وقفت أفراح الناصرية فـي ملتقى «معا نتقدم» الأخير، وطلبت بشجاعة من وزير الثقافة والرياضة والشباب أن يتم احتواء مشروع صديقتها الطبيبة منى الحبسية قبل أن تفرد جناحيها وتغادر إلى أمريكا، فلاقت تجاوبا لافتا ووشيكا من صاحب السمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد.
دارت سردية الناصرية حول منى الحبسية الباحثة العُمانية التي نالت دكتوراه فـي طب السرطان المناعي من جامعة كيوتو اليابانية، وبقيت تحلم بفرصتها فـي بلدها الأمّ.
والشاهدُ فـي هذه القصّة -التي تحفها الكثير من الملابسات- هو خروجها من مربع النسيان إلى الضوء المُبهر فـي محفل كبير مثل «معا نتقدم»، لكن السؤال الأهم: ماذا عن الذين لا يتمكنون من الوصول إلى منصات كهذه؟ ماذا عن الذين لا تُسمع أصواتهم ورؤاهم؟ ماذا عن الكفاءات التي يُفرط فـيها فـيخفتُ جوهرها المُتقد؟
ولعلي أربطُ هذه القصّة بفكرة إنشاء منصّة وطنية للمقترحات والشكاوى والبلاغات، منصة «تجاوب»، التي تهدف إلى رفع كفاءة الخدمات الحكومية، وتقوية العلاقة بين بيئات العمل والمجتمع المستفـيد منها، مما يعني وجود وحدة مركزية موحدة تنبثقُ منها أذرع 55 مؤسّسة حكومية. تتمتعُ المنصة بتقنيات الذّكاء الاصطناعي، وتعتني بذوي الإعاقة عبر دعم القارئ الصوتي لذوي الإعاقة البصرية، ومقاطع مرئية تخدم لغة الإشارة لذوي الإعاقة السمعية.
لطالما كان عمل مؤسسات الحكومة منفصلا عن الآراء المُتشكلة بشأنه من قبل المستفـيد، فحتى وإن وجدت صناديق مُعلقة على جدرانها مكتوب عليها «بريد الشكاوى والمقترحات»، فإنّ ذلك لم يكن ليُرمم الهوة السحيقة بين مانح الخدمة والمستفـيد منها !
فـي هذه الخطوة تُراهن الدولة على وعي المواطن وقدرته على تصويب ما اعوج، فهو يلعبُ دورين فـي هذه المسألة الحساسة: دور المُبلغ عن خدمة رديئة ودور المقترح لأفكار ترفع سوية الأداء الحكومي.
وعليه نأمل ألا تُختزل المنصة فـي دور يُشبه عمل «الخطوط الساخنة»، أو محاولة نقل نبرة التبرم العارم فـي السوشيال ميديا إلى خطوط مُنظمة، وإنّما السعي الحثيث لإيجاد فعالية «التجاوب» الحيوية والعميقة بين الطرفـين، فلا تتشرذمُ هموم المنصة فـي إطار ما هو «خدمي» صرف، من قبيل: حفرة أو مطب أو إنارة، فهذه المهام تتصدى لها جهات عديدة، وذلك كيلا تتضاءل الفسحة المنشودة فـي مطالب متدنية، فالأجدر بها أن تتعالق مع صميم المرحلة، وأن تُعالج الترهل المؤسسي المنظور منه والخفـي، للكشف عن الجذور المريضة والموبوءة لمعالجتها أو لاجتثاثها.
وعلى الفرد منا أن يُمرر حساسيته اليقظة، عبر إعادة تقدير الكفاءات المُعذبة بإحساس قهري بالتبعية لمؤسسات لا تنتبه لها! وعلى المسألة أيضا أن تتجاوز تحريض التنافس بين المؤسسات الحكومية، على غرار ما تفعله الإجادة المؤسسية -التي لا ندري إلى أي حد آتت أكلها- لصالح الانتباهة الواعية والأشد سطوعا.
هذه الخطوة تُرينا جميعا أنّ الفرد غير منفصل عن المؤسسة، بل هو جزء منها ولذا لو قدر لهذه الفكرة أن تنمو - عبر التغذية المستمرة- ستتغير العلاقة بين الموظف والمسؤول والمستفـيد، فلا يبقى طرف من الأطراف مُتنائيا ومنعزلا فـي برجه الشامخ، فعمله مُراقب ويخضع للتقييم المستمر والنقد من قبل المستفـيد.
علينا أن ننجو بالمنصة من أن تغدو مجرد تحول شكلي، من صندوق بائس مُعلق على ردهات المؤسسات إلى فضاء إلكتروني، وذلك نشدانا لتغير لا يكتفـي برتق الثقوب فـي الثوب البالي وإنّما يُساهم فـي تغيير مادة نسيجه ليغدو أكثر فعالية ومسايرة لمتطلبات تنفـيذ «رؤية عُمان 2040».
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ثروة بيل غيتس كلها للفقراء بحلول 2045
تعهد الملياردير بيل غيتس الخميس بالتبرع بكل ثروته الشخصية تقريبا خلال العقدين القادمين. وقال إن الناس الأشد فقرا بالعالم سيحصلون على نحو 200 مليار دولار عبر مؤسسته الخيرية.
يأتي ذلك في وقت تقلص فيه الحكومات في أنحاء العالم المساعدات الدولية.
وقد حذر غيتس من أن خفض المساعدات العالمية سيؤدي إلى وفاة ملايين الأشخاص الأكثر فقرا خلال الأربع إلى الست سنوات المقبلة.
وقال قطب التكنولوجيا إنه فوجئ بالتخفيضات المفاجئة في المساعدات من الحكومات هذا العام.
لكنه توقع أن تعود الحكومات إلى الاهتمام ببقاء الأطفال على قيد الحياة خلال فترة الـ20 عاما المقبلة.
وذكر غيتس -وهو مؤسس شركة مايكروسوفت- أنه سيسرع من خطط توزيع ثروته وإغلاق مؤسسة غيتس بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول 2045.
وكتب في منشور على موقعه الإلكتروني "سيقول الناس كثيرا من الأشياء عني عندما أموت، لكنني مصمم على أن عبارة "مات غنيا" لن تكون واحدة منها".
وأضاف "هناك كثير من المشكلات العاجلة التي تحتاج إلى حل، ولا أستطيع الاحتفاظ بالموارد التي يمكن استخدامها لمساعدة الناس".
وفي توبيخ ضمني لخفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمساعدات، قال غيتس إنه يريد المساعدة في وقف وفاة حديثي الولادة والأطفال والأمهات لأسباب يمكن الوقاية منها، والقضاء على أمراض مثل شلل الأطفال والملاريا والحصبة، والحد من الفقر.
إعلانوتابع "من غير الواضح ما إذا كانت أغنى دول العالم ستواصل الدفاع عن الشعوب الأشد فقرا"، في إشارة إلى خفض مساهمات المانحين الرئيسيين، بما في ذلك بريطانيا وفرنسا.