا في تقييمه على الذهب والفضة، بمعدلات محددة، قبل أن يُعتمد في 1879، أي بعد ما يقارب مئة السنة قاعدة الذهب لتقييم الدولار، وهو ما يعني أن كل دولار يمكن تحويله إلى كمية محددة من الذهب، ومن ثم تعزيز ثقة العالم في الدولار وبالنتيجة بث الثقة بعملة الدولة التي بدأت تخط ملامح الإمبراطورية المنشودة للقائمين عليها في السر، والذين يخططون ويخدمون من خلف الستار.

كانت خطوة تعيير الدولار بالذهب ناجحة إلى حد عزز ثقة العالم بالدولار كعملة مستقرة، وساعدت قاعدة الذهب في تقليل التضخم، وجعل الدولار جذابا للتجارة الدولية، التي نشطت فيها أمريكا بفضل توسعها في بناء السفن كجسر للوصول إلى العالم، على الرغم من ذلك فإن الجنيه الإسترليني كان لا يزال مهيمنا على التجارة العالمية، وذلك بطبيعة الحال بحكم هيمنة بريطانيا على العالم وسيطرتها على شبه الكاملة على خطوط الملاحة البحرية في البحار والمحيطات، لكن ومع ضعف اقتصاد الإمبراطورية البريطانية وبداية أفول شمسها بعد الحرب العالمية الأولى التي أجهدت ذلك الاقتصاد المهيمن، استفاد الدولار من حالة الإسترليني وقدم نفسه على أنه البديل الآمن والمستقر، مما فتح الباب أمام الدولار ليتصدر المشهد.

فصل مهم في حياة الدولار كتبته اتفاقية بريتون وودز في عام 1944، حيث اتفقت الدول المشاركة على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي، الذي كان بدوره مرتبطا بالذهب، ما يعني أن الاتفاقية كتبت شهادة ميلاد حقيقية لسيطرة الدولار على التجارة الدولية وخلق نظام مالي جديد يرعاه صندوق النقد الدولية والبنك الدولي اللذين أُنشئا لهذا الغرض، مع ذلك وعلى الرغم من الاستفادة الكبيرة التي حازها الدولار من بريتون وودز، فإن الرئيس نيكسون كان له رأي آخر، وأراد أن يكتب ميلادا جديدا للدولار، لينهي عصر قاعدة الذهب التي عليها بنى الدولار ثقته الدولية لدة المتعاملين، ليثبت بالقوة قاعدة جديدة، بنى بها ثقة العالم في الدولار على موثوقية الحكومة الأمريكية التي تصدره، وعلى الرغم من هشاشة المبادئ، فإن الدولار ظل قويا، لا بقدراته المالية، ولكن بقدرات مصدريه العسكرية والسياسية.

ومع دخول العالم العصر الذهبي للنفط، والاعتماد الكلي على مشتقاته لبناء الحضارة الصناعية، طور نيكسون فكرته، ليضفي مزيدا من الهيمنة على عملته بعقد اتفاق مع الدولة الأكبر في إنتاج النفط، ووقع ملك السعودية فيصل، وبالتالي دول منظمة "أوبك" اتفاقية مع نيكسون على بيع النفط بالدولار ولا شيء غيره، وهو ما عرف حتى يومنا هذا بالبترودولار، وهو ما ضمن الطلب المستمر على العملة الأمريكية، بل وجعله يشكل في يومنا هذا عملة احتياطية عالمية، وبحسب مجلة إيكونوميست، فهو يشكل 60 في المئة من الاحتياطيات النقدية العالمية، ويستخدم في أكثر من 80 في المئة من المعاملات التجارية الدولية، حتى مع محاولات بعض البلاد والتجمعات الاقتصادية الانعتاق من هيمنة الدولار من خلال اتفاقيات للتبادل التجاري بالعملة المحلية، مثل روسيا والصين، والهند، التي أبرمت اتفاقيات مع عدة دول للتبادل التجاري بالروبية الهندية، وكذا الحال بين إيران وروسيا وتركيا، والصين التي تعمل على تعزيز استخدام اليوان في التجارة الدولية، وناجحة إلى حد بعيد في جنوب شرق آسيا، وكذلك تجمع بريكس (الذي يضم البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا).

محاولات الانعتاق من هيمنة الدولار تزامن معها ظهور العملات الرقيمة، التي بدأت على استحياء وصاحبتها مخاوف، لا سيما وهي غير مدعومة من حكومات، ولا تصدر من بنك مركزي، مع ذلك شكلت تحديا كبيرا ومنافسا بدا خجولا في البداية، لكنه مع الوقت استأسد، ما جعل بعض الدول تخطط، وبعضها نفذت خططها بإصدار عملات رقمية مشفرة، قد تواجه هيمنة الدولار تحديات جديدة. وفي مقال "أين يقف العرب في حرب الدولار واليوان؟" كتبنا عن دور الصين في عملية التحول الكبير في النظام المالي العالمي بمحاولاتها تقديم اليوان كعملة بديلة للدولار، وعن خطتها للخلاص منه واستهداف وصول اليوان لأن يكون واحدة من العملات التي يُعتمد عليها في التجارة الدولية وصولا لتسيده عالم التبادل التجاري، وفي السياق أطلقت اليوان الصيني الذي به تتم أغلب المعاملات التجارية الشعبية في جنوب شرق آسيا، وهو ما جعل ترامب في ولايته الأولى يصدر قرارا تنفيذيا لوقف زحفه باتجاه بلاده وأوروبا.

خلال رئاسته الأولى انتقد ترامب العملات المشفرة مثل البيتكوين، ووصفها بأنها "غير مستقرة" و"مبنية على الهواء". كما أعرب عن قلقه من استخدامها في الأنشطة غير القانونية، لكنه وبعد مغادرته البيت الأبيض، وتحديدا في 2021 أشار إلى أنه قد يدعم العملات المشفرة، وبعد توليه الرئاسة في كانون الثاني/ يناير الماضي وضع صورا لعملة مشفرة تحمل اسم "ميم كوين" ومعها صورته، في تحول جدي لموقفه السابق من العملات المشفرة، وهو ما سبقه أمر تنفيذي مع الساعات الأولى لدخوله البيت الأبيض بدعم العملة المشفرة. ويعزو المراقبون الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، والذي يحظر إنشاء العملات الرقمية للبنوك المركزية، إلى مخاوفه بشأن قدرة تلك العملات على تهديد استقرار النظام المالي وسيادة أمريكا العالمية.

اعتبارا من أيار/ مايو 2024، كانت حوالي 140 دولة تعمل على مشاريع تجريبية للعملة الرقمية للبنك المركزي، وكان اليوان الرقمي الصيني أحد أكثر العملات تقدما، حسبما أفاد موقع كوينتيليغراف، لذا فإن ترامب بالأمر التنفيذي الذي أصدره بشأن العملات المشفرة يستهدف من ناحية وقف الزحف الدولي باتجاه عملة يمكن أن تسحب البساط من تحت الدولار، والأهم هو استكمال معركته التي بدأها في ولايته الأولى ضد اليوان الرقمي الصيني، الذي يزحف بقوة باتجاه سيادة الريادة العالمية في هذا المجال، لكن ومع ارتفاع الدين العام الأمريكي لأكثر من 30 تريليون دولار، واستمرار ارتفاع معدلات التضخم، يبقى السؤال حول هيمنة الدولار، وحول إن كان الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب بشأن العملات المشفرة في العالم هي محاولة من راعي البقر فرض عهد جديد على العالم ينفذ فيه هيمنة بالقوة الغاشمة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الدولار ترامب العملات امريكا دولار عملات ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة أفكار صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العملات المشفرة هیمنة الدولار وهو ما

إقرأ أيضاً:

أعلي سعر دولار اليوم 29-6-2025

أظهر سعر أغلي دولار مقابل الجنيه في البنوك المصرية، استقرارا وذلك بأول تعاملات اليوم الأحد الموافق 29-6-2025.

أعلي سعر دولار اليوم

وبلغ أعلي  سعر الدولار مقابل الجنيه نحو 50.02 جنيها للشراء و 50.12 جنيها للبيع.

سعر الدولار مساء اليوم 28-6-2025سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم السبت 28-6-2025سعر الدولار الأمريكي اليوم السبت 28-6-2025آخر تحديث لسعر الدولار اليوم

وتضمن أعلي سعر دولار أمام الجنيه في عدد من بنوك القطاع الخاص " مصرف أبوظبي الإسلامي، تنمية الصادرات، التنمية الصناعية".

سعر الدولار في البنوك

شهد سعر الدولار مقابل الجنيه مع بداية العمل في البنوك المصرية البالغ قوامها 36 بنكا حكوميا وخاصا، استقرارا في مستهل تداولات اليوم. 

آخر تحديث لسعر الدولار

بلغ آخر تحديث لسعر الدولار مقابل الجنيه نحو 49.85 جنيها للشراء و 49.95 جنيها في المتوسط.

سعر الدولار اليوم 

وكان سعر الدولار مقابل الجنيه قد انخفض يوم الأربعاء الماضي مقدار 15 قرشا علي مستوي البنوك.

استقرار  الدولار

يستمر ثبات سعر الدولار مقابل الجنيه داخل السوق الرسمية لليوم الثالث على التوالي؛ مع ختام تعاملات اليوم السبت الموافق 28-6-2025.

سعر الدولار في البنك المركزي

وصل سعر الدولار أمام الجنيه نحو 49.85 جنيها للشراء و 49.95 جنيها للبيع وفقا لآخر تحديثات البنك المركزي المصري

اجازة البنوك 

وفقا لجدول اسعار الدولار أمام الجنيه المعلن على مستوي البنوك والذي اظهر ثباتا لسعر العملة الخضراء منذ آخر تحرك لسعر الصرف الأجنبي مقابل الجنيه منذ الأربعاء الماضي.

كان البنك المركزي المصري قد عطل العمل في البنوك المصري مع نهاية التداولات يوم الاربعاء الماضي بمناسبة بدء السنة الهجرية.

أقل سعر

وبلغ أقل دولار مقابل الجنيه نحو 49.8 جنيه للبيع و 49.9 جنيه للشراء في بنك التعمير والاسكان.

سجل سعر الدولار مقابل الجنيه نحو 49.82 جنيه للشراء و 49.92 جنيها للبيع في قطر الوطني الأهلي QNB.

سعر الدولار في معظم البنوك

بلغ سعر الدولار مقابل الجنيه نحو 49.85 جنيه للشراء و 49.95 جنيها للبيع في بنوك " أبوظبي الأول، العربي الافريقي الدولي، العقاري المصري العربي، HSBC،القاهرة،قناة السويس، المصرف المتحد، الكويت الوطني، ميد بنك، فيصل الاسلامي، الاسكندرية، مصر، الأهلي المصري، البركة، الأهلي الكويتي، أبوظبي التجاري،كريدي أجريكول".

وصل  سعر الدولار مقابل الجنيه نحو 49.86 جنيها للشراء و 49.96 جنيها للبيع في بنكي نكست و المصرف العربي الدولي.

وسجل سعر الدولار مقابل الجنيه نحو 49.89 جنيها للشراء و 49.99 جنيها للبيع في بنك بيت التمويل الكويتي

تحويلات المصريين في الخارج

اعلن البنك المركزي المصري أن تحويلات المصـريين العاملين بالخارج خلال عشـرة شهور (الفترة يوليو/إبريل من السنة المالية 2024/2025) حققت قفزة تاريخية غير مسبوقة 

ارتفعت بمعدل 77.1% لتصل إلى نحو 29.4 مليار دولار (مقابل نحو 16.6 مليار دولار خلال ذات الفترة من العام المالي السابق).

كما شهدت الفترة يناير/إبريل 2024/2025 ارتفاعاً بمعدل 72.3% على أساس سنوي لتصل إلى نحو 12.4 مليار دولار (مقابل نحو 7.2 مليار دولار). وعلى المستوي الشهري.

 ارتفعت تحويلات شهر إبريل 2025 بمعدل 39.0% على أساس سنوي لتصل إلى نحو 3.0 مليار دولار (مقابل نحو 2.2 مليار دولار).

طباعة شارك البنوك المصرية مال واعما مال واعمال اخبار مصر سعر الدولار اليوم أعلي سعر دولار اليوم اقل سعر دولار اليوم

مقالات مشابهة

  • أسعار العملات المشفرة مقابل الدولار
  • سعر الدولار اليوم 29-6-2025
  • أعلي سعر دولار اليوم 29-6-2025
  • مسار النظام العالمي في خطاب ترامب: قيادة أم هيمنة؟
  • سعر الريال مقابل الدولار والعملات الأجنبية اليوم السبت 3 -1-1447
  • مصر تسدد قرض الضبعة بالروبل الروسي.. خطوة اقتصادية جديدة تعكس تحولا في الشراكات الدولية
  • سعر الدولار مساء اليوم 27-6-2025
  • الروقي : الهلال النادي العربي والآسيوي والأفريقي الذي يتأهل لدور الـ 16 من المونديال
  • أسعار العملات الأجنبية اليوم الخميس 26-6-2025
  • سعر الريال مقابل الدولار والعملات الأجنبية اليوم الخميس 1-1-1447