عربي21:
2025-06-22@16:35:26 GMT

لذا لزم التنويه: عن المعركة الأخيرة (3-8)

تاريخ النشر: 8th, April 2025 GMT

يبدو الحديث عن المعتقل وما فيه هيّنٌ قياسا بالحاصل للأهل في فلسطين، لزمني وقتٌّ لأستطيع الكتابة هذه المرّة، الحياة كلّها بمن عليها وما عليها لا تزنُ جناح بعوضة أمام جسد يتبخّر، ويخالط الهواء والتراب، من يأمن -خاصّة جيران السوء- أنّه تنفّس شيئا من جسد شهيد تطاير؟ لكنّها الحياةُ والإنسان، في المعتقل كما في القطاع، لا شيء يشبه الإبادة مهما بشعَ، لكنّ روحا واحدة أُزهقت ظلما تستحقّ أن يتوقّف لها العالم كلّه.



الذين يسقطون فجأة، كان السقوط ينخر أساسهم شيئا فشيئا، قبل أن ينهاروا دفعة واحدة، لم يحدث شيء فجأة؛ هم فقط لم ينتبهوا حين تخلّوا عن تلك المعركة الصغيرة التي وجب عليهم خوضها؛ أنهم انزلقوا حتى وصلوا لهذا المصير.

المعركة في حقيقتها ليست ضدّ السجّان وحده، إنّما مراده منك ومن الجميع: الاعتياد الذي سيتسرب إلى نفسك ويترسّب فيها حتى تتبلّد، فلا تثور لإهانة ولا تقاوم اعتداء.

تظنّ في المبتدأ باعتقالك أنّك ستتجنّب أخيرا زوّار الفجر، وبعض الظنّ إثم كما نعلم، إذ أنهم مبرمجون على ذلك، سيقتحمون زنزانتك كما يقتحمون بيتك، وستشعر بما تشعر به في هذه وتلك، مزيجٌ من الغضب والانتهاك، هناك إهانة صامتة يوجّهها لك فتح عينيك على بيادات تملأ كلّ فراغٍ حولك.

دخلوا في حملةٍ صباحيّةٍ، تسبق موجة صقيعٍ ضربت السجن -لا أعلم لو ضربت البلاد معه- وقاموا بتجريدِ الزنزانة من كلّ ما فيها، خاصة الملابس الشتويّة.. هكذا بكلّ بسَاطَة!

وقفتُ أنظرُ لهم كأنّ الأمرّ لا يعنيني.. تمادوا لاستفزازي بتخريبٍ، وأنا صامتٌ تماما، حتى سألوني: "هو أنت مش هتتخانق؟".

لم يصدّقوا سكوتي.. لم يعتادوه. كانَ غريبا عليهم وعليّ..

لم أُخبرهم: تسارعَ نبضي، وضاقَ صدري، اختنقتُ، وباغتتني نوبةُ هلعٍ، كادت تُسقطني.. كدتُ أبكي.. وكلّ احتمالِ طاقةٍ فيَّ حشدتُه لأبقى واقفا، ولو بحجّة الصبر وطولِ البال. كنتُ أفكّرَ: كم أنا وحيد! لكن يجب ألا أسقط

كانوا يفكّرون: هذه فرصتنا للتمادي؛ وقد فعلوا، إذ مزّقوا الملابس التي صادروها -حتى لا أستطيع استعادتها بالشكوى أو العراك- وسكبوا زيتا وبقايا طعام وقمامة على الفراش وما تبقّى من الملابس، وأفسدوا كلّ ما لم يصادروه، بما في ذلك الأدوية.

كانت ربّما هذه مرّة وحيدة لم أخض فيها المعركة حين وجب أن أفعل، بطول سنوات اعتقالي العشر، وكانت المرّة الوحيدة التي تعرّضتُ فيها لهذا القدر الذي تعرّضتُ له، قد يتساقط عن ذهني الكثير من النجاحات صغيرها وكبيرها، لكني لن أنسى هذه المرّة التي أفلتُّ فيها يدا، فخسرتُ ما لزمني سنين لأستعيده.

قضيتُ نحو عامين أو يزيد في معتقل طرة تحقيق (سجن القاهرة للمحبوسين احتياطيّّا) أخوض معارك يوميّة على كل واقعة تعذيب، كل صفعة، كل شتمة أو إهانة لأي مسجون، لأي شخص ولو عسكري من ضابط أو ضابط صغير من قيادته، استنزفني ذلك تماما، وما زلتُ لم أستعد نفسي أو أرمم ما هدّمته منها صرخات المعذّبين أو طرقعات الفلقة أو صفق الصفعات على أجسادهم، لكنّ نتيجة باقية تحققت من ذلك: أصبحت صفعة أو لكمة تزلزل السجن بمن فيه (سجّانين وسجناء)، الكلّ تصيبه الخضّة وينتظر التبعة، وكان التجنّب سبيلهم الوحيد تجنّب الجريمة لتجنّب المعركة.

لا يبدو الأمرُ مستحقّا، سينقضي السجن حين ينقضي، والنجاة في تجنّب الصدام، الاختباء حتى تنتهي المأساة، فـ"كلّ رأسٍ بارزٍ سيقطع" كما قيل لي هناك، ويقال لي في كلّ وقت.

لكن فات القائلين والمصدّقين أنه لا يُدفن رأسه إلا ميّت، ولا أحد يعرف تحديدا النقطة التي سيبدأ فيها الانزلاق، فقط سيدرك -متأخّرا- وهو يسقط، أن خطوة ما سبقت أوصلته لهذا القاع، كانت تنازلا فاعتيادا، ثم سقوطا.

والتجنّب لا يجدي ولا يحمي، بل يجعلك أنت الضحيّة القادمة، ولو أوقفت الجريمة قبل أن تصل لغيرك لندر أن تصل إليك.

يشبه الأمر منطق "القُطريين" في استيعاب أمنهم القومي (داخل حدود كلّ قُطر)، والنتيجة معروفة للجميع، ويمكن مشاهدتها على الهواء وفي الواقع: أنت التالي؛ إذ لا طريقة للدفاع عن حقوقك لا يسبقها النضال من أجل الآخرين وحقوقهم، يستوي في هذا حقوقك السجنيّة، كما علاقتك مع الاحتلال.

ولولا اعتياد الانتهاكات، واعتياد الخنوع، واعتياد "كامب ديڤيد" واعتياد الوساطة الكذابة، واعتياد التنسيق الأمني، واعتياد حصار الأهل، واعتياد تمرير الشحنات الحربية كما المواد الغذائية للعدو، واعتياد شراء الغاز الفلسطيني من سارقه، واعتياد القروض وشروط البنك الدولي وصندوق النقد، واعتياد القمع والحبس والتقتيل داخلا.. لولا هذه السلسلة من الاعتيادات، لو خاض الكلّ معركته الأخيرة/الوحيدة في انزلاقتنا الأولى، لما حصلت الإبادة ربّما، ولما كان الحال هو الحال.

أن تخوض كلّ معركة كأنّها الأخيرة، لا يعني أن تنتصر، ولا أن تفتعل البطولة، بل فقط أن تترك أثرا فيك يشهد أنّك لم تنزل دون إرادتك.

أحيانا تكون المعركة في أن تقول لا، وأحيانا، في أن تقف على قدميك وأنت ترتجف.

لا أدّعي أنني كنت شجاعا في تلك الليلة، ولا أظنّ أنني كنت جبانا.. كنت فقط، في المنتصف الموحش بينهما. وهذا هو أخطر الأماكن: أن تظنّ أنك ما زلت واقفا، بينما كلّ شيء فيك يتهاوى في صمت.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء المعتقل السجن مصر سجن معتقل إرادة قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة صحافة اقتصاد صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ة التی

إقرأ أيضاً:

رضائي: الهدنة المفروضة ضررها أكبر من مواصلة المعركة.. نقلنا المواد المخصبة لمكان آمن

قال القائد السابق للحرس الثوري وعضو تشخيص مصلحة النظام إن "معاقبة الصهاينة يجب أن تكون ضامنة لمستقبلنا، حتى لا يجرؤ العدو على تكرار فعلته مرة أخرى".

ونقلت وكالة مهر الإيرانية عن رضائي قوله، إن جميع المواد المخصبة تم نقلها وهي في أماكن آمنة.

وأضاف: "كان هذا الكيان يظن أن القبة الحديدية ستحبط صواريخ إيران، وكان يتخيل النصر. صواريخنا يجب أن تخترق أربع طبقات حتى تصيب أهدافها داخل إسرائيل، ولم يكن أحد يتوقع أن تخترق ولو صاروخ واحد هذه الطبقات، لكن العشرات من صواريخنا تجاوزت تلك الطبقات".

 
وأوضح: "كان هدفهم خلق الفوضى داخل بلادنا وزعزعة أمنها، لكنهم فشلوا خلال الـ48 ساعة الماضية، استخدمنا مزيجًا من صواريخ "فتاح" و"سجيل"، ما أحدث اضطرابًا كبيرًا لدى العدو".
 
وأكد رضائي: "الانتقام الذي ننفذه عقلاني، لأننا إن لم نجبر العدو على الاستسلام، فالحرب ستستمر. إن قبول هدنة مفروضة سيكون أكثر ضررًا من مواصلة المعاقبة. عدونا انتهك جميع المعاهدات الدولية، لكن ردنا قانوني".

وقال: "نحن ندافع عن أنفسنا، والعديد من الدول تتمنى انتصار إيران، حتى أولئك الذين وقّعوا على اتفاقيات إبراهام من الخوف، يتمنون هزيمة هذا الشر المطلق في المنطقة. لذا فإن استمرار معاقبة هذا الكيان هو عمل إنساني أيضًا".

واعتبر أن "هذه الحرب هي أشرف حرب تخوضها إيران، لأن العدو هو من أحلك الأنظمة، وارتكب جريمة فاضحة في وضح النهار، وشرعية إيران في هذه الحرب أوضح من أي حرب أخرى".

وتابع رضائي: "إذا انتصرنا في هذه الحرب، فسيفرح ليس فقط المسلمون في المنطقة، بل أكثر من ملياري إلى ثلاثة مليارات من سكان العالم. يجب أن نضع هذا الشر في مكانه".

وأوضح: "في المنطقة هناك فراغ في القوة، تحاول أمريكا وإسرائيل ملأه، لكن دول المنطقة يمكنها تشكيل اتحاد خاص بها، وإذا حققنا نصرًا حاسمًا، يمكننا نحن أن نصنع السلام في المنطقة، ونضمن أمن البلاد لخمسين عامًا مقبلة".

وأكد: "يجب أن نستفيد إلى أقصى حد من خطأ العدو الكبير في الاعتداء علينا. فالتكنولوجيا الوطنية تبدأ من الصمود، وعلينا تحويل التهديد إلى فرصة. لا ينبغي أن نرضى فقط بهزيمة العدو، فقد يعيد بناء نفسه بعد أشهر ويعود".

وأضاف: "سننزل بالعدو بلاءً لا يمكنه معه العيش، لا في المنطقة ولا في أي مكان في العالم. منذ مارس الماضي، عندما تيقن رفاقنا من اندلاع الحرب، تضاعفت قدراتنا الصاروخية والسيبرانية".

وتابع رضائي حول القدرات الدفاعية والأمنية: "حتى الآن استخدمنا أقل من 30 بالمئة من قدراتنا الفعلية، وأقل من 5 بالمئة من قدراتنا الكامنة في مواجهة العدو. لم نستخدم بعد قدراتنا البرية والبحرية، ولا أدوات مثل النفط أو مضيق هرمز أو حلفائنا".

وأوضح القيادي السابق في الحرس الثوري: "نطلب من المدنيين الإسرائيليين الابتعاد عن الأماكن العسكرية التي تهاجمنا منها. نحن نراعي إلى حد ما المدنيين في إسرائيل. يوم أسود ينتظر نتنياهو".

وتابع رضائي: "إذا قبلنا اليوم بهدنة مفروضة، فستهاجمنا إسرائيل مجددًا بعد شهرين. قد يردد البعض حديث الهدنة، لكن هدنة مفروضة ستمنح العدو فرصة لإعادة بناء نفسه. الأوروبيون اليوم يخافون من صواريخنا ولا يدعمون إسرائيل، لكن إذا أعطيناهم فرصة، فقد يعودون لدعم نتنياهو. لذا فإن حديث قائد الثوري منطقي، حكيم، ومبني على خبرة عسكرية عالية".

وأردف: "نحن ثابتون في الدفاع عن شعب إيران، ونفخر بأن نقدم أرواحنا حتى آخر قطرة دم دفاعًا عن الوطن والشعب. انتقامنا مقدس، وإذا لم يندم العدو على فعلته، فإن خسائر استمرار الحرب لن تكون مقبولة بالنسبة لنا".

وأضاف: "حتى اليوم السابع، أطلقنا أكثر من 400 صاروخ، و600 طائرة مسيرة، وأسفر ذلك عن إصابة ألفي شخص، ومقتل 50 صهيونيًا. نزيد وتيرة الهجمات تدريجيًا لإعطاء المدنيين الإسرائيليين فرصة للفرار. نطلب من المدنيين الإسرائيليين مغادرة تلك المناطق بأسرع ما يمكن".

مقالات مشابهة

  • الإفراج عن محمود خليل بأميركا.. المعركة مستمرة
  • الضربة الأميركية لإيران.. هل ربحت إسرائيل المعركة؟
  • عولمية الحرب…واقليمية المعركة الإسرائيلية الايرانية … رؤيا تحليلية
  • أسماء الشركات النفطية والشحن والقيادات الحوثية التي طالتها عقوبات أمريكا الأخيرة
  • ما هي استراتيجية الدفاع الأمامي التي تتبناها إيران؟ وهل تستمر فيها؟
  • ساحة المعركة الجوية تحت السيطرة الإيرانية مؤقتاً.. إسرائيل تستعد لتعزيز دفاعاتها
  • هل سيشارك حزب الله في المعركة؟
  • البرلمان الإيراني: إذا دخلت واشنطن ساحة المعركة فإن النتيجة مفاجأة
  • رضائي: الهدنة المفروضة ضررها أكبر من مواصلة المعركة.. نقلنا المواد المخصبة لمكان آمن
  • نواف العصيمي لياهلا بالعرفج: العناوين التي فيها ألوف وملايين تلفت النظر دائماً