الوعي والمعرفة.. الطريق الآمن لتجاوز التحديات
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
تعيش البشرية اليوم أحد أكثر عصورها تسارعا في التقدم العملي والتكنولوجي، وفي مقابل هذا التقدم، تظهر الكثير من التحديات والأزمات العالمية الكبرى مثل: الأوبئة والجوائح الصحية وما يشهده المناخ من تغيُّر ينذر بالكثير من الكوارث، وهي جميعها تؤكد أهمية بناء الوعي والمعرفة ونشر العلوم بمختلف أنواعها.
والمعرفة لم تكن في يوم من الأيام محض تجريد، بل هي تمثل الفهم الحقيقي والعميق للعالم الذي نعيش فيه، ومجموعة الأدوات التي تمكننا من التكيُّف مع التعقيدات الكبيرة التي تشهدها الحياة الحديثة، وهي التي تمكننا من التمييز بين الكم الهائل من الأخبار المضللة والشائعات والأكاذيب لنستطيع اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن القضايا الكبرى من حولنا سواء كانت قضايا سياسية أو صحية أو اقتصادية.
ويشكل الوعي العلمي، الذي هو فرع عن المعرفة الأعم، ركيزة محورية في حياتنا اليومية، لا نستطيع أن نعيش حياة مستقرة في معزل عنه، ولا نستطيع أن نبني تصوُّراتنا للمستقبل في معزل عن الوعي العلمي، فكل بنى الحياة ومساراتها تقوم على العلم، كما كانت تقوم عليه طوال التاريخ.. وقد وصلت الأمم والشعوب التي اتكأت على العلم والمعرفة إلى مراحل متقدمة في كل شيء فيما بقيت أمم أخرى تلعن فلول الظلام التي لا تنقشع حتى بعد الفجر.
إن التحديات التي تحيط بنا في القرن الحادي والعشرين جلها تحديات علمية، لا يمكن أن نتجاوزها بمعزل عن العلم. إن تغيُّر المناخ، والأوبئة، والأمن الغذائي، والاضطرابات التكنولوجية تتطلب حلولا متعمقة في البحث العلمي وفي الابتكار لا في صراع وجدال عفَّى عليه الزمن وتجاوز أصحابه.. وكلما كان الناس مقدّرين للعلم والعلوم وداعمين لتوجهاتها استطاعوا عبور التحديات التي تحيط بهم بفهم ووعي ودون خسائر باهظة.
لكن الرحلة نحو بناء مجتمعات غنية بالمعرفة ليست سهلة أو قصيرة؛ إنها رحلة الحياة بكل تفاصيلها، وتحتاج إلى إرادة وعزيمة وتعاون جماعي، بدءا من الأسرة وليس انتهاء بالمؤسسات التعليمية والإعلامية والاستثمار في البحوث والابتكارات.
إن «ملحق جريدة عمان العلمي» الذي يصدر عدده الثالث اليوم ويُوزع مع هذا العدد من الجريدة جزء من مساهمة المؤسسة الإعلامية في سلطنة عمان في بناء الوعي العلمي وترسيخ المعرفة الحقيقية ونشرها ليس فقط في عُمان وحدها ولكن في الوطن العربي وأينما تصل الجريدة في هذا الفضاء الواسع. ولأن جريدة عمان ترى التحديات الكبرى التي يمر بها العالم في هذا المجال فإنها تسعى قدر جهدها في دعم بناء الوعي وترسّخ حضوره في حياتنا، إيمانا منها أن المجتمعات التي تعطي الأولوية للمعرفة والعلوم ستتمكن من تجاوز كل التحديات التي تمر بها في طريقها نحو المستقبل. وعلى حد تعبير عالِم الفيزياء الأمريكي كارل ساجان فإن: «العلم هو طريقة تفكير أكثر بكثير من كونه مجموعة من المعارف».. وما أحوجنا في عالم اليوم إلى أن نعتنق طريقة علمية للتفكير فهي تحمل مفاتيح مستقبلنا الجماعي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: سد النهضة وخريف الآمن المائي
في ظل تداخل الأزمات السياسية والمناخية في المنطقة، خاصة في القرن الأفريقي وحوض النيل، تزداد التحديات المرتبطة بإدارة الموارد المائية عاماً بعد عام. ولم تعد التحضيرات لموسم الخريف في السودان مجرد ترتيبات فنية لضبط مناسيب المياه أو التحكم في تدفقها، بل أصبحت تمسّ بشكل مباشر أمن البلاد واستقرارها، وهو ما يعكس تحوّل هذه القضية إلى شأن وطني يتجاوز حدود التقنية إلى أبعاد سياسية واستراتيجية أوسع.
من هذا المنطلق، تبرز الحاجة الماسة إلى تحقيق توازن دقيق بين الاستجابة السريعة لمخاطر الفيضانات المحتملة، والاستفادة من الفرص التي يتيحها موسم الأمطار عبر برامج مثل #حصاد_المياه، في وقت لا تزال فيه حالة الغموض قائمة بشأن إدارة وتشغيل سد النهضة، الأمر الذي يفرض تحديات إضافية على السودان ويعقّد خياراته في التعامل مع ملف المياه.
ووفقًا لمنصة “أخبار السودان”، أكد الخبير المصري الدكتور عباس شراقي أن تشغيل #سد_النهضة يشهد اضطرابًا غير مسبوق، إذ امتلأت البحيرة بنحو 55 مليار متر مكعب دون استخدام فعّال التوربينات، وهو ما وصفه بـ”فشل تقني” له تداعيات سياسية واقتصادية كبيرة. فبينما يُفترض أن يوفر السد الكهرباء لإثيوبيا وجيرانها، فإن الخلل في التشغيل يُنذر بتمرير موجات فيضان كاملة، كما هو متوقع مع نهاية يوليو، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للسودان.
ورغم أن بعض الخبراء السودانيين، مثل الدكتور عثمان التوم، يرون أن هذه المخاوف “مبالغ فيها”، ويشيرون إلى وجود برنامج فني لتنسيق تشغيل السدود حتى عام 2026، سيُعرض على اللجنة الدائمة للمياه، ويُتوقع أن يسهم في تقليل المخاطر وتعزيز فرص التعاون بين السودان ومصر وإثيوبيا، فإن غياب الشفافية الإثيوبية في مشاركة بيانات التشغيل يثير شكوكًا فنية وسياسية جدية، لا سيما في ظل سوابق استخدام السد كورقة ضغط سياسي في علاقات متوترة بين الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة.
في المقابل، صدر أمس تقرير “نظام التنبؤ المبكر بالفيضانات” في #حوض_النيل_الشرقي (EN-FFEWS) للفترة من يوليو إلى سبتمبر 2025، مشيرًا إلى استقرار الحالة المطرية والمائية في السودان ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان. ولا يتوقع التقرير حدوث فيضانات خطيرة خلال هذه الفترة، رغم تسجيل معدلات أمطار أعلى من المعتاد في بعض المناطق مثل بحيرة تأنا. ويعتمد النظام على نماذج متقدمة مثل WRF وMIKEHYDRO لتقديم توقعات دقيقة تُحدَّث يوميًا، بما يساهم في الوقاية وحماية نحو 2.2 مليون شخص، ويغطي مناطق رئيسية معرضة للفيضانات، من أبرزها: بحيرة تأنا، وبارو-أكوبو-سوبات، والنيل الأزرق، وتكيزي- ستيت- اعالي عطبرة .
داخليًا، ورغم التحذيرات المناخية التي أصدرتها الهيئة العامة للأرصاد الجوية السودانية، متوقع ان يواجه السودان موسم خريف صعبًا في ظل هشاشة إدارية واضحة. وقد كشف اجتماع اللجنة العليا لطوارئ الخريف، برئاسة والي الخرطوم، عن حجم الفجوة بين المطلوب والممكن، خاصة بعد فقدان معظم أسطول الآليات نتيجة للتخريب والنهب الذي قامت به مليشيا الدعم السريع إبان اندلاع الحرب في أبريل 2023.
ورغم الجهود المبذولة من تجهيز المصارف إلى فتح القنوات، برغم أهميتها، لا تزال دون مستوى الطموح في ظل غياب التخطيط الاستباقي، واعتماد أساليب النفير الشعبي بدلًا من العمل المؤسسي المنظم. وهذا يضع الدولة أمام تحدٍّ كبير في احتواء الكوارث المحتملة، ويحوّل الأمطار والفيضانات من ظواهر طبيعية إلى أزمات سياسية وربما أمنية.
في الجانب الآخر، تعمل وزارة الري والموارد المائية السودانية، عبر وحدة تنفيذ السدود، على تنفيذ خطتها ضمن البرنامج المحدث ” لحصاد المياه 2025–2030″، وتشمل الخطة استكمال تنفيذ 7500 مشروع، من سدود صغيرة وآبار وحفائر، تهدف إلى توفير مصادر مياه للمجتمعات الريفية. لكن هذا الطموح لا يزال ينتظر التفعيل، بدءًا بصيانة المشاريع القائمة ، ثم الانتقال إلى إنشاء الجديدة .
إلا أن هذه الجهود تصطدم بواقع هش على مستوى التمويل والبنية التحتية والظروف الأمنية. فعلى الرغم من انطلاق المرحلة الأولى من الخطة في عام 2016، لم يُنجز حتى الآن سوى 60% من أهدافها بسبب عدم الاستقرار الاداري ، بينما تعاني مناطق واسعة من البلاد من غياب أبسط تقنيات جمع المياه. ويُضاف إلى ذلك تحدٍ مجتمعي وثقافي يتعلق بضعف التوعية بأهمية إدارة هذه المشاريع، مما يحدّ من أثرها في تعزيز #الأمن_الغذائي أو التكيف مع التغيرات المناخية.
في المحصلة، يبدو أن الفيضانات المتوقعة هذا العام ناتجة عن تقاطع عاملين رئيسيين: فني/بيئي يرتبط بارتفاع معدلات الأمطار واختلال تشغيل سد النهضة. وسياسي/ إداري يتمثل في ضعف البنية التحتية للمؤسسات السودانية في التعامل مع المخاطر الطبيعية.
وبذلك، لا يواجه المواطن السوداني، لا سيما المزارع على ضفاف النيل الأزرق والأبيض والنيل الرئيسي، خطر الامطار والفيضانات وحده، بل يدفع ثمن القرارات غير المتوقعة من أديس أبابا، إلى جانب غياب التأهيل الكافي لشبكات الري الفعالة في الداخل.
لذلك فان المطلوب بحسب #وجه_الحقيقة ، لا يقتصر على التحوطات والإجراءات الموسمية، بل يتطلب إعادة تعريف إدارة الملف المائي السوداني كقضية سيادية واستراتيجية، تستوجب مواقف حازمة في التفاوض الإقليمي، وتخطيطًا بعيد المدى يربط التنمية الريفية بالبنى التحتية المستدامة، ويجعل من مشروعات حصاد المياه أولوية وطنية. أما الحديث عن “بشريات الموسم الزراعي” دون معالجة الجذور السياسية والاقتصادية للتحديات، فلن يكون سوى مُسكِّن مؤقت لجرح سيظل مفتوحًا.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية
الخميس 3 يوليو 2025م Shglawi55@gmail.com