موسم التشرذم السياسي في السودان
تاريخ النشر: 2nd, March 2025 GMT
موسم التشرذم السياسي في السودان
فيصل محمد صالح
تعاني الأحزاب والتيارات السياسية في السودان من حالة تشرذم عامة منذ زمن طويل، لكن وصلت هذه الحالة الآن إلى حدها الأقصى، حتى لم يبقَ حزب على حاله، وتمزقت بعض الأحزاب والكتل إلى مجموعات صغيرة يصعب تجميعها، ثم ساهمت الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عامين في زيادة حدة التمزق وتوسيع مداه، وذلك بسبب اختلاف المواقف التي، في كثير من الأحيان، لا تتم على أساس القراءات والتحليلات السياسية المختلفة، ولكن على أسس جهوية وعرقية واجتماعية.
آخر هذه الانشقاقات التي خرجت للعلن كان في حزب الأمة القومي الذي قررت بعض أجهزته عزل رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، في حين قام الرئيس من جانبه بحل الأجهزة التي أعلنت عزله، وانقسم الحزب إلى ثلاث مجموعات تتصارع حول الشرعية. مسببات الانشقاق عديدة، كان أحدها الصراع داخل أسرة زعيم الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي حول خلافته، ثم انتقل الصراع لمرحلة جديدة بسبب الحرب؛ إذ تباينت المواقف بين قيادات الحزب، ثم تفجر الصراع بعد توقيع رئيس الحزب على التحالف مع «قوات الدعم السريع» والقوى السياسية والحركات المسلحة التي اجتمعت في نيروبي وكوّنت «تحالف تأسيس»، والذي أعلن نيته تكوين حكومة لتنازع حكومة الفريق البرهان حول الشرعية.
هذه الحال تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية السودانية، بلا استثناء، مع اختلاف درجة التشرذم ونوعه؛ فقد وجدت الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، في حالة يُرثى لها؛ فقد تمزق إلى أشلاء حتى لم يعد ممكناً حصر الأحزاب التي تحمل اسم الحزب مع إضافة صغيرة للتمييز. ووصل الشقاق إلى بيت زعيم طائفة الختمية وزعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، فتقاسم الشقيقان جعفر والحسن ما تبقى من الحزب، وذهب أحد أبناء البيت الختمي الكبير، إبراهيم الميرغني، ليوقع على ميثاق نيروبي وينضم إلى «تحالف تأسيس».
ويعاني الحزب الشيوعي السوداني، والذي كان في مقام أكبر أحزاب اليسار في المنطقة، من أزمة صامتة بين تيارين داخله، يبحث أحدهما عن تحالف واسع للحزب مع القوى السياسية التي تقف ضد الحروب وتأمل عودة الحكم المدني، وتيار آخر متشدد يقوده السكرتير العام محمد مختار الخطيب، ينطلق من موقف تخوين كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ويرفض التحالف معها. وقد ظهرت كتابات ناقدة من بعض عضوية الحزب لتيار السكرتير العام، لكن التزم الطرف الآخر الصمت ورفض الدخول في مناقشة عامة، حسب تقاليد الحزب.
وانقسمت الحركة الإسلامية من قبل إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، ثم انقسم كل حزب منهما إلى قسمين. وتعاني أحزاب اليسار الأخرى من التشتت ذاته؛ فقد انقسم حزب البعث إلى ثلاثة أحزاب، وانقسم الناصريون لحزبين، وضعفت أو اختفت تنظيمات يسارية أخرى كانت ناشطة في فترة الثورة.
تتشابه الأمراض التي تفتك بالأحزاب السياسية السودانية القديمة، والتي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ولم تستطع أن تجدد دماءها وبرامجها. ويكفي أن الأحزاب الأربعة الكبرى، بما فيها الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، تربع على زعامتها رؤساء امتدت فترتهم بين الأربعين والخمسين عاماً.
عجزت الأحزاب عن استقطاب الشباب لعدم قدرتها على تحديث خطابها، كما أن معظمها ليس لديه برنامج معروف يستقطب به العضوية؛ لأنها تعتمد على الانتماءات الجهوية والطائفية والعرقية، أو على شعارات آيديولوجية قديمة لم يتم تحديثها ومواءمتها مع الواقع السوداني. وتكتسب بعض الأحزاب عضويتها بالوراثة؛ فالانتماء للحزب الذي يُفترض أنه تكوين حديث قائم على البرنامج، يتم في واقع الأمر بناء على انتماء الأسرة أو القبيلة. وتفتقد معظم الأحزاب الديمقراطية الداخلية؛ فهي إما أنها لا تعقد مؤتمراتها بانتظام لانتخاب القيادات ومناقشة البرامج الحزبية، أو تعقد مؤتمرات شكلية لإضفاء الطابع الديمقراطي، في حين يتم توزيع المناصب وحسم التحالفات خارج المؤتمر.
من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومأحزاب اليسار الحركة الإسلامية الحزب الاتحادي الأصل الحزب الشيوعي السوداني السودان القوى السياسية المؤتمر الشعبي المؤتمر الوطني حزب الأمة القومي حزب البعث فيصل محمد صالحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أحزاب اليسار الحركة الإسلامية الحزب الاتحادي الأصل الحزب الشيوعي السوداني السودان القوى السياسية المؤتمر الشعبي المؤتمر الوطني حزب الأمة القومي حزب البعث فيصل محمد صالح
إقرأ أيضاً:
تحذير إسرائيلي: مشاهد الجوع غير الأخلاقية في غزة أفقدتنا الشرعية الدولية التي نحتاجها
بينما يزعم الاحتلال أنه شرع بتنفيذ عملية "عربات عدعون" ضد الفلسطينيين في غزة، فإنه يفتقر لإجماع داخلي، والدعم الخارجي، بل إن الضغوط الدولية المتزايدة لإنهاء الحرب تشكل، قبل كل شيء، أخباراً سيئة للغاية بالنسبة للأسرى وعائلاتهم.
وزعمت دانا فايس محللة الشؤون السياسية في القناة 12، أنه "في كل مرة ينشأ لدى حماس انطباع بأن العالم سيوقف القتال في غزة، أو أن الأميركيين سيوقفون نتنياهو، تُظهِر مزيدا من التشدد في مواقفها في المفاوضات، وتصر على التمسك بها، وترسيخها، ولذلك فإن التقارير عن الخلافات بين الاحتلال والولايات المتحدة والدول الأوروبية تلعب على حساب الرهائن، لأن حماس تعتقد حقاً أن جهة أخرى ستقوم بالعمل نيابة عنها، وتضغط على الاحتلال لإنهاء الحرب".
وأضافت في مقال ترجمته "عربي21" أن "الوقائع الميدانية تؤكد ان الاحتلال لم تقم بعد بتحدي حماس بشكل حقيقي، وفي الوقت ذاته، لا يزال يرفض الدخول لغرفة إجراء مفاوضات حقيقية حول صفقة واحدة شاملة، تتضمن معايير إنهاء الحرب، رغم التوافق مع الولايات المتحدة على أن حماس لا يمكن أن تظل السلطة الحاكمة في غزة، لكن اتباع أسلوب الضرب وحده هو نتاج عدم رغبة رئيس الوزراء نتنياهو بإنهاء القتال بهذه المرحلة".
وأشارت إلى أن "الوزراء ونتنياهو نفسه يتحدثون فقط عن "الإخضاع" و"التدمير"، وهي تعبيرات غامضة للغاية وغير واضحة بشأن ما تشير إليه، لأن اليوم تحتاج الدولة لأن تسأل نفسها: ماذا تبقى من حماس، بعد أن تم القضاء بالفعل على معظم القيادات التي كانت في السابع من أكتوبر".
وتابعت، "لو أراد أحد أن يسوق ذلك على أنه "صورة النصر"، فإن بإمكانه الزعم أننا قضينا على آخر القادة الذين قاتلوا في الأنفاق، وهو محمد السنوار، وقضينا على معظم كتائب حماس، ومقاتلوها لم يعودوا يقاتلون الجيش، بل ينفذون فقط عمليات حرب عصابات".
وأكدت أن "أي إسرائيلي إن أراد الترويج "لإنجازات" استثنائية فبإمكانه أن يفعل ذلك في هذه المرحلة من الزمن، لكن هذا لن يحدث، لأن نتنياهو يعزز موقفه، ويريد مواصلة الحرب، مع الإشارة أن بيان الدول الأوروبية وكندا ضد الدولة يذكر "حكومة نتنياهو"، ولا يتحدث عن الدولة بذاتها، وكأنهم يفرقون بينهما".
وأوضحت أن "مناقشات مجلس الوزراء، شهدت تأكيد وزير الخارجية غدعون ساعر أن هناك ضغوطا دولية بشأن قضية المساعدات الإنسانية، وهو ما اعترف به نتنياهو نفسه من خلال ما وصله من مراسلات واتصالات من أصدقائه الكبار في الكونغرس الذين أكدوا له أن مشاهد المجاعة في غزة لا يمكن التسامح معها".
كما أكدت أن "الأميركيين ضغطوا على الاحتلال في موضوع المساعدات الإنسانية لأنه ثمن تحرير الجندي عيدان ألكساندر، رغم أن ذلك يطرح سؤالا أخلاقيا هاما حول عدم مشروعية أسلوب الحصار الذي تطبقه الدولة على الفلسطينيين في غزة، لأن التجويع ليس أداة مشروعة للحرب، ولا ينبغي أن يظل خياراً قائماً، ليس هذا فحسب، بل إنه طريقة غير حكيمة من الناحية التكتيكية أيضاً".
وختمت بالقول أن "حكومة الاحتلال تقود الدولة حاليا إلى حالة من القتال ببطارية فارغة من الشرعية الدولية، مع أنها لم تدخل حروباً وعمليات قط دون إجماع داخلي، ودون شرعية دولية، لكنها الآن تجد نفسها من دونهما على الإطلاق".