أستاذ علاقات دولية: إسرائيل تسعى لتحقيق حلم الاستيطان وضم الضفة الغربية (حوار)
تاريخ النشر: 7th, February 2025 GMT
قال الدكتور رامى عاشور، أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن التطورات الأخيرة التى شهدتها القضية الفلسطينية خلال الآونة الماضية أمر مدروس ومخطط له وليس وليد المصادفة أو اللحظة، لافتاً إلى أن مخططات تهجير الفلسطينيين والتوسع على حساب الأرض العربية معلنة منذ المؤتمر الأول للحركة الصهيونية.
كيف تقرأ تفاصيل المشروع «الأمريكى - الإسرائيلى» بشأن مستقبل غزة؟ وما الأهداف الحقيقية وراء هذا الطرح؟
أحداث 7 أكتوبر ليست وليدة المصادفة.. ومصر وظفت ثقلها السياسي والدبلوماسي لنصرة الشعب الفلسطيني- الفريق الذى جاء به ترامب فى الإدارة الأمريكية هو فريق الأحلام بالنسبة لليمين المتطرف الإسرائيلى، والفريق داعم لضم الضفة الغربية إلى إسرائيل بمسمياتها فى الإسرائيليات فى يهودا والسامرة، والمشروع لا يقتصر على ضم الضفة الغربية، بل يعنى فرض السيادة الإسرائيلية على كل الأراضى المتبقية من فلسطين بعد ما حدث فى 7 أكتوبر عام 2023، والأهداف الحقيقية وراء هذا الطرح هى أن تقوم إسرائيل بممارسات استيطانية فى الضفة الغربية، وبالتالى ترحيل الفلسطينيين من الضفة إلى الأردن، وإحداث انتفاضة فلسطينية ضد إسرائيل لتعلن بذلك أن هذا تهديد لها وبالتالى حجة تُمكنها من تطبيق مبدأ الدفاع الشرعى عن النفس لدى الإسرائيليين، وبالتالى التنصل من التزامات الهدنة مع حماس.
برأيك، لماذا تسعى الولايات المتحدة وإسرائيل إلى فرض هذا المخطط فى هذا التوقيت تحديداً؟
- هذا التوقيت هو الربع الثالث للتمدد الاستيطانى الإسرائيلى، وهم لديهم قدرات كبيرة فى التخطيط والتنفيذ، ففى عام 1898 عُقد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية، إذ جرى الاتفاق على إعلان دولة إسرائيل بعد 50 سنة، وقد نجحوا فى الالتزام بالتوقيت وإعلان ذلك فى عام 1948، واستمر الحلم بالتمدد، وبعد 25 عاماً وصلنا إلى 1973 وتعرضوا للهزيمة وتم انتزاع أراضى مصر منهم، وفى عام 1998 أراضٍ جديدة محتلة بسبب المجازر التى نفذتها إسرائيل فى المنطقة، وفى الربع الثالث أى بعد 25 عاماً نصل إلى 2023 ونرى ما يحدث الآن، بما يؤكد أن التوقيت ليس محل مصادفة، بل مدروس جيداً، وكذلك وصول «ترامب» إلى الحكم مدروس بشكل دقيق لأنه الأجرأ فى تاريخ أمريكا من حيث الدعم لإسرائيل.
ما مدى خطورة هذا المشروع على الأمن القومى الفلسطينى والعربى؟ وكيف يمكن أن يؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية؟
- الفلسطينيون سيواجهون مصيراً مؤلماً بسبب تزايد حدة الصراع، ورحيل عدد كبير من سكان غزة إلى عدة دول، ومن تبقى ليست لديهم القدرة على السفر أو الخروج وأعضاء حماس وذووهم، وحل الدولتين أصبح مسألة صعبة بسبب تعارضها مع حلم الدولة اليهودية.
هل يمكن اعتبار هذا المشروع خطوة لتوسيع النفوذ الإسرائيلى على حساب الحقوق الفلسطينية؟
د. رامي عاشور: ما تعيشه المنطقة مخططات مدروسة ومعلنة منذ مؤتمر الصهيونية الأول- بالتأكيد المخطط إسرائيلى الصنع، وبعد الانتهاء من ضم الأراضى الفلسطينية سيتفرغون لباقى الدول ومنها لبنان، أما حلم دخولهم إلى مصر فهو المستحيل بعينه بسبب صلابة الشعب المصرى وقوة القوات المسلحة التى أصبحت هى القوة الباقية فى المنطقة.
كيف تقيّم موقف مصر فى مواجهة هذا المشروع؟ وما الدلالات السياسية لرفضه بشكل قاطع؟
- موقف مصر مُشرّف، فقد وقفت منذ بداية الأزمة وأعلنت أهداف إسرائيل الحقيقية ورغبتها فى تهجير الفلسطينيين، كما استخدمت مصر القوى الناعمة للضغط على إسرائيل من خلال المسار السياسى عن طريق لقاءات الرئيس السيسى مع العديد من رؤساء الدول والمنظمات الدولية، واستضافة مصر أمين عام الأمم المتحدة مرتين على أراضيها، ما نجح فى تشكيل موقف أممى مُعادٍ لإسرائيل.
إلى أى مدى يعكس الموقف العربى الموحد رفضاً جاداً لهذا المشروع؟ وهل هناك أدوات سياسية أو دبلوماسية يمكن توظيفها لمواجهته؟
- الموقف العربى يُظهر التمسك بمبدأ حل الدولتين، ولكن على أرض الواقع ليس هناك حركة سوى من مصر، وهناك علاقات بين الخليج والولايات المتحدة، والمانحون منهم لم يتحدثوا عن إعادة الإعمار بشكل أساسى، وما حدث ما هو إلا تسجيل موقف وتأكيد حق الفلسطينيين فى رسم مستقبلهم.
ما الدور الذى يمكن أن تلعبه المنظمات الإقليمية والدولية، مثل الجامعة العربية والأمم المتحدة، فى التصدى لهذا المخطط؟
- المنظمات لا يمكنها أن تقدم أكثر مما قدمته من قرارات إدانة للاحتلال الإسرائيلى ومناصرة للشعب الفلسطينى، واستخدام القوة فى الصراعات الدولية لا يجابه إلا بقوة مناظرة أو أسلوب ردع.
برأيك ما السيناريوهات المتوقعة فى حال استمرار الضغط الأمريكى - الإسرائيلى لتنفيذ هذا المشروع؟
- أتوقع أن تتنصل إسرائيل من الهدنة وتستمر فى القتال، والسيناريو الآخر أن تحدث هدنة فى غزة مقابل ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وإقامة بؤر استيطانية فى جنوب لبنان.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القضية الفلسطينية غزة تصفية القضية الفلسطينية وزارة الخارجية الضفة الغربیة هذا المشروع
إقرأ أيضاً:
الحرب تؤزّم الوضع النفسي للفلسطينيين بالصفة الغربية
الضفة الغربية – منذ تحررها من سجون الاحتلال، تعيش الفلسطينية سوزان العويوي قلقا مستمرا يحرمها طمأنينة العيش بسلام، وتضاعف هذا القلق خلال السنتين الأخيرتين اللتين تشهد فيهما البلاد حرب إبادة إسرائيلية تتركز في قطاع غزة وتشمل تصعيدا مستمرا في الضفة الغربية المحتلة.
خلال العامين الماضيين، لم تغادر سوزان مدينتها الخليل جنوبي الضفة الغربية، المدينة المزدحمة بالحواجز العسكرية الإسرائيلية، واقتصر تحركها اليومي على شارعين أو ثلاثة فقط، في محاولة لتجنّب أي احتكاك مع جنود الاحتلال، وحماية نفسها من خطر إعادة الاعتقال أو التعرض للتنكيل على الحواجز.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كيف أفشلت المقاومة أهداف الاحتلال في غزة على مدار عامين؟list 2 of 2الإبادة التي تُغيّر العالمend of listوفي المرة الوحيدة التي قررت فيها الخروج نحو بيت لحم، رغم أن المسافة قصيرة نسبيا، واجهت ما كانت تخشاه، فقد تم توقيفها على حاجز عسكري لأكثر من ساعتين، وعادت إلى ذكرياتها مع الاعتقال السابق، حتى إنها أعدَّت نفسها لاحتمال الاعتقال، واتصلت بعائلتها لتستلم سيارتها قبل أن يصادرها الاحتلال. لكنها نجت هذه المرة.
مكبّلة
منذ تلك الحادثة، لم تكرر سوزان التجربة، وأصبحت حياتها اليومية أشبه بالعيش في سجن مفتوح يقيّد حركتها ويضاعف شعورها بالخوف والقلق.
تقول سوزان للجزيرة نت "انعكس ذلك على حياتي الاجتماعية، فأصبحت الحركة ضيقة جدا، لا أستطيع زيارة أقاربي أو الأصدقاء كما كنت أفعل سابقا، لأن ذلك يضعني في توتر دائم".
وتضيف أنّه منذ بدء الحرب على غزة، ومع تصاعد الاعتقالات واستهداف الأسرى السابقين والاقتحامات اليومية للمدن والبلدات، لم تعرف طعم النوم ليلا؛ فأصبحت تعيش في ترقب دائم للأخبار والاقتحامات، مما جعل التوتر والخوف جزءا من حياتها اليومية.
وتشرح أن التوتر المستمر أثّر مباشرة على صحتها الجسدية، إذ أصيبت بأمراض عديدة نتيجة الضغوط النفسية، مثل القلق الدائم والذئبة الحمراء (مرض مناعي يتأثر بالحالة النفسية) ومشاكل في القولون، مؤكدة أنها تبذل جهدا كبيرا للسيطرة على هذه الأعراض حتى لا تتطور أو تتضاعف.
لا تختلف ظروف مريم شواهنة، من طولكرم شمالي الضفة الغربية، زوجة الأسير في سجون الاحتلال حمزة الصافي، عن حال سوزان كثيرا، فمنذ اعتقال زوجها في الأيام الأولى من الحرب، تعيش مريم حالة دائمة من الخوف والقلق، حيث اقتحم جنود الاحتلال منزلها بطريقة عنيفة، و"انتزعوا منه الدفء والأمان والعامود الذي كان يستند عليه هذا البيت الصغير"، كما تقول.
إعلانوتروي مريم معاناتها وهي تذرف دموعها "عندما يقتحم غريب بيتك ويسلب منه أمانه واستقراره، هذا شعور لا يُسترد طالما الأسير خلف القضبان، ويبقى عالقا في قلب العائلة وأطفالها".
منذ اعتقال زوجها، تعيش مريم تحت وطأة تهديدات متكررة وضغوط نفسية متواصلة من قبل قوات الاحتلال، وتواجه الحياة بمفردها مع طفلين، أكبرهما لا تتجاوز الخامسة من عمرها.
وتقول للجزيرة نت "آخر تهديد كان قبل شهر تقريبا خلال اقتحام المنزل وإخضاعنا لتحقيق ميداني من ضابط المنطقة. أشعر أن التهديدات هدم لإرادة الإنسان، وكأنهم لم يكتفوا باعتقال الأسير وتفكيك العائلة، بل يريدون حرماننا من محاولة استعادة حياتنا الطبيعية".
هذه الملاحقة المستمرة تجعل مريم وعائلتها في حالة قلق وترقب دائم، مما يؤثر على إحساسها بالأمان وقدرتها على ممارسة حياتها اليومية، ويجعلها تحاول جاهدة إخفاء قلقها عن طفليها للحفاظ على توازنهما العاطفي.
قوات الاحتلال تنفذ حملة مداهمات واسعة في الضفة الغربية#حرب_غزة pic.twitter.com/hlI23waWD8
— قناة الجزيرة (@AJArabic) October 5, 2025
وضع مأزومتقول الطبيبة النفسية سماح جبر إن الوضع النفسي في الضفة الغربية المحتلة أصبح حالة مأزومة ومستمرة، فنسبة كبيرة يعانون من التوتر المزمن، ويواجه المواطنون ضغطا يوميا يشمل انتشار الحواجز العسكرية ومحدودية الحركة، ونزوحا في مخيمات شمال الضفة، والقلق من الاقتحامات، والخوف الدائم من الاعتقال أو القتل.
وتضيف سماح، التي شغلت رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية سابقا، أن هذا الواقع خلق حالة من الإرهاق النفسي الجماعي حتى لدى من حاولوا التكيف مع الصدمات السابقة، إذ تراجعت قدراتهم على التحمل وظهرت لديهم أعراض مثل التعب العاطفي وصعوبات النوم والتركيز.
وتشير إلى أن تقارير منظمة الصحة العالمية والمنظمات الإنسانية تؤكد ارتفاعا كبيرا في الاحتياجات النفسية وخدمات الدعم بعد الحرب.
وتشير الطبيبة سماح إلى الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع الفلسطيني وهي الأطفال والنساء والمسنون، كونهم الأكثر تعرضا للعنف المباشر والضغوط المستمرة، مما يجعلهم أكثر عرضة لخطر الاكتئاب والقلق، وتؤدي إلى عزلة واضطرابات جسدية ونفسية متفاقمة.
وتشدد على أن المعاناة لم تقتصر على هذه الفئات، إذ سجلت العيادات النفسية تزايدا في أعراض القلق والاكتئاب واضطرابات النوم حتى بين طلاب الجامعات والعاملين الصحيين.
وبشأن الإحصاءات -توضح سماح جبر- أن المعطيات الرسمية المباشرة بخصوص الضفة الغربية فقط خلال سنتين بعد أكتوبر/تشرين الأول 2023 محدودة، وبسبب غياب مسح وطني شامل فمن الصعب تحديد نسب دقيقة للمعاناة النفسية بالضفة، رغم أن تقارير منظمة الصحة العالمية وأبحاثا محلية تشير لارتفاع واضح في معدلات الاضطرابات النفسية في مختلف المناطق، حتى وإن لم تُنشر بعد أرقام وطنية موحدة.
وتختم بالتأكيد أنّ الوضع النفسي في الضفة مأزوم ومتزايد مع أسى وقلق واكتئاب واضحين، داعية إلى توسيع خدمات الصحة النفسية الجماعية، وتدريب المزيد من العاملين، وتفعيل برامج مخصّصة للأطفال والأمهات والشباب.
إعلان دعم نفسيمن جهته، يؤكد تقرير عن آخر مستجدات الحالة الإنسانية، أعدته منظمة "أطباء بلا حدود" في الضفة الغربية المحتلة ونشرته خلال سبتمبر/أيلول الماضي، أن "الانهيار الاقتصادي يتجلى بشكل متزايد في صورة ضائقة نفسية"، مشيرا إلى أن نحو واحد من كل 4 مرضى راجع عيادات الصحة النفسية (22%) في جنين وطولكرم، أفادوا بأن "فقدان الدخل كان السبب الرئيسي لمراجعتهم مكاتب الاستشارات النفسية الأولية".
وحسب الموقع الإلكتروني للمنظمة، فإن فريقها للصحة النفسية والمرضى يتأثرون بالقيود المشددة على الحركة، مشيرة إلى تقديم 174 جلسة دعم نفسي عن بُعد خلال يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بمتوسط 37 جلسة شهرية خلال الأشهر السابقة من العام نفسه، أي بزيادة قدرها 370%.
ووفقا لنتائج استطلاع للمنظمة شمل 95 مريضا اختيروا عشوائيا من بين المستفيدين من خدمات الصحة النفسية بمحافظة الخليل في مايو/أيار الماضي، أفاد 31% بأنهم أوقفوا عند حواجز عسكرية، مما أثر بشكل مباشر على وقت الوصول إلى غرفة الاستشارات التابعة لها.
وبينما بلغ متوسط وقت الوصول لدى المرضى الذين تم توقيفهم 60 دقيقة، أفاد 15% من المشاركين بتعرضهم للعنف على يد الجنود أو المستوطنين في أثناء تنقلهم. وتشير معطيات المنظمة لعام 2024 إلى تقديمها 36 ألفا و700 استشارة صحة نفسية فردية.