فجأة بدأ الإعلان الكثيف قبل يومين عن خطاب جديد يقدمه رئيس تحالف صمود د. عبدالله حمدوك للأمة السودانية. واليوم استمعنا لخطة متكاملة يضطلع بها الرجل، وقبل الإجابة على سؤال العنوان دعونا نتلمس ماضي حمدوك القريب في علاقته بالمجتمع الدولي لتبين ما إذا كان الذي نطق به اليوم هو بالفعل الخطة القادمة لتعامل المجتمع الدولي بشأن السودان وحربه: دخل حمدوك عتبة القيادة السياسية، وهو يستحسن الظن في أطراف الوثيقة الدستورية بأن يعينوه عوضاً عن وضع المتاريس أمامه.

فالرجل الهادي الطبع واجه أعضاء مكون عسكري معظمهم ملطخون بالدماء. وكأنهم يضحكون بعضهم بعضاً حين يسمعونه يجدد الحديث دائماً عن تقديم شراكة سودانية مميزة في التآخي بين العسكر والمدنيين للعبور نحو كمال الديمقراطية. فالعسكر في عالمنا الثالث يدركون نقاط ضعف المدنيين في أوطان يتغلب فيها صوت السلاح على صوت العقل في كل الحالات، وبالتالي تبدو فرصهم للانقضاض على السلطة في أي لحظة توازي عدداً من العقود في الكفاح المدني حتى يفرض إرادته. جاءت وزارة حمدوك للسلطة، وهي خلو من مخالب قوية للأجهزة النظامية الفاعلة التي ورثها المكون العسكري. بل إن كل أعضائه ترقوا في السلم الوظيفي نتيجةً لذبحهم المهنية. فالوثيقة الدستورية، التي هي حكم وقتها بسبب التوازن في القوة الذي دخل به الوسطاء لتجاوز الأزمة، كانت تحمل جرثومة فنائها. ذلك بسبب ضعف الضمانات بأن يلتزم المكون العسكري - وعلى رأسه البرهان - بتعزيز خطى الشراكة الانتقالية بما يجعلها مثمرة حتى تقود إلى الانتخابات. ومن مكمن غياب الضمانات تلك كانت فكرة حمدوك للاستعانة بالبعثة الدولية التي جاءت بفولكر. ومن ناحية أخرى كان حظ المدنيين المتشاكسين مع حمدوك أن يُسير كل طرف الانتقال بناءً على منظوره السياسي، أو الأيديولوجي. ولما انقسم المدنيون بدافع أنانيتهم السياسية ضعفت حظوظ حمدوك في الحفاظ على قاعدة الثورة. وبدا أن المطلوب إسقاط حكومته بواسطة الحزب الشيوعي مقابل دفاع مستميت من أحزاب ضعيفة القاعدة، وهروب مبكر لحزب الأمة من تحمل المسؤولية. وفي هذا الوضع وجد حمدوك نفسه بين اصطراعات قاعدته التي سهلت تآمر المكون العسكري، ومن خلفه الدولة العميقة التي يتولاها الفلول الإسلاميون. وقريب من هذه المشاهد كانت الحركات المسلحة الموقعة على إعلان الحرية والتغيير قد مثلت خصماً من الرصيد القاعدي لرئيس الوزراء الطموح، وفضلت تهيئة الأوضاع للانقلاب على حكومة الثورة التي منحتها السلطة عبر اتفاق جوبا. لكل هذه الأسباب المختصرة، وهناك أخرى، ترنحت حكومة حمدوك الأولى التكنوقراطية، وفشلت الثانية الحزبية في إنقاذ خطط حكومته للإصلاح السياسي، والاقتصادي، والدبلوماسي، والتربوي، والخدمي،والإعلامي، والزراعي، إلخ. ومع ذلك حافظ حمدوك على الدعم الإقليمي والدولي كنصير يتيم أمام تآمرات بني شعبه للحيلولة دون إنجاح مهمته الشديدة التعقيد. الآن يطرح الدكتور حمدوك حلاً للحرب عبر منصة "صمود" بعد مجهودات مكوكية للسلام بذلها مع تنسيقية القوى الديمقراطية "تقدم". وللأسف فقدْ فقدَ حمدوك عون معظم القاعدة التي دعمت إعلان الحرية والتغيير. بل إن تداعيات الاتفاق الإطاري ثم انقلاب البرهان فالحرب ضاعفت التصدعات وسط التيارات التي أسست ذلك التحالف المنتصر الذي زف حمدوك للوزارة. ضف إلى هذا أن الرجل واجه حملات مسعورة من الشيطنة، والوصف بالعمالة، والخيانة، في محاولة لقبر شخصيته العامة، بجانب تثبيت أهداف الحرب المعنية بطي صفحة ثورة ديسمبر، ومن ثم تدشين مرحلة استبدادية جديدة بعد التعديلات الدستورية التي أجراها البرهان لحيازة الحكم المطلق في أراضيه المحررة. وعلى كل حال فإن الأسباب الموضوعية التي منعت حمدوك من إنجاز مهامه كرئيس للوزراء، وقائد لتقدم، تكثفت أكثر فأكثر، وتناسلت للدرجة التي يصعب معها القول إن الرجل قد أخطأ التقدير في تنمية حلمه الوطني لخلق اختراق مع جماعته الضعيفة القاعدة الآن لإيقاف الحرب. مهما يكن من أمر قبول أو عدم قبول رجاءات ومناشدات حمدوك الأطراف الداخلية المعنية بإيقاف الحرب، فإن حديث حمدوك الجديد رسم خطة للمجتمع الدولي للتعامل بشأن الحرب، وما بعدها. ولا أتخيل أن الرجل تحرك في الفراغ ليطرح مبادرته دون التشاور مع اصدقائه في الاتحاد الأفريقي، والمحيط الإقليمي، والدولي. نداء حمدوك الأخير مهم للغاية فهو يحوز على علاقات إقليمية، ودولية، لا نجد قيادياً سياسياً في مشهدنا السوداني يماثله في هذه الحظوة التفضيلية. فضلاً عن ذلك فإنه مؤهل علمياً، وعملياً، ومدرك لفداحة أوضاعنا السياسية الداخلية، والإقليمية، والدولية، وتعاريجها من خلفية اكتسابه التجربة خلال تقلده منصبه الانتقالي السابق. لا أتخيل أن الأطراف الفاعلة في المشهد الآن مستعدة للاعتبار بنداء حمدوك في ظل الانقسام المجتمعي الحاد. وحسب الرجل فقط ألا يقنط من رحمة تأتي لمساعيه الدولية النبيلة، وهو محاط بالتحديات الموضوعية التي تمسك بتفاصيل راهن الشأن السياسي. وفوق كل ذلك فإن الملعب السياسي جامد أمام قبول أي مبادرات خيرية لإيقاف الحرب خصوصا في ظل إصرار قادة الموتمر الوطني المنحل على مواصلة الحرب. بعيداً عن ضعف قاعدة تحالف صمود فإن تحركات رئيسها في المشهد الدولي ستظل موثرة في محصلة التوجه الإقليمي والدولي نحو السودان أكثر من تأثيره على محصلة توجه السودانيين مجتمعين للتقرير بشأن بلادهم. ولكل هذا أرى أن نداء حمدوك الجديد مدفوع بدعم من الاتحاد الأفريقي، ومباركة إقليمية ودولية لدفع الأطراف المعنية بحالة السودان لإنقاذه من استمرار الحرب.

suanajok@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

في أول نداء له.. البابا ليو الرابع عشر: "كفى حروبًا"

البابا ليو الرابع عشر يُطلق نداءً للسلام من كاتدرائية القديس بطرس في ظل التوترات الدولية المتصاعدة. اعلان

ناشد البابا ليو الرابع عشر، في أول رسالة له أمام الحشود في ساحة القديس بطرس يوم الأحد، القوى العالمية الكبرى لوضع حد للحروب والصراعات، قائلا بصوت حازم: "كفى حروبا".

وفي ظهوره الأول كحبر أعظم منذ انتخابه في 8 مايو/أيار الجاري، وجه البابا الجديد دعوة ملحة إلى تحقيق "سلام حقيقي ودائم" في أوكرانيا، مطالبا بإنهاء القتال هناك، كما دعا إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، مع التأكيد على ضرورة إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس.

وبدأ البابا الجديد كلمته بتوجيه التحيّة إلى الحاضرين في الساحة بقوله: "أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يوم أحد سعيد!"

وأعرب البابا، أول شخصية أمريكية تتولى الكرسي البابوي، عن اعتباره إلقاء خطابه الأول في يوم الراعي الصالح الذي يلي عيد الفصح ميزة روحية خاصة. وأضاف: "أعتبر ذلك نعمة وهدية من الله".

Relatedحتى بعد رحيله... سيارة البابا فرنسيس في خدمة أطفال غزةالكرادلة يدخلون مرحلة الصمت الانتخابي قبيل انعقاد المجمع المغلق لاختيار البابا الجديدليو الرابع عشر.. من هو البابا الجديد؟

والبابا البالغ من العمر 69 عامًا والمولود في مدينة شيكاغو الأمريكية، انتُخب رسميًّا البابا رقم 267 للكرسي الرسولي يوم الخميس الماضي.

وقد ظهر أمام الحشود من الشرفة نفسها التي اعتاد أسلافه الظهور منها، حيث وجّه رسالة جامعة دعا فيها إلى السلام والوحدة بين البشر.

وتأتي دعوته في وقت تتصاعد فيه الأزمات بين عدد من الدول، كان آخرها التوتر بين باكستان والهند، حيث بلغت الأوضاع حدَّ استخدام الأسلحة الثقيلة والصواريخ بين الجارتين قبل أن يعود الهدوء إلى المناطق المتضررة بعد تدخل أمريكي لاحتواء الموقف.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • ولي العهد: مدركون لحجم التحديات بمنطقتنا.. ولابد من حل دائم لإيقاف الحرب في غزة
  • وزير الخارجية السيد أسعد الشيباني لـ سانا: نرحب بتصريحات الرئيس دونالد ترامب الأخيرة بشأن رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا رداً على جرائم الحرب البشعة التي ارتكبها نظام الأسد.
  • من اليابان إلى مصر.. تطورات أمنية وثقافية تشغل الساحة الدولية
  • الهجرة الدولية: نزوح 60 أسرة يمنية خلال أسبوع جراء الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية
  • ???? الجهة التي سيقع عليها الدور بعد السودان سوف تبدأ الحرب فيها بالمسيرات
  • أوهام الخطاب السياسي عن الحروب والتفاوض
  • الشيباني: إسرائيل تستمر باعتداءاتها على أراضينا وتصعد الوضع ما أسفر عن سقوط ضحايا، ونطالبها الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية والانسحاب من الأراضي التي تحتلها في الجنوب
  • الصفدي: ننسق مع إخواننا في سوريا وتركيا والمجتمع الدولي من أجل وقف الاعتداءات الإسرائيلية وتطبيق القرارات الدولية بضرورة الانسحاب من الأراضي التي تحتلها
  • برلمانيو العالم الاحرار يدعون ترامب لإيقاف حرب الابادة في غزة
  • في أول نداء له.. البابا ليو الرابع عشر: "كفى حروبًا"