واشنطن وأبو ظبي تقودان جهود «التخريب»: الرياض والمأزق اليمني

ما كان بن زايد ليتجرّأ على تحدّي بن سلمان، لولا أن الأميركيين ومِن ورائهم الإسرائيليون يشدّون ركبتيه.

أوقعت السعودية نفسها في مأزق وذلك بسبب عوائق سياسية وميدانية تضعها في وجهها أبوظبي، مدعومةً من واشنطن وتل أبيب.

التطوّر في العلاقات السعودية - الإيرانية، والذي تبدو الرياض راغبة فيه بشدّة، يوحي بأن المملكة لا تريد العودة إلى الحرب، مهما كان الثمن.

التدخّل الإماراتي بالأساس لم يكن في نفس سياق التدخّل السعودي، وكان الهدف منه تحقيق مصالح نظام أبوظبي البعيدة المدى على حساب السعودية.

العقبة الأساسية أمام السعودية لنيل ما تريد باليمن هي التخريب الأميركي - الإماراتي، الذي يمنعها من الاستجابة لمتطلّبات الاتفاق، ويضعها أمام خيارين كلاهما مرّ!

الإمارات قادرة على تفجير أزمات بوجه السعودية، فتتلاعب بالكهرباء وتحمل الرياض مسؤوليتها لإثارة سخط الرأي العام الجنوبي، وتسيطر على جزر اليمن الاستراتيجية.

هل ستّتخذ السعودية قرارا بالخروج من الحرب مما سيُعدّ أكبر تحدٍّ سعودي لأميركا في تاريخ علاقات البلدَين؟ أم تُخاطر بانهيار الهدنة وتعطيل مشاريع بن سلمان الكبرى؟

الأميركيون، بالتعاون مع الإمارات، لن يدَعوا السعودية تُحقّق ما تريد، وهذا ما يفسّر التصاعد الكبير في «أزمة» العلاقات السعودية - الإماراتية، والتي يتزايد خروجها إلى العلن.

* * *

تقف السعودية على مفترق طرق في ما يتعلّق بالحرب اليمنية، في ظلّ عجزها عن تقديم ما يتوجّب عليها للتوصّل إلى اتفاق سلام مع الحوثيين يُخرجها من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه، وذلك بسبب عوائق سياسية وميدانية تضعها في وجهها أبوظبي، مدعومةً من واشنطن وتل أبيب.

فهل ستّتخذ قراراً كبيراً بالخروج من تحالف العدوان، الأمر الذي سيُعدّ أكبر تحدٍّ سعودي لواشنطن ربّما في تاريخ العلاقات بين البلدَين، أم ستبقى في هذا التحالف وتُخاطر بانهيار الهدنة واحتمال تعطيل المشاريع الكبرى لوليّ العهد، محمد بن سلمان؟

على رغم التطوّرات الكبيرة التي شهدها الإقليم في الأشهر الأخيرة، وأبرزها الاتفاق السعودي - الإيراني، وما سبقه من مفاوضات يمنية - سعودية أسفرت عن هدنة طويلة جنّبت الأراضي السعودية القصف شبه اليومي الذي كانت تتعرّض له، إلّا أن المملكة لا تزال تبدو عاجزة عن تحقيق هدفها المتمثّل في الخروج من المأزق اليمني.

ما لا ريب فيه أن التوصّل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب اليمنية، هو مصلحة حيوية سعودية، ويتوقّف عليه مستقبل المملكة نفسها ومصير المشاريع الكبرى لحاكمها الفعلي، وليّ العهد، محمد بن سلمان، الذي لم يَعُد بالإمكان تصوّر نجاح خطته «رؤية 2030» من دون سلام في اليمن.

في المقابل، يبدو هذا السلام بعيد المنال حتى الآن. الرهان السعودي على الاتفاق مع إيران، لتهيئة الأجواء لسلام يمني كان صائباً، لكنه غير كافٍ.

فالسعودية لا تزال غير قادرة على الاستجابة لمستحقّات السلام، وهي لم تستطع حلّ بنود تتعلّق بالمرتّبات وتبادل كلّ الأسرى، فكيف بالتوصّل إلى اتفاق مع الحوثيين حول شكل الحكم في اليمن بعد السلام وإعادة الإعمار، وما سيكون دور كلّ من الطرفين في المستقبل لضمان استمرار السلام، إذا ما جرى التوصّل إليه.

العقبة الأساسية أمام السعودية لنيل ما تريد في اليمن، تتمثّل في التخريب الأميركي - الإماراتي، الذي يمنعها من الاستجابة لمتطلّبات الاتفاق، والذي يضعها أمام خيارين كلاهما مرّ:

- الأول هو الخروج من تحالف الحرب، والتصرّف بمعزل عن الرغبة الأميركية، وهذا إذا حصل سيكون أكبر تحدّ لواشنطن منذ إقامة العلاقات السعودية - الأميركية قبل ثمانين عاماً، ويتجاوز بكثير الصدّ السعودي للأميركيين المتمثّل في عدم تلبية مطالبهم النفطية وتطوير العلاقات مع الصين وروسيا؛

- الثاني هو البقاء في التحالف وعدم تقديم ما يلزم للتوصّل إلى سلام، وبالتالي جعل الطرف الآخر المتمثّل في «أنصار الله» في حِلّ من التزاماته، ومن ثمّ العودة إلى الحرب وإلى القصف شبه اليومي للأراضي السعودية.

فالمملكة هي الدولة الرئيسة في الحرب اليمنية، ويتوجّب عليها وقفها وإبطال مفاعيلها كالحصار ودفع تعويضات، إذا أرادت الاستفادة من وقف الردود اليمنية عليه.

التطوّر في العلاقات السعودية - الإيرانية، والذي تبدو الرياض راغبة فيه بشدّة، يوحي بأن المملكة لا تريد العودة إلى الحرب، مهما كان الثمن.

هذا على الأقلّ ما أشارت إليه الحفاوة التي استُقبل بها وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، خلال زيارته المملكة قبل أيام واجتماعه بولي العهد السعودي، الذي نُقل عنه مديحه إيران في تسجيل صوتي مسرّب قال فيه إنه يتعلّم من التاريخ الإيراني، بمعزل عن الجدل الذي أثاره التسريب نفسه.

لكن السؤال الأساسي هو: هل سيتجرّأ ابن سلمان على تحدّي الأميركيين إلى هذه الدرجة، وهل إذا فعل ينتهي الأمر على الصورة التي يرغب فيها؟

ما يجري على الأرض اليمنية، وتحديداً في الجنوب، يشير إلى أن الأميركيين، بالتعاون مع الإمارات، لن يدَعوا السعودية تُحقّق ما تريد، وهذا ما يفسّر التصاعد الكبير في ما بات يمكن تسميته بـ«الأزمة» في العلاقات السعودية - الإماراتية، والتي يتزايد خروجها إلى العلن.

وأبرز ما في جديد تلك الأزمة، الهجوم العنيف الذي شنّه عضو مجلس الشورى السعودي السابق، الأكاديمي محمد آل زلفة، على الإمارات، حين قال في مقابلة تلفزيونية إن أبوظبي ركّزت على قضايا تخصّ انفصال جنوب اليمن عن شماله، قبل أن «تنسحب عسكرياً بطريقة غير محسوبة، وتترك السعودية تقاتل الحوثي وحدها»، مضيفاً إن «أبو ظبي، كما يبدو، ذهبت بعيداً في مشاريعها أكثر من قدراتها، وأكثر من إمكانياتها».

وجاء الردّ الإماراتي على ذلك الاتهام سريعاً وعنيفاً عبر الصحف الموالية لأبوظبي، مثل صحيفة «العرب» التي وصفت تصريحات آل زلفة بـ«المستفزة»، واستنكرت الصمت الرسمي السعودي عنها، معتبرة أن تحرّكه يوحي بأنه «ضمن مناخ عام بدأ يتشكّل منذ أشهر في المملكة ويفتح الباب أمام إطلاق مثل هذه التصريحات».

أيضاً، ردّ المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، الذي قال، في تغريدة على «إكس»، إن «مواقف بلاده اتّسمت دائماً بالشجاعة والأصالة والتقييم الاستراتيجي الذي يرى أن أمن المنطقة واستقرارها وازدهارها كلّ لا يتجزّأ. وتبقى مواقفنا مع الأشقاء والأصدقاء راسخة ومستمرة. والإمارات لا تتغيّر وتسمو فوق منطق القيل والقال».

وجاء ردّ الأكاديمي الإماراتي المقرّب من الحكم، عبد الخالق عبد الله، أكثر وضوحاً، إذ كتب، في تغريدة على «إكس»، أن «آل زلفة كان يمدح الإمارات وأشاد بنجاحها في تحرير عدن سابقاً، فما الذي جعله ينقلب على مواقفه؟»، معتبراً هذا «تناقضاً يعكس وجهة نظر آخرين وليس وجهة نظر شخصية معزولة»، محيلاً متابعيه إلى مقالة صحيفة «العرب».

ما تَقدّم، فضلاً عن تحرّكات المقاتلين الموالين للإمارات في جنوب اليمن وشرقه، مؤشّر إلى أن الأزمة في العلاقات السعودية - الإماراتية، توشك على الانفجار، وأن كلّاً من الدولتين صارت تنظر إلى دور الأخرى على أنه نقيض لدورها ولاغٍ له.

لكن الأهمّ أن الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، ما كان ليتجرّأ على تحدّي ابن سلمان، لولا أن الأميركيين ومِن ورائهم الإسرائيليون يشدّون ركبتَيه، وهو ما يعمّق مأزق السعودية ويضغط عليها لاتّخاذ قرار كبير في ما يتعلّق بالحرب اليمنية، ولا سيما أن الطرف الآخر، أي الحوثيين، لن ينتظر طويلاً قبل أن يقلب الطاولة في وجه تحالف الحرب بكلّ أطرافه، إذا لم تفضِ المفاوضات إلى ما يُخرج اليمنيين من الوضع الذي أوصلهم العدوان إليه.

الرياض، في المقابل، ليست مكتوفة الأيدي، وهي تحاول السيطرة على التحرّكات الإماراتية في الجنوب، لكن ما تواجهه هو أن التدخّل الإماراتي من الأساس لم يكن في السياق نفسه الذي سار عليه التدخّل السعودي، وكان الهدف منه تحقيق مصالح نظام أبوظبي البعيدة المدى على حساب السعودية.

وهو ما يجعل الإمارات حالياً قادرة على تفجير الأزمات في وجه جارتها، سواء من خلال التلاعب بالكهرباء وتحميل الرياض مسؤولية أزمتها لإثارة سخط الرأي العام الجنوبي عليها، أو من خلال السيطرة على الجزر اليمنية الاستراتيجية، بمساعدة عسكرية من واشنطن وتل أبيب، لتعطيل أيّ عملية سلام من خلال التحكّم بخطوط الإمداد.

*حسين إبراهيم كاتب صحفي لبناني

المصدر | الأخيار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية الإمارات أميركا تل أبيب أبوظبي اليمن الحرب اليمنية التدخل السعودي فی العلاقات السعودیة الحرب الیمنیة بن سلمان ما ترید ما کان

إقرأ أيضاً:

ليست مسرحية بل لعبة العروش السياسية

صراحة نيوز – كتب زيدون الحديد

 

في مشهد يعيد إلى الأذهان ما يمكن أن تفعله القوى العظمى حين تتقاطع مصالحها مع نار الحرب، جاء وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وإيران ليمثل لحظة سياسية بالغة الدلالة، ليس فقط على مستوى الإقليم، بل على مسرح النظام الدولي بأسره.

ففي الوقت الذي اعتقد فيه البعض أن شرارة الحرب الأخيرة بين الجانبين لم تكن إلا مسرحية سياسية أو تصفية حسابات أمنية محدودة، جاءت الطريقة التي أدير بها وقف التصعيد لتكشف عن حقيقة مغايرة وهي ان اللعبة أكبر من مجرد صراع حدودي أو حرب استخبارية، وانما لعبة قوى كبرى، والتي يدير دفتها من يمتلك القدرة على إطلاق رصاصة البدء وصافرة النهاية.

تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب جاءت لتضيف بعدا آخر للقراءة السياسية، فبينما دعا في خطاباته العلنية إلى التهدئة وضبط النفس، أطلق في المقابل تصريحات اعتبرها البعض متناقضة، لكنها برأيي الشخصي حملت رسالة صريحة وهي أن لا قانون فوق القانون الأميركي، وأن قانون القوة هو الحاكم الأول والأخير في معادلة الصراع.
وهنا أقول انه وفي الوهلة الأولى كانت تظهر التصريحات متضاربة بين تحذير من التصعيد وتأكيد على “حق الولايات المتحدة في حماية مصالحها وحلفائها”، ولكنها لم تكن إلا جزءا من تكتيك سياسي متعمد من ترامب، الذي اعتاد استخدام الأسلوب الرمزي الموارب، فكان يوجه رسائل مباشرة للقوى الإقليمية والدولية مفادها أن الولايات المتحدة وحدها من يملك القرار الفصل، متى تبدأ الحرب، ومتى تفرض التهدئة، وكيف ترسم ملامح المشهد اللاحق.
فخطاب ترامب هو تجسيد عملي لفكرة أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بأي معيار دولي حين يتعلق الأمر بمصالحها الإستراتيجية، وأنها — متى شاءت — قادرة على خلط الأوراق وتغيير قواعد الاشتباك وفقا لإرادتها.
وهكذا، أثبتت الإدارة الأميركية عبر تصريحات ترامب الأخيرة، أن الهيمنة لا تتطلب بالضرورة الحرب، بل يكفي أن تمتلك واشنطن القرار لتشعل أو تطفئ فتيلها، في لحظة تقرر فيها وحدها متى تكون القوة هي القانون، فترامب، الذي لطالما تباهى بقدرته على صناعة المشهد السياسي كما يشاء، بدا وكأنه أراد تذكير العالم أن قرار الحرب والسلم في هذه المنطقة، ومهما تعددت القوى الإقليمية، ما يزال في جيب الولايات المتحدة، وأن واشنطن — سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا في البيت الأبيض — هي اللاعب الأوحد القادر على توقيت اندلاع المواجهات أو إسدال الستار عليها.
من هنا، فإن من كان يظن أن الحرب الأخيرة مسرحية عبثية أو مواجهة محدودة بلا أبعاد إستراتيجية، كان مخطئا، بل الحقيقة أنها كانت واحدة من أذكى الألعاب السياسية التي أديرت بعناية، ليجري خلالها اختبار توازن القوى في الإقليم، وقياس استعدادات الحلفاء والخصوم، ومن ثم إعادة ضبط الإيقاع بما يخدم مصلحة الكبار.
ما جرى لم يكن استعراضا ميدانيا، بل رسالة أميركية مزدوجة أولا، للداخل الأميركي الذي يراقب تراجع نفوذ واشنطن في بعض الملفات العالمية وثانيا، لحلفاء الولايات المتحدة وخصومها على السواء، بأن واشنطن، وإن أرهقتها حروب أو زعزعتها انتخابات، قادرة على استعادة قرار الهيمنة متى شاءت.
في المحصلة، ما بين قصف ووقف، ودمار وهدوء، ما تزال اللعبة الكبرى تدار بعقل بارد من غرف القرار في واشنطن، بينما تتقاذف الشعوب كلفة الحسابات الجيوسياسية، في مشهد لن يكون الأخير في تاريخ هذه المنطقة.

مقالات مشابهة

  • الهيئة السعودية للمهندسين تشارك كراعٍ ذهبي في منتدى الصناعة السعودي 2025
  • البخيتي: وقف إطلاق النار مع واشنطن لا يُبيح لها العدوان على غزة أو الصمت اليمني تجاهه
  • الما عندو حمدوك يشتريلو حمدوك!
  • الريال اليمني يترنح.. دعم مفقود وطباعة العملة تهدد بانفجار اقتصادي (تقرير)
  • ليست مسرحية بل لعبة العروش السياسية
  • عبدالله بن زايد ووزير الخارجية الباكستاني يبحثان العلاقات الثنائية (فيديو)
  • نيويورك تايمز: ازدهار المقاهي اليمنية في أمريكا لكن الحرب في اليمن أثرت على عملها؟ (ترجمة خاصة)
  • تعطّل القطارات يثير شبهات التخريب قبيل قمة الناتو في هولندا
  • عاجل. الخارجية القطرية: ندين بشدة الهجوم الذي استهدف قاعدة العديد الجوية من قبل الحرس الثوري الإيراني
  • "واشنطن بوست" تسلط الضوء على الشكشوكة اليمنية كطبقٌ دافئٌ وعطريّ لذيذٌ ومُخفوق (ترجمة خاصة)