من الطبيعي أن تسارع أمريكا ومعها الكيان الصهيوني إلى رفض مخرجات القمة العربية بسبب خلو البيان الختامي من الأنياب التي تجعل العدو يفكر أكثر من مرة قبل تقدير الموقف وأن يعيد حساباته قبل المسارعة إلى الرد.

وقد صدر بيان القمة في 23 بنداً تعج كلها بالديباجة المكررة عن الموقف العربي الرافض والمؤكد والمطالب والشاجب، ولم يصدر بند واحد جديد يلوح بإجراء مختلف لتبرير أهمية القمة وللتعامل مع المستجدات التي شكلت انقلاباً في الموقف الصهيوني والأمريكي الرسمي بالمطالبة العلنية الوقحة بالتهجير وتصفية القضية.

ولعل أول بندين في بنود البيان الختامي للقمة حملا إجهاضًا لبقية البنود وذلك للأسباب الآتية:

1- حمل نص البند الأول في البيان خطيئة استراتيجية، إذ قال نصاً: (التأكيد على أن خيارنا الاستراتيجي هو تحقيق السلام العادل والشامل ….).

والخطيئة الاستراتيجية هنا هي أن النظام الرسمي العربي قيد نفسه بخيار السلام مع عدو يعلن الحرب صراحة، وهو ما يتطلب على الأقل موقفاً عربياً يقول إن شاء جميع الخيارات مفتوحة لمواجهة تصفية القضية، بينما اختار النظام الرسمي البقاء على خيار لا يصلح حتى لأن يكون خيارا تفاوضيا، وهو ما وصفته حركة الجهاد الإسلامي في تعليقها على مخرجات القمة بأنها لا تجيب عن التحديات الراهنة.

2- جاء في البند الثاني خطيئة أخرى، إذ قال نص البند الثاني: (تكثيف التعاون مع القوى الدولية والإقليمية، بما في ذلك مع الولايات المتحدة الأميركية، من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل في المنطقة…)

والخطيئة هنا هي أن الموقف الأمريكي معلن وهو الانحياز الشامل والكامل للموقف الصهيوني، بل والمطالبة العلنية بتهجير أهالي غزة وتعميمات بالكونجرس لاستخدام مصطلح “يهودا والسامرة” بديلاً عن الضفة كمقدمة للاعتراف بضم الضفة، وهو ما يتطلب موقف مواجهة وتلويح بالقطيعة ومراجعة العلاقات مع أميركا وليس التودد والتوسل لها كما جاء في متن البيان ومضمونه.

ولعل الخطة المصرية التي أجمع عليها العرب تشكل بديلاً لخطة التصفية الأمريكية، ولكن ثنايا هذه الخطة لا تخلو من فخاخ ونقاط للضعف تفقد الخطة قوتها وتفقد الأجماع هيبته، لأنها باختصار تتحدث عن قوات دولية، وهو ما طالبت حركة حماس بالتشاور بشأنه رغم ترحيبها بمخرجات القمة، كما تتحدث الخطة ويتحدث البيان عن مصطلح غريب ومريب وهو السلاح الشرعي.

ومصطلح السلاح الشرعي هنا لا يحمل أي مرجعية، فالمرجعية الراهنة التي يعمل النظام العربي الرسمي من خلالها هي مرجعية أوسلو، ولا تنص اتفاقية أوسلو على وجود أي سلاح شرعي، بل تنص على وجود مجلس تشريعي منتخب للشعب الفلسطيني في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وإنشاء قوة شرطة من أجل حفظ الأمن في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وتقول نصاً إن “إسرائيل” هي المسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي من أية عدوان خارجي وأنه لا يوجد جيش فلسطيني للسلطة الفلسطينية.

وبالتالي فإن الخطة تذهب إلى وجود سلطة للتنسيق الأمني بقوات للشرطة موجهة للداخل وتنزع عن الفلسطينيين أي ورقة لمقاومة الاحتلال.

واللافت هو أن ما ذهب إليه العرب بعد نحو شهر كامل من الخطة الوقحة التي أعلنها الرئيس ترامب وبعد تأجيل للقمة ووجود اجتماعات بينية في السعودية للتشاور، قد خرجت بهذه الهزالة رغم أن الوضع يقول إنها ربما تكون قمة الفرصة الأخيرة، وبالتالي جاءت الردود الصهيونية والأمريكية بشكل فوري لتؤكد هزالة المخرجات وعدم اتساقها مع خطورة اللحظة الاستراتيجية المفصلية.

الرد الأمريكي ودلالاته:

أمريكياً جاء الرد سريعًا، وعلى لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي برايان هيوز في بيان يقول: “لا يعالج الاقتراح الحالي حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليًا وأن السكان لا يستطيعون العيش بشكل إنساني في منطقة مغطاة بالحطام والذخائر غير المنفجرة، والرئيس ترامب يتمسك برؤيته لإعادة بناء غزة خالية من حماس. نتطلع إلى مزيد من المحادثات لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة”.

وهذا الرد يحمل دلالات على الاستخفاف الكبير بالنظام الرسمي العربي وبأن البيان لم يحمل مايجعل هناك حسابات أمريكية تفرض التروي والمراجعة قبل الرفض والتقزيم.

الرد الصهيوني ودلالاته:

انتقدت “إسرائيل” مخرجات القمة العربية بشكل فوري وسريع، معتبرة أنها “فشلت في معالجة الواقع بعد 7 أكتوبر 2023م” وتبقى “مرتبطة برؤى قديمة”.

كما انتقدت “إسرائيل” استمرار البيان في اعتماد خطة مصر بشأن غزة على السلطة الفلسطينية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، مشيرة إلى ما وصفته بـ”الفساد ودعم الإرهاب وفشل هذه الجهات في حل المشكل”، كما طالب الصهاينة بالعودة لمناقشة خطة ترامب للتهجير.

وهذا التعليق الصهيوني يشي باطمئنان كامل لردود الفعل العربية، وأنها لن تشكل رادعـًا للتصفية العلنية التي تطرحها “إسرائيل”، وخاصة وأن جميع البنود في بيان القمة التي تحدثت عن خرق الاتفاقيات والعدوان على الضفة وحرب الإبادة والتجويع جاءت بصيغ الإدانة والمطالبات!

لا شك أن هذه القمة لم تتسق مع خطورة اللحظة، ولم تشكل دعماً للمقاومة، ولم تعترف حتى بشرعية المقاومة وهي حق بالقانون الدولي، كما لم تلوح الى أي خيار آخر غير خيار السلام المزعوم وهو ما ترجمته أميركا وترجمه العدو الإسرائيلي إلى استسلام كامل، وبالتالي فإن الأمور تتجه لمزيد من الأطماع والمغريات مع عدو لا يفكر إلا في تحرير أسراه للتفرغ للفتك واستئناف حرب الإبادة والتجويع، ويبدو وأن النظام العربي فشل في قراءة هذه اللحظة التي تستوجب المقاومة أو على الاقل دعم المقاومة.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

3 يوليو.. خطاب الحسم وبداية الجمهورية الجديدة.. وطارق فهمي: البيان دليل على التوافق الوطني

في الذكرى الثانية عشرة  لثورة 30 يونيو، التي خرج فيها ملايين المصريين مطالبين بإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، تحل أيضًا ذكرى خطاب الثالث من يوليو 2013، حين أعلن وزير الدفاع آنذاك، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، خارطة مستقبل جديدة أنهت حكم الجماعة وفتحت الباب أمام مرحلة انتقالية فارقة.

ويؤكد الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن هذا الخطاب لم يكن مفاجأة، بل جاء تتويجًا لسلسلة من التحذيرات والرسائل وجهتها المؤسسة العسكرية إلى الرئاسة والإخوان، دون أن تجد استجابة.

ويرى فهمي أن القوات المسلحة لم تتخذ قرارها بعزل مرسي إلا بعد أن استوفت كل المسارات الممكنة للحوار، لكن تهديد المؤسسة العسكرية من قِبل قيادات الجماعة دفع نحو الحسم. 

ويضيف أن مشهد الخطاب، بحضور شيخ الأزهر والبابا تواضروس وعدد من الشخصيات الوطنية مثل محمد البرادعي وسكينة فؤاد ومحمود بدر، حمل دلالات قوية على أن ما جرى كان توافقًا وطنيًا واسعًا، وليس تحركًا منفردًا. فالصورة الجامعة خلف السيسي مثّلت، برأيه، رسالة رمزية بأن القرار جاء باسم كل أطياف المجتمع المصري.

ويضيف فهمي في تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الاجتماع الذي سبق الخطاب خلص إلى ضرورة وضع خارطة طريق واضحة، تضمنت تعطيل العمل بالدستور، وتكليف رئيس المحكمة الدستورية بإدارة البلاد، تمهيدًا لانتخابات رئاسية مبكرة. 

كما شملت بنودًا أخرى مثل تشكيل حكومة كفاءات، وتمكين الشباب، وإطلاق مصالحة وطنية. ويؤكد أن غياب عنصر المفاجأة عن الخطاب كان عاملاً مهمًا في تسويقه دوليًا، باعتباره استجابة وطنية لحراك شعبي واسع، وليس انقلابًا. وختامًا، وصف فهمي الخطاب بأنه لحظة مفصلية مثّلت بداية جديدة في تاريخ الدولة المصرية الحديثة.

طباعة شارك 3 يوليو 30 يونيو السيسي

مقالات مشابهة

  • تحول حاسم في تاريخ مصر الحديث| كيف أصبح 3 يوليو لحظة فاصلة بذاكرة السياسة؟.. قراءة في البيان
  • ارتفاع جنوني في أسعار الأسماك بعدن.. والموائد تخلو من الطعم!
  • «بوسنينة»: الخطوط الجوية الليبية لن تكون الشركة الأخيرة التي تتعرض لأزمة مالية
  • رمضان السيد: جون إدوارد “سمسار لاعيبة”.. والزمالك مليان كوادر تستحق الفرصة
  • ننشر نص البيان الأول للقائمة الوطنية من أجل مصر استعدادًا لانتخابات الشيوخ
  • مقر ولجنة مشتركة.. البيان الأول لـالقائمة الوطنية من أجل مصر استعدادًا لانتخابات الشيوخ
  • المالية تُحدّث رسوم رخص الإشغال واستثمار المياه.. إليكم هذا البيان
  • 3 يوليو.. خطاب الحسم وبداية الجمهورية الجديدة.. وطارق فهمي: البيان دليل على التوافق الوطني
  • أسبوع حافل بالصيام يبدأ من غدًا لنهاية الأسبوع القادم.. اغتنم الفرصة ولا تضيع الثواب
  • إلغاء ضغط الفرصة الواحدة بالثانوية.. شهادة البكالوريا تمنح الطلاب فرصة ثانية