أثار قرار الحكومة البريطانية تعيين شخصية إسلامية مرموقة على أعلى سلطة تعليمية في البلاد مكلفة بمراقبة المناهج ومعايير الجودة، جدلا واسعا في بريطانيا، وزادت من حدة الجدل مزاعم بفرض تدريس الإسلام في المراحل الابتدائية والثانوية.

فقد شن سياسيون وإعلاميون بريطانيون حملات على مواقع التواصل الاجتماعي متهمين الحكومة بالعمل على "أسلمة التعليم" في البلاد، خصوصا في ظل تزايد الإقبال على الإسلام والاهتمام بدراسته.

وسنحاول في هذا التقرير استعراض أسباب هذا الجدل والتعرف على الشخصية الإسلامية التي عيّنت، وواقع الوجود الإسلامي في المدارس البريطانية وعلاقة هذه الحملة الجديدة بظاهرة الإسلاموفوبيا المتصاعدة في بريطانيا والغرب عموما.

المدارس الإسلامية في بريطانيا تحصد نتائج أكاديمية مميزة وضعتها في صدارة أفضل المدارس في المملكة المتحدة (غيتي) أسلمة التعليم في بريطانيا

وتتحدث حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي البريطانية عن محاولة "الإسلاميين" السيطرة على التعليم في المملكة المتحدة، وأن الحكومة تساعد في ذلك بقرارات تجبر الأطفال في المرحلة الابتدائية والثانوية على دراسة الإسلام كإحدى المواد الدراسية الرئيسية.

وذكر تقرير للصحفي في وكالة يورونيوز، جيمس توماس، نشر في الأول من أبريل/ نيسان الجاري أن الحملة تحذر من أن تدريس الإسلام سيحل محل المسيحية والهندوسية في البلاد، ويرى بعض هؤلاء، أن نظام التعليم البريطاني قد سقط في يد الإسلاميين ويبرهنون على ذلك بتعيين حامد باتيل رئيسا لهيئة "أوفستد" (Ofsted) المسؤولة عن تقييم ومراقبة المدارس في المملكة المتحدة.

وقد عنونت مواقع بريطانية وفرنسية خبر تعيين حكومة لندن حامد باتيل بعبارة "إسلامي رئيسًا للمؤسسة التعليمية الرئيسية في بريطانيا".

إعلان

واعتبر تقرير لصحيفة تلغراف، أن حامد باتيل يعتبر أول قائد مدرسة دينية يُعيّن في هذا المنصب، فقد كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة "أكاديميات ستار" (Star Academies) التي تدير ما يقرب من 40 مدرسة ابتدائية وثانوية معظمها مدارس إسلامية ومنها مدارس مسيحية.

وقد حصلت العديد من المؤسسات التي كان يديرها باتيل على تقييم ممتاز من هيئة "أوفستد"، كما مُنح شخصيا لقب فارس على خدماته المتميزة في مجال التعليم ضمن قائمة تكريمات عيد ميلاد الملكة عام 2021.

وشغل حامد عضوية مجلس إدارة "أوفستد" منذ عام 2019، وقاد مجموعة "أكاديميات ستار" منذ إنشائها عام 2010، وكان سابقًا مديرًا لمدرسة توحيد الإسلام الثانوية للبنات في بلاكبيرن.

حامد باتيل رئيسا لهيئة "أوفستد" المسؤولة عن تقييم ومراقبة المدارس في المملكة المتحدة (مواقع التواصل) هجوم مركّز

حسب صحيفة تلغراف فإن مدرسة توحيد الإسلام التي كان يديرها باتيل كانت من أوائل المدارس في بريطانيا التي حثت البنات على ارتداء الحجاب خارج المدرسة، كما أصدرت توجيهات للتلاميذ بـ"تلاوة القرآن الكريم مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا" و"عدم إحضار أدوات مكتبية إلى المدرسة تحتوي على صور غير إسلامية"، مثل صور نجوم البوب.

ونقلت تلغراف عن متحدث باسم حملة مناهضة معاداة السامية، "إنه من الواضح أن يشعر اليهود البريطانيون بالقلق عندما يكون أحد الإسلاميين مسؤولاً عن تقييم أداء المدارس".

وقالت الجمعية الوطنية العلمانية "في وقتٍ يتزايد فيه تأثير الأصولية الدينية على المدارس، نحث حامد على ضمان التزام مكتب معايير التعليم "أوفستد" بألا يعيق الدين المعايير التعليمية أو يقوض الحق الإنساني الأساسي للأطفال في تعليم شامل ومتوازن".

لكن الصحيفة علقت، "إن العارفين بحامد باتيل يُدركون أنه كان عضوا متوازنا في مجلس إدارة هيئة التعليم، ولم يعارض محاولات تنظيم المدارس الدينية الأكثر تشددًا".

إعلان

وقد قال كبير مفتشي المملكة مارتن أوليفر إن "حامد باتيل يدير بعضًا من أفضل المدارس في إنجلترا، إنه قائدٌ محترمٌ للغاية في مجال المدارس والأكاديميات، وقد مُنح لقب فارس لأدائه في التعليم".

واعتبر تقرير لصحيفة "لوجورنال دي جدي" الفرنسية أنه على الرغم مما تزعمه لندن من محاربة الإسلام المتطرف، فإن إحدى أهم ركائز البلاد في التعليم أصبحت الآن في عهدة باتيل الذي يخدم مشروعا إسلاميا منظما.

ونقلت الصحيفة عن عضو البرلمان الأوروبي فرانسوا كزافييه بيلامي -معلقا على تعيين باتيل- قوله إن "المشروع الإسلامي يسعى إلى السيطرة على المؤسسات، بدءًا من المدارس"، مضيفا: "لقد انقلبت ديمقراطياتنا على نفسها، يجب على أوروبا أن تخرج أخيرًا من سذاجتها".

ومن جانبه رأى الكاتب الفرنسي دانييل كوسون أن تعيين باتيل يمثل إحدى النقاط العديدة المرئية من جبل الجليد في "الصحوة الإسلامية المعاصرة" وجزءا من "إستراتيجية الفتح من خلال "أسلمة المعرفة".

ويضيف كوسون، أن المدرسة بعد أن دمرها "التربويون اليساريون" باتت مركزا لحركة تبشيرية تهدف إلى إقامة خلافة عالمية توحد بين عدة اتجاهات سياسية إسلامية.

مارتن أوليفر: حامد باتيل قائد محترم للغاية في مجال المدارس وقد مُنح لقب فارس على أدائه المميز في التعليم (الصحافة البريطانية) هل حقا يفرض تدريس الإسلام؟

حاول تقرير لوكالة رويترز نشر بتاريخ 28 مارس/آذار 2025 استقصاء حقيقة الادعاءات التي تتحدث عن فرض الإسلام في المدارس البريطانية، ونقل التقرير عن متحدثين باسم إدارات التعليم في إنجلترا وويلز وأسكتلندا، أن تدريس الإسلام ليس إلزاميًا على مستوى البلاد، ولم تقدم حكومة إيرلندا الشمالية إجابة في الموضوع، وتُدير كل من الولايات الأربع أنظمتها التعليمية بشكل منفصل.

لكن التقرير أكد أن إنجلترا تفرض توفير التعليم الديني في المدارس، فالمادة 375 من قانون التعليم لعام 1996 تنص على ضرورة أن "يعكس المنهج الدراسي التقاليد الدينية لبريطانيا العظمى، وهي في الغالب مسيحية مع مراعاة تعاليم وممارسات الديانات الرئيسية الأخرى الممثلة في بريطانيا العظمى".

إعلان

وأشار التقرير إلى المدارس المستقلة عن سيطرة السلطة المحلية، مثل الأكاديميات، حرة في تحديد مناهجها الدراسية الخاصة.

ونقلت رويترز عن متحدث باسم الحكومة الويلزية، أنه في ويلز يُعد الدين جزءًا إلزاميًا من المنهج الدراسي، لكن الإسلام لا يُعطى أهمية خاصة فوق أي من الديانات الأخرى، أما المتحدث باسم الحكومة الأسكتلندية فقد أكد أن أسكتلندا لا تطبق منهجًا دراسيًا إلزاميًا.

لكن تقرير يورونيوز الذي سعى هو الآخر إلى التحقق من شائعة إلزام تدريس الإسلام في المدارس، ينقل عن تقرير صدر في يناير/كانون الثاني 2024 عن مجلس اللوردات (الغرفة العليا للبرلمان البريطاني)، أن تعليم التربية الدينية إلزامي في جميع المدارس التي تمولها الدولة في إنجلترا، لكنه قد يختلف من مدرسة إلى أخرى.

ويوضح تقرير اللوردات، أنه يجب توفير التربية الدينية في المدارس ذات الطابع الديني وفقًا لمعتقدات الدين أو الطائفة المحددة في المرسوم الذي يعرف المدرسة على أنها ذات طابع ديني.

وجاء في تقرير منفصل صادر في أبريل/نيسان 2024 عن هيئة التفتيش التعليمية الحكومية في إنجلترا، أن الديانتين الأكثر شيوعًا في المدارس، هما المسيحية والإسلام.

التقرير أكد أن إنجلترا تفرض التعليم الديني في المدارس (شترستوك) تصاعد حملات الإسلاموفوبيا

يعتبر المحللون أن الحملة الحالية على ما يسميه أصحابها سيطرة الإسلام والإسلاميين على التعليم في بريطانيا ذات علاقة وثيقة بتصاعد حملات الإسلاموفوبيا، وما تمثله من كراهية للإسلام، خصوصا وأن هذه الحملة تقودها شخصيات إعلامية وسياسية معروفة بعدائها لكل ما هو إسلامي وحملاتها للتخويف من المسلمين.

ومن ذلك ما كتبه الصحفي الإيطالي جوليو ميوتي الذي عنون تقريرا له على صحيفة "ميدل إيست فوروم" بعبارة: "هل تصبح إنجلترا دولة إسلامية بأسلحة نووية"؟ واعتبر أن تعيين حامد باتيل رئيسًا لهيئة معايير التعليم (أوفستد) كأول قائد ديني في التاريخ لهذه الهيئة يُثير مخاوف من "الأسلمة" ومستقبل التعليم البريطاني، متسائلا، "لماذا لا يكون ذلك استباقا للأحداث، فعدد المسلمين الملتزمين سيفوق قريبا عدد المسيحيين في إنجلترا".

إعلان

ورأى ميوتي أن "وجود إسلامي على رأس الهيئة التعليمية الرائدة في المملكة المتحدة يأتي ثمرة لاسترضاء الإسلام السياسي والإخوان المسلمين تحديدا، فلم يعد نفوذ الإسلاميين على عتبة دارنا فحسب، بل أصبح الآن داخل منظومتنا".

ويضيف أنه كلما نظر إلى صورة باتيل ظن الأمر مزحة: "مُفت ذو لحية سلفية وزي إسلامي يُعيَّن لرئاسة أهم هيئة تعليمية في المملكة المتحدة!!.. قد تقع إذن المملكة المتحدة في أيدي الأصوليين الإسلاميين وتصبح دولة إسلامية تمتلك أسلحة نووية، هذا ليس كلامي، هذا ما تقوله سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية البريطانية السابقة".

أعداد المسلمين في بريطانيا

وفقًا لتعداد عام 2021 في المملكة المتحدة فقد ارتفع عدد المسلمين من 4.9% عام 2011، إلى 6.5% ويعتبر 84.5% منهم دون سن الخمسين، مقارنةً بـ 62% فقط من إجمالي السكان، وهو ما يعني زيادات كبرى في أعداد المسلمين في بريطانيا مستقبلا.

ويستعرض الكاتب الإيطالي ميوتي ما يصفه ببعض التحولات في المجتمع البريطاني، تعكس سيره نحو "الأسلمة"، حيث يشير إلى تزايد المحاكم الشرعية وأن لندن أصبحت عاصمة العالم للاستثمار الإسلامي، وأن الصلاة صارت تقام داخل منطقة وستمنستر السياحية، وأن كنائس اليوم ستكون مساجد الغد، معتبرا أن المسيحيين -ولو بالتسمية فقط- لن يكونوا أغلبية في غضون عشر سنوات، حيث سيتضاعف عدد المسلمين.

 

صعود الإسلام وتراجع المسيحية

يعكس الجدل الحالي في تنامي تدريس الإسلام في بريطانيا حقيقة أن الإسلام ينمو في البلاد في اطراد، ففي تقرير لرئيسة مركز الإعلام الديني في لندن روث بيكوك نشر في سبتمبر/أيلول 2022 أوردت الأكاديمية بيكوك، أن بريطانيا تشهد تراجعًا مستمرًا للمسيحية، وصعود اللادينيين، وتنامي الإسلام.

وأشار التقرير إلى انخفاض عدد من يُعرّفون أنفسهم أنهم مسيحيون في إنجلترا من 72% عام 2001 إلى أقل من 50% عام 2021، موازاة مع ارتفاع مطرد خلال نفس الفترة في عدد من يُعرّفون أنفسهم بأنهم "لا دين لهم" من 15% إلى 33% وارتفاع نسبة من يُعرّفون أنفسهم بأنهم مسلمون من 3% عام إلى 8%.

إعلان

واعتبر التقرير، أن دراسة الاتجاهات في الحياة الدينية للناس في بريطانيا تؤكد أن مكانة المسلمين تزداد موازاة مع تراجع المسيحية، مشيرا إلى أن بعض المواقف المتعلقة بالطلاق والزواج ومساواة المرأة وحقوق مجتمع الميم نفرت من المسيحية فلم تعد الأجيال الجديدة ترغب في الارتباط بها.

كما فشلت المسيحية في تقديم إجابات موثوقة في مسائل العقيدة والإيمان، وتضاءل الالتزام الديني لدى المسيحيين، وصاروا مجرد ليبراليين لا يختلفون في أخلاقهم عن عامة الناس.

ويورد التقرير، أن الفشل الخطير في القيم، هو ما أدى إلى استمرار تراجع المسيحية، فقد فشلت الكنائس فشلاً ذريعاً كسلطاتٍ أخلاقية، ودقت فضائح الاعتداءات الجنسية المسمار الأخير في نعشها.

واعتبر التقرير، أن الإسلام فرض مكانته الآن في بريطانيا رغم أنه لم يكن له وجود يذكر حتى سبعينيات القرن الماضي، لكنه انتشر ابتداء من المساجد والمدارس ومحلات البيع الحلال، مرورا بإنشاء منظمات مجتمع مدني وجمعيات خيرية، ووصولا إلى ظهور برلمانيين مسلمين وكوادر يساهمون في تسيير التعليم العالي، وهو ما أوجد ما يمكن تسميته بالإسلام البريطاني الذي يلبي جميع المتطلبات المتعلقة بالمجتمع والمؤسسات والروحانية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی المملکة المتحدة فی بریطانیا فی إنجلترا الإسلام فی التعلیم فی فی المدارس المدارس فی فی البلاد باتیل ی

إقرأ أيضاً:

الحكومة الإسبانية اليسارية في عين العاصفة

يجد الائتلاف الحكوميّ اليساري في إسبانيا صعوبة كبيرة في الاستمرار في الحكم، في ظلّ معارضة قويّة يقودها اليمين بشقَّيه: يمين الوسط المتمثل في الحزب الشعبي، بقيادة ألبرتو نونييس فيخو، وحزب اليمين المتطرف بقيادة سانتياغو أباسكال.

تركّز المعارضة في هجومها على الحكومة، على تعثّر تمرير عملية المصادقة على قانون الميزانية العامة للدولة، حيث كان بيدرو سانشيز قد وعدهم بتقديم هذا القانون في الأشهر الأولى من سنة 2025.

وهو وعدٌ تأكد العجز عن تطبيقه، بعد الانتهاء من أشغال مجلس الوزراء المنعقد يوم الثلاثاء 22 أبريل/ نيسان 2025.

عمّق من أزمة الحكومة الحالية ومعها الاتحاد الأوروبي، ارتباكها في التعاطي مع بات يعرف بأزمة الرسوم الجمركية المفروضة من طرف الولايات المتحدة الأميركية من خلال رئيسها دونالد ترامب، والكلفة الاجتماعية والسياسية لمحاولة الأوروبيين بناء منظومة عسكرية قوية في استقلال عن الولايات المتحدة الأميركية، في سياق تشكيل ناتو أوروبي، بعيدًا عن الابتزاز الأميركي الذي يعمل على وضع حدّ للحرب الروسية الأوكرانية، في تناقض مع المصالح الإستراتيجية الأوروبية.

سانشيز مهدّد بسيناريو راخوي

انعقد مجلس الوزراء الإسباني يوم الثلاثاء 22 أبريل/ نيسان 2025، في سياق حضرت فيه ثلاثة متغيرات أساسية:

إعلان أولها، أزمة الرسوم الجمركية المفروضة من طرف الولايات المتحدة الأميركية، بعد صعود ترامب للحكم عن الحزب الجمهوري للمرّة الثانية. ثم رفع نسبة الإنفاق الحكومي على الصناعات العسكرية وانعكاساتها على التزامات وتبعات الدولة اجتماعيًا على مستوى دول الاتحاد الأوروبي الغارقة أصلًا في المديونية العامة، والتضخم، وتراجع مؤشرات النمو. أخيرًا، وجود رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في وضع صعب، بفعل عدم التمكن من تقديم قانون الميزانية العامة للكورتيس من أجل المصادقة عليه. وهو ما يهدد بانهيار حكومته التي تقود الجهاز التنفيذي في إسبانيا، منذ الثاني من يونيو/ حزيران 2018، بعد إسقاط الحكومة اليمينية بزعامة ماريانو راخوي من خلال ملتمس رقابة، وهي نفس الآلية الدستورية والقانونية التي تُهدّد بها معارضة اليوم، وحكومة الأمس اليمينية.

إنه نفس السيناريو الذي أشارت إليه بشكل واضح السيناتورة عن الحزب الشعبي المعارض ماريا سالوم، نائبة المتحدث الرسمي باسم الكتلة البرلمانية للحزب الشعبي بمجلس الشيوخ، منبّهة إلى أن سانشيز كان يقول لماريانو راخوي قبيل توليه رئاسة الحكومة سنة 2018، إن اعتماد الميزانية هو الضمانة الأساسية للاستمرار في الحكم، كما أن تمديد العمل بقانون الميزانية السابق، هو تأجيل لمعالجة مشاكل المواطنين، وتعميقها.

وتضيف نفس المتحدّثة، بأن بيدرو سانشيز يسعى إلى تأزيم الوضع، دون جرأة على الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، في ظل عدم وجود أغلبية برلمانية ضرورية لدعم الحكومة، حسب ما أوردته وكالة "أوروبا برس" في 22 أبريل/ نيسان 2025.

والحق أن عدم وجود قانون ميزانية عامة في السابق، كان هو محور الانتقاد الرئيسي الذي وظّفه بيدرو سانشيز ضد حكومة ماريانو راخوي. إذ إن الحزب الشعبي قام بتمديد العمل بميزانية 2016 لأكثر من ستة أشهر، وذلك حتى منتصف 2017.

إعلان

بعدها تم تمديد الميزانية نفسها مرة أخرى حتى يوليو/ تموز 2018. وقتها، كان بيدرو سانشيز يشغل منصب زعيم المعارضة، وكان يؤكد أنه لا يمكن الحكم بدون قانون ميزانية مصادق عليه من طرف ممثلي المواطنين الإسبان داخل المؤسسة التشريعية، مشبهًا الحكومة اليمينية وقتها- وفي غياب قانون ميزانية مصادق عليه- بالسيارة التي تحاول السير بدون وقود.

هل أخطأ سانشيز في اختيار حلفائه؟

يشار إلى أن حكومة بيدرو سانشيز ما زالت في السلطة بناء على قانون الميزانية العامة الذي تمّت المصادقة عليه في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2022.

وهي ميزانية كانت مُعدّة خصيصَى لعام 2023 فقط، إلا أنها ما زالت سارية المفعول إلى حدود كتابة هذه السطور، دون وجود مؤشرات ملموسة على إمكانية تغيير الوضع، في سياق دولي وإقليمي بالغ التعقيد يلقي بظلاله على السياق الداخلي.

من أجل تمرير قانون الميزانية العامة، راهن سانشيز على حلفاء الأمس، وهم من الانفصاليين الكتالونيين، خصوصًا حزب "جميعًا من أجل كتالونيا" بزعامة كارلس بوجديمون الذي ما زال يوجد حتى الساعة في بلجيكا، بعد عرقلة عملية دخوله إلى إسبانيا من طرف قضاء محافظ أساء تأويل ما يسمى بقانون العفو الشامل الذي كان قد صادق عليه البرلمان الإسباني في السابق لطي ملف الانفصال في كتالونيا.

وهو أحد العوامل الأساسية التي أضعفت حماسة هؤلاء لدعم الحكومة اليسارية بالبرلمان، بل وربما يؤدي لإسقاطها أو الدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، كما يرى جزء من مراقبي المشهد الحزبي والسياسي في إسبانيا.

سانشيز أدرك أنّ حلفاء الأمس لا يشاركونه نفس التطلعات، رغم الجهد الكبير الذي بذله لتجاوز أزمة الانفصال في البلد، بل ربما شعر الرجل بأنه يخضع للابتزاز في لحظة دقيقة من تاريخ إسبانيا التوّاقة للعب أدوار هامة سواء على المستوى الأوروبي، أو الدولي.

لذلك، لجأت الحكومة إلى تجاهل المشكلة، وعدم تقديم مشروع ميزانية جديد، تجنبًا لهزيمة محتملة في البرلمان، قد تُظهر بوضوح هشاشة وضع الأغلبية في الكورتيس.

إعلان

من جانب آخر، دستوريًا، حكومة بيدرو سانشيز انزاحت عن روح دستور التحول الديمقراطي الإسباني لسنة 1978، منذ أن تم تمديد العمل بالميزانية السابقة اعتبارًا من 1 يناير/ كانون الثاني 2024، دون تقديم مشروع ميزانية جديد. حيث ينص هذا الأخير في المادة 134 بوضوح، على أنه يجب على الحكومة أن تقدم إلى الكورتيس مشروع الميزانية العامة للدولة قبل ثلاثة أشهر على الأقل من انتهاء صلاحية العمل بالميزانية العامة للسنة السابقة.

في المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماع مجلس الوزراء يوم الثلاثاء 22 أبريل/ نيسان 2025، وُجِّه سؤال مباشر إلى رئيس الحكومة بيدرو سانشيز من قِبل صحفي عن "يومية الإسبانيول" الإسبانية بشأن انتهاك حكومته الدستورَ، وذلك لعدم تقديم مشروع الميزانية في الوقت المحدد له في الدستور الإسباني. حيث قال هذا الأخير:

"لقد تم خرق الدستور بعدم تقديم قانون الميزانية العامة في الوقت المحدد، وقد التزمتم بتقديمه في الربع الأول من عام 2025، وهو ما انتهى بالفعل. هل يمكنكم الالتزام بأنكم ستحترمون الدستور وتقدمون مشروع قانون الميزانية العامة قبل نهاية السنة بالنسبة لسنة 2026؟".

أمام هذا السؤال المباشر، بدا سانشيز مترددًا في جوابه، وحاول تفادي تقديم إجابة واضحة. بل إن تدخله ركّز على التشكيك في صيغة السؤال الدقيقة، بدلًا من الجواب، حيث قال:

"حسنًا.. في الواقع.. عملية تأويل الدستور وتطبيقه.. في النهاية.. قد تشوبها بعض التفصيلات". مسترسلًا بأنه يشتغل بشكل غير معلن مع باقي الكتل البرلمانية من أجل التوافق على مشروع قانون ميزانية عامة للدولة.

وهي رسالة إلى اليسار الإسباني برمته، فيها الكثير من الخوف على مستقبل اليسار في إسبانيا، في ظل توتّر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية؛ بسبب حرب أوكرانيا من جهة، وأزمة الرسوم الجمركية وانعكاساتها الموجعة على القدرة الشرائية لسكان الاتحاد بفعل ارتفاع معدلات التضخم، من جهة ثانية.

هذا إلى جانب سعي دول المجموعة الأوروبية لبناء منظومة دفاعية موحدة أو ناتو أوروبي؛ هروبًا من ضغوط ترامب الذي أصبح مصدر إزعاج حقيقي للكثير من القادة الأوروبيين.

ومن أجل طمأنة حلفائه في الائتلاف الحكومي، أي حزب سومار المحسوب على أقصى اليسار بزعامة يولاندا دياز، يؤكد سانشيز أنه بالرغم من رفع الاستثمار في الصناعة العسكرية إلى 2% من الناتج الداخلي الخام، فإن هذا الاستثمار سيعمل على خلق 100 ألف وظيفة، وسيساهم في الناتج الداخلي الخام بـ 0.4 و0.7 نقطة. لكن حزب سومار يرفض رفضًا قاطعًا هذا التوجه.

إعلان

فهل يمكن اعتبار بيدرو سانشيز، مقبلًا على مرحلة جديدة تضع حكومته على المحك، بل قد يفقد فيها حتى مقرّبيه في الائتلاف الحكومي؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • خبير تربوي: تعديلات التعليم تواكب العصر وتفتح آفاق التطوير
  • الحكومة الإسبانية اليسارية في عين العاصفة
  • وكيل تعليم الإسكندرية يبحث وضع آليات لتوظيف خريجي التعليم الفني
  • وكيل تعليم الفيوم يشهد حفل ختام الأنشطة بأبشواي ويشيد بالعروض المتميزة وإبداع الطلاب
  • الاقتصاد العراقي يواجه العاصفة.. وصندوق النقد يقرع الجرس الأخير
  • التربية تبحث مع وفد سويسري التعاون لإعادة تأهيل المدارس وتطوير التعليم المهني
  • مؤسسة التعليم فوق الجميع تغير حياة آلاف اللاجئين بكينيا
  • انطلاق امتحانات شهادة إتمام «مرحلة التعليم الأساسي» في مختلف المدارس
  • تحرك عاجل من التعليم لرفع الكفاءة المهنية للعاملين في المدارس الرسمية
  • وكيل تعليم الأسكندرية اعتماد 6 مدارس للغات متميزة خلال العام الدراسي المقبل