(CNN)-- على مدار أسابيع، قصفت الغارات الجوية الأمريكية أهدافًا للحوثيين في اليمن، مستهدفةً مصافي النفط والمطارات ومواقع الصواريخ، مع تعهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب باستخدام "القوة الساحقة" حتى تحقق الولايات المتحدة هدفها المتمثل في منع الحوثيين من استهداف الملاحة في البحر الأحمر.

Credit: MOHAMMED HUWAIS/AFP via Getty Images)

بدأ الحوثيون حملتهم تضامنًا مع الفلسطينيين عندما شنت إسرائيل حربًا على غزة في أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ونفذت الجماعة أكثر من 100 هجوم وأغرقت سفينتين، والنتيجة: 70% من السفن التجارية التي كانت تعبر البحر الأحمر سابقًا، تسلك الآن الطريق الطويل حول جنوب إفريقيا.

وتؤكد الولايات المتحدة أن الحملة ناجحة. وصرح مستشار الأمن القومي، مايك والتز، بمقتل العديد من قادة الحوثيين.

لكن كل جولة من الضربات تثير المزيد من التحدي.

الحوثيون هم ما يسميه أحد مراقبي اليمن المخضرمين بحيوان "غرير العسل" المقاوم، في إشارة إلى الثدييات العدوانية المعروفة بموقفها الشجاع تجاه الحيوانات المفترسة، فمصلا بعد لدغة كوبرا، ينهض غرير العسل بعد دقائق ويهاجم الثعبان.

في حين أن ما يصل إلى 80 ضابطًا عسكريًا حوثيًا قُتلوا، وفقًا لمحللين، إلا أن كبار قادة الحركة العسكرية والسياسية يبدو أنهم لم يُمسّوا، وكذلك بعض مواقع إطلاق الصواريخ على الأقل، فمنذ منتصف مارس/ آذار، أطلق الحوثيون عشرات الصواريخ الباليستية على إسرائيل، ووابلًا من الطائرات المسيرة والصواريخ على سفن البحرية الأمريكية، ورغم أن أيًا منها لم يُسبب أضرارًا جسيمة، إلا أن التهديد لا يزال قائمًا.

وأفادت شبكة CNN، الجمعة، أن التكلفة الإجمالية لعملية الجيش الأمريكي ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن تقترب من مليار دولار في أقل من ثلاثة أسابيع، وفقًا لثلاثة أشخاص مطلعين على الحملة، إلا أن تأثير الهجمات على تدمير قدرات الجماعة كان محدودًا حتى الآن.

Credit: MOHAMMED HUWAIS/AFP via Getty Images)

وقال أحد المسؤولين: "نحن نستنزف كل طاقتنا - الذخائر والوقود ووقت الانتشار"، وبدلاً من أن يستسلم الحوثيون، هددوا بتوسيع نطاق أهدافهم ليشمل الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم الحكومة المنافسة لهم في الحرب الأهلية اليمنية، وبالمثل، يقول مسؤولون سعوديون إن الدفاعات الجوية للمملكة في حالة تأهب قصوى.

وقال متحدث باسم الحوثيين في وقت سابق من هذا الأسبوع: "لن تثني عشرات الغارات الجوية على اليمن القوات المسلحة اليمنية عن أداء واجباتها الدينية والأخلاقية والإنسانية".

ولا شك أن الحملة الأمريكية قد أضعفت قدرات الحوثيين، إذ يقول الزميل الرفيع في معهد واشنطن، مايكل نايتس إنه يشتبه في أن الحوثيين "فقدوا الكثير من قدرات تصنيع الطائرات المسيرة، ويبدو أن هناك اعتراضًا أكثر فعالية لشحنات إعادة الإمداد القادمة عبر البحر وعبر عُمان. لذا، يشعر الحوثيون بعدم الارتياح".

لكن التاريخ يُظهر أن الحوثيين يتمتعون بقدرة تحمل عالية جدًا للألم، وقد يتطلب تصميم إدارة ترامب على القضاء على التهديد الذي يشكلونه في نهاية المطاف هجومًا بريًا.

ويقول نايتس: "الحوثيون معتادون على خوض حرب مع جيش من الطراز العالمي، إنهم ذوو توجه أيديولوجي، لكنهم أيضًا مقاتلون قبليون شرسون من شمال اليمن".

وتدعم شبكة تهريب مُعقدة، تُدخل قطع غيار صواريخ ومعدات أخرى، قدرة الحوثيين على البقاء. ففي العام الماضي، عُثر على هياكل وزعانف لصواريخ مدفعية، ومحركات نفاثة صغيرة، وخلايا وقود هيدروجينية، مُخبأة بين حمولات إحدى السفن المُعترضة، وفقًا لتحقيق أجرته مؤسسة أبحاث التسلح في النزاعات (CAR).

ويمكن لهذه المعدات أن تُمكّن طائرات الحوثيين المُسيّرة من حمل حمولات أكبر والسفر لفترات أطول بكثير، إذ أفادت CAR أن ذلك "سيُفاقم بشكل كبير التهديد المُحتمل الذي يُشكله الحوثيون".

Credit: SALEH AL-OBEIDI/AFP via Getty Images)

نجا الحوثيون من عدة هجمات خلال فترة رئاسة علي عبد الله صالح الطويلة في اليمن، ثم من هجوم سعودي قبل عشر سنوات، تلاه غارات جوية إسرائيلية وبريطانية وأمريكية أحدث.

ويقول كبير المحللين في شؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية، أحمد ناجي، إن إسرائيل والقوى الغربية تفتقر إلى فهم عميق للحوثيين، "لقد خلقت قيادتهم الغامضة وبنيتهم ​​الداخلية ثغرات استخباراتية مستمرة".

وتتساءل خبيرة أخرى في الشؤون اليمنية، إليزابيث كيندال، عن الهدف النهائي للحملة الأمريكية؟، قائلة: "لقد تعرض الحوثيون للقصف عشرات الآلاف من المرات على مدى العقد الماضي، وما زالوا صامدين. لذا، يبقى المرء يعتقد أن القصف مجرد تمثيلية: دعونا نُظهر للعالم أننا سنفعل ذلك لأننا قادرون".

قال نايتس لشبكة CNN إن إكراه الحوثيين "أمرٌ في غاية الصعوبة.. إنهم حركةٌ شديدة العدوانية. أفضل طريقةٍ للقضاء عليهم نهائيًا هي الإطاحة بهم، وإخراجهم من العاصمة، وساحل البحر الأحمر".

وتقول مصادر دبلوماسية إقليمية، بالإضافة إلى محللين، إن الهجوم البري وحده كفيلٌ في نهاية المطاف بطرد الحوثيين، الذين يسيطرون حاليًا على العاصمة اليمنية صنعاء، ومينائها الرئيسي، الحديدة، ومعظم شمال اليمن.

ويضيف أحمد ناجي، كبير المحللين في شؤون اليمن في مجموعة الأزمات الدولية، إن الولايات المتحدة مُخطئةٌ في اعتقادها أن الغارات الجوية قادرةٌ على إجبار الحوثيين على التراجع، مؤكدا بالقول: "لقد فشل هذا النهج في عهد إدارة بايدن، ومن غير المرجح أن ينجح في عهد إدارة ترامب.. منطقهم مُشكّلٌ بسنواتٍ من الحرب؛ إنهم يرون في الصمود شكلًا من أشكال القوة، ويدفعهم ذلك إلى إثبات صعوبة ردعهم".

وقال نايتس: "المرات الوحيدة التي رأيت فيها الحوثيين يذهبون إلى طاولة المفاوضات أو يقدمون تسوية كانت عندما يتعرضون للتهديد باحتمال الهزيمة الواقعية على الأرض: خسارة الأراضي، وفقدان السيطرة على السكان، وفقدان الوصول إلى ساحل البحر الأحمر".

حدث ذلك لفترة وجيزة في عام 2017 عندما هددت قوات مدعومة من الإمارات العربية المتحدة وصول الحوثيين إلى البحر الأحمر، وهو أمر بالغ الأهمية لإيراداتهم وإمداداتهم العسكرية.

إن كان الحوثيون يستمتعون بالضربات الأمريكية، كما يقول فارع المسلمي، الباحث اليمني في معهد تشاتام هاوس، وأن الجماعة تريد "جر الولايات المتحدة إلى تصعيد إقليمي أوسع".

Credit: John Moore/Getty Images) هجوم بري

يقاتل الحوثيون من أجل السيطرة على اليمن ضد الحكومة المعترف بها دوليًا والتي تسيطر على جزء من الجنوب وتدعمها الإمارات بشكل رئيسي، والسؤال الذي لم يُجب عليه هو ما إذا كانت القوات الموالية لتلك الحكومة قادرة على خوض المعركة ضد الحوثيين؟ ليجيب نايتس: "إنهم مدربون ومجهزون بالفعل"، لكن هناك شكوك حول وحدتهم.

لا يتوقع المحللون أن تنشر الولايات المتحدة أي قوات برية، باستثناء عدد قليل من القوات الخاصة للمساعدة في توجيه الضربات الجوية، ويقول نايتس إن الولايات المتحدة قد تُزوّد ​​[القوات اليمنية] "ببعض الدعم اللوجستي وبعض الذخائر الرئيسية".

ويضيف أن الإمارات العربية المتحدة ستُقدّم "دعمًا سريًا" كما دأبت على تزويد الحكومة في عدن.

المنظور السعودي أقل وضوحًا، إذ يعتقد نايتس أن الرياض متخوفة من رد الحوثيين بطائرات مسيرة بعيدة المدى وصواريخ تستهدف بنيتها التحتية، لكن الولايات المتحدة سرّعت تسليم أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ إلى السعودية في الأشهر الأخيرة.

ويضيف نايتس: "سيتعين على الولايات المتحدة أن تقول للرياض: سنحميكم بنفس الطريقة التي حمينا بها إسرائيل عام 2024 من جولتي الضربات الإيرانية".

وتقول مصادر دبلوماسية إقليمية إن الاستعدادات جارية لعملية برية ستنطلق من الجنوب والشرق، وكذلك على طول الساحل، وقد يشمل الهجوم المنسق أيضًا دعمًا بحريًا سعوديًا وأمريكيًا في محاولة لاستعادة ميناء الحديدة.

وعلق ناجي لـCNN: "لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه العملية قابلة للتنفيذ، حيث أظهر العقد الماضي نتائج متباينة، نجاحات في بعض المجالات وإخفاقات في مجالات أخرى".

Credit: Iranian Leader's Press Office - Handout/Getty Images) العلاقة مع إيران

منذ اليوم الأول، ربط الرئيس ترامب ومسؤولون أمريكيون آخرون الحملة ضد الحوثيين بإيران، قال ترامب إنه سيُحمّل إيران مسؤولية "كل طلقة" يُطلقها الحوثيون، وستواجه عواقب "وخيمة" على أي هجمات يشنها المتمردون اليمنيون.

حتى الآن، لم تُنفذ إيران هذه الخطوة، وليس من الواضح ما إذا كان بإمكان طهران ببساطة أن تأمر الحوثيين بوقف إطلاق النار، ورغم كون الحوثيين جزءًا لا يتجزأ من محور المقاومة الإيراني، إلا أنهم يتمتعون باستقلالية كبيرة.

ويواصل ترامب تحذير إيران من أنها ستواجه حملة قصف مكثفة إذا لم تُبرم اتفاقًا للحد من برامجها النووية والصاروخية الباليستية، وبالنسبة للإدارة الأمريكية، تُعدّ حملة الحوثيين وحملة "الضغط الأقصى" على طهران وجهين لعملة واحدة.

ويتوخى الإيرانيون الحذر، مقدمين الدعم المعنوي لحليفهم في اليمن، إذ أشاد القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، محسن رضائي، بـ"قوات المقاومة اليمنية الصامدة، التي ستُجبر السفن الحربية الأمريكية المتطورة على الركوع"، لكن القيادة الإيرانية لا تريد أن تُرى وهي تُقدم المزيد من الدعم العسكري للحوثيين في الوقت الحالي، في الوقت الذي تحاول فيه استيعاب مزيج ترامب من الترغيب والترهيب.

وتبدو الولايات المتحدة مستعدة لتوسيع حملتها، إذ وصلت قاذفات بي-2 وطائرات التزويد بالوقود من طراز كي سي-135 إلى جزيرة دييغو غارسيا في المحيط الهندي. قد يُنذر ذلك بشن ضربات على أهداف مُحصّنة في اليمن، ولكنه قد يكون في الوقت نفسه إشارةً لإيران.

قد تكون الأسابيع القليلة المقبلة اختبارًا حاسمًا لقدرة الحوثيين على الصمود.

أمريكاإيرانالإماراتالسعوديةاليمنالأزمة اليمنيةالأمن اليمنيالبحر الأحمرالجيش الأمريكيالجيش الإماراتيالجيش السعوديالجيش اليمنيالحوثيونتحليلاتحصريا على CNNعبدالملك الحوثيعنف باليمننشر الأحد، 06 ابريل / نيسان 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: الأزمة اليمنية الأمن اليمني البحر الأحمر الجيش الأمريكي الجيش الإماراتي الجيش السعودي الجيش اليمني الحوثيون تحليلات حصريا على CNN عبدالملك الحوثي الولایات المتحدة البحر الأحمر فی الیمن Getty Images إلا أن

إقرأ أيضاً:

هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ اسألوا سارية العلم!

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ لنسأل دونالد ترامب، ذلك «الكرة السحرية البشرية» التي تجيب على الأسئلة بشكل عشوائي.

في بعض الأحيان، تشير العلامات إلى «نعم». ففي اجتماع بالمكتب البيضاوي بعد ظهر الأربعاء، قال الرئيس: «قد نضطر إلى القتال... نحن نسعى إلى نصر كامل وشامل»، وكأن الهجوم الأمريكي بات وشيكًا.

وفي أوقات أخرى: «لا تعوّل على ذلك». ففي الجلسة ذاتها، أشار ترامب إلى أنه يفكر في دعوة القادة الإيرانيين إلى البيت الأبيض للتفاوض: «سنرى. ربما أفعل ذلك».

أما في معظم الأحيان؟ فالإجابة غامضة، جرب مرة أخرى.

سألته مراسلة (سي. إن. إن) كايتلان كولينز «هل يعني ذلك أنك لم تتخذ قرارًا بعد بشأن ما ستفعله؟». رد ترامب قائلًا: «لدي أفكار بشأن ما يجب فعله»، وأضاف وفقًا لمبدئه المعروف بـ «مفهوم الخطة»، «لكنني أحب اتخاذ القرار النهائي قبل لحظة واحدة فقط من موعده».

مرتبك؟ من الطبيعي أن تكون كذلك.

قد يشعر الأمريكيون بالقلق عندما يعلمون أن رئيسهم يتخذ قرار الحرب والسلام بناءً على نزوة لحظية. لكن تصريحاته العلنية خلال الأسبوع الماضي تشير إلى أنه يعتمد بدرجة كبيرة على مستشاره الجديد للأمن القومي، الجنرال «نزوة».

فبعد أن شنت إسرائيل غارات جوية على إيران، سارع ترامب إلى التصريح: «الولايات المتحدة لم تشارك في الهجوم على إيران». وبعد يومين، بدأ ينسب الفضل لنفسه في الهجوم، قائلاً إن بلاده تسيطر كليًا على الأجواء الإيرانية، ومشيرًا إلى أن «الأسلحة الأمريكية» هي من حققت النجاح الإسرائيلي. وبحلول الأربعاء، بدأ يوحي بأنه هو من أعطى الأمر بالهجوم: «قلت: لننطلق»!

وخلال فترة لا تتجاوز 24 ساعة، غيّر ترامب موقفه من إيران مرتين. صباح الإثنين، قال في قمة مجموعة السبع في كندا إن اتفاقًا نوويًا مع إيران «ممكن». وبعد ثماني ساعات، حذر سكان طهران البالغ عددهم 9.7 مليون نسمة من ضرورة «الإخلاء الفوري». وعندما سُئل في اليوم التالي إن كان هذا يعني أن الحرب باتت وشيكة، قال: «لا، إطلاقًا. أريد فقط للناس أن يكونوا بأمان».

أي أسئلة أخرى؟

لو حاولنا تتبع تسلسل تصريحات ترامب المضطربة، فسنجد ما يلي:

في الأيام الأولى بعد الهجوم، كتب أن لدى إيران «فرصة ثانية» للتفاوض، مضيفًا أن إيران وإسرائيل «ستتوصلان إلى اتفاق»، وأن هناك «مكالمات واجتماعات كثيرة جارية الآن».

ولكن بعد بضعة أيام، أنكر بغضب تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن وجود عرض لوقف إطلاق النار، قائلاً: «إيمانويل دائمًا يخطئ»، مضيفًا: «لم أتواصل مع إيران من أجل مفاوضات سلام بأي شكل من الأشكال».

ومع تقدم الأسبوع، ازداد خطاب ترامب عدوانية، وبدأ يهدد بأن بلاده تعرف «مكان اختباء ما يسمى بالمرشد الأعلى»، وأن «صبرنا بدأ ينفد». ثم أتبع ذلك بتغريدة كتبها بأحرف كبيرة: «استسلام غير مشروط!» ظهر الثلاثاء.

لكن في صباح الأربعاء، عاد إلى نبرة التهدئة، قائلاً: «لا شيء فات أوانه»، و»لا شيء قد انتهى». وأوضح للصحفيين أنه قدم لإيران «الإنذار النهائي»، ولكنه عندما سُئل عما يتضمنه ذلك، قال: «آه، لا أريد أن أقول».

واختصر تفكيره في مهاجمة إيران بجملة: «قد أفعلها، وقد لا أفعلها. أعني، لا أحد يعرف ما سأفعله». حتى ترامب نفسه، على ما يبدو، لا يعلم. وفي ظهر الخميس، أرسلت سكرتيرته الصحفية لتقول إنه سيتخذ قراره «خلال الأسبوعين القادمين».

حتى في الشؤون الداخلية، لا شيء ثابت. الأسبوع الماضي، أمرت إدارة ترامب وكالة الهجرة والجمارك بالتراجع عن حملات مداهمة المهاجرين في القطاعات الزراعية والسياحية، وذلك بعد اعتراض رجال الأعمال. وبدلاً من ذلك، أمر ترامب الوكالة باستهداف المهاجرين في «المدن الكبرى مثل لوس أنجلوس وشيكاغو ونيويورك»، والتي وصفها بأنها «معاقل الديمقراطيين».

لكن بعد غضب مؤثري حركة «لنجعل أمريكا عظيمة من جديد» من تراجع خطط ترحيل عمال المزارع والمطاعم، تراجعت الإدارة عن القرار بعد ثلاثة أيام فقط.

كل ذلك يمكن تسميته بأسلوب «فلنرفعه على سارية العلم» في اتخاذ القرارات التنفيذية. وربما لهذا السبب أقام ترامب ساريتين بارتفاع 88 قدمًا في أراضي البيت الأبيض هذا الأسبوع. وقال: «هذه أفضل السواري المصنوعة، فهي طويلة ومدببة ومقاومة للصدأ والحبل بداخلها، ومن أعلى جودة».

وبينما كان العالم يترقب يوم الأربعاء ما إذا كان ترامب سيجر البلاد إلى الحرب، دعا الصحفيين إلى الحديقة الجنوبية لمشاهدته وهو يراقب رفع السارية بواسطة رافعة، لمدة 45 دقيقة.

وخلال ذلك، سأل الصحفيون عن إيران والصين وكندا وخلافه مع كاليفورنيا، لكنه كان يعود دائمًا للحديث عن ساريتيه.

قال عن السارية: «هذه من أجمل ما سترون»، و»في دورال (مدينة في كاليفورنيا)، وضعتها بالقرب من المبنى. دائماً تبدو أفضل وهي قريبة»، و»لدي سارية مماثلة في مارالاغو (مدينة في فلوريد)»، و «هذا أحدث وأعظم ما لدينا».

في ظل هذه الفوضى، يبدو أن البلاد والعالم يسيران نحو الهاوية. إسرائيل وإيران تتبادلان الضربات الصاروخية، وروسيا تقصف كييف بشكل لم يسبق له مثيل، وفي مينيسوتا، أقدم متطرف يميني على قتل قائدة ديمقراطية في المجلس النيابي وزوجها، وأصاب نائبًا آخر وزوجته، وكان يحتفظ بقائمة اغتيالات تشمل شخصيات سياسية ليبرالية.

وما يزيد الطين بلة، أن ترامب لا يزيد الأمور إلا فوضى. فرغم إدانته للهجوم في مينيسوتا، قال إنه لن يتصل بحاكم الولاية لأنه «مختل تمامًا» و»شخص فاشل» و»عديم الكفاءة».

كما ترك قمة مجموعة السبع فجأة، قائلاً إنه يريد العودة إلى واشنطن بسبب «عدم إيمانه بالهواتف»، وذلك بعد أيام فقط من إطلاق شركته لهاتف «ترامب موبايل».

وأسهم في شهر مليء بالفوضى، فقد حشد الحرس الوطني والمارينز لقمع احتجاجات لوس أنجلوس، وأحدث شجارا مع إيلون ماسك، وأقام استعراضا عسكريّا يوم عيد ميلاده، وأصدر أوامر بتوقيف نواب ديمقراطيين بالقوة، وهناك ارتباك في الشأن الاقتصادي، حيث انخفضت تصاريح البناء والمبيعات، وارتفع التضخم، بينما فشل في إجبار رئيس الاحتياطي الفيدرالي على خفض الفائدة.

حتى أن حلفاءه بدأوا بالتذمر، فستيف بانون تساءل «ما الذي يجري؟» واتهم «الدولة العميقة». فيما سخر تاكر كارلسون من السيناتور تيد كروز، واتهم حلفاء ترامب بـ «دفعه نحو الحرب». فيما دافعت مارجوري تايلور غرين عن تاكر، وقالت لترامب: «هذا ليس جنونًا».

ومع ذلك، واصل ترامب الادعاء بأن أنصاره «يحبونه اليوم أكثر من يوم الانتخابات»، وعندما سُئل عن تصريح مدير الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد بأن «إيران لا تطور سلاحًا نوويًا»، قال: «لا يهمني ما قالته».

وعرض ترامب رسالة من مايك هاكابي قال فيها: «أعتقد أن السماء ستنبئك ما يجب فعله بشأن إيران». بينما وصفت متحدثة الخارجية الأمريكية ترامب بأنه «اليد الهادية الوحيدة» و «أفضل صانع صفقات في العالم».

لكن هذه «اليد الهادية» بدأت تفقد السيطرة في مجلس الشيوخ، حيث أبدى الجمهوريون اعتراضات على مشروع خفض الضرائب والإنفاق، مشيرين إلى أنه «سيواجه صعوبات كبيرة» وقد «يفشل». لذا، لجأ حلفاؤه في المجلس إلى تحويل الأنظار، فعقدوا جلسة تحقيق في لجنة القضاء لمهاجمة إدارة بايدن بوصفها «بلا قيادة». لكن الجلسة كانت مكرسة لبحث مزاعم «تدهور القدرات العقلية» للرئيس السابق بايدن.

وخلال ذلك، وقف ترامب في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض بجانب سواريه، يتحدث عن جمالها وأناقتها... والحرب تطرق الأبواب.

دانا ميلبانك كاتب مقالات رأي في صحيفة واشنطن بوست، يغطّي البيت الأبيض والكونغرس. وهو مؤلف لخمسة كتب سياسية، أحدثها «حمقى فوق التل».

مقالات مشابهة

  • تقرير صادم: ضحايا ترامب المدنيون في اليمن خلال 52 يومًا يعادلون قتلى 23 عامًا من العمليات الأمريكية
  • واشنطن تحرك قاذفات “بي-2” مع ترقب موقف ترامب من مهاجمة إيران
  • أستاذ علوم سايسية: الدفاع عن سماء إسرائيل تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية
  • هل ستخوض الولايات المتحدة حربًا ضد إيران؟ اسألوا سارية العلم!
  • مجلة أمريكية: ما المخاطر المترتبة على اليمن ودول الخليج جراء توسع الحرب الإسرائيلية الإيرانية؟ (ترجمة خاصة)
  • الحوثيون يهددون باستهداف السفن الأمريكية في البحر الأحمر
  • بعد توقف تهديدات الحوثيين.. قاذفات بي2 الشبحية تغادر إحدى القواعد الأمريكية إلى المحيط الهادي
  • إعلام إسرائيلي: إقلاع قاذفات أمريكية من طراز بي 2 من قاعدة وايتمان الجوية الأمريكية
  • أوباما يحذر من حكم استبدادي في الولايات المتحدة
  • محمد علي الحوثي يخاطب ترامب حول مهاجمة إيران ويذكره بـقاذفات B2