قصص سينمائية حقيقية.. كيف تتطاير أجساد أهالي غزة بصواريخ الاحتلال؟
تاريخ النشر: 10th, April 2025 GMT
يقذف صاروخ إسرائيلي الرضيعة أنعام مسافة 50 مترا بعيدا عن منزلها، الذي قصفته طائرات الاحتلال شمال قطاع غزة، على حين بغتة.
تطير الطفلة في السماء وتسقط على فراش مجاور، وكأن ملائكة حملتها وأنزلتها فوقه، ليكون سببا بحمايتها من موت محقق، قبل إصابتها بحروق في وجهها نتيجة انفجار الصاروخ الأول.
هذا المشهد ليس سينمائيا، وإنما قصة حقيقية حدثت مطلع أبريل/نيسان الجاري، ووثقها الطبيب المغربي يوسف بو عبد الله، الذي يزور غزة لتقديم الرعاية الطبية للجرحى، عبر حسابه في منصة إنستغرام.
ذلك السيناريو الدموي، من بين عشرات مشاهد المقتلة المستمرة بإخراج إسرائيلي متقن، وبدعم أميركي، راح ضحيتها أكثر من 50 ألفا و846 شهيدا و115 ألفا و729 مصابا منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
أجساد وأشلاء متطايرةوإذا كان مسمع العالم لا يستوعب سيناريوهات القتل التي يُجرّبها جيش الاحتلال الإسرائيلي على سكان القطاع المحاصر، فلهم في مجزرة مدرسة دار الأرقم بمدينة غزة دليل أُضيف إلى سجل مفتوح من جرائم الإبادة الجماعية.
حيث وثقت منصات فلسطينية المجزرة المروعة التي ارتكبها جيش الاحتلال في الثالث من أبريل/نيسان الجاري، وما قالت إنه يُظهر لحظة تطاير أجساد الأهالي بفعل القصف العنيف على مدرسة تؤوي نازحين.
إعلانولا يستطيع أهالي غزة خاصة، تخطّي مشهد تطاير الأجساد بفعل القصف، مؤكدين أن ما يتعرضون له ليس حربا وإنما "فناء بطيء تُرتكب فيه القيامة على الأرض، دون حساب أو ميزان أو عدالة، وبينما تُمزق الأجساد وتتبعثر الأرواح، يكتفي العالم بالعدّ والصمت".
وتأكيدا على ذلك، يُخاطب الناشط أحمد الخالدي من وصفهم بـ"المتخاذلين" المتفاجئين بتطاير سكان غزة بفعل القصف، حاكيا بعضا من قصص من تطايرت أجسادهم فوق مبان قريبة، ومن اختفت بعض أشلائهم وتناثرت في المجهول، ومن تعرضوا للفناء تماما، ومن تطايروا وبقوا أحياء.
ويقول الخالدي في منشوره "لقد وجدنا في بيتنا أشلاء جيراننا بعد قصف منزلهم المكون من 6 طوابق، فالانفجار ينثر كل شيء من أجساد وركام وذكريات".
ويضيف "ذات مرة سألت صديقا تم إنقاذه من تحت ركام بيته حيا، كيف هو الشعور؟.. أجاب: مع انفجار الصاروخ شعرت بأنني سقطت في حفرة عميقة مع الدوران بقوة، لكني خرجت حيا وبخير"، مؤكدا أن الشخص نفسه استشهد فيما بعد برفقة زوجته وأطفاله في قصف منفصل.
ويزيد على قصص مشابهة، أخصائي الصحة النفسية الدكتور سعيد الكحلوت، قائلا إن "جسد أختي الشهيدة طار ذات قصف وتجاوز عمارتين وشارعا، بينما وُجد زوجها بعد يومين في حارة مجاورة".
ويكمل في منشور له عبر فيسبوك "في بداية الحرب، وإثر قصف على بيت جيراننا، وجد أهل الحي جسد شهيدة كما هو على فراشها، مستقرا فوق الطابق الخامس في عمارة ملاصقة لبيت الشهيدة الكفيفة.. قال الناس شرحا للحدث: لقد حملتها الملائكة وهربت بها إلى مكان آمن.. كانت نائمة تماما".
وتبدو المرحلة الجديدة من الحرب الإسرائيلية، منذ استئنافها في 18 مارس/آذار الماضي، أكثر دموية وإجراما، إذ قتل جيش الاحتلال 1482 فلسطينيا وأصاب 3688، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة.
ويلحظ سكان غزة قصفا أعنف ووتيرة قتل أشد وكأن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم القطاع حقل تجارب لأسلحته العسكرية الفتاكة، بعد خرقه لاتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع المقاومة في يناير/كانون الثاني الماضي.
إعلانوعن ذلك، يربط الكحلوت بين مشهدي القصف العنيف وتطاير أجساد الشهداء، قائلا إن "قوة الانفجارات التي نشهدها في هذه الحرب تجعلني أقول إن الأجساد تحاول أن تنجو بنفسها فتهرب، حتى ولو طارت خارج دائرة النار، هاربة من الجحيم (..) وصوت الانفجار كأن السماء انشقت عن غضبها، يزلزل الأرض تحت أقدامنا ويصم آذاننا حتى لا نعود نسمع إلا أزيز الخوف وهو يعوي داخل رؤوسنا".
خوف وهلعويدعو المدون أبو غيث ياغي، العالم للحديث عن "غزة التي تموت"، والليالي الصعبة التي يعيشها السكان، بينما "تُجرّب إسرائيل أنواعا جديدة من القنابل والصواريخ".
وبينما يسأل الناشط محمد العكشية عبر حسابه "شو قاعدين برموا (الاحتلال) علينا" بسبب أصوات القصف التي يتردد صداها في كل الأرجاء، يؤكد آخر أن موجة الانفجارات وعمليات القصف مرعبة وغير مسبوقة.
في حين يرى الناشط محمد هنية أن أغلب الصواريخ المستخدمة بعد تجدد الإبادة مختلفة عن سابقها، ولها موجة انفجارية هائلة، مضيفا "أصبحنا نسمع تردد صدى الانفجار لمدة أطول، أي أنه لا يتوقف في لحظته بل يظهر صوته كأنه يمتد وينتشر، بالتزامن مع هزات أرضية تستمر ثواني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جیش الاحتلال
إقرأ أيضاً:
الأنظمة التي باركت فض رابعة لن تنقذ الفلسطينيين
مع لحظة إعلان إطلاق طوفان الأقصى، كان واضحا أن المنطقة أمام حادثة لن يكون ما قبلها كما بعدها، فهناك جُدُر هائلة تحطمت أمام رجال يمتلكون إيمانا وعزما أكثر مما يمتلكون من مُعَدَّات تناسب الحدث، وهذه الجُدُر المحطَّمَة ستحتاج إلى إعادة بناء لتكرار صورة الردع الوهمي الذي تحطم يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وبات وضع التغيرات في المنطقة مرهونا بمن سيفقد القدرة على التحمل أولا. ويبدو أن الفلسطينيين راهنوا على أن تفكك وهشاشة الوضع الصهيوني الداخلي، والضغوط الخارجية -لا سيما العربية- لوقف العدوان المرتقب، سيساهمان في إيقافه في مرحلة مبكرة، وهو ما حدث عقب الهدنة الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وكان متوقَّعا أن يُمدَّد وقف إطلاق النار ليصير نهائيّا، وهو ما لم يحدث.
تنوَّعت المواقف العربية على مدار الأشهر الاثنين وعشرين، بين ضغوط دبلوماسية علنية على الجانب الصهيوني، أو تجاهل المجزرة لحين انتهاء "المهمة المعلنة للجانب الإسرائيلي، وهي القضاء على المقاومة" وفقا لتصريح السيسي في مؤتمره مع المستشار الألماني في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وأحيانا بمواقف صلبة تخص قضية التهجير، لكن المواقف المجافية للسلوك الصهيوني ظلت سطحية ولا تمس العمق الصهيوني، فلم يشعر بضغط كافٍ يدفعه إلى وقف عدوانه الوحشي غير المسبوق في التاريخ المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
استمر الكيان المُعادي في عدوانه لأن العرب أوصلوا رسائل غير علنية بوجوب تدمير الحركات المقاوِمة، فكتب دينيس روس في صحيفة "نيويورك تايمز" في بدايات الحرب أن "إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد أن عليها هزيمة حماس"، مضيفا "خلال الأسبوعين الماضيين، عندما تحدثت مع مسؤولين عرب في أنحاء مختلفة من المنطقة أعرفهم منذ فترة طويلة، قال لي كل واحد منهم إنه لا بد من تدمير حماس في غزة".
أما الرسائل العلنية "الوقحة" فكانت في جانب عسكري، مثل رسوِّ سفن أسلحة في موانئ عربية، أو مرورها في قناة السويس، أو نقلها في سفن عربية، كما في حالة السفينة السعودية التي فضحها الإيطاليون.
وجانب اقتصادي، نشرته صفحة "إسرائيل بالعربية" في شباط/ فبراير الماضي، فذكرت الصفحة: "وفقا للبيانات الإسرائيلية، بلغ حجم التبادل التجاري الاسرائيلي مع الدول العربية الخمس الرئيسة (مصر، والأردن، والإمارات، والمغرب، والبحرين) 4.524 مليار دولار في العام الماضي، ما يعني زيادة بنسبة 15 في المئة عن العام السابق. وشهدت هذه التجارة نموّا مستمرّا منذ عام 2020، تصدرت الإمارات القائمة بتجارة بلغت 3.2 مليار دولار، تليها مصر (579 مليون دولار حسب البيانات الاسرائيلية، لكن البيانات المصرية تشير إلى 2.672 مليار دولار بسبب واردات الغاز الطبيعي). كما زادت تجارة البحرين بنسبة 843 في المئة، والمغرب بنسبة 39 في المئة. وتشير البيانات إلى وجود تجارة غير معلنة مع دول عربية وإسلامية أخرى، بقيمة 14.7 مليار دولار".
والسطر الأخير شديد الدلالة على مدى الانحطاط الذي وصل إليه قادة دول عربية وإسلامية يقيمون تجارات سرية مع الاحتلال، ما يؤدي إلى دعم اقتصاده، في الوقت الذي يدمِّر فيه أقوات وحياة الفلسطينيين ومستقبلهم لسنوات قادمة. وجدير بالذكر أن هذا التقرير صدر قبل أشهر من توقيع نظام السيسي اتفاقية توريد غاز -تسرقه دولة الاحتلال- بلغت قيمتها 35 مليار دولار، وفيما يبدو أن السيسي يريد منافسة الإمارات في نيل الرضا الصهيو-أمريكي.
هذه الصفقة المخزية والمتواطئة مع الاحتلال، تأتي في سياق تبدو فيه أمارات على تغيّر الموقف المصري في الآونة الأخيرة من الموقف الفلسطيني، والتوجه نحو الضغط على الفلسطينيين بكثافة أكبر، وتقليل التوجه إلى الاتصالات الدولية مع الأنظمة المخالفة للسياسة الأمريكية، وذلك بعد فشل جولة المفاوضات الأخيرة التي كادت أن تتوج بتوقيع اتفاقية وقف نار مؤقت. ويبدو أن هذا التغير كان السبب في توجيه حركة حماس نداءها إلى المؤسسات المصرية على لسان الدكتور خليل الحية، وقابَلَه هجوم مصري إعلامي حاد على الحركة واتهامها بأنها سبب الدمار في القطاع، تكرارا لخطاب صهيوني جاهد السيسي كثيرا ليخرجه إلى العلن، منذ بدء العدوان؛ لكن الأجهزة الوطنية المصرية كانت حائط صد أمامه لفترة طويلة، ونرجو أن تستعيد زمام السيطرة، بعد هذا التحول الذي نبع من ضغط أمريكي قاسٍ فيما يبدو.
في سياق متصل، تهل هذه الأيام ذكرى فض اعتصام رابعة العدوية في مصر صيف عام 2013، وهي أكبر مجزرة لمدنيين في مصر المعاصرة، وقد أدَّت تبعاتها إلى تغيير توجهات الدولة المصرية المشرفة من القضية الفلسطينية خلال عاميْن وخمسة أشهر مثَّلوا عمر الثورة المصرية، وكانت مشاعر المصريين حيَّة وطبيعية وصادقة تجاه العدو التاريخي لمصر والمنطقة، ولم يكن نزْع علم الاحتلال من على سطح المبنى الذي تدنسه السفارة هو ذروة الغضب الشعبي، فلو كان نظام الحكم الديمقراطي مستمرّا حتى اليوم، لما استطاع الحاكم المصري المنتخَب أن يصم آذانه عن معاناة الفلسطينيين على الحدود الشمالية، ولا أن يقبل بالعربدة الصهيونية في فلسطين وسوريا ولبنان واليمن وإيران، ولكانت هناك مواقف حقيقية وصلبة توقف العدوان مبكرا، لكن الانقلاب العسكري الذي جاء بتمويل عربي ودعم صهيوني كامل، أوصلنا إلى ما نحن فيه من مهانة.
ربما يكون الربط بين حادثة محلية وأخرى إقليمية، تباعَدَ الزمن بينهما، ضربا من ضروب إقحام حوادث في سياق واحد، بغرض الترويج لخطورة أحد الحدَثيْن، لكن الرابط هنا ليس بين تأثير الحادثة الأولى في الثانية. ورغم وجود هذا الأثر بدرجة ما، فإن الرابط الملموس أن أنظمة الحكم التي نفَّذت المجزرة المحلية أو دعمتها أو باركتها، هي الأنظمة التي لا تعنيها قضايا الشعوب، ولا تفهم معاني الكرامة ما دام الممسك بأطواقها في أمريكا راضيا عنها، حتى وإن عنَّفها أو أهانها أمام وسائل الإعلام، فهذه الأنظمة الدموية بطبعها، والمتشبثة بمقاعدها، لا يعنيها أن يموت كل الفلسطينيين أو أن تزول حتى فلسطين، بل ربما لا يعنيها احتلال أوطانها ما دامت ستظل ممسكة بمقاليد المال والسلطة باعتبارها ولاة للقوى العظمى، مثل عباس القابع في رام الله ويهينه الاحتلال في كل لحظة؛ لكنه لا يمانع في أن يستأسد على الفلسطينيين إذا غضبوا لدماء ذويهم في غزة.
طينة عباس هي طينة باقي الحكام العرب، فهم مستعدون لتسليم أوطانهم مقابل البقاء في سلطة ظاهرية تمنحهم قوة لا حدود لها أمام الضعفاء من بني جلدتهم؛ هكذا يقول لنا عدوان غزة، وهكذا قال لنا فض رابعة من قبل، وسنظل نسمع قصص المهانة والخزي إلى أن تزول أنظمتنا السياسية، وتتولى الحكمَ أنظمةٌ ديمقراطية منتخَبَة تلبي طموحات شعوبها، أيّا كانت خلفية هذه الأنظمة الفكرية أو السياسية.