"الجارديان": تهديدات ترامب تقوض إصلاح النظام الضريبى الدولى.. تشكيل جبهة موحدة داخل الأمم المتحدة لصياغة نظام ضريبى عالمى أكثر عدالة
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
سلّطت صحيفة "الجارديان" البريطانية الضوء على خطاب الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب فى المكتب البيضاوى يوم الجمعة الماضي، والذى كشف عن نزوعه إلى مضايقة والتنمر على كل من يجرؤ على معارضته، حتى لو كانوا من حلفائه المفترضين، مثل أوكرانيا التى تخوض معركة من أجل بقائها.
وأشارت الصحيفة إلى أن الدول الساعية إلى إصلاح النظام الضريبى العالمى تحت مظلة الأمم المتحدة ستتابع كيف تفرض الولايات المتحدة إرادتها على الآخرين علانية.
وفى هذا السياق، تجرى مناقشات حول اتفاقية ضريبية جديدة للأمم المتحدة تهدف إلى السماح للدول بفرض ضرائب على النشاط الاقتصادى فى مكان حدوثه الفعلي، بدلًا من السماح للشركات متعددة الجنسيات بتحويل أرباحها إلى ملاذات ضريبية. ووفقًا لتقرير صادر عن "شبكة العدالة الضريبية" العام الماضي، تخسر الدول سنويًا نحو ٤٩٢ مليار دولار بسبب التهرب الضريبى من قبل الشركات، حيث يتحمل الجنوب العالمى أكبر الخسائر، ما يؤثر على الخدمات العامة الأساسية كالصحة والتعليم.
وأكدت الصحيفة أن إقرار الاتفاقية الجديدة سيؤدى إلى وضع إطار قانونى ملزم يجبر الشركات متعددة الجنسيات على دفع الضرائب فى الدول التى توظف فيها عمالتها وتزاول أعمالًا حقيقية، بدلًا من تحويل أرباحها إلى دول ذات معدلات ضرائب منخفضة. وسيُستبدل بذلك مبدأ "طول الذراع" التقليدى بنظام ضرائب موحد يضمن التوزيع العادل للأرباح، ما سيضع حدًا لاستغلال شركات مثل أمازون وجوجل وآبل للثغرات الضريبية عبر تحويل المليارات إلى دول توفر معدلات ضرائب متدنية، بينما تحقق أرباحها الفعلية من أسواق ذات ضرائب مرتفعة.
قبل انتخاب ترامب، كانت الدول الثمانى المعارضة لاتفاقية الأمم المتحدة الضريبية - وهى أستراليا وكندا وإسرائيل واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة - مسئولة عن نصف الخسائر الضريبية العالمية. إلا أن أنماط المعارضة تختلف، فهناك معارضة بناءة وأخرى هدامة. فعندما بدأت مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتعاون الضريبى الدولى الشهر الماضي، التزم جميع المشاركين بالمبادئ التوجيهية باستثناء ممثل ترامب، الذى انسحب متحديًا داعيًا الآخرين إلى السير على خطاه، لكن لم يستجب أحد، تاركًا واشنطن فى عزلة. وهكذا تحوّل شعار ترامب من "أمريكا أولًا" إلى "أمريكا وحدها".
ورغم العزلة، تظل الولايات المتحدة تتمتع بنفوذ هائل. وكما يشير تقرير شبكة العدالة الضريبية حول تداعيات سياسات ترامب الضريبية، فإن المحادثات بين أكثر من ١٢٠ دولة بشأن فرض ضرائب على الخدمات الرقمية عبر الحدود -بقيادة منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) التى تخضع لنفوذ واشنطن - تتجه نحو مواجهة حتمية. وقد استخدم ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية ضد كندا والاتحاد الأوروبى كطلقات تحذيرية، مستهدفًا الدول التى تجرؤ على زيادة الضرائب على الشركات متعددة الجنسيات، وخصوصًا الأمريكية. وأوضحت "الجارديان" أن هذه المعركة لا تتعلق فقط بالضرائب، بل تمتد إلى السيادة الوطنية، حيث تحاول إدارة ترامب فرض نظام يحمى أرباح الشركات من الضرائب العادلة، إلا أن العالم بدأ فى المقاومة.
لطالما مارست الولايات المتحدة حق النقض غير الرسمى على القوانين الضريبية العالمية، مستخدمة نفوذها لتوجيه -ثم عرقلة- أى مقترحات تقودها منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية. غير أن هذا النهج أصبح غير مستدام. إذ تُظهر التحالفات المتزايدة الداعمة لاتفاقية الأمم المتحدة الضريبية أن العديد من الحكومات باتت تفضل رسم مسارها الخاص بعيدًا عن إملاءات واشنطن. وتضع عودة ترامب العالم أمام خيار واضح: إما الإبقاء على نظام مختل يُسهّل التهرب الضريبي، أو المضى قدمًا نحو إصلاح ضريبى عالمى من دون الولايات المتحدة.
واختتمت "الجارديان" تقريرها بالتأكيد على أن تشكيل جبهة موحدة داخل الأمم المتحدة يعد أمرًا ضروريًا لصياغة نظام ضريبى عالمى أكثر عدالة، بعيدًا عن نفوذ واشنطن. فكما نجحت اتفاقية حظر الذخائر العنقودية دون مشاركة الولايات المتحدة، يمكن للنظام الضريبى العالمى أن يتغير أيضًا دون الحاجة إلى موافقة واشنطن، بل يحتاج فقط إلى إرادة دولية للمضى قدمًا بشكل جماعي.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الولایات المتحدة الأمم المتحدة ضرائب على
إقرأ أيضاً:
استراتيجية الأمن القومي 2025 الأمريكية تعيد تشكيل نظرة واشنطن للعالم
تُعدّ استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 إحدى أكثر الوثائق تأثيرا في رسم ملامح السياسة الدولية خلال العقد المقبل، إذ لا تكتفي بتحديد التهديدات التقليدية، بل تقدّم رؤية أعمق تعكس تحوّلا أيديولوجيا في الطريقة التي ترى بها الولايات المتحدة موقعها في العالم. فوفق تحليلات مؤسسات بحثية بارزة مثل معهد بروكينغز ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن الوثيقة تمثل انتقالا من "إدارة النظام الدولي" إلى "التنافس على تشكيله"، في لحظة عالمية يغلب عليها الاضطراب وتراجع اليقين. هذا الانتقال من "الإدارة" إلى "التشكيل" هو جوهر التحول الاستراتيجي؛ إنه اعتراف بأن العصر أحادي القطب قد انتهى، وأن واشنطن تسعى لفرض نموذجها وقيمها في مواجهة نماذج بديلة.
الصين من "منافس استراتيجي" إلى "خصم حضاري شامل"
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذه هي المرة الأولى التي تنظر فيها واشنطن إلى الصين باعتبارها قوة نظامية تريد تشكيل قواعد اللعبة الدولية بدلا من التكيّف معها. ولذلك تنتقل المنافسة بين الطرفين إلى مجالات استراتيجية تشمل التكنولوجيا المتقدمة، وسلاسل التوريد، والذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتأثير المؤسسات الدولية. استخدام مصطلح "الحضاري" يعمق الانقسام الأيديولوجي، مما يرفع المنافسة لتكون صراعا وجوديا بين نموذجين متنافسين يمتد ليشمل المؤسسات الثقافية والتعليمية.
تضع الاستراتيجية الجديدة الصين في صدارة التهديدات، مستخدمة مصطلحا لافتا هو "الخصم الحضاري الشامل" هذا التوصيف يعكس قناعة أمريكية بأن بكين لا تسعى فقط إلى التفوق الاقتصادي والعسكري، بل تهدف إلى إعادة صياغة النظام العالمي وفق نموذج حكمها المركزي ونسختها الخاصة من الحداثة. روسيا تهديد يمكن احتواؤه لا منافسته
على الرغم من استمرار الحرب في أوكرانيا، تتعامل الاستراتيجية الأمريكية مع روسيا بوصفها تهديدا "حادّا ومباشرا" لأمن أوروبا، لكنها ليست منافسا شموليا للنظام الدولي كما هي الصين. وتتبنى واشنطن مقاربة "إدارة الصراع" مع موسكو، في محاولة للحفاظ على تركيزها الاستراتيجي على آسيا.
ويرى خبراء في "تشاتام هاوس" أن هذا التحوّل قد تكون له انعكاسات مباشرة على الأمن الأوروبي، حيث يُخشى أن يؤدي إلى تقليص انخراط الولايات المتحدة تدريجيا في القارة، ما يدفع الأوروبيين إلى تطوير مفهوم "الاستقلال الاستراتيجي" بشكل أسرع، مهما كانت العقبات السياسية والاقتصادية. هذا التمييز يكرس "الانتقائية الاستراتيجية" الأمريكية، حيث تُعتبر روسيا تحديا تكتيكيا ومؤقتا يجب "إدارته" لتجنب تشتيت الانتباه عن محور التنافس الحاسم في آسيا.
أوروبا الحليف المتوتر والعاجز عن حماية هويته
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي.
وقد أثار هذا القسم جدلا واسعا، حيث اعتبر "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" أن واشنطن أصبحت تنظر إلى أوروبا بوصفها الحلقة الأضعف في النظام الغربي. وتبدو هذه الرؤية إشارة مباشرة إلى الأوروبيين بأنهم مطالبون بتقليل اعتمادهم الأمني على الولايات المتحدة، خاصة في ظل التحولات المتسارعة في موازين القوى العالمية. هذا القسم يؤكد أن الولايات المتحدة تستعد لـ "تقاسم العبء" بشكل أكثر صرامة، ويربط الأمن بالهوية، مما يظهر قلقا أميركيا عميقا يتجاوز القدرات العسكرية وصولا إلى تماسك النموذج الغربي نفسه.
تحالفات جديدة قائمة على الهوية والقيم
تتبنى الاستراتيجية الجديدة مبدأ "التحالفات المعيارية"، حيث تمنح الولايات المتحدة الأولوية للتعاون مع الدول التي تشترك معها في الهوية الحضارية والقيم السياسية، أكثر من تلك التي تتقاطع معها في المصالح وحدها. ويرى مركز "بروكينغز" أن هذا التحوّل قد يعمّق الانقسام الدولي، لأنه يعيد اصطفاف الدول وفق اعتبارات أيديولوجية وثقافية، بدلا من المنطق البراغماتي الذي حكم العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة. هذا التحول يمثل عودة إلى الاصطفافات الأيديولوجية والثقافية، مما قد يعمّق الانقسام بين المعسكرات الدولية، على حساب العلاقات القائمة على المصالح المادية وحدها.
عالم متعدد الأقطاب.. ومع ذلك مضطرب
توضح الاستراتيجية أن العالم يتجه نحو تعددية قطبية مضطربة، حيث تزداد القوى المؤثرة وتتناقص القدرة الأمريكية على ضبط الإيقاع العالمي. وتبرز آسيا كالمسرح الرئيس للتنافس، مدفوعة بصعود الصين والهند وتوسع تأثيرهما في الاقتصاد والتكنولوجيا.
لا تخفي الاستراتيجية لهجتها النقدية تجاه أوروبا، التي تتهمها بأنها تعاني "تآكلا حضاريا" نتيجة التحولات الديموغرافية والضغوط الاجتماعية الناتجة عن الهجرة والثقافات المتعددة. وترى الوثيقة أن هذه العوامل أضعفت قدرة أوروبا على حماية نموذجها الليبرالي. وتؤكد الوثيقة أن التكنولوجيا ـ وخاصة الذكاء الاصطناعي، والبنى التحتية الرقمية، والأنظمة ذاتية التشغيل، وحروب الفضاء والفضاء السيبراني ـ ستكون الميدان الرئيس للصراع القادم. وفي هذه البيئة، تدخل أوروبا مرحلة من الشكوك العميقة حول مستقبل الضمانات الأمريكية، بينما تتزايد الدعوات لإنشاء منظومة دفاعية أوروبية أكثر استقلالا.
ويرى "تشاتام هاوس" أن العقد المقبل سيشهد تحالفات مرنة وصراعات طويلة وتنافسا أعمق بين النماذج الحضارية، في عالم تتداخل فيه القوة العسكرية مع التكنولوجيا والقيم في آن واحد. النقطة الجوهرية هنا هي أن "من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل". هذا يرفع من قيمة "التنافس التكنولوجي" ليصبح مساويا في الأهمية للتنافس العسكري والجيوسياسي.
بداية عصر جديد من التنافس الشامل.. واستشراف لمستقبل مضطرب
تكشف استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 أن الولايات المتحدة ترى نفسها في قلب صراع طويل على هوية النظام الدولي. فالصين خصم حضاري شامل، وروسيا تهديد يمكن ضبطه، وأوروبا حليف يحتاج إلى إعادة تأهيل، بينما تتحول التكنولوجيا إلى الركيزة المركزية للقوة في القرن الحادي والعشرين.
وتشير هذه الرؤية إلى أن الولايات المتحدة تتجه إلى تركيز جهودها على آسيا، باعتبارها محور التنافس الحاسم. وهذا سيقود على الأرجح إلى تراجع نسبي للدور الأميركي في أوروبا والشرق الأوسط، ما قد يخلق فراغات استراتيجية لن تستطيع القوى المتوسطة ملأها بسهولة.
أما على المدى البعيد، فإن العالم يبدو أنه متجه نحو نظام متعدد الأقطاب لكنه عالي التوتر، حيث تتداخل المنافسة في ثلاثة مجالات رئيسية: التكنولوجيا الفائقة، والموارد الاستراتيجية، والتحالفات القائمة على الهوية الثقافية والقيم.
وإذا لم تُطوَّر آليات دولية لإدارة هذا التنافس، فإن العالم قد يدخل مرحلة "اللاسلم واللاحرب المستدامة" التي يتوقعها العديد من الباحثين في الأمن الدولي مرحلة لا تشهد حروبا كبرى، لكنها لا تعرف سلاما مستقرا كذلك.
إن هذه الاستراتيجية، في جوهرها، ليست وثيقة أمنية فحسب، بل خريطة للعالم القادم: عالم تتقاطع فيه الجغرافيا مع التكنولوجيا، ويتنافس فيه المنطق الحضاري مع المصالح الاقتصادية، وتعود فيه القوة إلى معناها الأكثر تعقيدا: من يملك التكنولوجيا، يملك مفاتيح المستقبل.
السيناريو المستقبلي المتوقع هو نظام عالمي غير مستقر، حيث تكون المنافسة المستمرة هي القاعدة الجديدة، بدلا من السلام المستدام.