منال الشرقاوي تكتب : ما بين الحذر والحكمة
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
منذ بداية الخلق ونحن نعيش في عالم يتجاور فيه الخير والشر، لتجد نفسك دائمًا في مواجهة اختيارات!
تلك الاختيارات هي التي تحدد مسارك وتوجهاتك، وهنا لن أتحدث عن الخير والشر، من المنظورالواسع، بل سأخصص كلماتي لحاملي تلك الصفات.
ففي الحياة نجد أنفسنا محاطين بأناس متنوعين في طيات شخصياتهم وسلوكهم، وهنا يأتي الاختبار الحقيقي لفن التعامل معهم، والذي يتمثل في أهمية اختيار الأشخاص والعلاقات بحذر.
فالتفاهم والتواصل الجيد هما أساس بناء العلاقات الصحية، لذا من المهم أن نكون محاطين بأولئك الذين يفهمون قيمة الاحتواء والدعم، حيث يمكن أن يمنحونا الشعور بالأمان والثقة، وتلك هي النقطة الأولى والأهم.
وفي رحاب الحياة، يتعيّن علينا أن نكون حذرين عندما نفتح أبواب قلوبنا للآخرين، فهم ليسوا جميعهم كما يظهرون، إن النفوس تتدفق بألوانها المختلفة، وبين السطور يكمن معنى الاحترام والثقة.
وخلال هذه المسيرة من العلاقات، تنتشر الكلمات كأوراق الخريف، فالحديث ليس مجرد تسلية للأذن، بل هو سلاح ذو حدين، قد تكون الحروف مزينة والجمل مرتبة، لكن الحقيقة تبقى قاسية، فالصدق يُثمر الثقة، والوعود الملتزمة تبني جسورًا قوية بين القلوب.
وعليك دوماً ألا تنخدع بالقول المعسول ، فعلى ضفاف العلاقات الإنسانية، يقف كل فرد وقد جُهز بحقيبة خبراته وأحلامه .
ومع ذلك، قد يبدو أن بعضهم يحمل في جعبته الأوهام والمكائد، فعندما نُفاجأ بالتصرفات التي تتعارض مع الوعود الزائفة أو جدار السند الواهي، هنا ،يجدر بنا أن نستوقف أنفسنا، فلا يكفي أن نتفق مع الكلمات فحسب، بل ينبغي أن نتأكد من توافق الروح والنوايا.
"دعنا نمضي بخطوات ثقيلة نحو فهم أسرار هذا الكون الغامض من العلاقات".
وفي رأيي، تتجلى روعة تلك العبارة في العلاقات التي نمضي في بنائها ونرتقي من خلالها، فما بين الصداقات الحميمة والعلاقات العابرة، تتناوب القلوب على أدوار التعاون والتصارع.
وهنا يأتي السؤال :هل من المناسب أن نترك قلوبنا عرضة للجميع؟ هل يجب أن نتشارك أعماقنا مع كل من يمرّ في حياتنا؟
أغمض عينيك قليلاً،ثم أجب بنفسك ولنفسك!
اسمع الآن صوت موج البحر بأذنيك ، هذا أنت !
ففي دهاليز الزمان ومتاهات الحياة، ينساب الإنسان كأمواج متلاطمة تتلاقى وتتشابك، فتظهر لنا الحقائق والأشباح بشكل ملتبس.
يا صديقي، الحياة مليئة بالمخاطر والصخور،وحينما تختار،اختر الوقوف مع من تجدهم الجسرالصلب الآمن في حياتك، حينها فقط ستصعد فوق الأمواج وتنجو من الغرق وتنعم بشاطئ الأمان.
فلا تتساهل في اختيار من تسمح لهم بدخول عالمك الخاص، واحرص على أن تكون أنت السيد لحياتك، لأنك تستحق أن تمضي في طريق النجاح والسعادة دون أن تقع في الفخاخ المخفية.
وفي هذا العالم الذي يشتد به الضوء والظلام،الخير والشر، تَعَلَّمْ، أن الحكمة تنمو بجانب الحذر، حيث يصبحان رفيقين ثابتين في رحلتنا، "رحلة الحياة" ، والتي على ضفافها، نتقدم بثقة تامة وقلوب مفتوحة، نحمل بين يدينا تجاربنا وأحلامنا ونختار بحكمة من يمشي بجوارنا.
فلنمضي إذًا، وسط أمواج الزمن ومتاهات الحياة، بشجاعة وثقة، نحو مستقبلٍ يتوهج بنور الصداقات الحقيقية والعلاقات القوية، لتبقى كلماتنا رسالة تواصل تنمو وتنضج، لنترك بصماتنا الإيجابية في كل مكان.
وختاماً، ما بين الحذر والحكمة في متاهات العلاقات، علينا أن ندرك ، أنهما يسيران معا، فالحذر يرشدنا والحكمة تنير طريقنا، فلنكن كالمسافر، ونأخذ من الحذر خير رفيق والحكمة نجم يضيء دروبنا ، لنبني روابط تسير نحو الأفق بثبات وسطوع.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
هند عصام تكتب: الملك لير
نتحدث هذا الأسبوع عن أسطورة لا هي مصرية فرعونية ولا هي يونانية كما أعتدنا وأعتاد القارئ إنما هي قصة شهيرة لملك شهير و كانت مادة دسمة أذهلت عقول الكتاب والأدباء وأشهرهم الكاتب المسرحي ويليام شكسبير عندما قرر عمل مسرحية تراجيدية عن الملك لير تتكون من خمسة فصول، كتبت في 1605 ونشرت في 1608. قدمت على المسرح لأول مرة سنة 1606. تدور احداث القصة في بريطانيا القديمة، حيث يقرر الملك المسن لير التخلي عن ملكه وتقسيم مملكته على بناته الثلاث، كورديليا، ريغان، وغونريل
و كان الملك لير، وهو أحد ملوك بريطانيا فيما مضى، و كان للملك ثلاث بنات هنّ (جونوريل وهي البنت الكبرى)، و(ريجان وهي البنت الوسطى)، و(كورديليا وهي البنت الصغرى)، وجميعهن متزوجات ما عدا البنت الصغرى كورديليا.
وبدأت قصة الملك لير عندما قرر الملك في يومٍ من الأيام أن يتنازل عن العرش لبناته نظرًا لتقدّمه في العمر، وعدم قدرته على تحمّل مسؤوليات الحُكم والشعب.
وجاء لقاء الملك لير ببناته لاطلاعن على قراره و استدعى الملك جميع بناته، وطلب أن تعبر كل واحدة منهن عن مدى حبها له، وعلى قدر ما سيخبرهن به تعبيرًا عن الحب والولاء له،وعلى ذلك الأمر سيُعطي لواحدة منهن عرش المملكة، وبدء الملك لير بالبنت الكبرى جونوريل التي كانت على قدر كبير من الدّهاء والذكاء والمَكر، وكانت تُجيد تنميق الكلمات والعبارات الجميلة. فأخبرت الملك بأنه تحبه لدرجة كبيرة وأنه أغلى ما تملك، بل وأنه هو النظر لعينيها والنبض لقلبها، وأنها لا تستطيع وصفه حتى بالكلمات، وكذلك فعلت أختها الوسطى، وأما الأخت الصغرى كورديليا فقد كانت تحب الملك حبًّا كبيرًا، ولكنها لا تستطيع التعبير عمّا بداخلها ولا تُحسن انتقاء الألفاظ.
فطلب منها الملك أن تعود مرّة أخرى وتنتقي كلمات تتناسب مع مقام الملك وتعود إليه من جديد. لكنها لم تستطع أن تقول أكثر مما قالته له في المرّة الأولى. وكان أثر هذا اللقاء على علاقة الملك ببناته هي أن الملك لم يعطِ لابنته الصغرى شيئًا، وقسّم مُلكه مناصفة بين ابنتيه الكُبرى والوسطى، وشمل ذلك تنازله عن سلطاته كملك للبلاد، على أن يبقى لقب ملك البلاد له، وأن يقيم طوال حياته لمدّة شهر بالتناوب بين قصري ابنتيه الكُبرى والوسطى مع عدد من فرسانه.
أما مصير ابنة الملك الصغري كورديليا، فقد شَعَرَ الناس في محيط القصر بالحزن الشديد على الأميرة كورديليا؛ لأنهم كانوا يعلمون مدى حبها وتعلّقها بوالدها، ومن أبرز هؤلاء النبيل أيرل الذي كان شديد الإخلاص للملك، فتكلم معه فيما يخص ابنته الصغرى، فغضب الملك غضبًا شديدًا ونفاه من المملكة.
وفي هذه الفترة كانت كورديليا على وشك الزواج من الدّوق برجاندي، لكنه عندما علم بحرمان الملك لها من المُلك تراجع عن الزواج وتركها وحيدة، وكان ملك فرنسا معجبًا بالأميرة كورديليا، ولكن لم يثنه فعل والدها الملك لير عن التقدّم لها وخطبتها، فتزوّجها وبعد فترة وجيزة، وأصبحت كورديليا ملكة لفرنسا.
وبعد مرور فترة زمنيّة على استلام بنات الملك المملكة، بدأ يشعر الملك لير بخيبة أمل تتسرب إلى أعماقه، فقد تبيّن له أن ابنته الكُبرى لا تحب إقامته معها هو وفرسانه، بل صرّحت له أيضا بهذا الأمر، وطلبت من الجنود والخدم عدم الاكتراث لوالدها وتجاهل أوامره وطلباته .
وعند ذلك غضب الملك غضبًا شديدًا نتيجة لاستمرار سوء معاملة ابنته الكبرى، ثم ذهب قاصدًا قصر ابنته الوسطى، وفي هذه الأثناء بقي إيرل في بريطانيا متخفيًا بلباس أحد الخدم المُقرّبين من الملك والذي يسمى كايوس، فطلب الملك من كايوس أن يذهب لابنته الوسطى ويطلب منها أن تجهّز مكانًا لاستقباله حَدَث عراك بين كايوس وأحد الجنود الذين أهانوا الملك عندما كان في قصر ابنته الكبرى.
وعندما سمعت ابنة الملك الوسطى بأمر الشجار، اعتقلت كايوس في السجن وعذَّبته، وحين وصل الملك قصر ابنته الوسطى، وجد الحرس يعذّبون خادمه كايوس عند بوابة القصر على آلة التعذيب، فغضب غضبًا شديدًا، وطلب مقابلة ابنته الوسطى ولكنها رفضت بحجة أنها مشغولة هي وزوجها، وأنهما يشعران بالتعب، ولا يستطيعان مقابلة أحد، فشعر الملك بخيبة أمل كبيرة. وطلب من جنوده التوجّه إلى مكان لكي يرتاح ويعيش فيه ويجد الأمان، وأنه لا يريد العيش مع ابنتيه الجاحدين لأفضاله فتوّجه إلى قلعة دوفر بناءً على طلب كايوس الذي أفرج عنه لاحقًا وبعد الإفراج عن كايوس توجّه إلى فرنسا حيث تسكن ابنة الملك الصغرى كورديليا ملكة فرنسا وأخبرها بما فعلته أختيها الكبرى والوسطى بأبيها بإنكارهما لأفضاله. وعندما سمعت الملكة كورديليا بالخبر ذهبت على الفور للقاء والدها، فاحتضنته وأخبرته بمدى حبها له وصدقها الشديد معه وأن حبها له نابعٌ من القلب من دون أن يكون لها أي مصالح ماديّة أو شخصيّة معه، فأدرك الملك الخطأ الفادح الذي ارتكبه عندما حرم كورديليا من المُلك وتفضيله لابنتيه الوسطى والكُبرى اللتين تجيدان تنميق الكلام فقط. ما مصير بنات الملك لير في هذه الفترة كانت ابنتا الملك الكبرى والوسطى قد وقعتا في حب رجلٍ واحدٍ يُدعى أدموند، وبعد فترة توفي زوج الابنة الوسطى، فقررت الزواج من أدموند، وأدى هذا الأمر إلى نشوب خلافات ومشاكل بينها وبين أختها الكُبرى، فدسّت أختها الكُبرى لها السّم وماتت على الفور. وعندما علم زوج البنت الكبرى بفعلتها، أمر بإعدامها على الفور، وبعد ذلك نشبت معركة كبيرة بين مملكة فرنسا التي تعتلي عرشها الابنة الصغرى كورديليا ومملكة بريطانيا، فسجنت لفترة طويلة، ثم أُعدمت، وعندما سمع والدها بخبر إعدامها مات حزنًا على ابنته التي أحبته بصدق وإخلاص، وأما زوج ابنة الملك الكُبرى فقد أصبح ملكًا على مملكة بريطانيا.
وفي نهاية الأمر كيف يمكن لنا أن نستفيد من قصة الملك لير
وهي أنّ صدق الحب والمشاعر الجميلة أهم من الكلام المعسول، والمشاعر الإنسانيّة الصادقة هي أجمل وأهم ما يمتلكه الإنسان تجاه الآخرين، فمعظمنا نتقن فن الكلام لكن الأفعال وحدها تبرهن أين مكانك ، والأفعال هي وحدها
من تؤكد على صدق المحبة أما الكلام فالجميع فلاسفة.