القوى الحزبية: تراجع ترامب عن تهجير الفلسطينيين انتصار للدبلوماسية المصرية
تاريخ النشر: 13th, March 2025 GMT
تحالف الأحزاب يرحب بالتراجع الأمريكي عن تهجير الفلسطينيين من غزة.. ويثني على الموقف المصري الذي أفشل كل المحاولاتنائب رئيس حزب الاتحاد: تصريحات ترامب بشأن غزة نجاح لجهود مصر الدبلوماسية في التصدي لمخطط التهجيرحزب الإصلاح والنهضة يرحب بتراجع ترامب عن تهجير الفلسطينيين من غزة
رحبت القوى الحزبية بتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تصريحاته بشأن غزة بعد تأكيده بأنه لا أحد يريد طرد الفلسطينيين، مشددين على أنها بمثابة إنتصار للإرادة المصرية.
وفي هذا السياق..أصدر تحالف الأحزاب المصرية، الذي ينضوي تحت لوائه نحو 42 حزبًا سياسيًا، بيانًا، أعرب فيه عن ترحيبه لتراجع الموقف الأمريكي عن موقفه السابق تجاه قضية تهجير الفلسطينيين، مثنيًا كذلك على التصريحات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء أمس، الأربعاء، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء آيرلندا، مايكل مارتن، بأنه لا يوجد أي شخص سيُجبر على مغادرة قطاع غزة.
وقال الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية، النائب تيسير مطر، رئيس حزب إرادة جيل، وكيل لجنة الصناعة بمجلس الشيوخ، إن التراجع الأمريكي بشأن تهجير الأشقاء في غزة، انتصار للدبلوماسية المصرية وللقيادة السياسية المصرية التي بذلت جهودًا كبيرة في السبيل لعدم تصفية القضية الفلسطينية وتهجير مليوني فلسطيني بقطاع غزة، لافتًا إلى أن القرار الأمريكي جاء متسقًا مع الدعوات المصرية والعربية والدولية الرافضة للدعوات الرامية بتهجير الفلسطيني والأطروحات الأمريكية السابقة.
وأكد النائب تيسير مطر، أن الموقف المصري الرافض لهذه الدعوات منذ البداية، وتحركات الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ اللحظة الأولى، كانت عوامل حاسمة لإفشال أي محاولة لفرض حلول غير عادلة أو التلاعب بمصير الأشقاء الفلسطينيين، وكذلك رفض سياسة الأمر الواقع التي كانوا يحاولون فرضها عبر رؤية أحادية لا تلق قبولًا لأي طرف آخر.
وطالب الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية، بمواجهة الدعوات الإسرائيلية الماضية قدمًا في طريقها العنيف، بشأن التوجه الإسرائيلي نحو توسيع الاستيطان في الضفة، وهو ما كشف عنه وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي أكد التوجه الإسرائيلي نحو تشكيل مجموعات ضغط داخل إسرائيل والولايات المتحدة للعمل على تنفيذ خطة ترامب المتعلقة بالاستيلاء على غزة، في إطار توسيع الاستيطان في الضفة الغربية.
كما لفت النائب تيسير مطر، إلى ضرورة مضاعفة الجهد الدولي بشأن ما طرحته القمة العربية غير العادية الأخيرة التي عقدت في العاصمة المصرية القاهرة، لإعادة إعمار قطاع غزة، بتكلفة تقديرية تصل إلى 53 مليار دولار، على أن يتم تنفيذها على مدى خمس سنوات، مع التركيز على الإغاثة الطارئة والتنمية الاقتصادية، مطالبًا بضرورة تحمل الجمتمع الدولي مسئولياته تجاه حتمية حل الدولتين حتى يسود السلام في المنطقة.
وأشار الأمين العام لتحالف الأحزاب المصرية في ختام حديثه، إلى أننا أمام فرصة تاريخية للجلوس على مائدة الحوار ووضع حل جذري، إذا ما توافرت الإرادة الدولية الصادقة لحل مشكلة القضية الفلسطينية.
من جانبه..قال محمد سيف نائب رئيس حزب الاتحاد، إن تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن عدم تهجير الفلسطينيين من غزة، انعكاس لنحاح الموقف المصري وجهوده الدبلوماسية الكبيرة في التصدي لهذا المخطط من أول لحظة، مشيرا إلى أن هذا التصريح يعكس إدراك ترامب لواقع استحالة تغيير الواقع في قطاع غزة.
وقال "سيف"، إن بيان مصر يعكس الجهود الدبلوماسية الدقيقة والموازنة التي تسعى لحشد المواقف الدولية لصالح القضية الفلسطينية، مع الحفاظ على قنوات التواصل مع القوى الكبرى لضمان عدم فرض حلول واقع يضر بمصالح الفلسطينيين، الأمر الذي لن تقبله مصر.
ولفت نائب رئيس حزب الاتحاد إلى أن مصر أشارت بوضوح إلى حل الدولتين وفق حدود 1967، وهو ما يعيد التأكيد على موقف مصر الراسخ، باعتباره المسار الوحيد لإحلال السلام في المنطقة، مشيدا بمساعي مصر للبناء على تصريحات ترامب لإحلال السلام بناء على حل عادل للقضية الفلسطينية.
واختتم بالتأكيد على رفض مصر لأي محاولات لتغيير الواقع الديموغرافي في القطاع، وهو موقف ثابت لمصر منذ بداية الأزمة، مشددا على أن مصر ستواصل جهودها الدبلوماسية لدعم الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
كما رحب الدكتور هشام عبد العزيز، رئيس حزب الإصلاح والنهضة، بتراجع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن تصريحاته السابقة بشأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، معتبرًا أن هذا التراجع يؤكد عدم واقعية مثل هذه الطروحات التي تتعارض مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة في أرضه. وأكد أن الضغوط الدولية والتحركات الدبلوماسية، وعلى رأسها الموقف المصري الرافض لهذه الأفكار، كانت عاملًا حاسمًا في إفشال أي محاولة لفرض حلول غير عادلة أو التلاعب بمصير الفلسطينيين تحت أي مبرر.
وأضاف أن الموقف الأمريكي خلال الفترة الماضية كان يحمل إشارات مقلقة حول إمكانية دعم سياسات التهجير القسري، ولكن التراجع عن هذه الطروحات يُثبت أن المجتمع الدولي لا يمكنه القبول بمثل هذه المخططات التي تكرس الاحتلال وتفتح الباب أمام موجات جديدة من عدم الاستقرار في المنطقة. وأوضح أن هذا التغيير في الخطاب السياسي يجب أن يُترجم إلى خطوات عملية تدعم بقاء الفلسطينيين في أراضيهم، وتعزز الجهود الدولية لإعادة إعمار غزة، وليس الاكتفاء بتصريحات سياسية لا تحمل ضمانات حقيقية لحماية الحقوق الفلسطينية.
وأشار إلى أن هذا التراجع يعكس أيضًا فشل أي محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع على الفلسطينيين، وهو ما شددت عليه مصر منذ بداية الأزمة، حيث كان موقفها واضحًا برفض أي حديث عن تهجير سكان غزة، ودعم حق الفلسطينيين في البقاء في وطنهم وإقامة دولتهم المستقلة. وأضاف أن الجهود المصرية المتواصلة، إلى جانب التحركات العربية والدولية، كانت حائط الصد الأول في مواجهة هذه الأفكار، وهو ما دفع بعض الأطراف الدولية إلى إعادة النظر في مواقفها والاعتراف بعدم إمكانية تنفيذ مثل هذه المخططات.
واختتم تصريحه بالتأكيد على أن حزب الإصلاح والنهضة يرى في هذا التراجع خطوة إيجابية لكنها غير كافية، مشددًا على ضرورة التزام المجتمع الدولي بالعمل الجاد نحو تحقيق حل الدولتين كخيار وحيد يضمن الاستقرار والسلام في المنطقة. وأكد أن التصريحات وحدها لا تكفي، بل يجب أن تُترجم إلى إجراءات واضحة تضمن وقف الاعتداءات على الشعب الفلسطيني، ورفع الحصار عن غزة، وإعادة إعمار ما دمره العدوان، مع التزام دولي كامل بمنع أي محاولات مستقبلية لتهجير الفلسطينيين أو المساس بحقوقهم التاريخية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مصر ترامب فلسطين غزة التهجير المزيد تهجیر الفلسطینیین من الرئیس الأمریکی الأحزاب المصریة الموقف المصری دونالد ترامب فی المنطقة عن تهجیر قطاع غزة رئیس حزب ترامب عن أن هذا وهو ما إلى أن على أن
إقرأ أيضاً:
فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
فرصة مقيدة: هل تستفيد الصين من تراجع القوة الناعمة الأمريكية؟
تكشف العديد من استطلاعات الرأي حول العالم تراجعاً في صورة الولايات المتحدة الأمريكية منذ الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، واستمرت أزمة القوة الناعمة الأمريكية خلال ولاية ترامب الثانية. وبالتزامن مع ذلك، باتت الصين تتطلع إلى أداء دور أكثر نشاطاً على الساحة الدولية، مدركة بشكل أكبر أن صورتها الذهنية تصنع فارقاً، وعلى نحو جعل عالِم العلاقات الدولية الراحل، جوزيف ناي، يحذر، في مستهل عام 2025، من أن “الصين على أهبة الاستعداد لملء الفراغ الذي خلفته سياسات الرئيس ترامب”. وفي هذا الإطار، تُثار تساؤلات من قبيل: هل تملك الصين مقومات حقيقية للقوة الناعمة؟ وهل تستطيع الاستفادة من التراجع النسبي الأمريكي في هذا المجال؟
ترامب وتراجع القوة الناعمة:
قدّم جوزيف ناي، في عام 1990، مفهوم القوة الناعمة للدوائر الأكاديمية والسياسية الغربية، معرفاً إياها بأنها “قدرة الدولة على جعل الآخرين يريدون ما تريده”؛ ومن ثم فهي القدرة على تشكيل تفضيلات الآخرين، وتنبني بصورة رئيسية على جاذبية الأفكار والممارسات، بخلاف القوة الصلبة أو الخشنة التي تتضمن “إصدار الأوامر” وتستند بالأساس إلى الإكراه العسكري والحوافز الاقتصادية. واعتبر ناي أن الثقافة والقيم السياسية الليبرالية والسياسة الخارجية هي المرتكزات الرئيسية للقوة الناعمة الأمريكية، وقدم المفهوم باعتباره أساساً لرسم سياسة أمريكية أكثر فعالية. وفي العقود اللاحقة، ذاع مصطلح القوة الناعمة وارتبط بجهود الدبلوماسية العامة وبناء السمعة الدولية.
وقد حاولت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية تحقيق القيادة العالمية بالاستثمار في أرصدة القوة الناعمة، مع الاعتماد على الجاذبية والإقناع. ويمكن عزو القوة الناعمة الأمريكية خلال تلك الحقبة، بدرجة رئيسية، إلى تجسيد الولايات المتحدة للقيم الليبرالية، وحيوية مؤسساتها الديمقراطية، فضلاً عن النموذج الأمريكي الناجح المتمثل في مجتمع منفتح يستوعب مختلف الإثنيات.
وتبنى الرئيس ترامب، سواء في ولايته الأولى أم الثانية، سياسات أدت إلى تراجع القوة الناعمة الأمريكية، ومنها الآتي:
1- التشكيك في القيم الديمقراطية: تبنى الرئيس ترامب خطاباً سياسياً يشوه المؤسسات الإعلامية، ويقوض الثقة في الانتخابات الأمريكية مثلما حدث في عام 2020؛ مما نال بالسلب من صورة الولايات المتحدة كبلد يجسد تقاليد راسخة للانتقال السلمي للسلطة. وبعد تنصيبه رئيساً للمرة الثانية في يناير 2025، استمر ترامب في انتهاج السياسات ذاتها التي تنعكس سلباً على مصداقية الولايات المتحدة وقيمها الليبرالية؛ وهو ما ظهر مثلاً في التضييق على الحريات الأكاديمية والدخول في صدام مع بعض الجامعات الأمريكية.
2- تراجع واشنطن عن التزاماتها الدولية: بدت الولايات المتحدة كحليف دولي غير موثوق به، عبر تشكيك ترامب في جدوى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والهجوم على حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومطالبتهما بدفع مقابل أكبر للحماية الأمريكية، فضلاً عن الانسحاب من منظمة الصحة العالمية خلال ذروة انتشار وباء كورونا.
وفي ولايته الرئاسية الثانية، أعلن ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ بالرغم من تهديدات التغير المناخي، وكذلك الانسحاب من منظمة اليونسكو، فضلاً عن إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). كما أطلق ترامب تصريحات غير ودية تجاه حلفاء تقليديين مثل الدنمارك وكندا، وأيقظ المخاوف في أمريكا اللاتينية عبر تهديد بنما ثم فنزويلا. كذلك أدى إفراط ترامب في سياسات الحمائية التجارية إلى جعل الولايات المتحدة تبدو وكأنها شريك اقتصادي غير موثوق به.
وللتدليل على الضرر الذي ألحقته سياسات الرئيس ترامب بالقوة الناعمة الأمريكية، وجد استطلاع للرأي أجراه مركز (YouGov) في فبراير 2025 أن شعبية الولايات المتحدة قد انخفضت في سبع دول أوروبية هي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والدنمارك والسويد وإسبانيا وإيطاليا بنحو 8% منذ نوفمبر 2024 لتصل إلى 34%. وفي استطلاع رأي آخر أجرته (Le Grand Continent) في مارس 2025، كان ترامب ثاني قائد يحظى بأقل قدر من الثقة بين 13 قائداً سياسياً، بعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما رأى 70% من المبحوثين أنه يجب على أوروبا الاعتماد على قوتها الذاتية لضمان أمنها، مع تراجع نسبة من يثقون بمصداقية الولايات المتحدة كشريك قادر على الدفاع عن أوروبا إلى 10% فقط.
ركائز القوة الناعمة الصينية:
ظهر مصطلح القوة الناعمة لأول مرة في الصين في الخطاب السياسي الرسمي عام 2007، حين تحدث الرئيس السابق، هو جنتاو، في المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي، عن أهمية تعزيز القوة الثقافية الناعمة للصين. ويعمد الرئيس الحالي، شي جين بينغ، إلى التشديد على أهمية القوة الناعمة من خلال استدعاء المفهوم في العديد من اللقاءات والخطابات الرسمية، والتي تفصح عن إدراك متزايد لأهميته في تطور الصين كقوة عظمى، وضرورة تحسين القوة الصلبة في بُعديها العسكري والاقتصادي بالتوازي مع الارتقاء بالقوة الناعمة التي تقوم على القيم والأفكار والثقافة.
ويكشف تقصي السجالات الفكرية للأكاديميين الصينيين أن القوة الناعمة للصين ترتكز على عدد من المصادر والمقومات، من أهمها الإرث الحضاري الصيني، وثقافتها وما تحفل به من قيم مثل: احترام المجتمع، والتكامل ونبذ الشقاق، والتناغم الداخلي، واستيعاب الاختلافات. ويضاف إلى ذلك، خصوصية النموذج التنموي الصيني وجاذبيته للدول الفقيرة، بما يمنحه من أولوية للتنمية الاقتصادية والابتكار.
كما تسعى الصين إلى تعزيز قوتها الناعمة من خلال أدوات متعددة، منها ما يلي:
1- تبني سياسة خارجية نشطة: تشدد المقاربة الصينية على ضرورة أن تبدو سياستها الخارجية مشروعة وذات طابع أخلاقي، مع إبداء استعدادها لتسوية بعض النزاعات الحدودية مع جيرانها. إضافة إلى ذلك، هناك تنامٍ في عدد المؤسسات الدولية والإقليمية التي تشغل الصين عضويتها، كما أصبحت بكين منذ نهاية التسعينيات مشاركاً نشطاً في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وفي الوقت الحالي تُعد الصين أكبر دولة مساهمة بقوات حفظ السلام من بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بما يعزز صورتها كفاعل دولي مسؤول.
2- التركيز على المكاسب الاقتصادية المشتركة: يكون ذلك من خلال عقد الصفقات التجارية، ومشاريع البنية التحتية مع الدول الأخرى. وفي هذا السياق، تبرز مبادرة “الحزام والطريق” التي تسعى إلى تعزيز الترابط الاقتصادي مع العديد من دول آسيا وإفريقيا وأوروبا، عبر شبكة واسعة من مشاريع النقل والمواصلات والاتصالات. وتتسم برامج المساعدات الاقتصادية للصين بأنها تُمنح دون مشروطية اقتصادية أو سياسية.
3- نشر الثقافة الصينية: تشهد الصين في السنوات الأخيرة توسعاً ملموساً في جهود نشر ثقافتها عبر معاهد كونفوشيوس التي يبلغ عددها أكثر من 500 معهد حول العالم. كما أدرجت أكثر من 80 دولة اللغة الصينية في أنظمتها التعليمية الوطنية، ويبلغ إجمالي عدد الأجانب الذين يتعلمون اللغة الصينية ويستخدمونها نحو 200 مليون شخص. ولا تزال جامعات الصين تُمثل وجهة تعليمية رئيسية للطلاب الأجانب، ولا سيّما من دول آسيا وإفريقيا، وإن كانت مكانتها كوجهة تعليمية لا تزال أقل من الجامعات الغربية.
مكاسب نسبية لبكين:
يثور التساؤل حول مدى قدرة الصين على الاستفادة من التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية. وبالرغم من أن الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم؛ فإن قدرتها على ابتكار منتجات ثقافية مؤثرة خارجياً لم تكن حتى وقت قريب متناسبة مع صعودها الدولي. لكن تغيرات كبيرة تحدث؛ إذ تشهد الصين ثورة في الإنتاج الترفيهي، ومن أمثلتها دمية “لابوبو” (Labubu) التي رفعت القيمة السوقية لشركة “بوب مارت” بنسبة 400%، وسلسلة مطاعم “ميكسوي” (Mixue) التي انتشرت في جنوب شرق آسيا.
وقد أظهر استطلاع رأي لمركز “بيو” الأمريكي للأبحاث في 25 دولة، نُشرت نتائجه في يوليو 2025؛ أن الغالبية ما تزال تنظر بإعجاب أكبر إلى الولايات المتحدة مقارنةً بالصين؛ ولكن الفجوة بين البلدين آخذة في الانحسار. وتراجعت التقييمات الإيجابية للولايات المتحدة. ففي كندا مثلاً، انخفضت نسبة الاستحسان للولايات المتحدة بمقدار 20%، بينما حققت الصين مكاسب هامشية.
وبالرغم من تحسن صورة الصين نسبياً في عام 2025 مقارنةً بفترة ما بعد “كوفيد-19″؛ فإن 54% من المبحوثين في الدول الـ25 يحملون صورة سلبية عنها، و66% لا يملكون ثقة كبيرة في قدرة الرئيس شي على معالجة الأزمات الدولية. ومع ذلك، فإن الذين يبدون ثقة أقل في ترامب فيما يتعلق بالأزمات الاقتصادية أكثر ميلاً إلى إقامة علاقات اقتصادية أقوى مع الصين. وفي دول مثل الأرجنتين والبرازيل وإندونيسيا والمكسيك وجنوب إفريقيا، تميل قطاعات واسعة إلى رؤية الولايات المتحدة كمصدر تهديد للمصالح القومية، بينما تُعد الصين حليفاً رئيسياً في دول مثل جنوب إفريقيا وإندونيسيا. وتُقدم الصين نفسها كشريك لا يتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو خطاب يجد صدىً إيجابياً في عدة دول نامية؛ لكن سمعتها تبقى سلبية في أوروبا وبعض الدول الآسيوية بسبب المخاوف الأمنية.
تحديات أمام الصين:
على الرغم من التحسن النسبي في صورة الصين في العديد من دول العالم؛ فإنها تواجه عدة تحديات قد تحدّ من تعزيز قوتها الناعمة، أهمها ما يلي:
1- الضعف النسبي لوسائل الإعلام الصينية مقارنةً بالنفوذ الواسع للإعلام الغربي؛ إذ لا تزال وكالة “شينخوا” عاجزة عن تحقيق تأثير يماثل تأثير المنافذ الإعلامية الأمريكية الكبرى.
2- طبيعة النظام السياسي الصيني الذي يفرض رقابة على المحتوى الثقافي؛ مما يُصعّب عملية الابتكار. وعلى الرغم من تشجيع الحزب الشيوعي الحاكم للابتكار؛ تظل هناك قيود تفرضها الحكومة، وتؤثر في عملية الإنتاج.
3- عجز بكين عن تقديم بديل جدي لقيادة النظام العالمي أو التعامل الفعّال مع الأزمات الدولية؛ ما يجعل كثيراً من استطلاعات الرأي تشكك في قدرتها على خلافة واشنطن.
ختاماً، يمكن القول إنه مع التراجع النسبي في القوة الناعمة الأمريكية، تبدو الصين شريكاً أكثر موثوقية في نظر كثيرين، إلا أن ذلك لا يجعلها القائد العالمي غير المنازع في مجال القوة الناعمة. كما أن بكين قلّصت مساعداتها التنموية للدول النامية بسبب الضغوط الاقتصادية الداخلية، وتفاقم الديون في دول “الحزام والطريق”. وتدل الخبرة التاريخية على أن القوة الناعمة للولايات المتحدة شهدت فترات من الازدهار ثم الانحسار، كما حدث بعد حرب فيتنام. ومع أن استعادة أسس القوة الناعمة بعد انتهاء ولاية ترامب الثانية قد تكون عملاً مكلفاً؛ فإن الديمقراطية الأمريكية ذات التقاليد الراسخة ستظل قادرة على التعافي، بما يجعل استعادة تلك القوة أمراً ممكناً.