الهوية الإيمانية تحقيق لخير أمة أُخرجت للناس
تاريخ النشر: 18th, February 2025 GMT
الهوية الإيمانية تعني الالتزام بتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وكما أكد على ذلك الشهيد القائد -رحمه الله- :(عين على القرآن وعين على الأحداث)؛ لأن تحقيق خيرية الأمة لا يكون إلا بتلك الأسس لا بغيرها.
الهدف من العودة بالأمة إلى مراتب الخيرية معناه مواجهة الإجرام والفساد والطغيان بكل أشكاله وصوره ونشر قيم الخير والعدالة للناس جميعا، لأن الرسالة المحمدية رحمة للعالمين ((وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)).
الأمة التي تحافظ على هويتها مهما كانت هذه الهوية أو منطلقاتها أو توجهاتها هي التي تستطيع مقارعة الأمم الأُخرى في مضمار البناء الحضاري والتقدم والرقي، ولذلك هي جديرة بالاحترام، أما الأمة التي تستبدل هويتها بهوية زائفة أو لا تتناسب مع قيمها وعاداتها وتقاليدها، يسيطر عليها الآخرون ويسخرونها في خدمة أهدافهم بعد استعبادها وقهرها، وهو ما نشاهده اليوم ماثلاً في سيطرة الأمم وتكالبها على الأمة العربية والإسلامية.
لقد تناست الأنظمة العربية والإسلامية هويتها التي اختارها الله لها ((كنتم خيرامة أخرجت للناس)) وذهبت للبحث عن هويات الأمم الأخرى وبعضها اختارت العودة إلى الهويات الجاهلية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى .
الهويات الشرقية أو الغربية التي يريدها البعض_ بديلاً عن الهوية الإسلامية التي اختارها الله لهذه الأمة هي الأساس في النهوض لو لا فساد الأنظمة وعمالتها التي تريد خدمة أعدائها على حساب الهوية التي فيها عزتها ومجدها ورفعتها وكرامتها.
عندما تستعير الأمم هويات غيرها، فإنها تمكن الاستعمار منها وهو ما يريده المستعمرون الجدد حتى يستفردوا بكل قطر على حدة، كما يفعل المستعمر اليوم الذي دجن الأنظمة ورهن قراراتها وإرادتها، وكانت غزة هي الضحية، فقد تكاتف عليها الإجرام والمجرمون من كل حدب وصوب وخذلتهم معظم الأنظمة العربية والإسلامية باستثناء محور المقاومة؛ بل وصل الأمر بهذه الأنظمة إلى دعم الإجرام والمجرمين من أجل إكمال جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، في سلوك لا يتفق مع الإسلام ولا مع العروبة ولا مع الإنسانية بصلة، مع أن الخذلان بين منزلتين كفر وإيمان وحق وباطل .
من الوثائق السرية التي تحدث عنها المبشر البريطاني -همفر- التي ترمي إلى تحطيم الإسلام والمسلمين خلال قرن واحد تتحدث عن الآتي:
البند(2): التعاون الأكيد مع فرنسا وروسيا في وضع خطة شاملة لتحطيم العالم الإسلامي من الداخل والخارج .
البند (6): زرع الأديان والمذاهب المزيفة في بلاد الإسلام وفق تخطيط دقيق واختيار البلدان المناسبة لكل دين منها؛ المذهب الشيعي يُقسّم إلى أربعة أديان؛ وجعل المذاهب الأربعة السنية أدياناً مستقلة لا ارتباط بينها؛ وإعادة الخلافات الدموية بينها؛ والدس في كتبها أنهم المسلمون وما عداهم كفار يجب قتلهم وإبادتهم.
كانت هذه خطط الإمبراطوريات الاستعمارية قبل دخول أمريكا على مسرح الحياة السياسية، بريطانيا في أوج قوتها وسلطانها ومثل ذلك فرنسا وروسيا وألمانيا وغيرها، وكانوا يطلقون على الخلافة العثمانية الرجل المريض الذي يجب إسقاطه والاستيلاء على الأراضي التي يحكمها ويسيطر عليها باعتبارها غنائم حرب .
الإسلام كان هو الرابط لكل تلك الأمم من إسطنبول شرقا إلى أدغال إفريقيا ومن بخارى إلى المحيط الأطلسي ومن هنا جاءت فكرة تحطيم الإسلام واللغة لتفتيت تلك الروابط حتى يسهل الاستيلاء عليها.
استعملت القوى الاستعمارية أساليب إحياء النعرات القومية والطائفية والإقليمية واللغوية واللونية وغيرها من النعرات الهدامة التي تستطيع من خلالها تفريقهم إلى قوميات وأقاليم ولغات ومع ذلك لازالت هناك صعوبة في تحقيق أهدافها، فمازال الإسلام كدين ورابط لشتات الأمة عائقا أمامها، لأن القرآن الكريم يوجه الأمة إلى الوحدة ((يايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم )) وهي الآيات التي تُليت في البيت الأبيض عقب تنصيب ترامب في ولايته الثانية.
اللغة العربية وُجهت ضدها الحرب بمنعها من الانتشار وتوسيع استخدام اللغات واللهجات المحلية والأجنبية وإحياء اللغات التي اندثرت مثل الامازيغية والآشورية والبابلية والفرعونية وغيرها إلى جانب الفرنسية والإنجليزية وغيرها من اللغات وتم تجنيد الكثير من المثقفين والمفكرين والأدباء والشعراء لتوجيه الاتهامات والعيوب للغة العربية ووصمها بأنها سبب التخلف والانحطاط والتخلف والرجعية، في إسفاف وسخف مدعوم وممول بالثروات والإمكانيات العربية.
أُنشئت المراكز والجامعات التي عهد لها بتخريج ناقمين على العروبة والإسلام وحظيت اللغات واللهجات الأخرى بكل أشكال الدعم والتشجيع وجعلت لغات عالمية ولغة تدريس وتعلّم العلوم في كل الجامعات العربية وحوربت جهود تعريب اللغات في العلوم والإدارة والوظائف، مما جعل مجتمعات وشعوب الوطن العربي والإسلامي لا تفترق عن المجتمعات الغربية وغيرها مع إهمالها للغة القرآن والعلم والإيمان.
لم تكتف الاستراتيجيات الاستعمارية بتوظيف الطوائف واستخدامها لتدمير المجتمعات العربية والإسلامية، تبدأ المسألة بتشجيع الأديان من يهودية ونصرانية وبوذية وغيرها وإعادة عبادة الأصنام واستجلابها وتأسيس ما سميت بالإبراهيمية وإضافة تنمية وتغذية الصراع بين الإسلام والمسلمين وهذه الأديان واستغلالهم والاستعانة بهم في تدمير الإسلام والمسلمين من خلال تجنيدهم تحت عناوين الاضطهاد الديني وبذلك يكونون عونا للأعداء على المسلمين.
ورغم انخراط كثير منهم في المشاريع الإجرامية، إلا أن بعضهم حفظ الود والاحترام للإسلام والمسلمين، حتى أن بعض القساوسة قال: لقد دمروا المسجد ولكني سأجعل الأذان من داخل الكنيسة وهو رد على ما قاله وزير المستعمرات البريطانية (لقد استرجعنا اسبانيا من الكفار-المسلمين-بالخمر والبغاء، فلنحاول أن نسترجع بلادنا بهاتين القوتين العظميين).
هم يعلمون ويدركون خطورة توظيف الخلافات في تدمير الأمم من خلال حروبهم الدينية فيما بينهم؛ وبينهم وبين المسلمين، فيما عُرفت بالحروب الصليبية، لذلك يعملون جاهدين على توظيف الخلافات بين المسلمين سنة وشيعة وسنة فيما بينهم وشيعة أيضا، فإذا دب الخلاف وتعمقت جذوره؛ كل يتعصب لمذهبه وطائفته وإمامه بعيدا عن الحق والعدالة والانصاف، وكما قال الإمام علي -كرم الله وجهه –”اعرف الحق بالرجال ولا تعرف الرجال بالحق؛ واعرف الحق تعرف أهله”.
لقد أثبت التحالف الإجرامي على غزة وفلسطين وغيرها من الحروب الإجرامية على الأمة أن هناك جيوشاً مُعدة ومنظمة تعمل لخدمة إثارة الخلافات المذهبية والدينية في كل شرائح المجتمع تحت مسميات علماء ومحاضرين وسياسيين تمت الاستعانة بهم في الدس وتسويق الخلافات وسخرت لهم كل الإمكانيات وفي مقابل ذلك تمت محاربة كل المنادين بالوحدة والتآلف وغزة كانت المقياس والأساس.
الخطط التي يعدها ويعمل عليها ساسة الإجرام شرقا وغربا ويستهدفون من خلالها الأمتين العربية والإسلامية، لا تخرج عن أساليب المكر والكيد والخداع التي عايشها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم منذ بزوغ الدعوة الإسلامية وحتى انتصارها وسقوط الشرك وعبادة الأوثان وانهيار أعظم امبراطوريتين في ذلك الزمان؛ المنافقون والحاقدون يديرون الحرب من داخل المجتمعات الإسلامية بمختلف مسمياتهم وأديانهم -نصارى ويهود ومنافقين- ويتعاضدون مع القوى الخارجية مهما كانت، حيث أنهم يظهرون في كل محنة ويرجفون وفي كل نصر يصمتون .
في المسيرة القرآنية التي أسسها الشهيد القائد حسين بن بدر الدين الحوثي -رحمه الله- نموذج يؤكد أن الحق لا يُهزم حتى وإن واجه الباطل والإجرام بكل إمكانياته الكبيرة، لأنها مسيرة تعتمد على الله ومن يكن الله معه فلن يُخذل أبداً قال الله تعالى ((ان ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون)) آل عمران-160 .
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
قائد الثورة يهنئ الأمة الإسلامية بمناسبة ميلاد الزهراء - نص البيان
وفي بيان صادر عنه بهذه المناسبة، أكد قائد الثورة أن إحياء ذكرى مولد الزهراء يمثل محطة روحية وتربوية تستعيد فيها الأمة سيرة سيدة نساء العالمين، بما تحمله من قيم الإيمان والسمو الأخلاقي، وما تمثله من قدوة راسخة للمرأة المسلمة عبر العصور.
وأشار إلى أن النصوص النبوية المتواترة لدى مختلف المذاهب الإسلامية تؤكد مكانة الزهراء الرفيعة وعلو شأنها الإيماني.
وأوضح أن استحضار هذا النموذج الإيماني ضرورة ملحّة في ظل ما تواجهه الأمة من حرب ناعمة تستهدف هويتها وقيمها، وتسعى إلى صناعة ثقافات دخيلة تُبعد المرأة والرجل معًا عن نهج الإسلام الأصيل.
وشدد قائد الثورة، على أهمية تعزيز الوعي لدى المرأة المسلمة لحماية انتمائها الإيماني من محاولات التضليل والانحراف.
وفيما يلي نص البيان:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}[الكوثر:1-3]
صدق الله العلي العظيم
بمناسبة ذكرى مولد الصدِّيقة الطاهرة سيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء بنت رسول الله وخاتم أنبيائه محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين، وفي اليوم العالمي للمرأة المسلمة، أتوجَّه بأطيب التهاني والتبريك لأمّتنا الإسلامية، وعلى وجه الخصوص لشقائقنا المسلمات في كلِّ أنحاء العالم.
إنَّ هذه المناسبة المباركة هي احتفاء بقرَّة عين رسول الله صلى الله عليه وآله سيّدة نساء العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة، وسيدة نساء المؤمنين كما في النصوص النبوية المعروفة والمروية للأمّة الإسلامية بمختلف مذاهبها، وبما تدلّ عليه من كمالها الإيماني العظيم، وارتقائها الأخلاقي والإنساني إلى المراتب العليا، وموقعها في القدوة الحسنة والنموذج الملهم لكل النساء المسلمات، وهذا مِنْ أهم ما ينبغي ترسيخه لدى المرأة المسلمة في هذا العصر، الذي تواجه فيه أمتنا الإسلامية جمعاء برجالها ونسائها وكبارها وصغارها أعتى وأشدّ حرب شيطانية ناعمة مضلة مفسدة، تستهدف هويّتها الإيمانية، وترمي إلى صنع ثقافات وولاءات تنحرف بها عن نهج الإسلام العظيم، وتربطها بالمضلّين والمغضوب عليهم من الله رب العالمين، الذين هم أعداؤها الذين حذّرها الله منهم في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}[آل عمران:100] ، وفي قوله جلَّ شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51]، وقال تعالى: {وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ}[النساء:44]، وقال تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}[المائدة:64].
إنَّ أمّتنا الإسلامية تضرّرت بالحرب الناعمة المفسدة المضلّة أكثر من الحرب الصلبة، وما حالة التيه، والشتات، والحالة المخزية، والذلة، والمسكنة، والتبعية العمياء للأعداء، التي نرى عليها معظم أمة الملياري مسلم، إلَّا شاهد على ذلك، حيث نجح الأعداء بذلك بتطويع معظم الأنظمة وأكثر الشعوب وإخضاعها لإملاءاتهم، وحوّلوا ثرواتها إلى مأكلة لهم، وأوطانها إلى قواعد عسكرية، وقوّتها البشرية إلى أدوات طيِّعة مسخَّرة مستعبدة لهم، وفرَّغوها من محتواها الإنساني والأخلاقي والإسلامي إلى مستوى فظيع، وكان من أبرز تجلّيات هذه الحالة- ولا يزال- موقف معظم أمة الملياري مسلم تجاه ما يقوم به العدو اليهودي الصهيوني، وشريكه الأمريكي، وداعموه من صهاينة الغرب من إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، وممارسة أبشع وأفظع الجرائم الرهيبة بحقه، بما في ذلك: إعدام وقتل الأطفال الخدَّج في حضانات الأطفال، والأطفال الرضّع الذين قتل منهم الآلاف بالقنابل والسلاح الناري، وبالتجويع ومنع الحليب عنهم، وقتل بعضهم عقب ولادة أمّهاتهم لهم، وكذلك قتل الآلاف من النساء المسلمات من كل الفئات العمرية وفي مختلف الأحوال، بما في ذلك النساء الحوامل، والمسنّات، والصغيرات، والكبيرات، إضافة إلى امتهان كرامتهن الإنسانية، وارتكاب جرائم الاغتصاب لانتهاك حرمة البعض منهن... وغير ذلك من الممارسات الإجرامية الفظيعة، التي يندى لها جبين الإنسانية، والتي لهولها وفظاعتها تحرّكت شعوب في أقصى الأرض بدافع الضمير الإنساني، وخرجت في مظاهرات كثيرة ومستمرّة، وعبَّرت عن سخطها الشديد تجاه العدوّ الصهيوني وجرائمه، وتحرّكت قوى حيّة في مختلف أنحاء الأرض لأنشطة متنوعة لنصرة الشعب الفلسطيني، بينما كانت الحالة المختلفة تماماً هي في معظم البلدان العربية والإسلامية التي لم تتخذ أي موقف، ولم يصدر منها أي تحرك.
بل والأسوأ من ذلك: ما فعلته بعض الأنظمة العربية من تقديم العون الاقتصادي، والمالي، والإعلامي، والاستخباراتي للعدوّ الإسرائيلي، إضافة إلى الإسهام في تكبيل الأمّة عن أي تحرك فاعل لنصرة الشعب الفلسطيني، إنَّ هذا من أكبر وأوضح التجلّيات للخلل الرهيب في واقع الأمة، والانحدار الرهيب على المستوى الإنساني والأخلاقي، وعلى مستوى الرؤية والبصيرة والوعي، فمعظم المسلمين في أنحاء الأرض يعيشون أزمة حقيقية، وإفلاس على مستوى الوعي، وعلى مستوى الأخلاق والقيم، وهذا هو السرّ الحقيقي الذي جعل من هذه الأمة الكبرى: أمّة الملياري مسلم، التي تمتلك الإمكانات الهائلة، والعدد الملياري، والجغرافيا الواسعة، فاقدة لقيمة كل تلك العوامل والعناصر المهمّة للقوة، وتحوّلت إلى غثاء كغثاء السيل كما في الحديث النبوي الشريف؛ ولهذا تجرَّأ عليها عدوّها اللدود اليهودي الصهيوني إلى درجة أنَّه يسعى بكل طمع لفرض معادلة الاستباحة لها في الدم، والعرض، والأرض، والمقدّسات، والدين، والدنيا، ويسعى إلى إرغامها لتقبل بذلك، ويشاركه الأمريكي لفرض ذلك على الأمّة، وأصبحت كثير من الأنظمة العربية ومعها كثير من النخب قابلة بذلك، وتوجّه لومها إلى من لا يقبل بذلك من أحرار الأمّة، ممّن بقي لهم كرامة إنسانية، وعزّة إيمانية.
إنَّ الحالة التي عليها المنافقون من أبناء الأمّة الإسلامية في ولائهم للصهاينة، ومعاداتهم للمؤمنين والمجاهدين في سبيل الله من أبناء الأمة؛ هي الحالة التي عبَّر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ}[البقرة:18]؛ لأن البراهين من الوقائع الكبرى والأحداث اليومية تشهد وتدلّ بشكل قاطع على بطلان خيارهم ومسارهم في النفاق والخنوع للأعداء، والولاء لهم، والقبول بالعبودية لهم تحت عنوان: [السَّلام]، الذي حرَّفوه عن معناه الحقيقي، وجعلوا محتواه الاستسلام، والقبول بالاستباحة التامّة، والعبودية المطلقة المذلّة لأجرم وأحقد وأقبح وأسوأ عدوّ للأمة، وهو العدوّ الإسرائيلي، والقبول بسيطرته على المنطقة بكلها تحت عنوان: [تغيير الشرق الأوسط]، والارتباط به في كل شيء، والتخلّي عن الدين، والكرامة، والحرية، والعزّة، وبيع كل القيم من أجله.
إنَّ نموذجاً واحداً من نماذج الخيار النفاقي والاستسلامي، والتعبير عن الولاء لأمريكا، والارتماء في الحضن الصهيوني، والنتيجة لذلك هو كاف في إيضاح الحقيقة لكل إنسان بقي له أدنى مستوى من الفهم والإدراك الإنساني، وذلك النموذج هو الجماعات المسيطرة على سوريا، فهي واضحة وصريحة في خيارها وارتباطها وتوجهاتها التي تعلن فيها ولاءها للأمريكي، وأنّها لا تعادي إسرائيل، وأنّها تسعى لعلاقة معها، وأنّها تعادي من يعاديها، وهي بالفعل كذلك، ومع كلِّ ذلك بلغ عدد الغارات الجوية المدمِّرة أكثر من ألف غارة، والاحتلال لمساحة ثمانمائة كيلو متر، والتوغّلات العسكرية الإسرائيلية إلى ريف دمشق، على بعد كيلوهات من العاصمة دمشق، والاختطافات يومية لأبناء الشعب السوري... وغير ذلك من أشكال الاستباحة التامة، كما أنَّ من الشواهد الجليّة لحقيقة العدوانية والإجرام الصهيوني: الانتهاكات المستمرّة للاتفاقات الدولية التي عليها ضمناء، كما هو الحال في غزة ولبنان.
إنَّ انعدام البصيرة والوعي، وموت الضمير الإنساني لدى معظم أنظمة ونخب وشعوب العالم الإسلامي إلَّا القليل، هي نتاج للحرب الشيطانية المفسدة المضلّة؛ ولذلك فإنَّ من المهم جدًا الاستفادة من هذه الذكرى المباركة، والمناسبة العزيزة: ذكرى مولد الزهراء عليها السلام، وسائر المناسبات الإسلامية في إحياء الروح الإسلامية، والإضاءة بنور الهدى لتصحيح المفاهيم، وكشف الظلمات المتراكمة، وإزاحة الغشاوة التي أعمت قلوب الكثير والله المستعان.
إنَّ الإسلام العظيم بقرآنه ورسوله هو النور الأسمى، الذي يتحقق من خلال الارتباط الوثيق به تحقيق الارتقاء والكمال الإنساني إلى أعلى المراتب، كما هو في النموذج الأسمى والأعلى للمرأة المسلمة: فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، وكما نماذجه الراقية من رجال ونساء ممن ينبغي أن تستلهم الأمّة منهم أسمى الروحية، وأرقى الوعي، وأعظم التأثير، لتستعيد الأمّة بذلك كرامتها الإنسانية، وعزّتها الإيمانية، وحضورها العالمي، ودورها المفترض بها في حمل الرسالة الإلهية، وإرث الأنبياء، والسعي لإقامة القسط، وإنقاذ المستضعفين والمظلومين والمحرومين، وكسر شوكة الطغاة والمجرمين والظالمين، والإضاءة بنور الله للعالمين، بدلاً من التبعيّة والعبودية والخنوع للمستكبرين والشياطين والمفسدين.
وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
وَالسَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛