الجدار الأخضر العظيم.. رهان أفريقي متعثر لوقف التصحر
تاريخ النشر: 24th, March 2025 GMT
قبل نحو عقدين، بدأت الدول الأفريقية مشروعا طموحا تحت مسمى "الجدار الأخضر العظيم" يمتد على طول 8 آلاف كيلومتر، لوقف زحف الصحراء الكبرى جنوبا. وبعد سنوات تعثر المشروع نسبيا بعد أن عانى من نقص التمويل، وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة وغياب حلول قابلة للتطوير.
يشمل برنامج السور الأخضر العظيم في أفريقيا 11 دولة تقع في منطقة الساحل، تعاني كلها من التصحر منذ عقود.
أُطلق البرنامج عام 2007، وكان هدفه الأصلي غرس جدار من الأشجار بطول 8 آلاف كيلومتر عبر أفريقيا، من السنغال غربا إلى جمهورية جيبوتي شرقا، واستعادة 100 مليون هكتار من الأراضي بحلول عام 2030.
ويجمع هذا البرنامج الطموح بين 20 بلدا أفريقيا – من ضمنها بلدان الساحل والصحراء- والشركاء الدوليين، بينهم الأمم المتحدة ووكالاتها المختصة، وتحت قيادة مفوضية الاتحاد الأفريقي والوكالة الأفريقية للجدار الأخضر العظيم.
كما يهدف توفير 10 ملايين فرصة عمل، واحتجاز 250 مليون طن متري من الكربون لمكافحة تغير المناخ بحلول عام 2030، لكن حتى الآن أُعيد تأهيل حوالي 30 مليون هكتار من تلك الأراضي حسب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وعدد أقل بكثير من فرص العمل.
إعلانويُعزى هذا التعثر إلى نقص التمويل والدعم الفني وضعف الرصد والمتابعة، إضافة إلى ذلك، عدم تحديد أفضل أنواع الأشجار للزراعة، وتحديد الأشجار التي كانت ستعود بالنفع على السكان المحليين، ففي بعض مناطق الساحل، ماتت 80% من الأشجار فور توقف عملية الري.
وفي عام 2021، تم الإعلان عن مبادرة تسريع الجدار الأخضر العظيم، حيث تعهدت 134 دولة والبنك الدولي والأمم المتحدة بتقديم 14 مليار دولار للمساعدة في استكمال الجدار الأخضر . ويمثل ذلك تقريبا نصف مبلغ 33 مليار دولار الذي حدده الاتحاد الأفريقي لاستكمال الجدار بحلول عام 2030.
وكان من المفترض أن يصبح المشروع رمزا حيا لالتزام أفريقيا بمعالجة أزمة المناخ والدخول في حقبة جديدة من الاستدامة والنمو الاقتصادي.
ومع اقتراب سنة 2030، الموعد الذي حدد للانتهاء من المشروع، تزداد الضغوط أكثر في ظل ضعف التقدم المحرز في تحقق الأهداف المسطرة، إذ يقدر اليوم بـ18% فقط، بحسب التقرير الرسمي الذي أنجزته مؤسسة "السور الأخضر العظيم".
ويوضّح تقرير حالة تنفيذ الجدار الأخضر ، أنه في الفترة ما بين 2007 و2018، تمت استعادة 20 مليون هكتار من الأراضي، وبلغت إيرادات الأنشطة المُدِرة للدخْل 90 مليون دولار في جميع البلدان الأحد عشر.
وفي عام 2023، أفاد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن المشروع قد اكتمل بنسبة 18%، مما أدى إلى استعادة أكثر من 49 مليون فدّان من الأراضي، وخلق 350 ألف فرصة عمل. ولكن لم تشهد جميع البلدان نفس القدر من النجاح.
وفي يناير/كانون الثاني2021، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن مبادرة تسريع تنفيذ الجدار الأخضر، لكن العلاقات بين فرنسا ومعظم دول الساحل والصحراء تدهورت بشكل كبير.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان بيئي
إقرأ أيضاً:
في الطريق لبيت الله الحرام.. تاريخ أفريقي طويل من التضحية والعبادة
ظل الحج من أفريقيا إلى مكة المكرمة عبر العصور رمزًا للعبادة والتضحية، حيث واجه الحجاج تحديات ومخاطر جسيمة في طريقهم إلى الديار المقدسة.
فمنذ انتشار الإسلام في القارة الأفريقية قبل قرون، شكّل الحج أحد أهم الشعائر الدينية، وكانت القوافل تجوب القارة الشاسعة، مرورًا بطرق برية وجبلية في رحلة محفوفة بالمخاطر.
كانت القوافل الراجلة وعلى ظهور الدواب تستغرق شهورًا طويلة يمكن أن يفقد فيها الحاج حياته وهناك آلاف يدركهم الموت ويدفنون في الطريق قبل أن يصلوا أو في طريق العودة.
طرق الحج الأفريقية القديمةمن أقدم الطرق التي سلكها حجاج غرب أفريقيا كان "درب الأربعين" الذي كان يمرّ عبر بلاد الهوسا (شمال نيجيريا وجنوب النيجر)، وصولًا إلى البحر الأحمر ثم إلى مكة.
وكان هذا الطريق يستغرق وقتًا طويلًا، ويشهد مرور قوافل كبيرة للحجاج، معظمهم من غرب أفريقيا ووسطها.
ومثلما كانت هذه الرحلة طويلة وشاقة فقد كان لها بعد اقتصادي إذ كانت هذه القوافل تحمل السلع والمنتجات الأفريقية فتجعل بعض النقاط في الطريق نفسه سوقا اقتصادية رائجة.
اليوم ورغم تطور وسائل النقل الحديثة، لا تزال هذه الطرق البرية حاضرة في ذاكرة الحجاج والأدباء، كما في الأدب السوداني الذي وثّق العديد من القصائد عن رحلة الحج الأفريقية.
إعلان تحديات الطريق ومخاطرهكانت رحلة الحج في الماضي محفوفة بالمخاطر؛ من قطاع الطرق، والأوبئة، وحتى الحيوانات المفترسة.
وكانت الرحلة شاقة للغاية، واضطر الحجاج إلى تحمل صعوبات جسدية ونفسية كبيرة، بل إن بعضهم كان يطلق زوجته خشية ألا يعود، فيبقى أبناؤه من دون معيل، كما أن بعضهم قد تتقطع به السبل فيضطر إلى المكث والبحث عن عمل في بعض الدول التي يسلكون طرقها ومن ثم مواصلة الرحلة بعد سنة أو أكثر.
وبعضهم طاب لهم المقام فاستقروا في العديد من الدول مشكلين بذلك حالة نزوح فريد من نوعه ليس دافعه السعي لتحسين الوضع الاقتصادي كما هو متعارف عليه وإنما فرضته ظروف الرحلة إلى الأراضي المقدسة.
استقبلت بعض الدول مثل السودان موجات من حجيج غرب أفريقيا مثل نيجيريا والكاميرون وتشاد ومالي والنيجر الذين استقروا في البلاد سواء قبل وصولهم إلى مكة أو بعد عودتهم منها، ليبدؤوا حياة جديدة ويصبحوا جزءا من النسيج الاجتماعي، بل إن بعضهم بقي في السعودية وفضل عدم العودة لبلاده.
لكن هذه الظاهرة ربما اختفت تماما حاليا لتغير طرق الوصول إلى الحج ومتطلبات الجنسية والتأشيرة وغيرها من الشروط.
ورغم هذه التحديات، ظل الحجاج عازمين على أداء الفريضة، وهو ما وثّقه العديد من العلماء والشعراء، من أبرزهم العلامة الشنقيطي الذي سجّل رحلته في كتابه "رحلة الحج إلى بيت الله الحرام".
في السنوات الأخيرة، ومع تطور وسائل النقل الحديثة، تغيّرت أنماط الحج بشكل كبير.
فقد أصبحت الرحلة أسهل وأسرع بفضل الطائرات التي تنقل الحجاج مباشرة إلى الأراضي المقدسة.
وفي هذا السياق، نظّمت العديد من الدول الأفريقية، مثل غينيا، موسم حج 2025 بشكل احترافي وآمن.
فقد غادر أول فوج من الحجاج الغينيين مطار كوناكري في 11 مايو/أيار 2025، متجهين إلى مكة المكرمة.
إعلانووفقًا للمدير العام لوزارة الشؤون الدينية في غينيا، تم إصدار جميع التأشيرات، واستُكملت الاستعدادات لانطلاق الحجاج.
ويميز موسم حج 2025 الدعم الذي قدمته الدولة الغينية لمواطنيها، إذ قررت الحكومة دعم تكاليف الحج جزئيا، بما في ذلك توفير الأساور الإلكترونية التي تساعد في تتبع الحالة الصحية للحجاج.
ويعكس هذا الدعم التزام الدولة بضمان سلامة الحجاج وراحتهم، خاصة أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة.
كذلك ترافق الحجاج فرق طبية وإدارية لضمان سلامتهم طوال فترة الحج، ويخضع الحجاج لدورات تدريب ومحاكاة لكيفية أداء المناسك لضمان حج صحيح.
وتقوم وزارات الحج وهيئاته في العديد من الدول الأفريقية باستعدادات مبكرة تلبية لشروط نقل الحجاج في الأراضي المقدسة وتحركهم، وذلك التنسيق مع الجهات المسؤولة عن تنظيم هذه الشعيرة في المملكة العربية السعودية سعيا لراحة ضيوف الرحمن.
ومن أبرز تلك الاستعدادات تأكد إدارة وفود الحج من تحديد مواقع إقامتها سواء في مكة أو المدينة وكذلك وسائل نقلها بين المناسك.
وتمثل هذه الترتيبات جزءا من متطلبات الحج في وقت يشهد ارتفاعًا عالميا في تكاليف الحج، مما يجعل دعم الدول الأفريقية خطوة مهمة تحظى بترحيب واسع من المواطنين الأفارقة.
أفق جديد للحج الأفريقيمع تقدم وسائل النقل وتطور التقنيات الحديثة، أصبح أداء مناسك الحج أسهل وأسرع، لكن تبقى الرحلات البرية القديمة التي خاضها الحجاج الأفارقة جزءًا مهما من التاريخ الإسلامي في القارة.
ورغم اعتماد معظم الحجاج اليوم على الطائرات، لا يزال البعض يحنّ إلى طرق الحج القديمة التي تذكرهم بتاريخ المسلمين العريق في أفريقيا.
وتعد تجربة الحج من غينيا لموسم 2025 مثالًا حيًّا على كيفية تطور هذه الرحلة الروحية، مع استمرار احترام الجوانب التاريخية والتقاليد العريقة التي تحتفظ بها القارة الأفريقية في سعيها لأداء هذه الفريضة العظيمة.
وينظر إلى الحاج بكثير من الاحترام والتقدير عند عودته لدياره، ويبقى لقب "حاج" جزءا أصيلا من اسمه طوال حياته، ويزخرف باب البيت بالآيات القرآنية والأدعية الدينية لتكون شاهدة على هذه النقلة الاجتماعية.
وهكذا يظل الحج من أفريقيا شاهدًا على إيمان لا تحدّه المسافات، وتاريخًا يربط بين الأجيال في رحلة إلى بيت الله الحرام.
إعلان