لم يكن الذكاء الاصطناعي منذ بدايات تطويره غير نظام ذكيّ موجه للنخب والكفاءات، غير أنه وبسبب الانتشار الرهيب لاستعمالاته اليومية، بات آلة سهلة الاستخدام بين أيدي عامة الناس، ما مكن من تعدد استعمال تطبيقاته ومساحاته الذكية، وما بين التعلم والبحث والترفيه وحتى الاستهزاء به، واستعماله خارج سياقه الذي وُجد من أجله، هناك ثغراتُ سوءِ فهم، دفعت نحو استخدامه كمحرك بحث ودردشة، دونما النظر في جوانبه العلمية الواسعة.

لنلقي نظرة على الواقع الجزائري، وعلاقته بالذكاء الاصطناعي، عبر نافذة شات جي بي تي كأحد أبرز الأنظمة المنتشرة في الجزائر، وذلك من خلال التركيز على أحد جوانب الحياة اليومية للمواطن الجزائري.

مخاوف البدايات

ما إن بدأت رقعة استعمالات الذكاء الاصطناعي في الجزائر بالتوسع، حتى أخذت مخاوف المئات من الجزائريين تتكشف حيال الاستخدامات السلبية المحتملة، والثغرات الأمنية الواردة، والملقاة داخل عالم جديد وغامض، خاصة أولئك الذين يحملون هواجس الخوف والتوجس بين أيديهم، وفي هواتفهم التي باتت تلازمهم، ولا يملكون الجرأة في التخلص منها ولو إلى حين، مفارقة صعبة لا يمكن للإنسان أن يتخلص منها، ولا أن ينهي أحد طرفيها دون إغفال الطرف الآخر، إلا أن السير في هذا الطريق ببصيرة إيجابية وبُعدٍ واضح قد يُسهم في تقدير المواقف وتغليب المنافع على الأضرار.

في هذا الحيّز المختصر، نحاول أن ندق أبوابا مختلفة من الحياة الاجتماعية للمواطن الجزائري من أجل أن نتقصى نفعا للاقتداء أو ضررا للتجنب، ولعل من أبرز ما يمكن الحديث عنه ضمن جوانب مختلفة ليوميات الجزائريين، الرعاية الصحية، نعم مقصدنا الصحة التي طالما اعتبرها الجزائريون التاج والعدو في آن واحد، فما هي الصحة يا ترى في عالم الذكاء الاصطناعي؟ وكيف ينظر إليها هذا الأخير ضمن شبكة معلوماته الواسعة اتساع الشبكة العنكبوتية؟

استشارة “شات جي بي تي” أولى من زيارة الطبيب !

لقد أخذ منا الهاتف الذكي وقتا طويلا بملازمته لحياتنا اليومية، أو بالأحرى لتشبثنا المستمر به، فأصبح الرفيق والصاحب والخليل، وليس هذا لملء أوقاتنا فحسب، إنما اتخاذ القرارات والتأثير في حياتنا، بات الجانب الأكثر احتكارا لاستعمالاتنا اليومية، دون غيرها من الأغراض الترفيهية الأخرى.

إذ يعتقد الكثيرون في عصرنا الحالي، أن مراتب التقدم التي يحوزها الذكاء الاصطناعي باتت تعوض عنا الكثير من الضروريات، كما توفر عنا جهدا كبيرا في البحث والتنقل خاصة، وهو ما يمكن إسقاطه على مختلف مجالات الحياة، بما في ذلك الجانب الصحي للمواطن، وفي ذلك تقول السيدة زينب، وبصفتها موظفة بدوام كامل، إنها غالبا ما تلجأ لاستشارة تطبيق شات جي بي تي، كخطوة أولية قبل الذهاب إلى الطبيب، وذلك لضيق الوقت، وكثرة التزاماتها المهنية واليومية، مؤكدة في حديث لـ “النهار أون لاين”، أنها جد مرتاحة لكل ما تتحصل عليه من معلومات، وقد سألناها عن بعض الحالات التي تلجأ فيها إلى تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فاختصرت هذه الحالات في الشعور بالغثيان، وحالة دوار شديد وبعض الحركات الغريبة بالأمعاء، وقد وجدت - حسبها – في شات جي بي تي، ما يخفف عنها ذلك، مشيدة في سياق حديثها إلينا، بمستوى الوقاية المبكرة التي يمكن تحصيلها، باتباع إرشادات وتنبؤات شات جي بي تي.

أما تجربة الشاب يونس، مع استعمال تطبيقات الذكاء الاصطناعي، فهي تنطبق على مئات الجزائريين، من خلال ما يعرف بالطب الذاتي، إذ أكد أنه بعد استنفاد جلسات التشخيص لدى بعض الأطباء، طرح مشكلة ألمه، الذي كان يعاني منه على مستوى البطن، على تطبيق “شات جي بي تي” وبعد أخذ ورد للأسئلة والإجابات، نصحه ببعض التمارين الرياضية، دون اللجوء إلى تعقيد حالته الصحية، وقد أحسن بذلك رأيا – حسبه -.

بالمقابل حالة السيدة عائشة، تختلف تماما عن السيدة زينب والشاب يونس، ورغم أنها لم تنكر لجوءها لشات جي بي تي، في بعض الحالات المرضية، إلا أنها أتبعت كلامها بشيء من التذمر حيال المبالغة التي يحترفها التطبيق، حيث أكدت أنه يلجأ في بعض الأحيان إلى طرح بعض التكهنات الغريبة والمؤدية إلى تعقيد الحالة الصحية، من خلال تهويل الأمر، وزرع الخوف عندها، وقد أثبتت خطأ المعلومات المقدمة لها كم من مرة، بعد اللجوء لطبيبها الخاص، وتشخيص الحالة تشخيصا طبيا – حسب تصريحها -.

في سياق متصل، يقول الشاب أيمن صاحب الثلاثين عاما، إن اعتماده اليومي على منصة شات جي بي تي، تعدى الترفيه وطرح الأسئلة، وحتى جمع المعارف المختلفة، إلى طرح أسئلة أكثر تعمقا، خاصة فيما يتعلق ببعض الأعراض والأمراض، كما أن تقنيات تعديل الصور وقراءتها، تعدى إلى تحميل كشوف الفحوصات الطبية، وقراءة بياناتها بالذكاء الاصطناعي، في خطوة لم تكن يوما مطروحة في عالم التكنولوجيا، ولم تكن قراءة بيانات هذه الألواح السوداء، في متناول الأطباء كافة، بل بعض المختصين من يمكنهم تشخيصها وإدراك مكمن الداء فيها، أما اليوم فليس أمام الشاب أيمن من مشكلة في قراءة أولية واستشارة سريعة، قد تطلعه على بعض التفاصيل وتنمي معارفه الطبية قبل استشارة الطبيب المختص، مع أنه أكد لنا في حديث مطول، وبلهجة فخرية وحماسية، وجود تطابق كبير في تفاصيل ما يوضحه “الدكتور” شات جي بي تي – حسبه -، وما يكاد يجزم به الطبيب.

مجهر الطبيب ينسف باحتمالات “جي بي تي”

بعد الوقوف على بعض الحالات، والأصداء المختلفة، أردنا أن نأخذ برأي أهل الاختصاص، حيث أكد الدكتور عبد الحفيظ عيادة، بصفته طبيبا عاما، وبعد اطلاعه على الحالات المذكورة سالفا، أن تقديم أعراض مختلفة لنظام شات جي بي تي، ليس بالضرورة تشخيص المرض، بل وضع بعض الاحتمالات للأمراض المشتركة في الأعراض المقدمة، مضيفا أن التشخيص لدى الأطباء، يعتمد أساسا على عدة نقاط مختلفة، كتصريحات المريض خلال جلسة الفحص، وأسئلة الطبيب الدقيقة، والتي تضاف إليها حالة المريض وتعابير وجهه، وحتى استجابة الأعضاء المعنية بالفحص، وهي أمور لا يمكن لنظام إلكتروني ملاحظتها كما الطبيب نفسه، ولهذا خلص حديث الدكتور عبد الحفيظ إلى “النهار أونلاين”، أنه لا يمكن لنظام شات جي بي تي أن يوفر تشخيصا دقيقا للمريض، إنما تقديم احتمالات مختلفة، ومن ذلك مثال مريض في بداية مراحل إصابته بإنفلونزا، مع رصد أعراض سيلان في الأنف وألم في العضلات، وقليل من الحمى، بعد 24 ساعة قد تتعقد حالته مع ضيق في التنفس وانخفاض في ضغط الدم، حينها يستحيل على نظام ذكاء اصطناعي متابعة الحالة بتكهناته، حسب اختلاف الأعراض المسجلة.

خوارزميات بلا روح.. قد تصيب وقد تخطئ !

ندرك بعد هذا كله، أن الذكاء الاصطناعي وبالأخص نظام “جي بي تي” موضوع مقالتنا هذه، ومهما بلغ في مساعدة المرضى، من خلال تشخيص حالاتهم، والتعرف على مآلات أعراضهم، وتقديم النصائح والإرشادات لهم، إلا أنه لا يمكنه اتخاذ القرارات المصيرية في حياة الناس، وما يتعلق برعايتهم الصحية، فمهما كان للذكاء الاصطناعي، من أياد خفية تعتمد على الخوارزميات المعقدة، فإن للطبيب تشخيص علمي دقيق للأمراض والأعراض، ولا يمكن الاستغناء عنه، مهما بلغت ثقة الإنسان في أنظمة الذكاء الاصطناعي ما بلغت.

المصدر: النهار أونلاين

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی شات جی بی تی من خلال لا یمکن

إقرأ أيضاً:

دار الإفتاء تحذّر: الذكاء الاصطناعي يُهدّد الفتوى بـ 3 أزمات خطيرة

أكد الدكتور محمود الطحان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن مؤتمر الدار حول "صناعة المفتي الرشيد في عصر الذكاء الاصطناعي" تناول أبرز المشكلات المرتبطة باستخدام هذه التقنية في المجال الشرعي، وفي مقدمتها انتشار الفتاوى غير المنضبطة والفوضى على المنصات الإلكترونية.

وأوضح الطحان أن اعتماد البعض على إجابات برامج الذكاء الاصطناعي دون التحقق من مصدرها يؤدي إلى ارتباك المستفتين، مؤكدًا ضرورة التأكد من الجهة المصدرة للفتوى قبل الأخذ بها. وأشار إلى أن دار الإفتاء توفر قنوات متعددة للإجابة الموثوقة، مثل الفتوى الهاتفية عبر الرقم 107، والخدمات الإلكترونية عبر الموقع الرسمي، إضافة إلى الفتاوى المكتوبة والشفوية من خلال لجان مختصة، وهو ما يحد من مشكلة تعدد المصادر غير الموثوقة.

وبيّن أن التحدي الثاني يتمثل في الانحياز البرمجي، إذ قد تعتمد هذه البرامج على أكثر المعلومات تكرارًا عبر الإنترنت بغض النظر عن صحتها، مما قد يكرّس آراء خاطئة، في حين تحتفظ المؤسسات الشرعية الرسمية بالإجابات الصحيحة.

كما حذّر من التحدي الثالث وهو إساءة توظيف التقنية، عبر تغذيتها بمحتوى مغلوط أو متحيز لتشويه صورة الإسلام أو إنتاج فتاوى متطرفة، مؤكدًا ضرورة وضع منهج واضح للتعامل مع الذكاء الاصطناعي في الإفتاء، والرجوع إلى المصادر الرسمية لضمان سلامة الفتوى وحماية المجتمع.

هل الاحتفال بالمولد النبوي حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدلهل يجوز الصلاة قاعدا للمريض؟.. أمين الإفتاء: تُؤدى على قدر استطاعتهلمواجهة الفتاوى الشاذة.. مؤتمر الإفتاء العالمي: ضوابط صارمة لتوظيف الذكاء الاصطناعيعلماء مؤتمر الإفتاء العاشر يناقشون تأهيل المفتي لعصر الرقمنة ومواجهة الفتوى الشعبوية طباعة شارك الإفتاء الذكاء الاصطناعي أمين الفتوى

مقالات مشابهة

  • من زراعة الأعضاء إلى خوارزميات الفتوى.. مؤتمر الإفتاء العالمي يناقش تحديات الذكاء الاصطناعي
  • الذكاء الاصطناعي يدعو لإبادة البشر عبر رسائل سرية
  • قوة الذكاء الاصطناعي في التنبؤ باحتياجات المستهلكين
  • دار الإفتاء تحذّر: الذكاء الاصطناعي يُهدّد الفتوى بـ 3 أزمات خطيرة
  • الذكاء الاصطناعي يهدد أسواق الأسهم
  • المفتي: ثورة الذكاء الاصطناعي من أكبر التحديات التي عرفها العصر الحدي
  • يصاب بالتسمم باستشارة من «الذكاء الاصطناعي»
  • مستشار المفتي: الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد المفتي فى استرجاع بعض المعلومات
  • الذكاء الاصطناعي يساعد في رعاية أكثر فعالية في الطوارئ