ظهر جلياً خلال العقود الأخيرة أن أمريكا تعمل وسط هذا العالم من أجل مصالحها فقط، دون أن تنظر إلى مصالح الدول وحقوقها في تحقيق التقدم والازدهار في شتى المجالات، وهدف أمريكا من ذلك هو أن تصبح وحدها هي القوة الوحيدة المهيمنة على العالم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، في حين أن دول العالم هي الأخرى حرة، ولها الحق في أن تكون قوية وفاعلة في كافة المجالات، ما يسمح للدول الكبرى بأن تنهض وتقوى وتعمل من أجل نهضتها، ومن أجل نهضة الشعوب الكبرى، الأمر الذي يقضى على سياسة القطب الأوحد في هذا العالم، وقد عانت الكثير من الدول وبخاصة الدول الناهضة والواعدة في المجالات التكنولوجية، الاقتصادية، العسكرية والفضائية، من انتهاك أمريكا لحقوقها من خلال افتعال الحروب والأزمات غير المبررة والظالمة داخل تلك الدول، ومنها حقوق أمريكا وغزوها للكثير من دول الشرق الأوسط، أو بفرض أمريكا الكثير من العقوبات مع تجييشها لدولها الغربية الصديقة من أجل تعجيز الدول الكبرى الناهضة كالصين والهند وروسيا ودول أمريكا الجنوبية والشمالية وبعض دول الشرق الأوسط، أو بتدخل أمريكا في شئون تلك الدول، والعمل على إيقاع الفتن والاضطرابات بين الدول وبعضها البعض، والأخطر من ذلك هو نشر أمريكا عبر الحقب الزمنية الأخيرة الكثير من القواعد التابعة لها، وأسلحة الدمار الشامل بداخل الكثير من الدول، أو بنشر سفنها وأساطيلها العسكرية في بحار العالم، وبما يهدد أمن واستقرار وحقوق تلك الدول في كافة المجالات، وكان الرئيس ترامب الذي يعتبر امتدادا للرئيس الديموقراطي چو بايدن من الزعماء الأمريكيين الذين انتهكوا وتجاوزوا الخطوط الحمراء في حقوق الكثير من دول العالم سواء كانت الدول الكبرى أو الضعيفة والنامية، فقبل استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سدة الحكم مؤخراً كان العالم يعول على شعاراته الرنانة التي تدعو إلى إنهاء الأزمات والحروب وتحقيق السلام في بلدان العالم، إلا أن واقع الأيام قد أثبت عكس ذلك تماماً، وذلك عندما لم يحدث أي تقدم ملموس في تلك الحروب والنزاعات، فالحرب الروسية الأوكرانية لم يتغير فيها شيء، بل ظهرت أهداف ترامب الخفية في نيته ابتزاز تلك الدول، والعمل على انتهاك حقوقها والاستيلاء على مواردها وأموالها مقابل استخدامه للقوة والعقوبات لفرض السلام بالإكراه، كما أنه الذي كان يُعوَّل عليه في وقف حرب الإبادة الجماعية على أبناء غزة والضفة في فلسطين، وبإقامته للدولة الفلسطينية، هو من قدم الدعم العسكري والاقتصادي والمعنوي اللا محدود إلى إسرائيل وحكومتها المتطرفة بقيادة نتنياهو، وذلك لاستكمال حرب الإبادة الجماعية على غزة والضفة، وولبنان، وعلى الحوثيين في اليمن، إضافة إلى نشره للقواعد العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لمساعدة إسرائيل في عدوانها، واستكمالها لتنفيذ خططها للتهجير والتجويع، ووقف وصول المساعدات الإنسانية إلى شعب غزة الأعزل، بل وبجاهزية ترامب وتجييشه من أجل تهديد إيران وإمكانية شن الحرب عليها، ووقف برنامجها النووي، ليس من أجل سلام العالم، بل من أجل ضمان تفوق إسرائيل العسكري والنووي في المنطقة، ولم يتوقف انتهاك أمريكا للعالم بقيادة ترامب إلى هذا الحد، بل ظهر جلياً بإعلان رئيسها ترامب رغبته في ضمه لكندا شاسعة المساحة، وجريين لاند، بل وبرغبته في ضم قناة بنما إلى أمريكا، وتغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وبرغبته الجنونية في تهجير أبناء غزة البالغ عددهم ٢ مليون نسمة، وبناء منتجع سياحي أمريكي على حساب الآخرين، ومؤخراً بفرضه رسوما جمركية جائرة على غالبية بلدان العالم، وإحداثه فوضى غير مسبوقة في حركة الاقتصاد العالمي، وترقب الخبراء الاقتصاديين من إحداث ركود وكساد عالمي في حركة التجارة، وكل تلك الإجراءات الانتقامية ما هي إلا انتهاك حقوق الدول الأخرى، وعلى رأسها الصين وروسيا والهند والاتحاد الأوروبي، وذلك لاستكثار ترامب حق تلك الدول في التقدم، وبعدم السماح لها بالندية أمام أمريكا أو حتى بسماح ترامب لتلك الدول بحريتها في شئونها ومواردها، الأمر الذي أربك بذلك حركة التجارة العالمية، ناهيك عن انسحاب الرئيس الأمريكي ترامب من غالبية المنظمات الدولية، وبمهاجمة أمريكا وانتقادها للكثير من المنظمات الدولية الإنسانية، وبانتقاد أمريكا أيضاً لمحكمة الجنايات والعدل الدولية، والمنظمات الإنسانية التي كانت قد أدانت قادة إسرائيل لارتكابهم حرب إبادة جماعية غير مسبوقة في غزة وغيرها، وكل هذا الانتهاك مرده إلى عنجهية أمريكا وتعاليها على شعوب العالم، واعتبار ترامب بغروره بأنه الرجل الأقوى والمهيمن الوحيد والمتحكم في دول العالم، في حين أن أمريكا ما هي إلا دولة كغيرها من الدول، جزء من هذا العالم، وليس العالم كله.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الکثیر من تلک الدول من أجل
إقرأ أيضاً:
لماذا تم تجاهل اليمن من أجندات زيارة ترامب وقمته في السعودية ؟
بدى اليمن غائبا عن أجندات زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية، قائدة التحالف العربي ضد جماعة "أنصارالله" الحوثي، أو جرى تجاهله إلا من إشارات وردت في كلمات قادة في دول الخليج على هامش القمة التي انعقدت الأربعاء، الأمر الذي أثار شعورا بالخيبة في أوساط يمنية مختلفة من تحول بلادهم إلى ملف صغير بيد المملكة، وفق وصفها.
كما سجلت قمة الرياض التي انطلقت برئاسة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي ترامب، غياب القيادة اليمنية ممثلة برئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي الذي اتهم بالعجز وسط انتقادات حادة وجهت له والقيادات الحكومية الأخرى.
" ملف منسي وفشل الشرعية"
وفي السياق، قال الناشط السياسي والحقوقي اليمني، توفيق الحميدي إنه للأسف اليمن غائب منذ زمن في أجندة كثير من الدول بسبب فشل الشرعية في إثبات حضورها، والتعاطي بإيجابية وشجاعة مع أزمة اليمن.
وأضاف الحميدي لـ"عربي21" أن غياب اليمن من أجندات ترامب في أول زيارة له إلى السعودية، التي تعد أول تحرك خارجي له بعد عودته إلى البيت الأبيض، على الرغم من وقف القصف الأمريكي قبل أيام على المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.. يعكس حجم التراجع المأساوي لمكانة الشرعية في أولويات الحلفاء الإقليميين والدوليين، مشيرا إلى أنه تأكيد أيضا؛ على فشل السلطات الشرعية في فرض حضورها أو إبراز قضيتها كملف رئيسي في معادلات الأمن والسياسة الإقليمية.
وتابع الناشط اليمني بأن هذا الفشل في مقابل الاهتمام بملف سوريا، ليس مجرد سهو بروتوكولي، بل هو انعكاس لمعادلة سياسية صريحة تفيد أن اليمن رغم ما يعيشه من حرب ونزيف، لم يعد ينظر إليه كطرف فاعل، بل كملف منسي، تتقاذفه الأطراف بلا مشروع وطني موحد أو قيادة تملك قرارها.
وبحسب الحميدي فإن سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع حاضرة بقوة، وتحضر قضايا التطبيع مع الاحتلال والملفات الكبرى كإيران والطاقة وأمن البحر الأحمر، بينما اليمن يتموضع في الهوامش، ضحية ضعف الأداء السياسي وغياب الاستراتيجية الوطنية.
وأوضح أن تجاهل ترامب لليمن في زيارته ليس مجرد مؤشر دبلوماسي، بل صفعة سياسية يجب أن تقرأها السلطات اليمنية جيدا، بعد عجزها عن امتلاك أدوات القوة والحضور كصاحبة قرار عن بلادها.
"اليمن شأن سعودي داخلي"
من جانبه، قال وزير النقل اليمني السابق، صالح الجبواني إن في زيارته الأخيرة إلى الرياض، بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكأنه يعيد رسم خارطة اهتمامات وأولويات واشنطن في الشرق الأوسط، إذ تناول معظم ملفات المنطقة بشهية واضحة، تحدث عن إيران، وتحدث عن انفتاح جديد على سوريا ورفع عنها العقوبات، تحدث أيضا عن لبنان، وأبرم صفقات اقتصادية وأمنية بمئات المليارات من الدولارات، لكن دون أن يذكر اليمن بكلمة واحدة إلا تحييده للحوثيين واحتوائهم بوقف الضربات عليهم.
وأضاف الجبواني في منشور له عبر موقع "فيسبوك" أن هذا التجاهل لم يكن ذلك سهوا ولا خطأ بروتوكوليا، بل كأنه إشارة سياسية مقصودة، مفادها أن ترامب "لا يرى في اليمن قضية تستحق الاهتمام المباشر، ولا يجد فيها طرفا يستحق أن يخاطب أو ملفا يستحق أن يفتح".
وأكد الوزير اليمني السابق على أن اليمن تحول إلى "شأن سعودي داخلي" متابعا القول : "ليس لأن الرياض اضطرت إلى ذلك، بل لأنها اختارت بل أرادت إدارة هذا الملف ضمن رؤيتها الاستراتيجية الأوسع ".
ولذلك لم تسعَ المملكة حتى الآن، وفقا للجبواني، "إلى تسوية تنهي الحرب بصورة شاملة، بقدر ما عملت على إبقاء التوازنات كما هي، بلد منهك، بناه مهدمة، اقتصاده مشلول، وسكانه مرهقون جائعون في معركة مفتوحة لا تفضي إلى حل"، ويتم إبقاءه على هذا الحال حتى تنضج ظروف معينة ليعاد تشكيل هذا البلد وفق ما ترى وتريد الرياض.
وأوضح وزير النقل اليمني السابق ونائب رئيس مجلس محافظة شبوة الوطني أيضا، أنه لا يوجد طرف يمني يراهن عليه، ولا سلطة تملك شرعية شعبية أو مؤسسية، ولا خريطة سياسية يمكن البناء عليها.
ومضى بالقول : "هناك تشظ داخلي، وتعدد في مراكز القرار، وغياب لأي مشروع وطني جامع".
ولفت إلى أن ترامب يرى اليمن هكذا، والأسوأ من ذلك، أن الصراع في اليمن تحول إلى مرآة لصراعات القوى الإقليمية إيران من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، مبينا أن الصديقتان السعودية والإمارات راغبتان في إدارة هذا الملف بهذه الطريقة، ولذلك فالرئيس الأمريكي سيبصم بالعشر..ما دام أن سوق الصفقات رائج".
وخلص الوزير اليمني السابق إلى أن اليمن سيبقى هكذا خارج المشهد، بلا صوت مسموع، ولا دور فاعل، ولا أفق قريب".
"مؤسف وخيبة"
من جهته، عبر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني، مصطفى عن أسفه من هذا التجاهل لليمن وأزمته في زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة.
وقال نصر عبر منصة "إكس": "مؤسف أن يتم تجاهل اليمن وأزمتها في زيارة ترامب الأخيرة".
وأضاف "الحوثيون ضاعفوا البؤس على اليمنيين وخصومهم من الحكومة الشرعية سلموها كملف صغير للجيران".
وأشار رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أن اليمني يشعر بالخيبة وهو يرى دول المنطقة تتنافس في مضمار التنمية بقيادات شابة طموحة واليمن العريق، الكبير جريح، فاقد السلطة والقرار.
والأربعاء، عقدت في العاصمة السعودية الرياض، القمة الخليجية الأمريكية، برئاسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وفي كلمته، قال ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إن دول المجلس تشارك الولايات المتحدة الأمريكية إيمانها بأهمية الشراكة الاقتصادية والتعاون التجاري، وتعد الولايات المتحدة الأمريكية شريكا تجاريا واستثماريا رئيسيا لدول الخليج العربي.
وقال إن الرياض وعواصم مجلس التعاون الخليجي، تعمل مع الولايات المتحدة من أجل وقف التصعيد في المنطقة، وإنهاء الحرب في غزة، وإيجاد حل دائم وشامل للقضية الفلسطينية وفقا لمبادرة السلام العربية والقرارات الدولية ذات الصلة.