أنقرة- بينما يستعد حزب الشعب الجمهوري لمواجهة استحقاقات انتخابية حاسمة، وجد نفسه عالقا في دوامة من الأزمات الداخلية التي تهدد تماسكه ومستقبله السياسي.

فبعدما كشفت تحقيقات قضائية عن مزاعم فساد في انتخابات الحزب الداخلية، تصاعد الجدل داخله حول المحسوبية في التعيينات البلدية، ليكشف ذلك عن صراع أعمق على القيادة والسلطة.

ومن الاتهامات بشراء الأصوات لصالح أوزغور أوزال، إلى استقطابات حادة بين أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش في السباق على زعامة الحزب، تتشابك الخلافات الداخلية مع التحديات السياسية التي يواجهها الحزب في سعيه للحفاظ على صورته كبديل قوي أمام حزب العدالة والتنمية الحاكم.

فهل يستطيع تجاوز هذه الأزمات قبل أن تتحول إلى نقطة ضعف قاتلة في الانتخابات المقبلة؟

الحزب يواجه الآن تحقيقا قضائيا بتهم تتعلق بشراء أصوات خلال انتخاباته الداخلية الأخيرة (مواقع التواصل) فساد انتخابي

يواجه حزب الشعب الجمهوري تحقيقا قضائيا بعد مزاعم بحدوث عمليات شراء أصوات خلال انتخاباته الداخلية التي جرت يومي الرابع والخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وأسفرت عن فوز أوزغور أوزال برئاسة الحزب خلفا لكمال كليجدار أوغلو. وتدور الاتهامات حول قيام بعض الأطراف بتقديم مبالغ مالية ومزايا وظيفية لعدد من المندوبين مقابل تصويتهم لصالح أوزال.

إعلان

وهذه الادعاءات أثارتها اتهامات رئيس فرع الشباب السابق للحزب في ولاية موش، إركان تشاكير، إضافة إلى تصريحات أعضاء آخرين، أشاروا إلى أن رجل أعمال في إسطنبول كان المصدر الرئيسي لهذه الأموال، مقابل حصوله على عقود مع البلديات التي يديرها الحزب.

وبدأ التحقيق رسميا عندما تلقت النيابة العامة في أنقرة شكوى تتعلق بانتهاكات خلال الانتخابات الحزبية، استنادا إلى المادة (112) من قانون الأحزاب السياسية، التي تحظر التلاعب في عمليات التصويت الداخلية.

وفي حين تنظر السلطات إلى الملف من زاوية قضائية، فإن قيادة الحزب اعتبرته محاولة سياسية للنيل من الحزب وإحداث شرخ داخلي بين جناح أوزال وأنصار كليجدار أوغلو. إلا أن كليجدار أوغلو طالب الحزب بموقف أكثر شفافية، مما أدى إلى زيادة التوترات داخل الحزب، حيث يرى البعض أن عدم الرد بشكل واضح قد يؤدي إلى إضعاف مصداقية الحزب أمام الناخبين.

وفي هذا السياق، تواصلت الجزيرة نت مع مسؤولين في الحزب للحصول على تعليق بشأن الأزمة، إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريحات.

صراع على الزعامة

لم يكد حزب الشعب الجمهوري يلتقط أنفاسه بعد أزمة الانتخابات الداخلية، حتى وجد نفسه في قلب جدل آخر أكثر حساسية يتعلق بـالتعيينات داخل البلديات التي يديرها.

ولطالما رفع الحزب راية الشفافية والعدالة الاجتماعية في مواجهة حزب العدالة والتنمية، لكن التسريبات الأخيرة بشأن تعيينات مثيرة للجدل داخل بعض البلديات التي يحكمها الحزب كشفت عن إخفاق في تطبيق الشعارات داخل بيته الداخلي.

وكانت القضية الأبرز تعيين مستشار إعلامي سابق، براتب مرتفع رغم استقالته سابقا وسط جدل حول أدائه خلال الحملات الانتخابية. وأثارت هذه الخطوة انتقادات لاذعة داخل الحزب، حيث اعتبرها البعض مكافأة سياسية على حساب الكفاءة، مما أعاد للأذهان اتهامات مماثلة كان الحزب يوجهها لحزب العدالة والتنمية الحاكم.

إعلان

لكن هذه ليست سوى رأس جبل الجليد، إذ كشفت تقارير عن توظيف أفراد مقربين من قيادات الحزب في مناصب مرموقة داخل البلديات، في وقت تعاني فيه البلديات نفسها من أزمة مالية خانقة. وهو ما أثار غضب القواعد الحزبية، خصوصا أن الحزب بنى خطابه السياسي على محاربة المحسوبية والفساد الإداري.

وحتى الآن، لم تقدم قيادة الحزب توضيحا مقنعا بشأن آلية التعيينات، مكتفية بالتأكيد على أن جميع التعيينات تتم وفقا للمعايير القانونية. لكن مع تصاعد الاستياء الداخلي، بدأت بعض الأصوات تطالب بإجراء مراجعة شاملة لسياسات الحزب في إدارة البلديات، محذرة من أن هذه الأزمة قد تكون ثغرة قاتلة في مواجهة الحملات الانتخابية المقبلة.

ويستعد الحزب لعقد انتخابات تمهيدية داخلية لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية في 23 مارس/آذار المقبل، في إطار إستراتيجيته للدفع نحو انتخابات رئاسية مبكرة لمنافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم. لكن هذه الانتخابات الداخلية كشفت عن انقسام عميق بين تيارين رئيسيين داخل الحزب:

الأول، يقف خلف إمام أوغلو، الذي يحظى بدعم واسع بين رؤساء البلديات. أما الثاني، فيساند منصور يافاش، المدعوم بقوة من مسؤولين في أنقرة، والذي يرفض خوض الانتخابات الداخلية، وسط تكهنات بأنه قد يترشح بدعم من خارج الحزب أو حتى كمستقل إذا لم يحظ بتأييد كافٍ داخليا.

وتصاعدت التوترات مع بدء جمع التوقيعات لدعم المرشحين، حيث نجح إمام أوغلو في تأمين دعم عدد من نواب الحزب، بينما كثف مسؤولو البلديات في أنقرة بيانات التأييد لمنصور يافاش، مما زاد من حدة الانقسام الداخلي.

كمال كليجدار أوغلو يتحدث خلال الانتخابات الداخلية للحزب (مواقع التواصل) أزمة متفاقمة

من جانبه، يرى المحلل السياسي جنك سراج أوغلو أن الأزمات التي يواجهها حزب الشعب الجمهوري، من مزاعم الفساد الانتخابي إلى اتهامات بالمحسوبية في التعيينات البلدية، لا تهدد فقط تماسكه الداخلي، بل قد تؤثر على فرصه السياسية في الاستحقاقات المقبلة.

إعلان

ويؤكد في حديث للجزيرة نت أن الحزب أمام اختبار صعب، حيث يحتاج إلى تحركات سريعة لاستعادة ثقة ناخبيه قبل أن تتحول هذه القضايا إلى نقطة ضعف قاتلة أمام خصومه السياسيين.

ويشير الباحث إلى أن الحزب يتهم العدالة والتنمية بالوقوف وراء هذه الأزمات لتقويضه سياسيا، لكنه يرى أن هذا الاتهام غير منطقي، لأن المشكلات التي يعاني منها الحزب هي أخطاء داخلية تراكمت بسبب ضعف الإدارة والانقسامات الحادة داخل قيادته.

ومع ذلك، يؤكد أن الحزب الحاكم لن يفوّت فرصة استغلال هذه الأزمات بأفضل طريقة ممكنة، سواء من خلال تصعيد التحقيقات المتعلقة بالفساد الانتخابي أو عبر إبراز الانقسامات الداخلية في الإعلام، مما سيضعف موقف حزب الشعب أمام الناخبين.

أما فيما يتعلق بالخلاف بين أكرم إمام أوغلو ومنصور يافاش حول الترشح للرئاسة، فيرى سراج أوغلو أن الحزب أصبح ساحة معركة بين تيارين متباينين، مما يزيد من مخاطر حدوث انشقاقات. ويؤكد أن استمرار هذا الصراع دون توافق سيجعل الحزب يبدو غير منظم وغير قادر على تقديم بديل حقيقي لحزب العدالة والتنمية، وهو ما قد يضعف المعارضة ككل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات حزب العدالة والتنمیة الانتخابات الداخلیة حزب الشعب الجمهوری کلیجدار أوغلو إمام أوغلو أن الحزب

إقرأ أيضاً:

جنوب السودان يتهم كينيا

متابعات – تاق برس- أعلن كبير مستشاري رئيس جمهورية جنوب السودان رئيس وفد الحكومة في مفاوضات السلام مع المعارضة بكينيا، كوال منيانق جوك، أن مبادرة “توميني” للسلام التي ترعاها الحكومة الكينية قد انتهت بشكل رسمي، واصفًا إياها بأنها “محاولة انقلاب سياسي ناعم”.

وأوضح منيانق أن تحالف الشعب الموحد يسعى من خلال هذه المبادرة إلى إلغاء اتفاق السلام المُنعش الموقع عام 2018 (R-ARCSS) واستبداله بمبادرة “توميني”، رغم أن الأخيرة تتضمن ما نسبته 80% من فصول اتفاق 2018، مضيفًا: “الاتفاق لم يُحل، ولا يمكن استبداله بمبادرة تفتقر إلى عناصر جوهرية جديدة.

وتابع الأفضل أن تكون (توميني) ملحقًا لاتفاق 2018 وليس بديلًا عنه”.

ووصف الوثيقة المقترحة ضمن المبادرة، والتي تنص على إنشاء “مجلس قيادة” كأعلى هيئة حاكمة، بأنها انقلاب مقنّع، مؤكدًا أن معظم القضايا التي تطرحتها المعارضة قد تمت معالجتها بالفعل في اتفاق 2018.

وأشار إلى أن قيادات المعارضة التي تثير هذه القضايا كانت جزءًا من الحكومة سابقًا، قائلًا: “لا يمكنهم التنصل من مسؤولياتهم عما حدث في فترة وجودهم بالسلطة.

وشكك منيانق في مصادر تمويل بعض قيادات المعارضة المقيمين بالخارج، الذين يمتلكون عقارات فاخرة، متسائلًا عن مصادر هذه الأموال، وملمحًا إلى أنها قد تكون مرتبطة بأموال جنوب السودان خلال فترة وجودهم في الحكومة.

وانتقد كبير مستشاري الرئيس الدور الكيني في المحادثات، كاشفًا أن جوبا طلبت رسميًا من نيروبي توضيحات بشأن سماحها لتحالف الشعب الموحد بتشكيل جناح عسكري داخل الأراضي الكينية، في مخالفة لقواعد مجموعة شرق أفريقيا.

وأوضح أن المعارضة طالبت خلال المفاوضات بثلاث ولايات رئيسية هي: شمال بحر الغزال، الوحدة، وأعالي النيل.

وكانت مفاوضات السلام التي ترعاها كينيا قد توقفت للمرة الثالثة في 7 فبراير الجاري دون التوصل إلى أي اتفاق.

وتهدف مبادرة “توميني” إلى إنهاء الانقسام السياسي والعسكري في جنوب السودان والدفع بالبلاد نحو مرحلة انتقالية ديمقراطية.

وفي وقت سابق، أعلن الدكتور مارتن إيليا لومورو، مقرر وفد الحكومة، أن الفريق الحكومي طلب تأجيل المحادثات لاستكمال إعداد خريطتي طريق موسعتين، دون تحديد موعد جديد لاستئنافها.

واختتم كوال منيانق حديثه قائلاً: “مبادرة توميني انتهت. ولا يمكن لكل من يختلف مع الحكومة أن يؤسس جماعة ويطالب بمفاوضات جديدة.

وأضاف إذا فتحنا هذا الباب، فلن يمنع أي شخص من جمع خمسة أفراد والذهاب إلى كينيا للمطالبة بالتفاوض. يجب أن يكون هناك نظام واضح. توميني ماتت.”

جنوب السودانكينيامعارضة جنوب السودان

مقالات مشابهة

  • بنعبد الله ينتقد تعامل بعض الأحزاب مع الشباب ويؤكد أن حزبه منحهم أدواراً حقيقية
  • دميرطاش: تحقيق السلام أهم من الإفراج عني
  • مصر.. الداخلية ترد على مزاعم إضراب سجناء بسبب الانتهاكات
  • طارق الزمر لـعربي21: التغيير في مصر بات قريبا.. وسقوط السيسي بدأ من داخل النظام
  • 100 ألف ليرة تنقذ البلديات.. الحل في المولدات
  • في تركيا.. المنتجات التي ارتفعت وانخفضت أسعارها في يوليو
  • تشيلي تسابق الزمن لإنقاذ عالقين داخل أكبر منجم نحاس
  • مأساة في تركيا.. ضابط يقتل عائلته وينتحر
  • الداخلية تنفي مزاعم الإخوان بشأن ضابط شرطة وتؤكد: استقال منذ عامين ويعاني مرضًا نفسيًا
  • جنوب السودان يتهم كينيا