إن أشهر الكتب التي وصفت الحالة السورية في مطلع ستينيات القرن المنصرم، وأحد أفضلها بالتأكيد، كتاب الصحافي البريطاني باتريك سيل (1930-2014) الذي ترعرع في سوريا وتخصّص في الكتابة عنها وعن سائر أمور الشرق الأوسط. صدر الكتاب في عام 1965 تحت عنوان «الصراع على سوريا»، وقد وصف الأحداث السورية والأحداث الإقليمية المرتبطة بها بين نهاية الحرب العالمية في عام 1945، وعام 1958 الذي شهد الوحدة مع مصر في إطار ما سمي آنذاك «الجمهورية العربية المتحدة».
والحال أننا اليوم أمام أقصى حالة من الصراع الإقليمي والدولي على سوريا منذ أن استقرّت البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت نظام آل الأسد الاستبدادي. حتى أن الصراع بات مفتوحاً اليوم أكثر مما في أي وقت مضى منذ أن اندلعت الحرب الأهلية في سوريا إثر قمع الانتفاضة الشعبية في عام 2011. ذلك أن التدخلين الإيراني والروسي المتتاليين أنقذا نظام آل الأسد إلى حد أن هيمنته على معظم الأراضي السورية بدت مؤكدة بعد عام 2015، بينما انحصرت المناطق الفالتة من سيطرته على أطراف البلاد. وقد عرفت ركيزتا حكم آل الأسد ضموراً حاداً في خريف العام الماضي مع تقلّص الدعم الروسي بسبب غرق موسكو في أوحال غزوها لأوكرانيا، وانهيار الدعم الإيراني، الذي تكبّد ضربة قاضية إثر الهزيمة التي مني بها «حزب الله» في لبنان من جرّاء الهجوم الصاعق الذي نفّذته الدولة الصهيونية عليه بعد سنة من تبادل القصف المحدود نسبياً.
فإن انهيار حكم آل الأسد إثر سقوط الركيزتين اللتين استند إليهما منذ عام 2015، وعجز «هيئة تحرير الشام» (هتش) عن التعويض عن الثلاثي المكوّن من قوات النظام البائد، التي كانت بذاتها أعظم بكثير مما لدى هتش سابقاً وحتى اليوم، ومن القوات التابعة لإيران وروسيا على الأراضي السورية، ذاك الانهيار وهذا العجز يعنيان أن سوريا باتت مجدداً ساحة صراع إقليمي مكشوف، بل وبشروط أكثر انفتاحاً على شتى الاحتمالات مما في أي وقت مضى في السنوات الثمانين الأخيرة، منذ نيل سوريا الحديثة استقلالها في عام 1946. والحال أن لدى «قوات سوريا الديمقراطية» وحدها، في الشمال الشرقي، من القوة العسكرية الذاتية ما يفوق ما لدى هتش (بلا مزيد من توغل الجيش التركي داخل الأراضي السورية).
إننا اليوم أمام أقصى حالة من الصراع الإقليمي والدولي على سوريا منذ أن استقرّت البلاد لمدة ثلاثين سنة تحت نظام آل الأسد الاستبدادي.
أما الفارق بين صراع خمسينيات القرن المنصرم والصراع الراهن، فذو دلالة بالغة على الاختلاف الجذري بين الحالة الإقليمية آنذاك واليوم. فقد انتهى منذ وقت طويل زمن الصعود القومي العربي، وحلّ محلّه تعفّن القوى التي حملت رايته سابقاً، وعلى الأخص حزب البعث بحلّتيه التكريتية والأسدية. أما أفول الحركة القومية العربية وانحطاطها في السبعينيات، فقد فسحا المجال أمام صعود القوى الدينية بالارتباط بصعود نجم المملكة السعودية إثر تعاظم عائداتها النفطية بفعل الارتفاع الحاد الذي عرفته أسعار النفط في منتصف السبعينيات في سياق المقاطعة العربية، لمّا كانت الدول النفطية العربية تتضامن مع الجانب العربي في وجه الدولة الصهيونية خلافاً لموقفها الراهن الذي يكاد يكون غير مبالٍ لحرب الإبادة الجارية في غزة.
بيد أن العدوان الأمريكي على العراق إثر اجتياحه للكويت في صيف 1990 والقطيعة التي تلت بين المملكة وجماعة الإخوان المسلمين، ومن ثم احتضان دولة قطر للجماعة، وبعدها تركيا الأردوغانية على خلفية الانتفاضات العربية التي هبّت منذ عام 2011، هذه التحوّلات جعلت الصراع الإقليمي الرئيسي الراهن صراعاً بين محور تقوده المملكة السعودية بالتحالف مع الإمارات العربية المتحدة ومصر عبد الفتّاح السيسي، من ميزاته العداء للجماعة، وقد التحقت به المملكة الأردنية الهاشمية علناً بعد قرارها الأخير حلّ الجماعة على أراضيها، صراعاً بين هذه الدول من جهة، والمحور التركي من الجهة الأخرى، علاوة على الصراع السعودي-الإيراني الذي خيّم على المنطقة وبلغ ذروته مع الاحتلال الأمريكي للعراق (2003-2011) حتى الهزيمة التي مُنيت بها طهران مؤخراً في الساحة السورية.
وإزاء هذا الصراع الإقليمي، الذي يجد امتداداً دولياً له في تفضيل الدول الغربية للمحور السعودي ومحاولة موسكو تقديم خدماتها للمحور المضاد مقابل ضمان بقاء قاعدتيها البحرية والجوية على الساحل السوري، فإن أحمد الشرع وحكومة هتش الجديدة التي شكّلها يمارسان أقصى الانتهازية في محاولة لكسب الوقت والاستفادة من الخصومات الإقليمية ومن التنافس بين شتى المحاور والدول.
وقد بلغت هذه الانتهازية درجة جعلت أحمد الشرع يوحي للولايات المتحدة استعداده للانضمام إلى «اتفاقيات أبراهام»، أي إلى قافلة التطبيع مع الدولة الصهيونية، مع تأكيده لحسن نواياه إزاء إسرائيل، في وقت اغتنمت هذه الأخيرة فرصة سقوط حكم الأسد كي تحتل مساحات جديدة من الأراضي السورية علاوة على ما احتلته في عامي 1967 و1973، وكي تدمّر الطاقة العسكرية النظامية السورية تدميراً شاملاً بعد أن كانت مطمئنة لعدم استخدام تلك الطاقة ضدها ما دام حكم آل الأسد قائماً (خلافاً لأساطير «محور المقاومة») ناهيك من منح إسرائيل نفسها حق الضرب عسكرياً داخل الأراضي السورية متى وكيفما شاءت على غرار ما تمارسه على الأراضي اللبنانية. وإنه لموقف مشين للغاية من قِبَل الشرع، يدلّ على تعلّق أكبر بالسلطة وبالأيديولوجيا الدينية وبالطائفية المكوّنة لحركته ممّا بالمبادئ الوطنية، وإن كان الموقف من باب التكتكة الرخيصة.
صحيفة القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه سوريا الصراع الحرب سوريا الحرب الصراع مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الصراع الإقلیمی الأراضی السوریة على سوریا آل الأسد فی عام
إقرأ أيضاً:
هاندا ارتشيل تثير الجدل مجدداً.. شائعات عاطفية وعلاقة جديدة
عادت الممثلة التركية هاندا أرتشيل إلى دائرة الاهتمام الإعلامي من جديد، بعدما انتشرت خلال الأيام الماضية أخبار تتحدث عن احتمال دخولها في علاقة عاطفية جديدة، وذلك بعد فترة قصيرة من انفصالها عن رجل الأعمال هاكان صابانجي.
اقرأ ايضاًوتناقلت وسائل إعلام تركية ومواقع فنية معلومات تشير إلى ارتباط هاندا بالمنتج التركي المعروف أونور غوفنتام، مؤسس شركة OGM Pictures، إحدى أبرز شركات الإنتاج الدرامي في تركيا، والتي تقف خلف عدد من الأعمال الناجحة جماهيريًا. هذه الأخبار أعادت اسم هاندا إلى صدارة النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تفاعل واسع من جمهورها.
وبحسب ما جرى تداوله، شوهدت هاندا أرتشيل برفقة أونور غوفنتام في العاصمة البريطانية لندن خلال الأيام الماضية، وهو ما فتح باب التكهنات حول طبيعة العلاقة التي تجمعهما. واعتبر البعض هذا الظهور المشترك مؤشراً على بداية قصة عاطفية جديدة، خاصة مع تزامنه مع انفصالها الأخير.
وتشير بعض الروايات المتداولة إلى أن بداية التعارف بين الطرفين حصلت خلال رحلة سفر إلى لندن، حيث جمعهما لقاء عابر في المطار ضمن مجموعة من الأصدقاء، قبل أن تتطور الأحاديث بينهما خلال الرحلة، ويتشاركا لاحقًا عشاءً في أجواء وُصفت بالودية.
ورغم الضجة الكبيرة التي رافقت هذه الأنباء، لم يصدر حتى الآن أي تصريح رسمي من هاندا أرتشيل أو أونور غوفنتام يؤكد أو ينفي صحة ما يتم تداوله، ما يجعل كل ما يُنشر في إطار التكهنات غير المؤكدة.
علاقة حب جديد تجمع بين هاندا ارتشيل و اونور غوفيتنيام مديرة شركة انتاج OGM #HandeErçel pic.twitter.com/cHq34nzRM7
اقرأ ايضاًوتأتي هذه الشائعات بعد الانفصال المثير للجدل بين هاندا وهاكان صابانجي، والذي لفت الأنظار بسبب قيام الطرفين بإلغاء المتابعة المتبادلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب حظر شمل أفرادًا من العائلتين، ما عزز من حدة الحديث حول طبيعة الخلاف الذي أنهى العلاقة.
وكانت تقارير إعلامية قد ربطت سبب الانفصال بوجود خلافات تتعلق بالثقة، بعد تداول معلومات عن رسائل متبادلة بين هاكان ونساء أخريات، الأمر الذي أدى إلى تصاعد التوتر بين الطرفين وانتهاء العلاقة بشكل نهائي.
وبين الصمت الرسمي وكثرة الأحاديث الإعلامية، تبقى علاقة هاندا أرتشيل الجديدة، إن وُجدت، محط متابعة واهتمام من الجمهور ووسائل الإعلام، بانتظار أي تأكيد أو توضيح يضع حدًا للتكهنات المتداولة.
كلمات دالة:هاندا ارتشيلأخبار المشاهيرأعمال المشاهيرتصريحات المشاهير تابعونا على مواقع التواصل:InstagramFBTwitter© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
محررة في قسم باز بالعربي
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اقرأ ايضاًاشترك الآن