قصة الوادي الصغير 41
تاريخ النشر: 29th, April 2025 GMT
حمد الناصري
قال الرجل ذو اللحية الطويلة من القرية الأعلى:
أنا لا أتكلّم عن خوف وجزع، أحترم نفسي وأبذل جُهداً عالياً وأحترم من أعطيته ثقتي؟ صحيح أنه خرج أو كما تقولون هرب.. لكن لا تعرفون أسبابه، وتجهلون مُبرّراته. وما يُدريكم لعلّها كانت فرصته للنجاة بنفسه والبقاء على قيد الحياة لتعلموا أسباب اختفائه وأسباب عودته.
قال رجل من سيح المُتحد والذي يُطالب بالقصاص الفوري من فلوع:
ـ يا رجل، كنْ شُجاعاً، أتريد حِماية من خانك؟! تُدافع عن خائن ترك ثقة الناس به؟! أتغفر لمن باعك في أشدّ حاجتك إليه؟! انتبه أيّها الرجل فلا يغرّنّك تقلّبهم في البلاد، فقد عاثوا فساداً، ومكروا بأمة الوادي الصغير وحاراته وساحله الطويل.. تخلَّ عنه يا رجل، فإنّ ماضيه لا يَسُرّك، ماضٍ فيه إيذاء لمجتمعنا. أتركه فقد صنع مأساته بيده.. لا تُدافع عنه.. ابتعد عنه ولا تحمي خائن؛ خانَ الناس جميعاً، وأغضبهم، ومن غضبت عليه أمة الأعراب؛ أمة الوادي الصغير، فأنه لا محالة سيضرّك، لكونه خانَ الأمانة والمسؤولية.
ولوح بيده ناحية الرجال الحاضرين.. انتبهوا يا قوم، لا أريد أنْ أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، ولكنّي أريد أنْ ترفعوا العدالة وتثْبِتوا على الحقيقة فهي خير لأنفسكم.
ما فعله "فلوع" كقائد وزعيم للمُتحد، هو تخلّيه عن المسؤولية بتركها وخانَ مَن وثق به، ومن أصعب الأمور هو القبول بمن نزع العِزّة من قومه ووثق بالغُرباء، أيّاً كانت الظروف، فالهروب أو الاختفاء بغير عِلْم من المجتمع، فضلاً عن ذلك أنه على رأس المسؤولية، وقد أخذ موثقاً من الناس، فكيف له أن يهرب؟ إنّها خيانة وطن وجريمة خطيرة لا مبرّر لها مُطلقاً، فترك المسؤولية تقويض لروح الكرامة والعزّة. ومن يفعل ذلك يلقى جزاءً شديداً. أتعلم ماذا يعني التخلّي عن الناس؟ فالهروب من الوطن لحظة مشؤومة، يستحق فاعلها العقاب تأديباً على خيانته الوطن والمساس بكرامته.
سكت واستأنف في الحال: أتدري أنّ مُجتمعنا بدأ يشعر باليأس والضياع وعدم الثقة في أيّ مسؤول أو قائد، فكيف بمن تخلّى عن زعامة المُتحد؟! أتظنّ أنه يُقبل به ليعود إلى زعامة الوادي الصغير؟ لا أقول ذلك لمجرّد تعبير وسردية ولكن السؤال.. ألم تزداد مخاوفكم من الغرباء؟ ألم تكونوا تحت رحمة أيديهم؟ ألم تتزعزع الثقة بمن حولكم من الأعراب؟! أخبروني.. كيف لقائد تمكّن من الهرب، في السر، دون أن ينكشف أمره أو بدافع من تسبب في هروبه، أن يُترك هكذا بلا عقاب؟ والحقيقة لا أريد أنْ أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه.. لكنّ الحق ظهر وبانتْ الخيانة وانكشفت الحقيقة. أقول لكم، عقوبة الخائن لا تحتاج إلى شيء غير الإعدام.
قال الرجل من القرية الأعلى، قرينة قرية التراث:
ـ إن كنت تسألني، فرأيي.. هوّن على نفسك ولا تغلظ، فالحمق لا يأتي بخير، من يهرب بالليل ليس كمن يهرب في النهار، وبالتالي فلست أنت أوّل صادق يقول الحق دون ظنّ، ولا ترمي ما تقوله بالصدق، فما أصبح ظنًّا وجب إنكاره. اعطيه عُذراً واحدًا من بين السبعين عُذراً أو زد عليها أعْذاراً من عندك فربما تجد طريقاً أيْسَر تقودك إلى الحقيقة، قبل أن يدخل الشكّ إلى قلبك، فتأخذك إلى عَثرة خاطئة، تحرّر من قيود تفكير بائس، ولا تظنّ بإفراط يشغلك عن الاستفادة من حكمة الأولين " فمن تَكْثُر أخطاؤه تهتز مَعانيه." ألم ترَ كيف مدّت الأرض بساطها، ورغم ذلك لم تكن مُنبسطة، فيها جبال وأودية وبحار ويابسة ورمال وكثبان عالية، وفيها الخوف والقلق وعليها تستقر أناس ومنها تحيا وفيها تموت. وهكذا هي الحرب تحَدِّ ومُواجهة ورُبما الفرار خِدعة. ويقولون الحرب خِدعة.
افهمْ قولي.. لعلّ الزعيم "فلوع" أعلنَ حربهُ الصامتة على الغُرباء بهذه الخِدعة. وفي الماضي البعيد، حدثت قصة لا أعرف زمنها ولم تُقَدّر مُدّتها، أنّ حرباً نشبت في البحر بين البيض ذوي العُيون الزرقاء، وبين أقوام مُستعربة، ولا تزال هذه الكُنية باقية " الأقوام المُستعربة" يُعرفون بها إلى يومنا هذا، ويومئذ، اختفى القائد الحقيقي للقوم المُستعربين، وظهر قائد لم يُعرف عنه، وتنفّسَ البيض ذوي العيون الزرقاء الصعداء لأنّ القائد قد حلّ به المرض وزُهِق بمرضه واختفى، والبعض حمل اختفائه على أنه أصِيْب بمكروه أو قد غُدر به.. فشكروا الربّ على منحة السماء، منحة كانوا يستحقّونها. ولكن الحقيقة أنّ الاختفاء استنزاف لمقدرات الغُرباء البِيْض ذوي العيون الزرقاء، فأخذوا يدفعون برجال مُتَخفّين يلتقطون كل مَعلومة دقيقة عن ذلك القائد وعن تفاصيله، ولم يستطع أحد من التوصّل إلى شيء حتى ضَعفت قوة البيض ذوي العيون الزرقاء، على أساس أنّ المُخبرين أقرب شبهاً إلى وجوههم، وتمكّن الأقوام المُستعربة من النصر فغلبوهم في عُقر دارهم وانتصروا عليهم.. وكما يبدو، أنّ حقيقة اختفاء "فلوع" أقرب مظنة إلى تلك الحقيقية التي لا يعرفها كثير من الناس.. وقد أراد تطبيقها بطريقة مُختلفة.
قال الشاب من سيح المالح وهو يُحاوره:
ـ أتعلم كم لبثَ الأقوام المُستعربة في ديار الغُرباء البيض ذوي العيون الزرقاء، والذين عُرفوا بلقبها.
ـ لبثوا سنين، ويُقال أنهم لا يزالون، ولكن أنسابهم اختلطت بالبيض ذوي العيون الزرقاء، لذا تجدهم أقرب الشبه بهم وإنْ اختلفت نُطفهم قليلاً، فسُحنة الغُرباء البيض ذوي الوجوه الزرقاء، مُنقبضة وتُشعرك بأنها بِشْرة تقليدية، وقد أحسنوا في خدمة مُجتمعهم فاستقامتْ لهم الحياة، وصنعوا لها مُقوّمات شهدت لهم بالتفوق والتميز في كل نواحيها.. أما الأقوام المُستعربة فسحناتهم مُنقبضة لا انبساط فيها، اشتهروا بالعِناد، وأخذوا قليلاً من سِمات الأعراب، ولكنها سِمَة خرجتْ بما طرأ عليها من تغيير، وتقادمت بفعل العَبث التاريخي، فالأغراب الشرقيون والغربيون على السواء، لم يقفوا مكتوفي الأيدي، فقد اختلطت النُطف كما تقدّم من ذكر على جانب كبير من مجتمع الأقوام المُستعربة، وجاء الغُرباء ببعض نُطقهم ولسانهم وأدخلوها في لُهجة الأقوام المُستعربة، لتقف شاهدة بما أدخل إليها من تحسينات عهود من التفوّق والتميّز الشرقي وقليل من شرذمة لهجات ذوي الوجوه الحُمر المُكتنزة، والتي قيّدتها لتعدّد الأسباب، منها اختلاط الغرباء ذوي الوجوه الحُمر المُطلق بغيرهم، فاحتوتْ لغتهم ألوان لهجات مُتفرّقة.
قال ابن القرية الأعلى:
ـ نعم تلك مُستدركات في ظنّي، وردتْ على مسار التاريخ كشواهد للزمن، ولا تنسى يومئذ أصبحت قوة البيض ذوي العيون الزرقاء ظاهرة ثقافية لا تخفى على أحد، وكانوا جبابرة ذلك الزمن بقدر ما أدخلوا على تلك الظواهر من لفائف عظّمها الأقوام المُستعربة دون أنْ يُدركوا ذلك الخطر، فكان مدخل أدْعَى في مَيْلهم إلى الشرق، وعلى مدى التاريخ القديم كانت بشرة وجوه الأقوام المُستعربة تبدو وكأنّها مُجوّفة، عيون جاحظة وجفون تبدو أكبر من حجم العيون، تحتوي في الداخل على سرّ الحياة.
ناشئة من زلزلة قادمة كشفتها ملامح رجالٍ رجفتْ قلوبهم، وتزايدت حالة الخوف والقلق دون معرفة السبب، وكأنّهم وقعوا في مَصيدة واضطربت أقوام، وظنّ أكثرهم ظناً بائساً، وتقطبت الوجوه كأنها سُيّرت عليها جبال من المكائد، وبدا التشتّت بائنًا في رجال كانوا عُصبة واحدة لا فرقة بينهم ولا تمزّق، فرّقتهم أفكار واعتقادات ظنية ببعضهم وانقلبَ الحال سُوءاً ولم يبقَ ما يربط واقعهم، ولم تعد أفكارهم المرجعية ثابتة.
يتبع 42
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مها الصغير ست فاضلة في حياتي .. أحمد السقا يروي لحظات صعبة فى وفاة سليمان عيد
كشف النجم أحمد السقا عن جانب إنساني وشخصي له، حيث روى تجربته المبكرة مع الموت والوداع، مؤكدا أنه تعلم دفن الموتى على يد جده عندما كان لا يزال في الصف الأول الإعدادي.
قال السقا في حواره خلال لقائه في برنامج "تفاعلكم" : “الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا، وهو مش شر زي ما ناس كتير بتفتكر، ودفن الموتى ليه بروتوكول خاص، وكل وفاة ليها طريقتها.. وربنا أراد أتعلمه بدري.”
و اعترف السقا بوجود لحظة واحدة لم يتمكن من تحملها: "الوحيد اللي مقدرتش أدفنه هو سليمان عيد.. الناس استغربت، قولتلهم: هدفن نفسي؟! ده مش صاحبي، ده أخويا.. 26 سنة ما سبناش بعض يوم واحد."
وعند سؤاله من أوصى له بدفنه، أجاب بطرافته المعهودة: معروف عني الجدعنة.. فأنا هدفن نفسي!
وعلق السقا على انفصاله بمها الصغير قائلا : أن العلاقة بينهما ما زالت قائمة على الصداقة والاحترام المتبادل، مؤكدا "أنا حاليا سينجل، لكن ده ما ينفيش احترامي لأم أولادي، اللي كانت وما زالت ست فاضلة، ربت أولادنا بأفضل شكل، وإحنا على تواصل دايم ومفيش بينا أي خلافات."
كما نفى السقا بشكل قاطع ما نسب إليه من تصريحات غير دقيقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مؤكدا: "في كلام بيتنشر على السوشيال ميديا ما طلعش مني خالص."