تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

في عالمٍ تُستنزف فيه الكلمات كما تُستنزف الأعمار، تبدو الترجمة أحيانًا فعلًا باردًا، مجرّد جسر صامت بين لغتين. لكن حين تمر القصائد من بين يدي ضي رحمي، تصبح الترجمة طقسًا شعريًا قائمًا بذاته، كأن النص الأصلي لم يوجد إلا ليُولد من جديد بلغتها. ليست ضي رحمي مترجمة تقف على الحياد بين الشاعر وقارئه العربي، بل هي عاشقة تختار قصائدها كما تختار روحٌ عاشقٌ مَن يهواه، بعين تمسّ، وقلب يُنصت، وضمير لا يُهادن.

 

ضي رحمي لا تضع نفسها في مصاف "المترجمين المحترفين". تصرّ، بتواضع متوهج، على أنها "مترجمة هاوية". وهذا في ذاته مفتاح لفهم صوتها الخاص: ليست ضي أسيرة قواعد النشر ولا شروط المؤسسات، بل أسيرة الدهشة وحدها. لا تترجم ما يُطلب منها، بل ما يطلبها. ما يمسّها كما لو أن القصيدة سُرّبت لها من حلم سابق.

 

في هذا المعنى، فإن ترجماتها ليست نقلًا من لغة إلى أخرى، بل استعادة. كأنّ ضي تعثر على قصيدة في لغتها الأم وقد كُتبت أصلًا بها، فتُعيدها إلى أهلها. ليس غريبًا إذًا أن تجد الكثيرين يظنون أن تلك الكلمات التي قرأوها لها هي شعر عربي خالص، لا ترجمة.

 

ليس من السهل أن تختار قصيدة لتترجمها. فالنصوص، كما الناس، تحمل أعمارًا وأقنعة وثقافات قد تنفر منها الروح أو لا تجد فيها ما يشبهها. غير أن ضي رحمي تمتلك حسًّا نادرًا في هذا الاختيار. تختار القصائد التي تنتمي إلى عوالم هشّة، إلى تلك الفجوات الدقيقة بين الحب والخسارة، الوحدة والحنين، الغضب والرقة. تنجذب إلى الشعراء الذين يكتبون كمن يربّت على كتف العالم: لانج لييف، نيكيتا جيل، رودي فرانسيسكو، وآخرون ممن يُقال عنهم شعراء المشاعر الدقيقة.

 

وتنجح ضي في أن تنقل هذه المشاعر لا باعتبارها معاني لغوية، بل باعتبارها أصداءً داخلية. فهي تعرف كيف تحفظ موسيقى النص، كيف تُبقي على رعشة الجملة، وعلى ذلك الفراغ النبيل الذي يتخلل بعض القصائد ويمنحها عمقًا لا يُفسَّر.

 

في ترجماتها، يظهر صوت أنثوي واضح، لكنه غير شعاري. لا تخوض ضي في قضايا النسوية من بوابة المباشرة، بل تفتح بابًا خلفيًا للقارئ كي يرى هشاشة النساء، غضبهن، صمتهن، توقهن للحب، وانهياراتهن الصغيرة، من دون أن تقول ذلك بصوت عالٍ. تترك اللغة تفعل ذلك.

 

في ترجمتها لقصيدة عن امرأة وحيدة تُحدّث ظلالها، لا يبدو أن ثمّة شيء يحدث سوى أن القارئ يشعر أنه هو تلك المرأة. هنا تتجلى قوة ضي: لا تسرد الشعر، بل تجعلك تعيش داخله، كأنك كنت دومًا هناك.

 

ضي لا تكتفي بالترجمة المكتوبة. على ساوند كلاود، نسمع بصوتها أو بصوت متعاونين معها ترجمات مسموعة لقصائدها المختارة. الصوت هنا ليس مجرد أداة قراءة، بل امتداد للقصيدة. نبرة الصوت، طريقة الوقف، وحتى الأنفاس الصغيرة بين السطور، كلها تشكّل طبقة إضافية من الترجمة، تجعل من القصيدة حدثًا سمعيًّا، لا قرائيًّا فقط.

 

هذه القدرة على المزج بين الكلمة والموسيقى الداخلية للصوت تجعل من ترجماتها لحظة حميمية، كما لو أنك جالس قبالة صديقة تخبرك شيئًا سريًّا عن العالم.

 

ما يعمق هذا البعد الإنساني في أعمال ضي هو أنها ليست فقط مترجمة، بل فاعلة في العمل الاجتماعي والإنساني. عملها من أجل ضحايا العنف يمنحها حساسية لا يمتلكها كثيرون. الترجمة هنا ليست فعل ترف ثقافي، بل امتداد للرغبة في فهم الألم الإنساني بكل لغاته. لذلك نجد في ترجماتها إصرارًا على منح الألم صوتًا ناعمًا، لا يصرخ، بل يشير بإصبعه إلى قلبك، ويصمت.

 

لو جاز لنا أن نكتب قصيدة عن ضي رحمي، لربما قلنا إنها تلك اليد التي تُمسك بالقصيدة المترجمة كما لو كانت دمًا طازجًا خرج لتوّه من الوريد. لا تضعه في قارورة محكمة، بل تتركه يسيل في اللغة العربية كأنه لم يكن غريبًا قط.

 

ربما ليست ضي مترجمة بالمعنى التقليدي، لكنها بالتأكيد شاعرة تتنكر في زي مترجمة. شاعرة لا تكتب القصيدة، بل تبحث عنها في لغات الآخرين، وتعيد كتابتها بلغة تشبه قلبها.

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

فوز الدكتور سامح اللبودي الأستاذ بلغات الأزهر بجائزة دبي للصحافة العربية

فاز الدكتور سامح اللبودي، المدرس بقسم اللغة اليونانية وآدابها بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر بالقاهرة؛ بجائزة دبي للصحافة العربية في نسختها ال "24" من قمة إلاعلام العربي في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، والمقدمة من الشيخ محمد بن راشد، لأفضل محتوى إعلامي عربي، والتي كانت بحضور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف.

شيخ الأزهر يلتقي نائب حاكم دبي لمناقشة دور الشباب في المبادرات العالميةشيخ الأزهر من دبي: الإعلام العربي مسؤول عن كشف جرائم الاحتلال ومواجهة الإسلاموفوبيا

وقد فاز الدكتور سامح اللبودي في فئة التحقيقات الصحفية، واعتبرت اللجنة المحكمة أن المحتوى الإعلامي الذي قدمه ابن جامعة الأزهر محتوى متميز للمعايير المهنية الصحفية للصحافة الاستقصائية.

تعد هذه الجائزة الذي فاز بها الدكتور سامح اللبودي ابن جامعة الأزهر إضافة جديدة وإنجاز متميز لكلية اللغات والترجمة بالجامعة ولجمهورية مصر العربية.

طباعة شارك الدكتور سامح اللبودي جامعة الأزهر كلية اللغات والترجمة جائزة دبي للصحافة العربية الإمارات الأزهر

مقالات مشابهة

  • توقعات الأبراج وحظك اليوم الأبراج السبت 31 مايو 2025: برج العذراء.. سامح الشريك
  • الخارجية تعلن عن فرصة تطوعية لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
  • نبيل باها: استظافة المونديال تستلزم تعبئة كافة المغاربة لتكون هذه النسخة الأفضل في التاريخ
  • سامح اللبودي يفوز بجائزة دبي للصحافة العربية
  • عن نعيم قاسم و حزب الله.. كلام إسرائيلي جديد
  • فوز الدكتور سامح اللبودي الأستاذ بلغات الأزهر بجائزة دبي للصحافة العربية
  • توقيع 3 بروتوكولات تعاون لتفعيل منصة «استئناف القاهرة» الرقمية
  • استئناف القاهرة تطلق خدمات إلكترونية جديدة.. بالتعاون مع الاتصالات والبريد
  • سيدي قاسم.. اعتقال موظف بالضرائب اختلس 4 مليارات
  • قد يشيخ قلبك أسرع مما تتصور.. هل أنت معرض للخطر؟