لجريدة عمان:
2025-08-03@03:32:19 GMT

الابتكار المجتمعي المعاصر و«اقتصاد الإلهام»

تاريخ النشر: 25th, February 2025 GMT

ارتبط الابتكار الاجتماعي بالمفهوم السائد والتقليدي عن توظيف الخبرات، والمعارف المحلية، والممارسات لحل التحديات الناشئة، وقد اكتسب هذا الفهم توسعًا كبيرًا بعد أن زحف التطور التكنولوجي والرقمي إلى معالجة التحديات الاقتصادية والمجتمعية، مما أتاح المجال لنشوء الابتكار المجتمعي المعاصر، والقائم على التكنولوجيا، وهذه التحولات ليست مجرد شواهد على التطور العلمي والتكنولوجي، ولكنها تحمل العديد من الفرص الاستراتيجية في تعزيز خلق القيمة الاقتصادية من الأصول الاجتماعية والثقافية، والتي يمكن وصفها بأنها مدخلات «اقتصاد الإلهام».

وإذا أردنا أن نتعرف بشكل أعمق على هذا المفهوم الناشئ في الاقتصاد، فإنه يظهر من عنوانه بأن ركيزته الكبرى تكمن في إذكاء الإلهام على المستوى الفردي والمجتمعي لاتخاذ مسارات أكثر ابتكارًا في حل التحديات، وذلك عبر إلهام المختصين والجهات ذات الصلة بهذه التحديات، وهو إن كان مماثلًا في سياقه العام للعديد من المفاهيم الاقتصادية القائمة على المرونة الاستراتيجية في اغتنام الفرص، إلا أنه في جوهره ينطوي على مجالات لم يتطرق إليها أي مفهوم آخر سبقه، مثل أهدافه الرامية إلى إعادة الثقة بالقدرات البشرية المشتركة في توظيف الابتكار المجتمعي لمعالجة التحديات المعقدة والمعاصرة، وإعادة التوازن في حياة الإنسان مع تسارع الثورات التكنولوجية، والمحافظة على القيم والثقافات والأنشطة الاجتماعية، والفعاليات الموسمية، والعادات المجتمعية، كمصادر غير ملموسة لخلق فرص الإلهام، وتعظيم الاستفادة منها.

ويُعد هذا النوع من الفكر مجالًا خصبًا للاستكشاف، فهو يقوم على إنتاج نماذج ناجحة ومتجددة من الابتكار المجتمعي بعيدًا عن البحوث الاجتماعية النظرية، والجهود الابتكارية المنهجية التي تقوم على اختبار الفرضيات، وتحليل الاحتمالات وتجريبها، ووضع الاستنتاجات، وهذا يقودنا إلى النقطة الأولى التي تم طرحها، وهي أن ركائز اقتصاد الإلهام ليست جديدة كليًا وإن كانت الأطر والمسميات حديثة، وعلى سبيل المثال فإن الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية التي يزخر بها شهر رمضان المبارك هي من الصور البارزة والأكثر مطابقةً لأبعاد اقتصاد الإلهام، وقد كانت تُمارس منذ فترة طويلة كأنشطة موسمية ترفيهية في المقام الأول، ولكنها تعد في الوقت ذاته استثمارًا اقتصاديًا، والمتتبع لها يمكنه أن يجد الكثير من المحاور التي تصب في الابتكار المجتمعي، وعلى رأسها تأتي النتاجات الإبداعية التاريخية والوثائقية التي يتم إنتاجها في شهر رمضان؛ فهي في الأصل تعود إلى جذور قديمة في العادات المجتمعية التي تقضي الوقت أثناء الصيام، أو بعد الإفطار في الاستماع للقصص والسير التاريخية، وهذا ينطبق كذلك على المسابقات وغيرها من الأنشطة الموسمية التي يمكن استثمارها في إنتاج أفكار جديدة وابتكارية، وهي جميعها تمثل مُمكنات مهمة لدعم اقتصاد الإلهام، من حيث توظيفها على نحو يتماشى مع المتطلبات العصرية.

ويكمن التحدي الأكبر هنا في إيجاد مسارات عملية لتحويل السمات الفردية، والمجتمعية، والعادات، والممارسات اليومية أو الموسمية إلى مصادر الإلهام لصناعة أفكار ابتكارية قابلة لحل التحديات، وتطويرها إلى نماذج أعمال ضمن مدخلات اقتصاد الإلهام، وذلك من خلال رفع كفاءة اكتشاف الفرص الكامنة للإلهام المجتمعي المشترك، مع التركيز على إبراز دور الشباب في إضفاء روح التجديد ومواكبة الأدوات التقنية، وإدماجها في البحث عن حلول مستدامة للتحديات المجتمعية، وذلك عبر مختلف الأدوات الإجرائية التي بإمكانها صناعة الإلهام المشترك، أو ما يعرف بمصطلح هندسة الإلهام الذي يبدأ بالبحث عن الأصول غير التقليدية وغير المستغلة، ثم تقييم القدرات التي تحملها هذه الأصول من منطلق أن اقتصاد الإلهام يعتمد على القدرات التي تخلق الطلب على منتجات وخدمات بشكل استباقي، وليس على انتظار نشوء الطلب ثم الاستجابة لها، وهذا ما يجعل من اقتصاد الإلهام أداة مهمة في رسم ملامح قطاعات الاقتصاد في المستقبل، والذي يتطلب وجود درجة عالية من الجاهزية والاستجابة الذكية.

فإذا أخذنا شهر رمضان مثالًا، نجد بأن هناك العديد من الفرص التي يمكن استثمارها لتأسيس دعائم اقتصاد الإلهام، وتفعيله بشكل موسمي، ثم إطلاقه بصفته قطاعا اقتصاديا موجها لدعم الابتكار الاجتماعي المعاصر، وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية التوعية باقتصاد الإلهام من حيث نشر المفهوم، واستخلاص الدروس المستفادة من التجارب الرائدة عالميًا، ثم وضع الأطر الداعمة لتأسيس الفهم المشترك لأهمية تحقيق التموضع الاستراتيجي لهذا الفرع من فروع الاقتصاد ضمن القطاعات الاقتصادية الحيوية القائمة، ثم تأطير الأدوات التنفيذية لتهيئة نشوء اقتصاد الإلهام عبر تسهيل عملية الإلمام بأبعاده ومجالاته وتطبيقاته، ومراعاة أهمية ترسيخ هذا الفهم لجميع الفئات المجتمعية، وربطه مع الابتكار الاجتماعي لإتاحة الفرصة للتكامل مع المفاهيم الأخرى وتعزيزها، وذلك دون ازدواجية أو تكرار، فإن ظهور المصطلحات الجديدة تتطلب نهجًا تكامليًا في الإدماج مع ما هو قائم، لضمان التفاعل الإيجابي المرن، والوصول للعوائد الاقتصادية والاجتماعية المنشودة ضمن منحنى أقصر للتعلم، ودرجة مقاومة أقل من قبل الجهات الفاعلة والمستهدفة.

ولعل العادات، والممارسات، والسمات المجتمعية المرتبطة بالمناسبات الموسمية مثل شهر رمضان وغيرها هي منطلقات واعدة لنشر وتفعيل اقتصاد الإلهام المدفوع بالابتكار المجتمعي المعاصر، مما يستوجب المبادرة في هندسة الإلهام كقيمة مشتركة وبشكل متكامل، والتجسير بين الإمكانات المجتمعية التي تمتلك القدرات من جهة، والقطاعات الإنتاجية التي تواجه التحديات من جهة أخرى، ويتطلب ذلك الالتفات إلى أهمية تعريف القدرات المؤسسية والمجتمعية كنقطة الانطلاقة، ثم تحليل التحديات والمتطلبات الراهنة على نحو تشاركي، ثم إتاحة هذه الاحتياجات للمبتكرين وإذكاء الإلهام في إنتاج طيف واسع من الأفكار والمقترحات والحلول والسيناريوهات، والتي يمكن إتاحتها عبر جميع أبعاد الابتكار التكنولوجي، أو النتاجات الفكرية والإبداعية، فالتحديات المعاصرة قد أصبحت أكثر ديناميكية، ومع تسارع الثورات العلمية لم تعد الفترة الزمنية المعتادة لدورة إنتاج الأفكار وتطويرها مواكبة بشكل كافٍ، مما فرض البحث عن مسارات بديلة أكثر فاعلية وكفاءة، كما أن التحديات كذلك لم تعد واضحة المعالم، ولذلك فإن إدماج الابتكار المجتمعي ومختلف أنواع الابتكار التشاركي في معالجة التحديات قد أصبح ضرورة لازمة، وبنفس القدر فإن الاستثمار في إلهام وتشجيع مختلف الفئات المجتمعية هما في صميم تشكيل الصورة المستقبلية للحياة والاقتصاد.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الابتکار المجتمعی المجتمعی ا شهر رمضان التی یمکن

إقرأ أيضاً:

العيسوي ودور الديوان الملكي في ترسيخ الوعي الوطني عبر اللقاءات المجتمعية

صراحة نيوز- كتب د. محمد جرار آل خطاب

يواصل معالي يوسف العيسوي، رئيس الديوان الملكي الهاشمي العامر، بهمة لا تعرف اللين، وجهد قل نظيره، أداء دور محوري في تشكيل وتعميق حالة الوعي الوطني الأردني، من خلال اللقاءات الدورية التي يعقدها مع ممثلي القطاعات الشبابية والعشائرية من مختلف محافظات المملكة. هذه اللقاءات، التي تُعقد في أروقة الديوان الملكي، تجاوزت كونها لقاءات بروتوكولية لتتحول إلى منصات حوار وطني مفتوح، تُرسّخ الشفافية وتوضح الثوابت الأردنية في وجه التحديات الإقليمية والدولية. معالي العيسوي، الذي كُلّف برئاسة الديوان الملكي في آب 2018، نال ثقة جلالة الملك عبد الله الثاني في رسالة ملكية حملت رؤية متكاملة لطبيعة الدور المطلوب، وجاء فيها: “واليوم أعهد إليك برئاسة ديواننا الهاشمي العامر، لتكون حلقة الوصل بيني وبين سائر مؤسسات الدولة، ولتعمل على تعزيز التواصل بين الديوان الملكي وأبناء وبنات شعبنا الوفي العزيز، ولتبقي أبواب الديوان مفتوحة أمام الجميع، لكي يكون كما كان على الدوام بيتاً وموئلاً لكل الأردنيين، بيتاً يجدون فيه المرجع والملاذ الذي يفيئون إليه لإيصال صوتهم أو قضاء حاجاتهم وخدمتهم.” هذه الرسالة الملكية كانت النبراس للعيسوي في أداء مهمته التي شرفه بها جلالة الملك، وقد التزم العيسوي بهذا التكليف الملكي حرفًا ومعنى، فجعل من الديوان فضاءً وطنيًا رحبًا، يجمع مختلف مكونات الشعب الأردني. في خضمّ التحولات السياسية في المنطقة، والأزمات المتلاحقة التي تعصف بالإقليم، حرص العيسوي على أن يكون الديوان الملكي منبرًا مباشرًا لتوضيح الرؤية الهاشمية حيال مختلف القضايا، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأزمات الإقليمية، ومسار العلاقات الخارجية الأردنية. فقد قدّم معاليه، في مختلف اللقاءات، شرحًا صريحًا وواقعيًا للموقف الأردني الثابت تجاه حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، كما أكّد على الثوابت الوطنية في حماية السيادة الأردنية والتعامل مع الملفات الإقليمية بحكمة ومسؤولية. ما يميز هذه اللقاءات أنها لا تقتصر على النخبة كما كانت في السابق، بل تضم ممثلين حقيقيين عن الشباب وطلبة الجامعات والعشائر والمجتمع المدني، ما يوفّر بيئة حوار تفاعلية تنقل نبض الشارع الأردني وتعبّر عن همومه. ومعالي العيسوي، بأسلوبه المتزن والميداني، يحرص على الاستماع إلى الملاحظات والاقتراحات، مؤكدًا على أهمية المشاركة الشعبية في صناعة القرار وتعزيز التماسك الوطني. والملفت للنظر بعد انتهاء اللقاءات يتم التواصل مع المعنيين لتنفيذ ما جاء في اللقاءات واقعا. وفي الوقت ذاته، ساهمت هذه اللقاءات في تعزيز مناعة المجتمع الأردني ضد الإشاعات والتأويلات المغرضة، في ظل الجحود والتشكيك بالدور الأردني في تعامله مع مختلف القضايا القومية، وفي مقدمتها دوره المحوري في الحرب الاسرائيلية على غزة، من خلال توفير المعلومة الدقيقة من مصدرها الرسمي، وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة. فالديوان الملكي الهاشمي ، بقيادة العيسوي، لم يعد فقط مؤسسة تنفيذية عليا، بل جسر تواصل مباشر بين القيادة الهاشمية وأبناء الوطن. هذا النهج المتبع في إدارة اللقاءات يعكس حقيقة رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني، في تكريس الشفافية والحوار والانفتاح، ويضع معالي يوسف العيسوي في موقع متقدم كأحد أبرز رموز الإدارة الوطنية التي تجمع بين الحنكة السياسية والحس الشعبي، ويجعل منه قدوة لكافة المسؤولين في أهمية التواصل المباشر مع أبناء الوطن. ختامًا، فإن استمرار هذه اللقاءات يشكّل ركيزة في ترسيخ الوعي الوطني الأردني، وإبقاء المجتمع على تماس دائم مع حقيقة المواقف الأردنية تجاه مختلف الملفات، بما يعزّز صمود الدولة واستقرارها وسط محيط إقليمي متقلب.

 

 

مقالات مشابهة

  • إمارة تبوك تطلق مسابقة "الابتكار 2025" لتحفيز الإبداع وتحسين الأداء الحكومي
  • الراعي يناقش مع ممثلي الغرف التجارية التحديات الاقتصادية
  • إمارة تبوك تعلن عن انطلاق مسابقة “الابتكار 2025” لتحفيز الإبداع وتحسين الأداء الحكومي بالمنطقة
  • القطاع البحري ركيزة أساسية في اقتصاد الإمارات
  • تفكيك اقتصاد الظل في موانئ البصرة بين نفي سومو والتسريبات
  • العيسوي ودور الديوان الملكي في ترسيخ الوعي الوطني عبر اللقاءات المجتمعية
  • منصات رقمية حكومية ترسّخ نهج المشاركة المجتمعية في تطوير الخدمات
  • “إلى أين؟”.. عرض ليبي يُجسّد القلق الوجودي ضمن مهرجان المونودراما العربي في جرش 39 اللجنة الإعلامية لمهرجان جرش بحضور ممثل عن السفارة الليبية في عمان، وجمع غفير من عشاق المسرح، وضمن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان المونودراما المسرحي، قدّمت ا
  • رئيس جامعة القاهرة: الابتكار بصمة شخصية ونستهدف ربط الجامعة بالصناعة والاستثمار
  • الصحة تنظم ورشة عمل لتعزيز التواصل أثناء المخاطر والمشاركة المجتمعية