لجريدة عمان:
2025-07-01@21:50:13 GMT

ترامب يدمر مكتسبات لا يمكن ترميمها

تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT

لم يعد الضرر الذي يسببه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضررًا عابرًا يمكن إصلاحه بانتخابات قادمة أو حتى بأخرى تليها؛ فالتصدعات التي أحدثها قد تحتاج إلى جيل كامل أو أكثر لمعالجتها.

لفهم حجم الخلل الذي باتت تعانيه الولايات المتحدة في ظل ولاية ترامب، قد يكون من المفيد العودة إلى حقبة الحرب الباردة. آنذاك، رغم الخلافات الحادة بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن كيفية التعامل مع الاتحاد السوفيتي، سواء فيما يتعلق بالإنفاق العسكري أو ضبط التسلح أو التدخل في النزاعات التي تخص حلفاء موسكو، إلا أن ذلك لم يكن يمس الثوابت الكبرى.

فعلى مدار عقود، ظل الحزبان متفقين على أهمية حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى اعتبار الاتحاد السوفيتي تهديدًا وجوديًا للأمن القومي الأمريكي، وتمسكا معًا باستراتيجية الاحتواء، بهدف كبح جماح التوسع السوفيتي والاستبداد الذي يمثله.

لم يكن واردًا في أي انتخابات أمريكية أن يُعرض على الناخبين خيار بين مرشح يدعم الناتو وآخر متعاطف مع المعسكر السوفيتي. مجرد ورود الفكرة كان مستحيلا. فالانتخابات قد تغيّر السياسات، لكنها لم تكن تهدد التحالفات أو الهوية الوطنية الأمريكية.

لكن اليوم، ومع ترامب، بات ذلك ممكنًا.

ففي مشهد غير مسبوق شهدته أروقة البيت الأبيض مؤخرًا، شن ترامب ونائبه جي. دي. فانس هجومًا مفاجئًا على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وأمام عدسات التلفاز اتهم فانس زيلينسكي بعدم الاحترام، بينما وجه ترامب سهامه نحوه قائلًا: «أنت تغامر بحياة الملايين، وتفتح الباب أمام حرب عالمية ثالثة، وما تفعله ينطوي على قلة احترام لهذا البلد الذي منحك من الدعم أكثر مما يعتقد البعض أنه يستحق».

لكن هذه الواقعة لم تكن سوى محطة جديدة في مسلسل عداء ترامب لحلفاء الولايات المتحدة. فالرئيس السابق، العائد إلى سدة الحكم، وجّه رسالة صادمة للشركاء الاستراتيجيين حول العالم مفادها أن أمريكا قادرة على تبديل مواقفها والاصطفاف مع ألدّ أعدائها، وربما ينتخب الأمريكيون من يتخلى عن التحالفات التقليدية ويقف إلى جانب الأنظمة القمعية والخطرة.

وحتى لو تمكن الديمقراطيون من تحقيق انتصار كاسح في انتخابات منتصف 2026 وأزاحوا الجمهوريين عن البيت الأبيض في 2028، فإن أثر هذا الدرس سيبقى حاضرًا. إذ بات واضحًا أن استقرار التحالفات الأمريكية مرهون بنتائج الانتخابات، وأن الوعود قد لا تصمد أكثر من ولاية رئاسية واحدة.

في ظل هذه الحالة من التقلّب، كيف يمكن بناء إستراتيجية دفاعية طويلة الأمد؟ وكيف يمكن رسم سياسات تجارية مستقرة أو إنجاز دبلوماسية مستمرة؟ فالاتفاقات التي قد تلغى بقرار من إدارة جديدة، هل يمكن أن تظل محل ثقة القوى العالمية؟

بالتزامن مع هذا التحوّل في السياسة الخارجية، قررت إدارة ترامب إلغاء آلاف العقود المخصصة لتمويل برامج مكافحة الملاريا وحملات التلقيح ضد شلل الأطفال وعلاج السل ومراقبة الأوبئة وتقديم الرعاية في مخيمات اللاجئين. وإذا بقيت هذه القرارات سارية، فإن الولايات المتحدة ستتخلى عن شبكة إنسانية عملاقة أنقذت أرواح الملايين.

ولا يختلف المشهد كثيرًا في الشأن الداخلي؛ فحملات الإقالة الواسعة في أجهزة الدولة، والعفو عن حلفاء ترامب السياسيين المدانين، والسعي لإغلاق مؤسسات أنشأها القانون، جعلت السياسة الداخلية رهينة النزوات ذاتها.

كيف لدولة أن تخدم مواطنيها وهي تعيد هيكلة جهازها الإداري كل أربع سنوات؟ وكيف لها أن تغلق وتعيد فتح وكالاتها الحكومية تبعًا لدورات الانتخابات؟

لقد حذّر كثيرون، وأنا من بينهم، من أن ترامب يسعى إلى ما يشبه ثورة دستورية تضع الرئيس في موقع السيادة المطلقة، خارج حدود القانون. ولعل أحداث السادس من يناير كشفت بوضوح عن تعطش ترامب للسلطة واحتقاره الصريح للمؤسسات.

ومع توالي تداعيات أفعاله، ندرك اليوم لماذا حرص الآباء المؤسسون على ألا يكون للرئيس سلطة منفردة. فقد أدركوا خطورة إدارة بلد واسع ومتنوع بقرارات فردية.

وفي هذا السياق، أوصي بالاستماع إلى حديث الباحث يوفال ليفين مع الصحفي عزرا كلاين، الذي أوضح فيه أن الرئيس، رغم انتخابه، لم يُوضع ليكون الممثل الأوحد للأمة. فبلد بحجم الولايات المتحدة لا يمكن أن يمثله شخص واحد، بل مؤسسات تعددية كالكونجرس.

وأضاف ليفين أن «الدستور الأمريكي بُني على قاعدة حكم الأغلبية، مع الحذر من أن تتحول الأغلبية إلى خطر على الأقليات، لذا جاء النظام ليجبر الأغلبية على التوسع والاعتدال قبل أن تمارس سلطاتها».

وحين يعمل النظام كما يجب، يكون التغيير صعبًا وبطيئًا، لكنه أيضًا دائم ومستقر. وهذا أمر إيجابي. تخيلوا لو كان استمرار برامج كبرى مثل الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية مرهونًا بمزاج رئيس واحد!

في الواقع، دور الرئيس الحقيقي هو إدارة المؤسسات التي ينشئها الكونغرس، ورعاية الاتفاقيات التي يقرها مجلس الشيوخ، لا أن يقرر وحده استمرارها أو إنهاءها. وإذا تمكن ترامب من تنفيذ رؤيته، فقد تجد المعارضة الديمقراطية فرصة للعودة، لكن استعادة الاستقرار الوطني لن تكون سهلة ولا سريعة. لهذا السبب، تبقى المعارك القانونية الدائرة الآن شديدة الأهمية. فالمحكمة العليا لا تستطيع فرض دعم ترامب لأوكرانيا، لكنها قادرة على حماية العقود الحكومية، والدفاع عن الموظفين من الفصل التعسفي، ومنع العبث بالمؤسسات التي أُنشئت بقوانين الكونجرس. بكلمات أخرى، يمكنها حماية النظام الدستوري.

ومع ذلك، حين أتحدث عن «النظام الدستوري»، أشعر بأن المصطلح قد يبدو أكاديميًا ومعزولًا عن الواقع. لكن الحقيقة أن ترامب، عبر تقويض هذا النظام، يهدد استقرار الولايات المتحدة نفسها.

لقد وقع الضرر فعلا. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: كم من الانتخابات سنحتاج قبل أن يصدق حلفاؤنا من جديد أننا شريك يمكن الوثوق به؟

وبوصفي محافظًا، لطالما آمنت بمبدأ «سياج تشيسترتون»، الذي يذكّرنا بأهمية معرفة سبب وجود أي نظام قبل التفكير في تغييره أو إزالته. فالتغيير المدروس يتطلب فهم الأسس التي بُني عليها الحاضر.

لكن ما يفعله ترامب الآن لا علاقة له بالحكمة أو الحذر؛ إنه يهدم الأسوار وهو مستمتع دون تفكير. ومع كل مؤسسة يطيح بها، يدمر الثقة. والثقة، حين تنهار، يصعب ترميمها.

ديفيد فرينش كاتب متخصص في قضايا القانون والثقافة والدين والنزاعات المسلحة، وهو من قدامى المحاربين في حرب العراق ومحام سابق في القضايا الدستورية. من مؤلفاته الأخيرة: «إذا انقسمنا سقطنا: تهديد الانفصال في أمريكا وكيفية إنقاذ الوطن».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

هل تنجح الولايات المتحدة في إيقاف إسرائيل عن حرب غزة؟

قبل عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض بـ24 ساعة بدأت الهدنة في قطاع غزة بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي أقرت بضغط أمريكي كبير قبل أن يتسلم ترامب رسميا حكم الولايات المتحدة، إلا أنه بعد أسابيع قليلة انهارت الهدنة وفرضت إسرائيل حصارا خانقا على القطاع ارتكبت خلاله مجازر يندى لها الجبين، وبعد انتهاء الحرب الإيرانية الإسرائيلية عاد الضغط الأمريكي على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لوقف العدوان وبدء هدنة جديدة.

الهدنة في غزة

وفي هذا السياق، بدأ الرئيس الأمريكي في الضغط لإبرام صفقة يطلق بموجبها سراح الرهائن الإسرائيليين من قبضة فصائل المقاومة الفلسطينية وإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس.

وبحسب تقرير صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية، فإن مسئول أمريكي أكد التفاؤل بشأن التوصل إلى اتفاق، ولكن على الجانب الآخر فإن نتنياهو لازال يتعنت في هذا الأمر إلى جانب استمرار عمليات الاحتلال ضد سكان القطاع.

وفيما يتعلق بالوضع على الأرض فإن آلة القتل الإسرائيلية لازالت تحصد أرواح الأبرياء والمجوعين في غزة، الباحثين عن شربة ماء أو كسرة خبز.

الرئيس اللبناني يطالب بالانسحاب الإسرائيلي من النقاط الخمس خلال الرد على الطلب الأمريكيأوروبا تُندد بالتهديدات الإيرانية للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذريةالجيش الإسرائيلي يتعمد قتل الفلسطينيين

واعترف جنود وضباط من الجيش الإسرائيلي، باستهداف الفلسطينيين الذين يتسابقون للوصول إلى منافذ توزيع المساعدت في غزة، للحصول على الطعام، بحسب تقرير نشرته صحيفة ها آرتس الإسرائيلية الأسبوع الماضي.

ولازال نتنياهو يتعلل بالرهائن وهدف هزيمة حماس، للاستمرار في العدوان، قائلا: "سيتعين علينا حل الوضع في غزة وهزيمة حماس، وأعتقد أننا سنحقق كلا الهدفين علاوة على ذلك، تبرز فرص إقليمية أوسع - وفي جميعها تقريبًا، أنتم شركاء".

ترامب يعتزم توقيع أمر تنفيذي لتخفيف العقوبات على سوريارئيس معهد العقل النووي الإسرائيلي: خسائر الهجوم الإيراني ضدنا تقدر بـ540 مليون دولارجهود ترامب بشأن هدنة غزة

ودعا ترامب أمس الأحد إلى إحراز تقدم في محادثات وقف إطلاق النار في حرب غزة، وصرح مسؤول إسرائيلي بأنه يجري التخطيط لزيارة نتنياهو إلى واشنطن في الأسابيع المقبلة، في إشارة إلى احتمال وجود تقدم نحو اتفاق جديد، حيث سيبحث التطورات بشأن إيران وغزة.

وكتب ترامب عبر منصته "تروث سوشيال": "أبرموا صفقة في غزة. استرجعوا الرهائن!!!".

رفع ترامب التوقعات الجمعة الماضية بشأن التوصل إلى اتفاق، قائلاً إنه قد يكون هناك اتفاق لوقف إطلاق النار خلال الأسبوع المقبل وردًا على أسئلة الصحفيين، قال: "نحن نعمل على غزة ونحاول حلها".

وكان من المقرر أن يسافر رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، وهو مستشار كبير لنتنياهو، إلى واشنطن هذا الأسبوع لإجراء محادثات بشأن وقف إطلاق النار.

وقال ترامب إن "نتنياهو الآن بصدد التفاوض على صفقة مع حماس، والتي ستتضمن استعادة الرهائن"، فكيف يُعقل أن يُجبر رئيس وزراء إسرائيل على الجلوس في قاعة المحكمة طوال اليوم، بلا سبب؟".

الخارجية الإيرانية تنتقد تلاعب ترامب بملف رفع العقوبات عن طهرانوزير الخارجية الروسي يحذر من زيادة الانفاق العسكري لحلف الناتوأوامر إخلاء غزة

وفي خضم كل هذه التطورات، أمر جيش الاحتلال الإسرائيلي أمس الأحد بإجلاء جماعي للفلسطينيين من مساحات واسعة من شمال غزة.

بدأت العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023، وتسبب في استشهاد أكثر من 56 ألف شخص، وتسببت الحرب في كارثة إنسانية، وشردت معظم سكان غزة، غالبًا عدة مرات، وأدت إلى تدمير جزء كبير من المشهد الحضري للقطاع.

وتقول حماس إنها مستعدة لإطلاق سراح جميع الرهائن مقابل انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية وإنهاء الحرب، بينما ترفض إسرائيل هذا العرض، قائلة إنها ستوافق على إنهاء الحرب إذا نزعت حماس سلاحها وذهبت إلى المنفى، وهو أمر ترفضه الحركة.

دعوات إسرائيلية لوقف العدوان على غزة

وفي الداخل الإسرائيلي، عادت مرة أخرى التظاهرات المطالبة بوقف الحرب والإفراج عن الرهائن من غزة، حيث توقفت التظاهرات خلال الـ12 يوما التي شنت خلالهم دولة الاحتلال حربا ضد إيران بهدف القضاء على قدراتها النووية.

حماس: إسرائيل تستهدف مستودعات توزيع المساعدات وخيام النازحين في غزةالشرع يطالب بإنسحاب إسرائيلي من الجولان لعقد سلام

وقالت إيناف زانغاوكر، والدة أحد الرهائن، خلال المسيرة: "هناك صفقة مطروحة، وما يمنعها هو رفض نتنياهو إنهاء الحرب".

في وقت سابق من هذا الشهر، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في مقال بمجلة تايم الأمريكية يدعو فيه نتنياهو إلى دعم وقف إطلاق النار الذي توسط فيه ترامب قائلا: "في الأيام القليلة المقبلة، سيواجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو خيارًا حاسمًا بين "حرب خداع" ذات دوافع سياسية في غزة، وبين صفقة لإطلاق سراح جميع الرهائن مع إنهاء الحرب، وعليه أن يختار بين وزيريه اليمينيين المتطرفين - إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش - أو التحالف مع دونالد ترامب".

قال نتنياهو في اجتماع الأمن يوم الأحد إن "العديد من الفرص قد انفتحت" بعد "انتصار" إسرائيل في إيران، ولأول مرة بدا أنه يُعطي الأولوية لتبادل الرهائن على هزيمة حماس، مما يُشير إلى رغبة محتملة في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار: "أولاً، إنقاذ الرهائن"، قال. "بالطبع، سنحتاج أيضًا إلى حل قضية غزة، وهزيمة حماس، لكنني أعتقد أننا سنحقق كلا المهمتين".

طباعة شارك الولايات المتحدة إيقاف إسرائيل عن حرب غزة إسرائيل حرب غزة الهدنة في قطاع غزة فصائل المقاومة الفلسطينية جيش الاحتلال الإسرائيلي الرئيس الأمريكي الحرب الإيرانية الإسرائيلية رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو جهود ترامب بشأن هدنة غزة أوامر إخلاء غزة

مقالات مشابهة

  • إيران: لا يمكن القضاء على تخصيب اليورانيوم بالقصف
  • أحمد موسى: لا يمكن أن ينام مواطن بالشارع في عهد الرئيس السيسي.. فيديو
  • دراسة: الإجهاد الحراري يدمر الشعاب المرجانية حول العالم
  • هل تنجح الولايات المتحدة في إيقاف إسرائيل عن حرب غزة؟
  • الرئيس العليمي يجتمع بقيادة تكتل الأحزاب ويتحدث عن تحديات لا يمكن تجاهلها
  • نائب: لا يمكن للدولة في عهد الرئيس السيسي طرد أي مستأجر قديم
  • ترامب: الولايات المتحدة لا تقدم لإيران أي شيء
  • تقييم المناطق التي دمرها النظام البائد بدير الزور لإعادة إعمارها
  • هل حان وقت تذكر الولايات المتحدة لخطورة سياسة تغيير الأنظمة وفشلها تاريخيا؟
  • بعد ضربه إيران.. ترامب أخرج الولايات المتحدة من صدمات العراق