لجريدة عمان:
2025-06-22@16:52:37 GMT

استهداف الحوثيين جزء من مخطط أكبر

تاريخ النشر: 27th, April 2025 GMT

للوهلة الأولى، يبدو أن الإدارة الأمريكية تعمل في اتجاهين متناقضين في الشرق الأوسط. فهي تتفاوض بوساطة عُمانية مع إيران لمنع نشوب حرب في الخليج وشبه الجزيرة العربية، في الوقت الذي تشن فيه أعنف حرب على جماعة أنصار الله الحاكمة في صنعاء «الحوثيين» منذ اندلاع المواجهات المباشرة بين الجماعة وكل من إسرائيل ودول الناتو في أعقاب طوفان الأقصى.

الخطير في هذه الحرب التي تشنها واشنطن منذ ١٥ مارس الماضي أنها قد تدمر الاستقرار السياسي الذي شهدته المنطقة منذ وقف الحرب اليمنية وإرهاصات اتفاق التطبيع السعودي-الإيراني منذ مارس ٢٠٢٣، إذ توقفت الهجمات المتبادلة بين دول التحالف والحوثيين وعُقدت مفاوضات سعودية/حوثية استهدفت التوصل لحل للأزمة اليمنية، ولكن تأمّلا أكبر في هذا التناقض الظاهري يكشف أن الاستراتيجية الأمريكية التي تقف وراء التفاوض في جبهة إيران والحرب الشرسة في جبهة الحوثيين حلفاء إيران هي استراتيجية واحدة.

هذه الاستراتيجية تقوم بشكل أساسي على قاعدتين وتسعى لتحقيق هدفين. القاعدة الأولى أن التغيير في مشهد الشرق الأوسط الذي أحدثه طوفان الأقصى لا بد أن يتم تغييره بمشهد جيوبوليتيكي مضاد، أو ما يسميه نتنياهو بصياغة شرق أوسط جديد. القاعدة الثانية هي أن أحد أهم ملامح مشهد طوفان الأقصى الإقليمي الذي ينبغي تغييره من وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية هو وقف الصعود الفاعل للمنظمات والجماعات غير الحكومية المسلحة المعادية للمشروع الأمريكي، إذ ملأت منظمات مقاومة سنية مثل حماس، وشيعية مثل حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي، وزيدية مثل الحوثيين الفراغ المخيف الذي تركه تخلي النظام العربي الرسمي عن المواجهة مع إسرائيل منذ اتفاقيات كامب ديفيد.

أما الهدفان اللذان تعمل على تحقيقهما استراتيجية إدارة ترامب فهما: أولا: الانتقال من إضعاف محور القوى الاستقلالية المناهضة لواشنطن «تراجع قوة حماس وحزب الله، وتوقف الفصائل العراقية، وسقوط النظام السوري، وتراجع قوة الدفاعات الجوية الإيرانية»، إلى السعي لتدميرها كليًا أو ما يسميه المحللون الإسرائيليون إنهاء عقود من استنزاف هذه القوى لأمريكا وإسرائيل، أو بتعبيرهم المفضل «نهاية مرحلة شراء الهدوء». والهدف الثاني هو تعميم نموذج السلام الإبراهيمي واستكمال مشروع التطبيع السعودي مع إسرائيل، والذي اعترض طريقه في اللحظة الأخيرة اندلاع هجوم طوفان الأقصى.

بدا شن حرب على إيران مخاطرة غير مأمونة لأسباب ذكرناها مرارا، بما فيها اعتراض حاسم من حلفاء أمريكا العرب في الخليج على أن الحرب قد تدمر الحياة في المنطقة كلها. «من اللافت هنا تصريحات رئيس الوزراء القطري بأن دول المنطقة قد تعطش ولا تجد ماء عذبًا لشرب سكانها أكثر من عدة أيام إذا لوث هجوم أمريكي أو إسرائيلي ماء الخليج بمخلفات البرنامج النووي الإيراني». ومن ثم تم تفضيل خيار التفاوض مع طهران ولو مؤقتا حتى تصبح الحرب مع النظام الاستقلالي عن أمريكا مأمونة العواقب ومقبولة من حلفاء الإقليم. ومن ثم كان الخيار هو استكمال التدمير لقوى المقاومة من المنظمات غير الحكومية.

في لبنان لا تفعل المبعوثة الأمريكية للبنان سوى الضغط المتواصل على الحكومة والجيش لنزع سلاح حزب الله. في العراق، تكفلت الضغوط الأمريكية والتزام إيران بعدم التصعيد بإسكات قوة الحشد الشعبي مع تهديدات مبطنة بإمكانية استخدام فصائل مؤيدة في سوريا لعبور الحدود مع العراق والسعي لتصفية الحشد الشعبي إذا لزم الأمر. الحوثي هو من تبقى الخصم الأكثر عنادًا الذي لم يتوقف عمّا يمكن وصفه بالتضامن مع غزة والجهاد ضد إسرائيل. ومن ثم فقد تم التعامل مع تدمير قدرة الحوثيين على منع توجه السفن لإسرائيل عبر البحر الأحمر وعلى توجيه مسيرات وصواريخ باليستية إلى إسرائيل باعتباره أولوية متقدمة منذ وصول ترامب.وبعد أن فشلت غارات إسرائيل وهجمات الأطلسي طوال فترة بايدن في إخضاع الحوثيين، جرت تغييرات كثيرة في هذا السياق:

1- رفع العبء الحربي ضد الحوثيين عن كاهل إسرائيل بعد أن تسببت صواريخ ومسيّرات الحوثيين رغم دقتها المحدودة، في استنزاف مخزون صواريخ «حيتس» الاعتراضية بتكلفتها التي بلغت مئات الملايين. ونُقلت المهمة كليًا إلى المجهود الحربي الأمريكي في عملية إعادة توزيع للمهام وانخراط أمريكي مباشر في الحرب ضد اليمن، يرى البعض أن تكلفته منذ عهد بايدن قد تتجاوز ٨ مليارات دولار أمريكي في جبهة الحوثيين والبحر الأحمر فقط.

2- كثافة التدخل العسكري: لم تستجب واشنطن ترامب للمطالب الإسرائيلية التي نقلها ديرمر له بعد انتخابه مباشرة في نوفمبر الماضي بأن يتولى عنها مسؤولية الحوثيين المرهقة لبعد المسافة وارتفاع الكلفة المالية وقلة العائد، ولكن اتسم التدخل بطابع مكثف، فهو زمنيًا وعلى مدى نحو شهر ونصف الشهر عبارة عن غارات مستمرة يوميًا على مدار الساعة. كما انتقل من مهاجمة الأهداف العسكرية لتدمير قدرات المسيّرات والصواريخ فقط إلى مهاجمة أهداف مدنية يحتمل وجود قادة الحوثيين فيها أيضًا.

ممارسة الضغوط السياسية على إيران لكي توقف دعمها للحوثي، أو بعبارات ترامب: يجب على طهران ترك الحوثيين بمفردهم وحيدين. ومن المرجح أن هذا البند هو قضية مطروحة في المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن.

3- إحداث تحول في مواقف الدول العربية الحليفة لواشنطن، التي كانت قد حافظت طوال شهور حرب طوفان الأقصى على الأقل علنيًا على موقف مفاده أن حل مشكلة الملاحة في البحر الأحمر واستهداف إسرائيل بأسلحة الحوثيين مرتبط بإنهاء حرب الإبادة على غزة. ويبدو أن انتقال الملف لواشنطن واتصالات ترامب مع زعماء عرب قد تكفلت بتغيير ما في موقفهم السياسي، وصارت معظم البيانات السياسية العربية تتحدث مرة واحدة عن خطر تهديد الملاحة في البحر الأحمر دون الإشارة للسبب الأساسي، وهو الحرب على غزة. كما بعثت إشارات على أن المتضرر من تحدي الحوثي للعدوان الإسرائيلي هم العرب، خاصة مصر التي تراجعت عوائد قناة السويس بقوة بسبب القيود المفروضة على الملاحة عبر البحر الأحمر. عزل إيران عن الحوثيين وتحويل البيئة العربية إلى بيئة معادية للحوثيين يعطي فرصة، حسب التصور الأمريكي، لأن يلحق العمل العسكري السياسي المنسق هزيمة كبيرة بالحوثيين. وفي هذا الصدد، طُرحت معلومات عن تخطيط قد يتم بين واشنطن ودول في المنطقة لأول مرة، وعدم الاقتصار على الغارات الجوية، بل شن حرب برية تقوم بها هذه الدول مع فاعلين يمنيين معادين للحوثيين ومتمركزين أيضًا على البحر الأحمر وباب المندب. لكن كل المؤشرات توحي بأن زيارة ترامب القريبة للسعودية ودول خليجية خلال أسابيع قليلة يصعب أن تتم والحرب مشتعلة، ومن ثم فهي تمثل قيدا على استمرار العملية العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين، وقد تدفع واشنطن -عن طريق المفاوضات مع إيران- لوقف مؤقت لها أو هدنة طويلة بشروط تحفظ ماء الوجه.

ربما يبدي الإيرانيون في هذه المرحلة مرونة في تشجيع الحوثيين على الهدوء كما فعلوا مع حلفائهم في لبنان والعراق.. لكن درجة التأثير الإيراني على الحوثيين محدودة، ويتفق المحللون المنصفون على أن قرار الحوثيين مستقل بدرجة كبيرة عن طهران، كما يتفقون على أن أنصار الله كجماعة أيديولوجية تتمتع بروح تضحية تجعلها قد تحارب حتى النهاية دون تراجع أو استسلام، بدليل أنها بعد كل الهجمات الأمريكية الهائلة ما زالت إلى اليوم تطلق مسيّرات وصواريخ على مدن في فلسطين المحتلة. الأخطر من ذلك أن جماعة أنصار الله في اليمن قد لا تتأخر في العودة لحرب الصواريخ مع جيرانها في الخليج ومنشآتهم النفطية إذا صمم ترامب على سحق الجماعة وإخراجها من المعادلة السياسية اليمنية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البحر الأحمر طوفان الأقصى على أن ومن ثم

إقرأ أيضاً:

ما هي صواريخ إيران الفرط صوتية التي ترعب إسرائيل؟

كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحًا بقليل بتوقيت القدس المحتلة فجر اليوم الأربعاء الموافق 18 يونيو/حزيران 2025، عندما انتبه المستوطنون الإسرائيليون من سكان حيفا -الذين لم يذق معظمهم النوم بسبب صفارات الإنذار المستمرة- إلى دوي يشبه دوي الرعد.

ما سمعوه في الحقيقة لم يكن إلا أحدث رشقة صواريخ إيرانية انطلقت لتخترق طبقات الغلاف الجوي بسرعة تقترب من 2 كيلومتر في الثانية الواحدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"الجيل الخامس" يقود أخطر حرب لإيران ضد إسرائيلlist 2 of 2لماذا تطلق إيران صواريخها الباليستية ليلا؟end of list

أعلن التلفزيون الإيراني أن الصواريخ التي استخدمها الحرس الثوري لأول مرة هي صواريخ "فتّاح"، وأن هذه هي المرحلة الحادية عشرة من عملية الوعد الصادق 3، وأن الصواريخ هذه المرة "غير قابلة للاعتراض".

صاروخ فتاح الإيراني (الجزيرة)

 

بهذا كشفت وكالة تسنيم الإيرانية عن تصعيد نوعي في المواجهة بين إيران وإسرائيل مقارنةً بالغارات السابقة. وأشارت الوكالة إلى أن هذه الصواريخ تتمتع بسرعات فائقة وقدرات تدميرية عالية، تُمكّنها من تجاوز أقوى منظومات الدفاع الجوي.

وفي بيان نقلته الوكالة، حذّر الحرس الثوري الإيراني من أن الضربات القادمة "ستشهد استخداما أوسع للصواريخ الفرط صوتية"، ليضع العالم أمام مشهد مفتوح على احتمالات التصعيد ما لم تتوقف الغارات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية.

لذلك نحتاج البحث عن إجابات لأهم الأسئلة: ما هي الصواريخ الفرط صوتية؟ وما أنواعها؟ وما الذي يميزها عن منظومات الصواريخ الأخرى؟ وما نوعية ترسانة الصواريخ الفرط صوتية التي تملكها إيران؟

الصواريخ الفرط صوتية

تقنيا، يُعرَّف مصطلح "فرط صوتي" بأنه كل سرعة تتجاوز 5 ماخ (6125 كيلومترا في الساعة)، أي خمسة أضعاف سرعة الصوت. وعند هذه السرعات الهائلة، تفرض الفيزياء وقائع جديدة؛ أبرزها الحرارة الشديدة الناجمة عن اندفاع الصاروخ أو المركبة عبر طبقات الغلاف الجوي الكثيفة.

هذه الحرارة، إلى جانب قوى أخرى تتفرد بها بيئة الطيران الفرط صوتي، تضع مصممي تلك المركبات أمام تحديات هندسية ضخمة. فابتكار مركبات جوية قادرة على تحمل هذه الظروف يتطلب مواد تصنيع متطورة، وأنظمة دفع متقدمة، واستثمارات كبيرة.

إعلان

لذا، يظهر هنا سؤال مُلح: ما الذي يجعل الصاروخ "فرط صوتيا" فعلا؟

في البداية، ينبغي التأكيد أن السرعة وحدها ليست كافية لتعريف الصاروخ "الفرط صوتي".

فعلى مدى التاريخ، تجاوزت كثير من الصواريخ الباليستية حاجز 5 ماخ في إحدى مراحل رحلتها، وبعضها بلغ أكثر من 20 ماخ خلال الصعود أو العودة عبر الطبقات العليا للغلاف الجوي، مثل الصواريخ الباليستية الحديثة العابرة للقارات، التي تحلق غالبا بسرعات عالية. ومع ذلك، لا يصلح تصنيف الصواريخ الباليستية التقليدية كأسلحة "فرط صوتية" بالمفهوم الحديث.

 

حيث يكمن الفرق الجوهري في القدرة على المناورة، والزمن الذي يقضيه الصاروخ بسرعات فرط صوتية ضمن الغلاف الجوي. إذ يتفق كثير من الخبراء، مثل أعضاء تحالف الدفاع الصاروخي الأميركي والمجلس الروسي للعلاقات الدولية، على أن السلاح الفرط صوتي الحديث يجمع بين سرعة تتجاوز 5 ماخ وقابلية للمناورة الأفقية والعمودية أثناء الطيران الجوي.

هذه القدرة على المناورة تجعل اعتراض الصواريخ الفرط صوتية أصعب للغاية من اعتراض الصواريخ الباليستية ذات المسارات الثابتة.

أنواع الصواريخ الفرط صوتية

تنقسم الصواريخ الفرط صوتية إلى نوعين رئيسيين، يتميز كل منهما بخصائص واستخدامات محددة. أولهما صواريخ كروز الفرط صوتية، وهي تعمل بالطاقة طوال رحلتها، وتحافظ على سرعة فرط صوتية مستقرة غالبا على هوامش الغلاف الجوي.

وتتيح لها محركاتها المتطورة التحليق لمسافات طويلة على ارتفاعات منخفضة أو متوسطة، مع قابلية عالية للمناورة لتفادي منظومات الدفاع الجوي.

أما النوع الثاني فهو المركبات الانزلاقية الفرط صوتية، التي تُطلق غالبا من على رؤوس الصواريخ الباليستية، فترتفع إلى طبقات عالية من الغلاف الجوي، ثم تنفصل وتنزلق نحو الأرض بسرعات فرط صوتية.

وتكمن ميزتها في قدرتها على تغيير مسارها أثناء الطيران، مما يُعقّد من عملية اعتراضها، على خلاف الرؤوس الحربية التقليدية التي تتبع أقواسا متوقعة تُسهل من قدرة أنظمة الدفاع الجوي على استهدافها.

ما يميزها؟

بالنسبة لأي صاروخ باليستي تقليدي، حتى وإن تجاوز سرعة الصوت، فإن رادارات العدو ليست مضطرة إلى تتبعه بدقة لحظة بلحظة، بل يكفيها أن تراقب مساره لحظة انطلاقه ومن ثم تكون قادرة على التنبؤ بمساره، إذ إنه يظل ثابتا منذ لحظة الإطلاق ولا يتغير.

ينطلق الصاروخ في مسار قوسي واسع، يغادر طبقات الغلاف الجوي نحو الفضاء، ثم يعود ليخترق الغلاف الجوي من جديد قبل أن يصيب هدفه. هذا المسار المتوقع يتيح للرادارات المعادية حساب نقطة الاصطدام بدقة، ومن ثم تفعيل منظومات الدفاع وفق هذا التصور المسبق.

لذلك، فكما ذكرنا، فالسرعة وحدها ليست بطاقةَ دخولٍ إلى نادي الصواريخ الفرط صوتية. ما يميّز الأسلحة الفرط صوتية الحديثة هو قدرتها على الطيران المستمر المناور داخل الغلاف الجوي في منطقة مرتفعة أكثر من مدى صواريخ باتريوت، ومنخفضة أكثر من رادارات الإنذار المبكر، مع قدرة على تنفيذ مراوغات غير متوقّعة.

بذلك يصبح الصاروخ قادرا على تجاوز الصواريخ الدفاعية الاعتراضية بسرعة تفوقها، إلى جانب تخطي مناطق تغطية الرادارات المعادية، والالتفاف حول العوائق أيا كان نوعها سواء جبالا أو مباني أو غيرها.

إعلان

الميزة الثانية، وربما الأهم، أن الصاروخ الفرط صوتي يستطيع تغيير اتجاهه إلى مسارات منخفضة قريبة من سطح الأرض، محافظا على سرعته الهائلة. ونتيجة لذلك، فإن رادارات الإنذار المبكر المعادية لا تلتقط إشارات التحذير إلا قبل فترة وجيزة جدا من وصول الضربة، حتى يكاد الوقت بين اكتشاف الصاروخ وتفعيل الدفاعات الأرضية يكون أقصر من الزمن اللازم لوصول الصاروخ إلى هدفه، مما يجعل الاستجابة شبه مستحيلة تقريبا.

مع ذلك، يظل تطوير صواريخ فرط صوتية فعّالة من أعقد التحديات التقنية في التسليح الحديث. إذ يتطلب إنتاج مركبات قادرة على تحمل الحرارة الهائلة، والحفاظ على الاستقرار الهوائي ونقل حمولة فعالة، تقدما علميا وتجريبيا متواصلا.

ولهذا، وبعد عقود من البحث، لا تزال قلة من الدول تملك قدرات حقيقية أو تجريبية في هذا المجال، وهي تقتصر على أربعة دول هي روسيا والولايات المتحدة والصين وإيران.

صاروخ فتّاح 1

ذكرت إيران رسميا امتلاكها صاروخين يحققان معايير السلاح الفرط صوتي التي ذكرناها. وقد طورهما الحرس الثوري الإيراني بالاعتماد على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية التي تستخدم الوقود الصلب، مع تعديلات تمنحهما القدرة على المناورة والحفاظ على السرعات المرتفعة.

أول هذين الصاروخين، ويحمل اسم "فتّاح 1"، كُشف عنه في يونيو/حزيران 2023 كأول صاروخ فرط صوتي إيراني، وهو بداية دخول إيران لهذا النادي الحصري. وحسب التصريحات الإيرانية، يمكن لصاروخ "فتّاح 1" أن يصل إلى سرعات تتراوح بين 13 و15 ماخ، وبمدى يبلغ نحو 1400 كيلومتر.

ويُصنف بوصفه صاروخا باليستيا متوسط المدى مزودا بمركبة عودة مناورة، أي رأس حربي قادر على تعديل مساره بشكل موجّه أثناء التحليق.

يتكون الصاروخ من قسمين؛ الجزء الأول يتألف من محرك أساسي يبلغ طوله 10 أمتار، ويمتلك القدرة على دفع الصاروخ بسرعة فائقة داخل الغلاف الجوي وخارجه، وينفصل عن الرأس الحربي على مسافة مئات الكيلومترات من الهدف المنشود.

أما الجزء الثاني، الذي يبلغ طوله 3 أمتار و60 سنتمترا، فهو الجزء الذي يحمل الرأس الحربي الموجّه ويحتوي على محرك كروي وفوهة متحركة تمكنه من المناورة في كافة الاتجاهات.

وتبدأ مهمته بعد انفصال الجزء الأول أي قبل بلوغ المنطقة الخاضعة لتهديدات العدو، فيشرع بالدوران والمناورة ضمن مسار معقد في اتجاهات وارتفاعات مختلفة للإفلات من منظومات الدفاع الجوي.

ويعتمد الصاروخ في التوجيه على نظام الملاحة بالقصور الذاتي مع إمكانية التحديث عبر الأقمار الاصطناعية، كما هو الحال في العديد من الصواريخ الإيرانية الحديثة، ويتيح ذلك تصحيح المسار أثناء الطيران.

يتميز صاروخ "فتّاح 1" بأنه يعمل بالكامل بالوقود الصلب، مما يمنحه ميزة سرعة التحضير للإطلاق مقارنة بصواريخ الوقود السائل. وتظهر التسجيلات الرسمية لحظة الكشف عن الصاروخ بحضور قيادات الحرس الثوري والرئيس الإيراني في يونيو/حزيران 2023، مع الإشارة إلى إجراء تجارب طيران له في وقت سابق من العام نفسه.

وبحسب التسلسل الزمني الرسمي، أُعلن عن تطوير "فتّاح 1" أول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 خلال فعالية بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة العميد حسن طهراني مقدم، الذي يُعرف اليوم بأنه أبو البرنامج الصاروخي الإيراني.

وقد صُوِّر الصاروخ في الإعلام الإيراني كقفزة نوعية في تكنولوجيا الصواريخ، مع التأكيد على أنه موجّه بدقة "ولا يمكن تدميره بصاروخ آخر" بفضل قدرته على المناورة على ارتفاعات ومسارات متغيّرة. كما تدّعي إيران أن بإمكانه تجاوز أكثر منظومات الدفاع الجوي تطورا في الولايات المتحدة وإسرائيل.

The domestically-developed hypersonic missile "Fattah", #Iran IRGC's most recent achievement, was unveiled on Tuesday morning (June 6) in the presence of President Ebrahim Raisi. pic.twitter.com/wzwUTRR3ez

— IRNA News Agency (@IrnaEnglish) June 6, 2023

إعلان صاروخ فتّاح 2

أعلنت إيران أيضا عن إصدار متطور يحمل اسم "فتّاح 2″، وكشفت عن هذا الطراز في نوفمبر/تشرين الثاني 2023 خلال معرض القوة الجوفضائية للحرس الثوري بحضور المرشد الأعلى علي خامنئي. وخلال مراسم الكشف عنه، شدد المسؤولون الإيرانيون على أن "فتّاح 2" منتج محلي بالكامل وإنجاز تقني فريد.

تشير التقارير الرسمية وآراء المحللين إلى أن الهيكل الخارجي للصاروخ يشبه النسخة الأصلية منه، لكن الحرس الثوري أعاد تصميم رأسه الحربي ليغدو رأسا انزلاقيا مزودا بمحرك صغير مستقل. بهذا يصبح صاروخ "فتّاح 2" منظومة ذات مرحلتين: الأولى عبارة عن معزز دفع صلب مشابه للمستخدم في نسخة "فتّاح 1″، والثانية رأس حربي متخصص فرط صوتي ينفصل بعد الإطلاق وينزلق بسرعة عالية نحو الهدف.

وتفيد المعطيات المتاحة بأن الرأس الحربي في صاروخ "فتّاح 2" مزود بمحرك صاروخي صغير يعمل بالوقود السائل في قاعدته، ويمنح الرأس دفعة أخيرة فور الانفصال، ثم يواصل انزلاقه بسرعات فرط صوتية عبر الغلاف الجوي.

إيران تقول إنه بإمكان صاروخ فتاح 2 التغلب على أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورا (الصحافة الإيرانية)

 

وبهذا، يصبح من النوع الثاني الذي ذكرناه "المركبات الانزلاقية الفرط صوتية"، وهي مركبة تُطلق عبر صاروخ، ثم تنفصل لتناور وتنزلق بسرعة تتجاوز 5 ماخ.

ولا تتوافر حتى الآن بيانات رسمية كثيرة عن الأداء الميداني لصاروخ "فتّاح 2″، غير أن بعض المحللين، استنادا إلى تصريحات إيرانية، يقدّرون سرعة الرأس الحربي أثناء مرحلة الانزلاق بما يتراوح بين 5 و10 ماخ، وتشير بعض التحليلات الأخرى إلى أن رقم "10 ماخ" ظهر في بعض المصادر، لكن من غير الواضح كم يدوم الحفاظ على هذه السرعة. لكن الواضح أنه صُمم ليحلق دائما بسرعات تتجاوز 5 ماخ.

أما المدى، فقد ألمحت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن النسخة الجديدة قد يتخطى مداها النسخة الأصلية البالغ 1400 كيلومتر ليصل إلى حدود 1500 إلى 1800 كيلومتر، رغم وجود تقديرات مستقلة ترى أن المحرك لم يتغير جوهريا، مما يرجح بقاء المدى قريبا من 1400 كيلومتر.

يستمر نظام التوجيه في هذه النسخة أيضًا بالاعتماد على الملاحة بالقصور الذاتي مع إمكانية تحديث المسار، ويحمل الرأس الحربي شحنة تقليدية مماثلة لتلك المستخدمة في "فتّاح 1".

وتكمن ميزة "فتاح 2" الجوهرية في رأسه الحربي الانزلاقي القادر على المناورة، مما يسمح بتغيير المسار خلال الهبوط، وضرب الأهداف من اتجاهات غير متوقعة وبسرعة عالية. هذا النوع من الرؤوس الحربية يشكل تحديا ضخما أمام منظومات الدفاع الصاروخي، لأنه لا يتبع مسارا باليستيا تقليديا يمكن التنبؤ به.

وفي أبريل/نيسان 2024، وفقًا لمعلومات نشرتها قناة "برس تي في" الإيرانية الرسمية، نجح الحرس الثوري الإيراني في استخدام صاروخ "فتّاح 2" عمليا حين استهدف بنجاح بنى تحتية عسكرية إسرائيلية حساسة.

وأكدت شبكة "إيه بي سي نيوز"، نقلا عن مسؤول أميركي، أن الضربة أصابت قاعدتين جويتين في إسرائيل، وتعرضت قاعدة "نيفاتيم" الجوية لأضرار كبيرة. وشملت الأهداف بنية تحتية حيوية، من بينها طائرة نقل عسكرية ومدرج للطائرات ومنشآت تخزين.

وبالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن تواصل إيران مساعيها لتطوير صواريخها الفرط صوتية وسط تقارير تشير إلى توجهات نحو إصدارات بمدى أطول يتجاوز 1400 كيلومتر أو برؤوس حربية أثقل وزنا. كما قد تسعى إلى دمج أنظمة توجيه متطورة أو تطبيق تقنيات تصغير حديثة بهدف رفع كفاءة الأداء وتحسين قدرات المناورة والدقة في إصابة الأهداف.

في النهاية، هل ستحسم الصواريخ الفرط صوتية الحرب؟ الإجابة ستكون لا على الأرجح، فالحروب تُخاض بالتحالفات واللوجستيات، والتوقيت قد يكون أهم العوامل! فهذه الصواريخ ستحدد إيقاع الحرب لأن الإسرائيليين، الذين كان لديهم ساعات في السابق لتوقع أي تهديد أو الرد عليه، صاروا يحتاجون إلى دقائق، والآن قد لا تسعفهم الثواني.

مقالات مشابهة

  • حصري.. الحوثيون يعلنون انهيار الهدنة مع ترامب ويستأنفون استهداف السفن الأمريكية
  • إيران تتعهد بالرد.. ما هي المصالح الأمريكية التي يُمكن استهدافها؟
  • إيران تستخدم صاروخ خيبر لأول مرة في استهداف إسرائيل
  • إسرائيل أول الخاسرين.. المخاطر العشرة للضربة الأمريكية لمفاعلات إيران
  • ترامب: الهجمات المستقبلية أكبر بكثير ما لم تصنع إيران السلام
  • أول تعليق من جماعة الحوثيين على قصف المواقع النووية في إيران
  • ضربة إسرائيل القوية التي وحّدت إيران
  • لندن تحذر طهران: التدخل الأمريكي في الحرب مع إسرائيل مخطط بعناية
  • ما هي صواريخ إيران الفرط صوتية التي ترعب إسرائيل؟
  • يديعوت : رئيس أركان الحوثيين ربما أصيب بجراح بالغة في الغارة التي استهدفته