امتحانات الإنقسام مبروك للناجحين ولكن
تاريخ النشر: 4th, May 2025 GMT
امتحانات الإنقسام مبروك للناجحين ولكن
خالد فضل
تبرز قصة الطالبة شمس الحافظ من الجنينة بغرب دارفور، كواحدة من القصص الملهمة بالفعل، فهي قد أصرّت على تأكيد أنّ المجد للعلم والعقول النيّرة رغم أنف البنادق العقيمة التي تسعى لوأد الحياة، تفوقت الطالبة باحرازها لمرتبة متقدمة في الامتحانات الجزئية لطلاب الشهادة الثانوية في السودان،ـ بعد أن قطعت مسافة أكثر من 2600كلم من مخيم أبشي للاجئين في تشاد لتصل إلى ولاية نهر النيل .
في الواقع ثمّة نماذج مبهرة للصمود والتحدي والإصرار على التقدم في مجال التعليم افرزتها يوميات هذه الحرب . آلاف الأبناء والبنات الذين أدوا الامتحانات في مواقع النزوح واللجوء وأحرز بعضهم/ن نتائج عالية، مئات الذين جازفوا بحياتهم للوصول إلى أقرب مركز امتحان، هناك طالب من غرب كردفان تداولت الوسائط الإعلامية نبأ اعتقاله في دنقلا وهو في طريقه للجلوس للامتحانات واتهم بالتعاون مع الدعم السريع . هناك عشرات منهم تم منعه وصدّه من العبور بوساطة عناصر من الدعم السريع . وهكذا تتناثر القصص الموحية، وهي في مجملها تؤكد على رفض الحرب ومقاومتها بالطرق السلمية والتمسك بقيمة التعليم كمفتاح لمستقبل آمن ومسالم ومزدهر لبلادنا، وهي القيمة التي يفتقر إليها من يتولون قيادة الحريق بعد أن اشعلوا النار في كل أرجاء الوطن وما يزالون في اصرار عنيد يواصلون كأنما دأبهم الإجهاز على بقية بصيص الأمل في النجاة .
تابعت عن قرب تلك الجهود العظيمة التي بذلها نفر من المعلمين/ات في بعض قرى محلية الكاملين بولاية الجزيرة، وقد تطوعوا لتسيير عام دراسي كامل لمراحل التعليم العام الإبتدائي والمتوسط والثانوي، رغم سيطرة قوات الدعم السريع على مناطقهم . اكملوا العام حتى مرحلة عقد الأمتحانات النهائية، وسلموا نتائج جهدهم لمسؤولي التعليم في المحلية والولاية عقب إعادة سيطرة الجيش ومليشياته عليها، ولا أدري هل تمّ إعتماد ذلك الجهد المرموق أم نظر إليه من تثب فوهة البندقية الضيق !! المهم أنّ الطلبة والطالبات وأسرهم في المجتمعات المحلية يقدرون لتلك الثلة من المدرسين/ات ذلك الصمود والإصرار والجهد الموفق، وهذا هو التقدير الأسمى .
عودا على بدء، وكما أشار كثيرون إلى أنّ إجراء الأمتحانات في بعض الولايات دون بقيتها مما يعزز من روح الأستقطابات الحادة، ويوفر بيئة خصبة للإنقسامات بين جهات السودان، جاءت النتائج نفسها تشير إلى شبهات تلاعب . هناك بعض الطلاب من دفعات متقدمة مثل دفعة (2025م) أدوا الامتحاات وظهرت نتائجهم مما يثير الشكوك حول مصداقية حصر أداء الإمتحانات على طلبة الدفعة المؤجلة(2023م)، علما بأنّ بعض الطلبة قد رفضت طلبات إلحاقهم بها وهم من دفعة (2024م) وأكملوا العام الدراسي في بعض دول اللجوء، يبدو أنّ للمحسوبية دور في ذلك، بقراءة ذلك مع ما صرّح به مؤخرا قائد الجيش، ونائبه في المجلس العسكري الإنقلابي، من تفشي الفساد والمحسوبية في دهاليز سلطتهم في بورتسودان . وسيادة العنصرية والجهوية في مؤسسات الدولة كما قال مالك عقار في ندوة ببورتسودان قبل بضعة شهور .
وبهيمنة عناصر العهد المباد على مقاليد تسيير الحكم والإدارة منذ إنقلاب 25أكتوبر2021م، وهيمنتهم المطلقة والعلنية منذ إندلاع الحرب، ومع تأكيدات قائد الجيش على سطوة البنادق وقمع الوسائل السلمية تبدو فرصة عقد الأمتحانات وإعلان نتائجها وما صحبها من لغط كثير وشواهد تضج بها مواقع التواصل الإجتماعي بما في ذلك المطالبة بإعادة إعلان النتيجة كدليل آخر على الهوة السحيقة التي تقود بها البنادق البلاد، مما يستحق الوقوف ضدها وليس تاييدها وتفويضها، إنّ الذين يدعون إلى هيمنة البنادق، إنما يقوضون بالفعل أي مستقبل مرجو لبلادهم . فها هي نتائج الامتحانات الجزئية تعلن بوضوح عن العقلية المستبدة , والفساد المستشري في أهم عصب للحياة وشرايينها قطاع التعليم . الذي استغل كرافعة لبداية التقسيم الفعلي للسودان مع الأسف، في وقت ينشد فيه من أؤتي رشدا ووعيا، وقف الحرب واللجوء للتفاوض كوسيلة وحيدة مأمونة لمعالجة الكوارث التي خلفها نزاع البنادق وتناحرها . ويبقى العشم في جيل الوعي، المتمسك بثورته وأهدافها النبيلة وقيمها الرفيعة (حرية سلام وعدالة ) ودولة مدنية مكتملة الأركان . هذا هو توق الناس الاسوياء رغم غشاوة التضليل الكثيف الذي غطى عقول كثيرين وما يزال . التحية لابنائنا وبناتنا الذين/اللاتي قاوموا كل الظروف وأدوا امتحاناتهم، هم ليسوا مذنبين إنما المجرم من يستغل التعليم للتقسيم وتفتيت البلاد . ومن يستغل الفوضى لممارسة الفساد والإفساد . الوسومالإنقلاب الامتحانات الجزيرة الجنينة الطالبة شمس الحافظ عبدالله المعلمين امتحانات الشهادة شلهات تلاعب
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الإنقلاب الامتحانات الجزيرة الجنينة الطالبة شمس الحافظ عبدالله المعلمين امتحانات الشهادة
إقرأ أيضاً:
عند لحظات الفراق..لا نقول وداعًا ولكن!
اعتدنا عند لحظات الفراق أن نقول لمن نحب: "إلى اللقاء"، حتى وإن لم يكن هناك ثَمّة أمل في لقاء قريب، نقولها ليطمئن قلب الآخر بأن في عقولنا وقلوبنا وأمنياتنا نتركها على طاولة القدر، أملٌ ربما يأتي من الغيب ولو بعد حين من الزمن، قد يأتي ولو لمرة واحدة ليخالف أقدارنا المعهودة، وهو أن "بعض الفراق" لا يكون بعده لقاء!.
من المؤسف جدًا أن بعض الأمنيات لا تتحقق، ويصبح "الوداع" هو آخر لحظة نلملم فيها بقايا الواقع لنجعله في حقيبة الذكريات، والعجيب في أمر البشر أن البعض يبحث عن الفرص الجديدة فلا يجدها متاحة له، كل شيء ذهب في طريقه، وكأن الطيور طارت بأرزاقها... لذا لا تتعجب إذا بحث البعض عن أصوات مسافرة نحو البعيد وأصبح يفتقد نبرتها بعمق الحب الذي يحمله في جوفه، هناك في الفضاء وجوهٌ مسافرة اختفت ملامحها، أما هيئتها فقد ذهبت هي الأخرى نحو أفق لا يعود إلى الوراء ولا يهبط على أرض الواقع!.
الواضح لدينا أن مجرد نفورنا من أجواء المكان يجعلنا لا نعود إليه ثانية كما كنا أول مرة، وكأن ما حدث بالأمس ما هو إلا محطة النهاية التي انقضت سريعًا وأصبحت شيئًا من الماضي الذي يلفّه وجه الغياب الحزين.
دائمًا وأبدًا تعدّ لحظات الوداع من أصعب اللحظات التي تمرّ على الإنسان على وجه الأرض، تذكّر دائمًا أن الوداع ما هو إلا تنازل منك أمام سطوة القدر، فعندما تفارق زملاءك في العمل في آخر يوم لك بينهم، ستجيش في نفسك الكثير من الأحزان، وتفيض من عينيك وإن لم تفضحك الدموع، ولكن ثَمّة شيء غير عادي يتجلّى في داخلك، حتى وإن هبطت إلى الأرض أحزانك وعبراتك إلا أن قلبك لن يطاوعك أن تغلق الباب خلفك راحلًا عن مكان عشتَ فيه طويلًا.
الفراق علّمنا الكثير من الدروس الصعبة التي لا تُنسى، علّمنا أن الوجع قد يكون أكثر لمن سيكون مكانه خاليًا في المكان، علّمنا أن الشمس ستشرق كعادتها بدون الوجوه الراحلة بالأمس.
عند الوداع ستأخذك "العَبْرة" نحو من تُودّعهم بنظرات اليأس والأمل، تُسلّم عليهم وفي رأسك سؤالٌ حائر: هل سنراهم ثانية؟
في أرض المطار، يتجلّى موقف آخر، وأنت تودّع صديقًا أو عزيزًا عليك ذاهبًا نحو أرض جديدة أو عالم آخر، قد تبكي وأنت الأقوى لأنك ربما لن تراه مرة أخرى.
بعض الذين عاشوا معنا يغادرون لسنوات طويلة، يحزمون حقائب سفرهم عائدين إلى أوطانهم وذويهم، ودّعناهم بألم، ومع الزمن ظلّت ذكراهم في القلب حاضرة، لكن الذاكرة سرعان ما أخفت هذا الاشتياق في تربة النسيان.
إن أكبر الخسائر التي نخسرها في حياتنا تأتي عندما تجمعنا الصدف مع أشخاص رائعين في "مناسبة معينة"، أشخاص يأتون من أماكن متفرقة، يقضون معنا فترة زمنية محددة، واليوم الأخير لنا في هذا المكان ينتهي بمجرد انتهاء تلك الفعالية، ثم يعود كل منا إلى مكانه القديم، وربما هذا الفراق سيدوم طويلًا جدًا وقد لا يتكرر مع الزمن.
كثير من أصحابنا الذين درسنا معهم أو عشنا إلى جوارهم، فرّقتنا ظروف الحياة ولم نعد نلتقي بهم أبدًا، قد تكون ذكراهم الشيء الوحيد الذي تبقى لنا، أما أصواتهم القديمة أو ملامحهم فهي حتمًا قد تغيّرت مع الزمن، وقد لا نعرفهم إن التقينا بهم ذات يوم.
إذن عند الوداع تسقط وعود اللقاء مجددًا، قد يكون هناك لُقْيا لبعض الناس، لكن ليس في كل مرة تصدق اللقيا بمن نعرفهم أو التقينا بهم لفترة زمنية معيّنة، فربما لن يُسمح لنا أن نراهم مرة أخرى في حياتنا.
ذات مرة كنتُ في مهمة عمل خارجية لفترة زمنية ليست قصيرة، كان المشاركون في تلك الفعالية قد قدموا من دول مختلفة، كنا نرى بعضنا لفترات طويلة من اليوم، حياتنا كانت أشبه بعائلة واحدة، التقينا في مكان واحد ولهدف واحد، مرّت الأيام سريعًا دون أن نعرف أن لحظات الوداع للعودة إلى أوطاننا هي لحظة موت حاسمة، وبداية لافتقاد مشاعر إنسانية عظيمة، تفرّقنا ولم نلتقِ ثانية، لكن الذكريات القديمة تخبرنا أن أصعب الأشياء تأتي عندما نودّع بعضنا البعض، وأمل اللقيا قد يكون معدومًا أو مستحيلًا.