لندن- في وقت يحشد فيه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر لانضمام المزيد من الدول لما أطلق عليه "تحالف الراغبين"، كضامن لصمود أي اتفاق سلام ينهي الحرب في أوكرانيا، تتوالى انتقادات مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لخطة ستارمر، وتصريحاتهم المستخفة والساخرة من المساعي البريطانية.

وبمقابلة مع قناة فوكس نيوز الأميركية، وصف المبعوث الأميركي لمفاوضات وقف إطلاق النار في أوكرانيا، ستيفن ويتكوف، الطموح البريطاني لتشكيل حلف دفاعي أوروبي بمجرد "سيل من الأفكار التبسيطية" التي تقفز على الوقائع في ميدان المعركة، ومحض "مواقف للاستهلاك السياسي" لا غير.

كما عبَّر جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي في تصريحات سابقة، عن الفتور الأميركي الواضح تجاه "حلف الراغبين" -الذي التقى رئيسا الأركان البريطاني والفرنسي للمرة الثالثة في لندن بغضون أقل من شهر لبحث تفاصيله- حيث استخف بقدرة بريطانيا على خوض حروب خارج حدودها.

"رسائل التودد"

وفيما التزم المسؤولون البريطانيون الصمت ردا على تصريحات نظرائهم الأميركيين، شدَّدت حكومة حزب العمال بأنها ماضية في الشراكة مع فرنسا بخططها لحماية أي وقف محتمل لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.

إعلان

وصرَّحت وزيرة الخزانة راشيل ريفز في مقابلة مع قناة "بي بي سي" البريطانية أن اللحظة الحالية مواتية للدفع قدما بمشروع إنشاء قوة دفاعية أوروبية لكن مع غطاء أميركي عسكري.

وأمام الجهود الحثيثة التي يبذلها ستارمر بتنسيق مع شركائه الأوروبيين لإخراج "تحالف الراغبين" إلى حيز الوجود، تواصل تصريحاته محاولات استمالة ترامب وإرسال رسائل التودد، أملا بأن ينظر إليه كوسيط مقبول يجسر الهوَّة المُتسعة بين الكتلة الأوروبية والإدارة الأميركية.

في حوار مع صحيفة نيويورك تايمز، لم يخف ستارمر إعجابه بترامب وتفهُّمه لمطالبته الأوروبيين بتحمُّل أعباء الحماية العسكرية التي توفرها أميركا لأمن القارة الأوروبية على مدى عقود.

وبحذر شديد انتقى ستارمر كلمات خطابه الموجه للإدارة الأميركية، وأضاف في الحوار نفسه، أنه "ليس في وارد الاختيار بين حليفه الأميركي الإستراتيجي وشركائه الأوروبيين".

هذا اللعب على حبلين يشتد التوتر بينهما، لا يبدو مهمة سهلة بالنسبة لستارمر، الذي يحاول الظهور بهيئة اللاعب المحوري بمسرح الأحداث والقادر على التأثير في صياغة اتفاق سلام في أوكرانيا وتوفير ضمانات أمنية للأوروبيين.

بينما ترى صحيفة غارديان البريطانية أنه في الوقت الذي أثارت الطريقة التي دبَّر بها ستارمر لقاءه بترامب خلال زيارته قبل أسابيع للبيت الأبيض ارتياح وإعجاب طيف سياسي واسع من مؤيديه والخصوم، يتوجس كثيرون -بينهم موالون لستارمر داخل حزب العمال- من مبالغته في استرضاء الإدارة الأميركية دون امتلاكه جرأة سياسية للدفاع عن مصالح بريطانيا التي قد تتعارض الآن مع السياسات الأميركية.

موازنة

وما بدا خلال الأيام الماضية أنه تراشق إعلامي بين الحلفاء البريطانيين والأميركيين، استدعى أيضا صراعا حول النماذج التاريخية لقيادة الحلف الغربي، إذ قال ويتكوف إن الأوروبيين يسعون لتقمُّص نموذج وينستون تشرشل، ويغفلون أن العالم يعيش زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث يواصل حلف الناتو حماية الأمن المشترك للحلفاء الغربيين، في إشارة للخطابات الحماسية التي كان يلقيها الزعيم البريطاني إبان الغزو الألماني لبلاده خلال الحرب.

إعلان

ستارمر بدوره، استدعى الزعيم البريطاني وينستون تشرشل، حين قال في حوار صحفي، إنه سيقتفي أثره ولن يُفاضل أيضا بين شراكته مع الأوروبيين وحلفه التاريخي مع الولايات المتحدة.

وفي السياق، رأت دراسة تحليلية أصدرها المعهد الأوروبي للسياسات الخارجية (إي  سي إف آر) أن هناك توجها أوروبيا متناميا لاستحضار نموذج كل من الجنرال الفرنسي شارل ديغول الذي دافع عن استقلالية بلاده العسكرية عن التبعية لأميركا، وشخصية الزعيم تشرشل في تدبيره للعلاقات مع واشنطن في زمن الحرب.

وتشير الدراسة إلى أن هناك محاولات أوروبية لاستعادة السيادة والقيادة على مظلة حلف الناتو في محاولة لاستباق أي انسحاب أميركي مفاجئ من الحلف، وسط اعتقاد متنامٍ أن أوروبا واقعة حاليا بين السلم والحرب وتحتاج لإحياء العقيدة القتالية القومية لكل من تشرشل وديغول.

مسايرة وتَماهٍ

من جهته، تساءل أستاذ العلاقات الدولية بجامعة لندن، نهاد خنفر، عن المدى الذي يمكن لستارمر أن يتوغل فيه ويتجرَّأ على الخروج عن المسار الذي اختطته الإدارة الأميركية للحرب في أوكرانيا، مرجحا أن المبادرات التي تقودها كل من فرنسا وبريطانيا تهدف أساسا لكسر حدة الموقف الأميركي وليس لمعارضته.

وشدد خنفر في حديثه للجزيرة نت على أن السياسات الخارجية البريطانية في الأصل تتماهى مع التوجه الأميركي قبل أن يطرأ متغير جديد مع وصول ترامب للسلطة، حيث أصبحت هذه السياسات الأميركية نفسها غير متوقعة بالنسبة للبريطانيين.

وأكد أن الأوروبيين والبريطانيين سيضطرون للقبول بالتسوية التي تفرضها واشنطن بشأن طريقة إنهاء الحرب في أوكرانيا.

ويرى خنفر أن الحكومة البريطانية بقيادة ستارمر تحاول أن تجد لنفسها بعض الهوامش الضيقة جدا للخروج من حالة التبعية للسياسة الخارجية الأميركية، عبر الدفع بمبادرة مع الأوروبيين لتشكيل قوة عسكرية أوروبية، لكن لا يبدو أن أميركا في وارد التعاطي معها بجدية.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان فی أوکرانیا

إقرأ أيضاً:

لقاء أميركي - صيني رفيع في لندن: هدنة الحرب التجارية على طاولة البحث

اجتمعت الاثنين وفود رفيعة من الولايات المتحدة والصين في لندن، لتعزيز هدنة مؤقتة في الحرب التجارية بين البلدين. اعلان

اجتمعت وفود رفيعة المستوى من الولايات المتحدة والصين فيالعاصمة البريطانية لندن، اليوم الإثنين، في محاولة لتعزيز هدنة هشة في نزاع تجاري طال أمده وألقى بظلاله على الاقتصاد العالمي.

وترأس نائب رئيس الوزراء الصيني، خه ليفنغ، الوفد الصيني الذي من المقرر أن يلتقي وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، والممثل التجاري جيميسون غرير، في مكان ما بالعاصمة البريطانية بقي طيّ الكتمان، على أن تستمر المحادثات ليومٍ واحد على الأقل.

Relatedبين الفساد والسياسة.. لماذا فشلت كرة القدم الصينية بالنجاح عالميًا؟الصين ترد على وزير الدفاع الأمريكي: عقلية الحرب الباردة لن تُحلّ السلامالشركات الأمريكية تتمسك بالصين رغم الرسوم الجمركية المرتفعة

وكان المسؤول الصيني قد وصل الأحد إلى لندن أمس، حيث استُقبل من قبل وزيرة الخزانة البريطانية رايتشل ريفز، وتأتي زيارته بدعوة من حكومة كير ستارمر وتستمر حتى الثالث عشر من يونيو.

ويُعقد هذا الاجتماع عقب مفاوضات جرت الشهر الماضي في جنيف، وأسفرت عن تهدئة مؤقتة في الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين. ففي الثاني عشر من مايو المقبل، أعلنت واشنطن وبكين اتفاقاً على تعليق الرسوم الجمركية التي تجاوزت نسبتها 100% لمدة 90 يوماً، وهو ما خفف حينها من المخاوف العالمية من انزلاق نحو ركود اقتصادي.

ورغم التهدئة، لا تزال التوترات قائمة بين الجانبين، خاصة حول قضايا تتعلق بالرقائق الإلكترونية المتقدمة التي تشغّل تقنيات الذكاء الاصطناعي، والمعادن النادرة ذات الأهمية البالغة لصناعة السيارات وقطاعات صناعية أخرى، إضافة إلى القيود الأميركية المفروضة على تأشيرات الطلاب الصينيين في الجامعات الأميركية.

وأوضحت الحكومة البريطانية أن دورها يقتصر على توفير المكان والدعم اللوجستي، مؤكدة أنها لا تشارك في المفاوضات الجارية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • هل تنهي الحرب التجارية؟ محادثات سرية بين واشنطن وبكين في لندن
  • لماذا لا تستطيع إسرائيل أن تنتصر في غزة؟
  • لقاء أميركي - صيني رفيع في لندن: هدنة الحرب التجارية على طاولة البحث
  • عاجل.. وقفات احتجاجية في لندن وبرلين دعما للسفينة مادلين التي احتجزتها إسرائيل
  • إلى متى يتساءل الأمريكيون لماذا يكرهنا العالم؟
  • واشنطن تحذر لندن من بناء سفارة صينية قرب مراكز مالية حساسة
  • “إرجاء لأجل غير مسمى” رغم التوافق في إسطنبول.. روسيا تتهم أوكرانيا بتجميد اتفاق تبادل الأسرى
  • أزمة صحية.. لماذا سُحبت 1.7 مليون بيضة من الأسواق الأميركية؟
  • أوربان يحذر الأوروبيين: أوكرانيا ليست "درعا" لأوروبا وصب الزيت على النار لن يطفئها
  • العراق بين واشنطن وبغداد.. تحالف الضرورة أم احتلال مقنع؟