حتى لا يكون النصر مأسسةً لحربٍ جديدة
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
*حتى لا يكون النصر مأسسةً لحربٍ جديدة*
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
• دعم الشعب السوداني لمؤسسة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى غير مشروط ، لأنها الأقدم تأسيساً ، والأشمل تكويناً ، والأخلص لشعبها منذ تأسيسها وعلى امتداد أنظمة الحُكم الوطنية وحتى اليوم ، ولكن دعم الشعب لقيادة هذه المؤسسات لطالما كان محدوداً بأمَدٍ ومشروطاً بأداء ، وهذه المحدودية المشروطة هي ما حملت الجيش والقوات النظامية الأخرى على الاصطفاف إلى جانب الشعب ضد قيادة الجيش في ١٩٦٤م و ١٩٨٥م و ٢٠١٩م ، ولطالما كان جيشُنا يخوض الحرب تلو الحرب منذ الاستقلال وحتى اليوم ، ولم يتغير شئ من معادلة العلاقة بين الشعب والجيش وقواته النظامية ، فدعم الشعب لقيادة الجيش محدودٌ ومشروطٌ بما عاهدت عليه القيادة جيشها وشعبها من النصر المُطلق والعدالة المطلقة وعدم المساومة ، وهذه الشرطية قائمةٌ مهما تعالت أصوات الجنجوريين هنا وهناك ، ولهذه القيادة حق الدَّعم والمُناصرة والطاعة ما أوفت بواجبها والتزاماتها ، ولها على الناس كذلك حقُّ النُّصحِ والنَّقد متى ما تطلَّب الأمر ذلك ، كما أنَّ من حقِّها الانصراف مشكورةً متى ما استشعرت ثِقَلَ الواجبِ وطول الأمدِ فوق طاقتها.
• إن حقوق المواطنة لا تحتاج مِنحةً من أحد ، وسيادة القانون فوق كلِّ أحد ، وما هبَّ الشعب باذِلاً أرواحه ومُستنفِداً وُسعَه إلا دِفاعاً عن الحَقِّ والكرامة ، فالحقوق إذا لم تكُن سجيَّةً ألجأت الناس لانتزاعها ، وقوة الحقِّ إن لم تستعلي بالقانون استوجب رفعها بحقِّ القوة ، وليس التلاعُب بالحقوق الفِطرية والقانون مما يُسْتَجلبُ به النَّصر أو تستقِر به الأوطان ، فإن الأخذ على يدِ الظالم وأطْرُه بالقانون على الحق أطْرَاً هو الحِصنُ من ضرب قلوب الصَّف الوطني بعضها ببعض.
• إن باب التوبة الوطنية عن العمالة والتمرُّد والظُّلمِ ، والأوبة إلى الحقِّ والعدلِ مفتوح ، ولكنَّ التوبة لابُد أن تعبُر من خلال مُستوجباتها الوطنية التي تقتضي:-
١. الإعتراف عَلَناً (كما تمَرَّدوا عَلَناً) بالجُرمِ والعمالة والخطإ والنَّدمِ على ذلك .. لا بتبريره.
٢. الارتداد الفوري عن العمالة والتمرُّد إلى صفوف الوطن والطَّاعة .. لا بالمساومة عليها.
٣. الإنصاف من الذات بِردِّ المظالم بالقانون .. لا برغبة صاحب السلطة.
٤. استعادة حقوق المواطنة كامِلةً بعد ذلك وبالتساوي مع غيرِهم بالقانون .. لا بصفقةٍ بين ذوي الوُدِّ أو المصالح المُشتَركة.
• من الصَّعب أن يخسر السودان والسودانيون أكثر مما خسروه ، ومن الحماقة محاولة الصِّراع مع من لم يعُد لديه كثيراً مما يخشى خسارته ، وإنَّ من الخيانة التي لا تُغتَفر .. جعل كلِّ تلك الدِّماء والأعراض والأموال ومئات الآلاف من الأرامل وملايين الأيتام تضيع تضحياتهم هَدَراً من أجل استقرار عرش السُّلطة لشخصٍ أو فِئة ، واليوم قِيادة البلاد وقواتها النظامية وشعبها في أمانتهم هذه بالخيار .. ما بين أن يكون عشرات الملايين من الضحايا أعلاه والأجيال القادمة التي سيترتبُ عليها مآلات هذه الحرب شُفعاء لهم أو خُصوماً لهم ، وقد علَّمتنا التجارب بأن بعض النَّاسِ لا يُبالون أن يبيعوا بلادهم وشعبهم وخاصة أهلهم وآخرتهُم بِحفنةٍ إموالٍ يقتَرِفونها أو سُلْطةٍ يرضونها ، وبعضهم يستميتون في أن يبيعوا لمَرضٍ في قلوبهم فإنهم يبيعون ذلك كله بمصلحةٍ قد يُصيبها غيرِهم ، وأولئكم هم أدنى العدو ، ومن لم يتفكَّر في العواقب فما الدهر له بصاحب ، ومن البَليَّات توضيح الواضحات. إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
الطريق الثالث اعتذار أم مغادرة الملعب
أعلنت تحالف " صمود" أنهم بصدد تطوير رؤى لوقف الحرب، عن إبتدار طريق ثالث لكي يضع حدا لمعاناة الشعب السوداني و ينهي الحروب .. أن استلاف المصطلحات دون أن تكون هناك أفكارا جديدة فرضتها الأحداث لكي تحدث تغييرافي الواقع غير مفيدة.. إذا كانت هناك أفكار جديدة هل التحالف قادر أن يسوقها بهدف أن يتبناها الشعب؟ أم فقط التحالف يريد أن يغير الأجندة التي يعتقد أنها أصبحت غير ملاءمة للمرحلة الجديدة..
بدأ مصطلح الطريق الثالث يظهر في السياسية الدولية بعد حرب الخليج الأولي و أيضا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي في فترة الرئيس الأمريكي رقم 42 من الحزب الديمقراطي بيل كلينتون، و في بريطانيا أنتوني بلير من حزب العمال و هؤلاء بشروا بالطريق الثالث لإنهاء الحروب و النزاعات في العالم، و محاولة بناء طريق يخفف من غلو الليبرالية الجديدة التي ظهرت مع مارقريت تاتشر و ريغان.. و إيضا برز الطريق الثالث كمفهوم جديد عند الاشتراكيين للتخلص من النصوص الجامدة و التصالح مع الديمقراطية.. فالطريق الثالث ليس أختيار عشوائي للمصطلحات، و لكنه ذو حمولات فكرية جديدة تنقد سياسات المتشددين..
بعد خروج حزب الأمة من تحالفات المعارضة، خاطب الصادق المهدي ندوة كان قد أقامها حزبه في ميدان الخليفة.. بشر عضوية حزبه بالطريق الثالث، و هو طريق يختلف عن طريق النظام الحاكم " الإنقاذ" الذي بدأ يقود حوارات بهدف تمكين جديد، و المعارضة التي لم تحدد مشروعها السياسي.. لذلك بشر الصادق المهدي بالطريق الثالث.. حيث قال هو يعتمد على تعبئة الجماهير للقيام بتغيير ناعم يعتمد على رفع مذكرات ممهورة بالتوقيعات، إلي جانب الاعتصام في الميادين و الحوار.. أن الصادق أراد أن يقول أنه يمثل الضلع الثالث في المثلث " السلطة الحاكمة – تحالفات المعارضة – الصادق المهدي" فشل طريق الصادق الثالث لآن الصادق لم يقدم أفكارا جديدة تدعم هذا المصطلح..
أيضا بعد إندلاع الحرب في 15 إبريل 2023م و الخلافات التي حدثت داخل حزب الأمة بسبب قيام تحالف " تقدم" ثم تطورت الخلافات في حزب الأمة.. كتبت رباح عن فكرتها للطريق الثالث تقول فيها ( للذين يحلمون بديمقراطية على يدي الدعم السريع، أو أنه يمكن الصمت على تجاوزاته مرحليا و من ثم زحزحته بعد الصعود على كتفيه، عليكم أن تراجعوا أنفسكم و كما قال السيد المسيح: كا ما ارتفع بالسيف فبالسيف ينزل) و تضيف قائلة ( على هذا الشعب النبيل أن يحفر طريقا ثالثا فلا المرفعين و لا السعلاة سيعبدان طريقنا للأمام، علينا فقط التفكير في كيفية وقف حربهما اللعينة و لأجل ذلك علينا مخاطبتهما معا بالمصلحة الوطنية، و الضغط الشعبي الدبلوماسي ، بدون عمل تحالفات مع هذا أو ذاك) كتبت ناقدا مقولة رباح في مقال بعنوان "الطريق الثالث فكرة حل أم هروب" نشر يوم 21 يناير 2024 م قلت في ذاك المقال ( أن الأستاذة رباح الصادق لم تقدم أي تفاصيل عن “الطريق الثالث” بل جعلت المهمة يقوم بها الشعب، مع تأكيدها أن هذا الطريق الثالث لا الجيش يستطيع حفره و لا الميليشيا. أن فكرة “الطريق الثالث” تحتاج لعصف ذهني أن يبدأ بنقد الطريقين السابقين، و معرفة الأسباب التي أدت لفشلهما، و بالنقد يتم تفكيك البنية الفكرية و الثقافية للمشروعين، و أيضا نقد الأدوات التي كانت مشاركة في الفشل، و هل لا تصلح أن تشارك مرة أخرى بذات مناهجها القديمة) أن المصطلحات عندما تخرج في الساحة الدولية ليس هي في مقام الشعارات لكي يرددها الناس دون فهم أو وعي بحمولاتها. و لكنها أفكار تهدف إلي نقد أفكار قائمة فشلت في انجاز مطلوبات جديدة، أو أن تستوعب سياسات جديدة تهدف إلي إزالة تعقيدات أو تدعم مصالح للذين جاءوا بالمصطلح..
فالسؤال ما هو الجديد الذي يريد تحالف " صمود" أن يقدمه لكي يتجاوز مواقفه السابقة. و إعلان طريق ثالث هو أعتراف مؤكد قبل الإعلان كان هناك طريقان " طريق الوطن يقف في صفه الجيش و أغلبية الشعب السوداني و الطريق الأخر ذو أجندة خارجية تعتبر الميليشيا أداة تنفيذه و معها جوقة من السياسيين و الإعلاميين و الكتاب و غيرهم) أين كان يقف تحالف " صمود" من قبل أن يفترع له طريقا ثالثا؟ و ما هي الآسباب التي أدت لتغيير الموقف السابق إلي موقف جديد " الطريق الثالث"؟ و ما هي الأجندة الجديدة التي يريد أن يتبناها التحالف و هي غير موجودة في الطريقين اللذين أصبحا غير مقنعين؟ أن أحترام عقول الناس و الشعب تحتم على قيادة التحالف أن تجاوب على الأسئلة اعلاه..
أن الحرب الدائرة الآن في السودان أسبابها سياسية، و كان صراعا على السلطة، و دخلت فيها أجندة أجنبية بثقل، فهي ليست خلافات رؤى يمكن الحوار حولها، أنما خلافات مصالح و أجندة خارجية.. القضية الأخرى لماذا توقيت فكرة الطريق الثالث جاءت بعد انتقال الحرب إلي ولايات كردفان و دارفور؟ و أيضا تعيين رئيس للوزراء و لم تكن قبل ذلك؟ أن تطورات الحرب و زحف الجيوش إلي ولايات كردفان و دارفور لتحريرها من الميليشيا و المرتزقة و الجوقة الداعمة لهم لا تسمح بأن يظهر طريق ثالث ألان.. و سيظل الشارع يعترف أن هناك طريقين فقط " طريق الوطن و طريق الأجندة الخارجية" و جاءت الاتهامات الأمريكية و بفرض عقوبات على السودان يؤكد أن الأجندة الخارجية ماتزال تتحرك و تحرك معها كل الذين يدورون في فلكها.. مادامت أمريكا تتهم الجيش و تفرض عقوبات على السودان بسبب الاتهامات.. تكون أمريكا قد أقرت بشرعية السلطة في السودان.. في الوقت نفسه تحالف " صمود" لا يعترف بذلك يقف ضد الجيش و الذين يقفوا معه..إذا لماذا طريق ثالث؟ و هو طريق لن يقنع أحدا لكي ينتمي إليه مادام الوطن يتعرض لمهددات خارجية..
ربما تكون هي فكرة السيد عمر الدقير الذي مايزال مقتنعا أن هناك كتلة صامته، مايزال يراهن عليها، و يعتقد أن هذه الكتلة الصامته سوف تغير المعادلة السياسية التي خلقت الحرب..أن انتصارات الجيش سوف تزيد الناس حماسا بالوقوف إلي جانبه حتى القضاء على الميليشيا.. و بالتالي محاولة تجديد المصطلحات دون اتباعها بأفكار لن تحدث تغييرا في مواقف الناس.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com